ما وراء تفجيرات بنغازي

خطط جديدة للمتطرفين في ليبيا

ما وراء تفجيرات بنغازي
TT

ما وراء تفجيرات بنغازي

ما وراء تفجيرات بنغازي

هزَّ انفجاران بسيارتين ملغومتين، بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، الثلاثاء الماضي، ما أدى لسقوط 35 قتيلاً. وخيَّم القلق على البلاد، ودول مجاورة. ويأتي هذا بالتزامن مع تحذير دولي من مغبة أن تتحول الدولة الغنية بالنفط، والواقعة على الشاطئ الجنوبي لأوروبا، لمركز للمتطرفين الفارين من سوريا والعراق.
ويجري محققون فحص تهديدات سابقة ضد الجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر، وبعضها صدر أساساً من قيادات جرى طردها من بنغازي لأسباب جهوية وعرقية ومذهبية، وتورطت مع جماعات إرهابية في غرب البلاد وجنوبها.
وكانت تنظيمات متطرفة، على رأسها «أنصار الشريعة» و«شورى المجاهدين»، قد هيمنت على السلطة في المدينة، حتى مطلع 2014، إلا أن المشير حفتر تمكن من جمع ألوف من رجال الجيش والمتطوعين، وطرد هذه الجماعات، مثلما سبق لقوات تابعة للمجلس الرئاسي، طرد «داعش» من سرت. ويعتقد أن خليط المتطرفين هذا، فرَّ أغلبه للصحراء، وأسس قواعد لتنفيذ عمليات خاطفة في ليبيا ودول مجاورة.
وبدأ حفتر، منذ شهرين، التأسيس لمرحلة ما بعد الحرب، والعمل على توحيد المؤسسة العسكرية، بمساعدة مصر، مع وضع هيكل أمني للمكافحة الشاملة للإرهاب، وسط زخم يدور عن رغبته في خوض انتخابات الرئاسة لاحقاً. وقُتل في التفجيرين اثنان من أهم المسؤولين في إدارة التجسس التابعة للمخابرات، ووحدة التحري والقبض بالقوات المسلحة.
ويعد التفجير الذي وقع عقب خروج مصلين، مساء، من مسجد «بيعة الرضوان» في ضاحية السلماني، بوسط المدينة، الأكبر الذي يسقط فيه كل هذا العدد من الضحايا، مرة واحدة، منذ الإطاحة بالقذافي. ويتشابه الحادث مع ما نفذه متطرفون بمنطقة الشرق الأوسط ضد مصلين في المساجد، كان من بينها، مسجد «الروضة» في سيناء بمصر قبل شهرين.
وأدانت جهات دولية وإقليمية ومحلية تفجير السلماني، لكنها شددت على رفضها لأي عمليات انتقام خارج القانون، وذلك بعد قيام ضباط بالجيش، عقب الحادث المروِّع، بتصفية نحو عشرة ممن يتهمهم بأنهم إرهابيون، بإطلاقه الرصاص على رؤوسهم.
من رائحة الأرض السبخة في منطقة السلماني بمدينة بنغازي، ثاني كبرى مدن ليبيا، يمكن أن تشم تداخل الصراع الجهوي بالمذهبي. وتقع السلماني جنوب «المدينة القديمة» ببنغازي، وكانت حتى مطلع القرن الماضي مجرد مساحات خالية تغمرها مياه ملحية، وتخضع لنفوذ قبائل عدة. بينما كان المستعمرون الإيطاليون يعيشون في مبان رومانية الطراز على شاطئ البحر. أما تلك القبائل فظلت لوقت طويل تفضل الحياة على أطراف المدينة.
وحين بدأت الهجرة من غرب ليبيا، خصوصاً من مصراتة وطرابلس، إلى بنغازي، ردم معظم الوافدين الجدد الأراضي الهشة، وتُركوا للإقامة فيها. لم تكن ليبيا قد عرفت النفط بعد. كانت فقيرة، وتقاس فيها الثروة بما تملكه كل عائلة من قطعان الأغنام والإبل والخيول.
