المشهد الثقافي المصري... «خارج الصندوق»

جانب من بينالي شرم الشيخ
جانب من بينالي شرم الشيخ
TT

المشهد الثقافي المصري... «خارج الصندوق»

جانب من بينالي شرم الشيخ
جانب من بينالي شرم الشيخ

ربما لم ينتبه الكثير من المثقفين والمبدعين والشعراء المصريين أن عاماً من عمر ثقافتهم وحياتهم قد مضى، وأنهم يناطحون المشاكل نفسها، التي أصبحت إرثاً يتوارثونه عاماً إثر آخر. فلا تزال أغلب مؤلفاتهم حبيسة الأدراج في دور النشر الحكومية، أو تنتظر عين الرضا من الناشر في الكثير من دور النشر الخاصة. كما لا تزال أقدامهم تتسول المقاهي، بعد أن عجزت المؤسسات الثقافية المعنية عن أن توفر لهم مكاناً رحباً وملائماً، يتنفسون فيه هواءً صحياً، ويتناقشون بود وحميمية في شتى قضايا الإبداع، بعيداً عن جدران البيوت التي ضاقت بسبب ضغوط الحياة وسوء الأوضاع الاجتماعية، ناهيك عن افتقادهم أي مظلة للتأمين الصحي تقيهم مفاجآت المرض، الذي أودى بحياة الكثير منهم في الآونة الأخيرة.
مشهد أحادي نمطي، يراكم أخطاءه، وأقصى ما يفعله هو الترقيع، وخلق جماعات الولاء، التي تقضي جل وقتها في ترتيب حسابات المنفعة والمصلحة الشخصية الضيقة جراء التكيف والإذعان لسياسات المؤسسة الثقافية الرسمية، وفي غيبة أي وقفة حقيقية للمراجعة ومساءلة الذات، والبحث عن حلول واقعية تستهدف صالح الإبداع والوطن.
في غبار هذا المشهد شكل مسلسل إغلاق مجموعة من المكتبات الخاصة بالقاهرة ضربة موجعة في جسد الثقافة المصرية، طالت عبثية هذا المسلسل مكتبات: «ألف»، و«الكرامة»، و«البلد»، و«تنمية»، بحجج وذرائع إدارية واهية، ما اعتبره المثقفون تضييقاً على الحريات، خصوصاً أن بعض ملاك هذه المكتبات حقوقيون وناشطون سياسيون، كما أن لبعضها أفرعاً منتشرة في المحافظات، وتقدم خدمة ثقافية جاذبة، في مجالات القراءة واستعارة الكتب، وأنشطة الرسم وورش الكتابة، وكذلك الندوات الأدبية التي تناقش أهم الإصدارات الجديدة وتلقي الضوء النقدي عليها، في القصة والرواية والشعر وقضايا الثقافة، مثل ندوة «منتدى المستقبل» التي كانت تقام أسبوعياً بمكتبة «البلد» بقيادة الناقد الأدبي الدكتور يسري عبد الله. وانتقلت حالياً إلى مقر حزب التجمع.
ليست بعيداً عن هذا المشهد وقائع الاجتماع الأول للجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، التي ضاق صدر مقررها الدكتور محمد عبد المطلب، وأعضائها المخضرمين في كراسيهم بالوافد الجديد عليهم الشاعر الشاب محمد القليني، أحد فرسان قصيدة النثر. اعترض القليني على سياسة اللجنة في تكريم الشعراء، واختيارها عدداً منهم لحضور مؤتمر شعري، مشدداً على ضرورة أن يقدم الشاعر المكرم استقالته من اللجنة، لكن مقرر اللجنة صادر رأيه بحجة اكتمال التصويت. ليكتشف الشاعر الشاب أنه غريب على هذه العائلة التي اختارته بمحض إرادتها، وأنها لا تخدم سوى مصالحها، ولا ترى في مرآة الشعر بتعدد أطيافه سوى ذاتها. فقدم استقالته تاركاً اللجنة تتبارى فيما بينها، بعد أن تم اختطافه إليها لبضع ساعات، كشفت زمناً كاملاً من الإهمال والقبح، وفقدان المصداقية.