لهذا ظل سكان السلماني فقراء، إلى أن غيَّر النفط الأحوال بالتدريج منذ الخمسينات. وظهرت في الضاحية رؤوس المباني الحديثة والمتاجر. وطوال مدة حكم القذافي، لم يكن أحد يمكنه أن يعترض على الواقع الجديد. ويقول أحد شيوخ القبائل، وهو يتطلع لجدران غرفة الضيافة في بيته، والمعلق عليها صورة للملك السنوسي: «كثير من العائلات القديمة هنا لديها شعور بأن الأغراب هم من تسببوا في تدمير بنغازي، بتحالفهم مع المتطرفين منذ عام 2011».
- ماذا يجري؟
حين يدور النقاش بشأن ما يجري في هذه المدينة من اقتتال بين الجيش والمتطرفين، تجد من يطلب الكشف عن الأسماء الأولى التي أسست «المجلس الانتقالي». وهو المجلس الذي جرى تكوينه كسلطة موازية تقوم بقيادة الحرب على القذافي بمساعدة من حلف شمال الأطلسي (ناتو). لقد اندلعت شرارة الانتفاضة من بنغازي، لكن شيخ هذه القبيلة يزعم أن المخططين لم يكونوا من أبناء المدينة الأصليين.
وفي كثير من المدن تسعى عائلات كبيرة لاستعادة أملاكها التي تعرضت للمصادرة في عهد القذافي. بينما تذهب عائلات أخرى إلى التنقيب في التاريخ القديم عمن يستحق البقاء هنا أو لا، وعمن وقف مع «الناتو»، أو مع المتطرفين. إنها قضايا مثيرة للقلق على مستقبل الدولة.
لقد جرى طرد العميد مصطفى الشركسي، الذي كان آمراً عسكرياً لبنغازي، رغم أنه من أبناء المدينة، مع العلم أن أصوله تعود إلى مصراتة، مثل قادة ميليشيات آخرين ودعاة وسياسيين، لا يعرفون إلا بنغازي كمدينة لهم منذ استقر فيها أسلافهم قبل عقود طويلة. لكن الانتفاضة التي انطلقت في مثل هذا الوقت تقريباً من عام 2011 أوجدت ذرائع لأي اقتتال.
ويقول الجيش إن الشركسي مطلوب لارتكابه جرائم، ولا علاقة للأمر بأصوله. لكن العميد المدرج اسمه في قوائم للإرهاب، يرد مدافعاً بأن سبب المشكلة يعود لخلفيات عرقية. وحين خرج من بنغازي قبل عامين، أخذ معه عدة عشرات من الضباط والجنود والمتطرفين المهزومين أيضاً. وفي مقابلة سابقة معه أشار إلى أن من تم تهجيرهم من بنغازي بلغ الآلاف، ويقيم معظمهم في مصراتة.
لقد لجأ معظم هؤلاء القادة إلى غرب البلاد، واستعانوا بمنصات إعلامية - جرى تصنيفها أخيراً ككيانات إرهابية أيضاً - لكي يهددوا بنغازي، كما يقول الدكتور محمود الغنودي، الباحث الليبي في الشؤون الأمنية... «كانوا في قنواتهم الإعلامية الموجودة في طرابلس، مثل (التناصح) و(النبأ)، قد هددوا مبكراً بأنه في حال تمكن الجيش من طردهم من بنغازي، فإنهم سيعودون. نعم... أقسموا اليمين بأنهم سيعودون بالمفخخات والمتفجرات».
- «مجلس الشورى العسكري»
في العام الماضي - يقول تقرير عسكري - دخل الشركسي في تعاون مع جماعات وصمت بالتطرف، في حروب فاشلة ضد الجيش انطلاقاً من الغرب، بقيادته لما يعرف بـ«سرايا الدفاع عن بنغازي»، التي جرى تصنيفها هي الأخرى ضمن قائمة الكيانات الإرهابية.
ويضيف: حين أصابه اليأس أصبح أنصاره يتعاونون مع منظمة خطرة تضم قادة للمتطرفين، جرى تأسيسها منذ نحو شهرين، وتلقى دعماً من جهات إقليمية، وتسمى «مجلس الشورى العسكري»، برئاسة عميد في المخابرات العسكرية بمصراتة. ونفت هذه الأطراف ضلوع عناصرها في تفجيرات السلماني.
ومن جانبه، كان الجيش أعلن عدة مرات أن المدد من أسلحة ومتفجرات، يأتي للمتطرفين في شرق البلاد، من مصراتة وطرابلس. بيد أنه، وأياً ما كان الحال، توجد ملاحظات قوية لدى أجهزة التحري الأمنية، حول الاختلاط والتعاون بين «الجهوي والمذهبي»، بهدف معاداة الاستقرار ورفض عودة الدولة الموحدة، وهو أمر يستغله متطرفون محليون و«دواعش» قادمون من العراق وسوريا.
ويقول مسؤول في الاستخبارات العسكرية، دون ذكر اسمه، لأنه غير مخوّل له الحديث للإعلام: «هذا تعاون مقلق... هو لا يقتصر على بنغازي، بل وصل إلى مناطق يفترض أنها تخضع للمجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج. إنهم يثيرون نعرات قبلية وبحثاً عن أصول ملكيات الأراضي، ومن استفاد من نظام القذافي، ومن كان داعماً لحلف الناتو، ومن جاء هنا قبل الآخرين. هذا يحدث بين العرب والعرب، وبين الأمازيغ والعرب».
- الصحراء الليبية
يبدو أن الصحراء الليبية، بظهيرها الأفريقي، أصبحت عاملاً مساعداً، هي الأخرى، بتحولها إلى مخزون لمقاتلين يعملون على ترسيخ أقدامهم في هذا البلد. إنه موسم اللعب على خلافات قبلية وجهوية بعضها قديم، وبعضها يعود لما بعد 2011. ويضيف المسؤول نفسه: «عناصر (داعش) تقدم خدمات القتل والتخريب، لهذا الطرف أو ذاك، مقابل عدم اعتراض سبيلهم. كما أن بعضاً من مثل هذه الصفقات يتم فيها إخلاء سبيل محتجزين من (الدواعش) في سجون طرابلس ومصراتة وبنغازي».
ومن يذهب للصحراء، فهي شاسعة... ويظهر أنها أكبر من قدرة أي من الحكومات المتصارعة على السلطة، وفقاً للباحث في مركز «أميركا الجديدة» في واشنطن، باراك بارفي، المعني بقضايا منطقة الشرق الأوسط.
وتضمّنت أحدث دراسة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بشأن ليبيا، قلقاً من تزايد تجنيد المتطرفين في القارة الأفريقية، قائلة إن «ليبيا تقدم مركزاً جهادياً مستقبلاً محتملاً في ظل انهيار مراكز الدولة الإسلامية في العراق وسوريا». وتذكر الدراسة تعاون متطرفين من جنسيات مختلفة، بينهم تونسيون ومصريون. وتقول إن هناك عناصر متطرفة في ليبيا من 43 بلداً، منهم 1500 من تونس، و300 من المغرب، و130 من الجزائر، و112 من مصر.
لكن بارفي يقول إن عدد «الدواعش» في ليبيا كان، قبل سنتين، نحو خمسة آلاف يتمركزون في سرت، وبعد ذلك تم دفعهم إلى الصحراء، وهم كثيرون جداً، حيث لا توجد حكومة، ولا قوة، يمكن أن تستمر في مقاتلتهم في هذه المساحات الخالية المجاورة لصحارى مصر وبلدان أخرى. ومثلما وقع تفجير بنغازي، تحدُث تفجيرات بين وقت وآخر في مدن عدة. ويبدو أن المتطرفين يأتون من الصحراء لتنفيذ عملية سريعة ومُحكمة، ثم العودة للفراغ الخارج عن سيطرة الدولة.
ويوضح بارفي، الذي زار أخيراً تركيا وسوريا، قائلاً إن تفجير بنغازي «لا يدل على وجود (داعش) في المدن، وبالتالي لا يمكنه أن يؤسس ولاية، كما يريد... أعتقد أنه أصبح يلجأ لنفس طريقة تنظيم القاعدة، فمركز القاعدة في أفغانستان، ومع ذلك يمكنه تنفيذ تفجير في العراق، أو سوريا، أو لبنان، أو الأردن».
ومنذ أواخر العام الماضي، أي بعد انهيار مركز «الخلافة الداعشية» المزعومة في مدينة الموصل العراقية، لوحظ أن عناصر التنظيم في ليبيا أصبحوا يقتاتون على التنافس بين الخصوم. وأبرز مثال على «العجينة الجهوية المذهبية»، تلك الحروب الصغيرة الدائرة بعيداً عن الأضواء، وبشكل مستمر حيث تتم مصادرة أملاك ومواشٍ، إضافة لقتل وتعذيب، في مناطق تقع إلى الغرب من طرابلس، حتى الحدود مع تونس.
ويقول المسؤول في المخابرات العسكرية: «هناك شخصيات في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، ومن (الجماعة الليبية المقاتلة)، تشارك في تسيير حركة المقاتلين إلى ليبيا، وتقوم في الوقت نفسه بدعم قيادات عسكرية، أحدها، مثلاً، بدرجة لواء، وآخر بدرجة رئيس مجلس عسكري، لكي تتمكن من السيطرة على منافذ الحدود الليبية مع تونس».
ويتابع موضحاً: «جرى خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، رصد لاستغلال المظاهرات في ذلك البلد الجار، لإدخال دفعات جديدة تضم عشرات من عناصر (داعش) الفارين من سوريا والعراق. ولوحظ على من وصلوا لمدينة صبراتة الإنفاق ببذخ على عمليات النقل وشراء السيارات والأسلحة. ولا توجد سلطة تنفيذية قوية لدرء المخاطر التي يرصدها جهاز الاستخبارات هنا».
ولم يتمكن الجيش نفسه من كبح جماح بعض ضباطه ممن يقومون بالانتقام ممن يصفونهم بالإرهابيين. وظهر مشهد صادم لضابط وهو يطلق النار على رؤوس نحو عشرة من هؤلاء في الموقع نفسه الذي شهد تفجير السلماني. ولم تكن هذه العملية الأولى. وطالبت جهات دولية بتقديم الفاعل للمحكمة الجنائية. وتعكس هذه الواقعة ضعف الأجهزة التنفيذية في هذه الدولة بشكل عام.
ويقول بارفي: «أعلم الآن أنه يوجد إعادة انتشار لمقاتلي (داعش) من العراق وسوريا... توقفتْ (دولة الخلافة) هناك، وبالتالي الأجانب يحاولون العودة إلى دولهم في أوروبا، ونفس الشيء مع العرب؛ أي الانتقال من سوريا والعراق إلى ليبيا ومصر وتونس»، مشيراً إلى أن «تنظيم داعش لديه أموال ضخمة جداً، ربما تصل إلى نحو مليار دولار، نتيجة التجارة في تهريب النفط وغيره».
ووسط الفوضى الليبية، ومن خلال هذا التحالف الغريب، تعرّضت معظم محاولات الخروج من النفق المظلم، لعمليات انتقامية، أكثر بشاعة من انفجار يوم الثلاثاء الماضي. فقد اجتياح تحالف من الجهويين والمتطرفين، الشهر الماضي، مناطق نفوذ قبائل عربية وأمازيغية، في غرب البلاد، ما أثار حفيظة هذه القبائل وتقديمها شكاوى للسراج. ويقول تقرير للمخابرات إن الهدف كان تأمين دخول مزيد من المتطرفين القادمين لليبيا من الخارج، حيث إن بعضهم كان يقيم في جبل الشعانبي التونسي قرب الحدود.
- وضع طرابلس
وكلما اشتعلت نار الخلاف في موقع، تجد شهية المتطرفين مفتوحة لاستغلال الموقف، كما جرى في الحرب القصيرة التي وقعت بين قوتين تابعتين للسراج، في مطار إمعيتيقة بطرابلس، منذ أسبوع. لكن عبد الفتاح بنور، الوسيط الذي تدخل لتهدئة الوضع، يقول إن ضعف الحكومة يعد سبباً رئيسياً لاندلاع مثل هذه المشاكل.
ويذهب تقرير أمني آخر إلى أن قيادات عسكرية جهوية في غرب العاصمة استعانت بقتلة محترفين من تنظيم داعش، لتصفية اثنين من قيادات قبيلة ورفلة، هما عبد الله انطاط، وخميس سباق، وذلك حين كانا يسعيان لعقد مصالحة بين قبائل عوينة ومزدة والخلايفة، قبل نهاية العام الماضي... «كان الهدف منع التقارب والتصالح بين هذه القبائل».
ومن بين هؤلاء القتلة، وفقاً للتحقيق، ليبي اسمه مدرج في قوائم الشخصيات الإرهابية، وسبق له تنفيذ عملية إطلاق نار على فندق «راديسون بلو» في باماكو عاصمة مالي. و... «ما زال كثير من المتطرفين الأجانب يتنقلون بين ليبيا ومالي، وحتى وسط أفريقيا... نعم، هؤلاء ليسوا من بلادنا». كما يشرح باجان أغ هاماتو، النائب عن مدينة مينكا في البرلمان المالي، متحدثاً عن تأثير الفراغ الأمني في ليبيا على وسط القارة.
ويخشى سكان طرابلس من تكرار انفجار بنغازي، ووصول السيارات المفخخة لمدينتهم التي كانت تسمى يوماً «عروس البحر»، كما يقول حسين آدم، العضو في حراك «صوت الشعب»، أثناء مشاركته مع ناشطين آخرين يرفعون رايات بيضاء، في وقفة ضد العنف، أمام مسجد القدس. إلا أن الليبيين، والأفارقة عموماً، يبدو أنهم قد تهيئوا لواقع مرير، بعد أن أصبح الإرهاب قادراً على اجتياز الحدود، كما يشير النائب هاماتو.
حين تطرح سؤالاً في بنغازي عن «الخلايا النائمة» بالمدينة، يجيب الدكتور محمد القشاط، رئيس جبهة النضال الوطني، في سخرية ممزوجة بالغضب: «هذه خلايا مستيقظة، لا نائمة»، قائلاً إن مثل هذا التفجير ليس الأول ولن يكون الأخير. ويشير إلى أن «الهمَّ مشترك... من يقومون بالتفجير في ليبيا، يقومون بالتفجير أيضاً في مصر، وحتى العراق، لنشر الفوضى».
ثم يعدد المرات التي تم فيها تنفيذ عمليات ضد الجيش، وضد الرافضين للمتطرفين في بلاده، قائلا إن «الدواعش أصبحوا منتشرين. يقتلون، ويفرون... وللأسف تحرضهم بعض الدول، وتمدهم بالأسلحة والذخائر، مثلما حدث مع سفينة المتفجرات التي أوقفتها السلطات اليونانية قبل وصولها للسواحل الليبية. كانت مثل هذه السفن تفرغ حمولتها في مصراتة، ومنها يتم تزويد المجموعات المتطرفة في بنغازي ودرنة. خط سير (الدواعش) معروف للدول الكبرى... سواء جاءوا لليبيا عن طريق تركيا، أو السودان، أو غيرهما».
ولا يتوقف اللغط في الأوساط الليبية بشأن تكهنات عدة ذات صلة بتفجير الثلاثاء الماضي، مثل حقيقة انتصار الجيش على المتطرفين، وعلاقة التفجير بتوقيف السلطات اليونانية للسفينة التي كانت في طريقها لمصراتة... وفي لهجة حاسمة يقول الدكتور محمد الورفلي، المسؤول السابق في مؤتمر القبائل الليبية: «البعض يلوم على الجيش، لكن هذا غير صحيح، لأن مثل هذه التفجيرات تقع في مدن كبرى فيها مخابرات قوية، مثل لندن، ومدريد، وباريس. أعتقد أن ما حدث مرتبط بمحاولة للتغطية على توقيف اليونانيين لتلك السفينة».
وفي الجانب الآخر من المدينة، يبث الدكتور علي الأسطى، من هيئة السيطرة بالقيادة العامة للجيش، الطمأنينة بين الأهالي، ويقول إن الإرهاب يقع في أي مكان وزمان، وليس له دين ولا وطن ولا موعد. ويدعو الأسطى إلى تلاحم بين الجيش والشرطة والشعب، للحفاظ على المدينة، وبالتالي الحفاظ على الدولة، قائلاً إن «بنغازي محررة، ومستقرة، والأمور فيها طبيعية».
وبعد الحادث أخذ الدكتور الغنودي، عدداً من زملائه، في جولة بالمدينة، لطمأنة المواطنين، ولحثهم على أخذ الحيطة والحذر. ويقول إنه ينبغي على الناس في هذه الظروف أن يفتحوا أعينهم... «كل واحد لا بد أن يكون فرد أمن... وأي واحد غريب، أو ساكن في المنطقة غريب، لا بد من الإبلاغ عنه»، مشيراً إلى أن نشر الإرهاب يستهدف دول المنطقة وليس ليبيا فقط.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».