أصداء الاستقالة اتسعت في أوساط المثقفين بالإدانة، وهناك من لامه عليها، واتهمه بالتسرع. وكالعادة لم يتم اتخاذ أي إجراء فيما حدث، الذي يعد خرقاً للوائح والقوانين التي تنظم عمل اللجان بالمجلس، رغم أن رئيس المجلس الأعلى للثقافة كان حاضراً هذا الاجتماع، وتدخل ليقول الشاعر الشاب رأيه.
واقعتان من كثير، تعكسان ما آلت إليه أوضاع الثقافة في صندوق وزارتها، المؤسسة الثقافية الرسمية، لكن في عكس اتجاه عتمة هذا الصندوق استطاعت أنشطة ثقافية وفنية يقوم بها نقاد وكتاب وشعراء وفنانون تشكيليون أن تشكل نقاط ضوء مهمة، من أبرزها مؤتمر قصيدة النثر المصرية، الذي انعقد على مدار خمسة أيام، وحلت تونس ضيفاً عليه بمشاركة خمسة شعراء تونسيين، واستضافه أتيليه القاهرة للفنون والآداب بوسط العاصمة القاهرة، في سبتمبر (أيلول) الماضي، تحت شعار «في الشعر متسع للجميع». أنهى المؤتمر بهذه الدورة ما سماه «المرحلة الكمية»، لافتاً إلى أنه سيركز اهتمامه بعنصر الكيف في الدورات المقبلة، بحثاً عن خصوصية أرحب لقصيدة النثر.
ودشن جاليري «ضي» أتيليه العرب جائزة للشعر باسم الشاعر الراحل محمد عفيفي، صاحب الإعلان عن جوائز دورتها الأولى معرض تشكيلي شارك فيه مجموعة من الفنانين قدموا قراءات بصرية لأشعار عفيفي مطر، عبر ورشة فنية أقامها الأتيليه بإشراف الفنان الدكتور صلاح المليجي.
افتتح المعرض الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة المصري الأسبق، الذي أصدر كتاباً مهماً عن تجربة مطر بعنوان «الحلم والكيمياء والكتابة في عالم محمد عفيفي مطر». فاز بجائزة المركز الأول في هذه الدورة الشاعر اليمني جلال الأحمدي، وفاز ببقية المراكز شعراء من مصر والمغرب، وقد لاقت الجائزة استحساناً في أوساط الشعراء والمثقفين المصريين والعرب، واعتبروها جائزة ضد النسيان.
وشهدت الحركة التشكيلة عدداً من المعارض المهمة، للفنانين: محمد عبلة، وعبد الوهاب عبد المحسن، وعادل السيوي، وسماء يحيى، قدمت المعارض تنويعاً بصرياً خصباً على تراث طريق الحرير، ولعبة الوجوه، وتبادل الأقنعة بين الإنسان والحيوان والطيور، والاحتفاء بتيمة العرائس كأحد إنجازات المخيلة البصرية الشعبية عبر نوافذ جديدة لها في اللوحة.
ورغم ما يبذله قطاع الفنون التشكيلية من دعم، فلا تزال الحياة التشكيلية تفتقد بينالي القاهرة الدولي، أحد أهم الفعاليات الفنية ذات الثقل العالمي، الذي يقام كل عامين خلال شهر ديسمبر (كانون الأول)، وتنظمه وزارة الثقافة بإشراف قطاع الفنون بها، إلا أنه متوقف منذ 11 عاماً دون أسباب واضحة. كان آخر تنظيم له دورته العاشرة نهاية عام 2006. في السياق نفسه تعثر بينالي الإسكندرية لدول البحر المتوسط، الذي يعد ثاني أقدم بينالي عالمي بعد بينالي فينيسيا، وكانت آخر دوراته 2014.
انفلت من رتابة هذا الإيقاع بينالي شرم الشيخ الدولي للفنون الذي عقد دورته الثانية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بإشراف منظمه الفنان المصري جمال مليكة، وبمشاركة 50 فناناً من إيطاليا وإنجلترا والكويت، مشيعاً حالة من الحيوية في فضاء المدينة التي تعد من أهم المنتجعات السياحية في العالم، وعانت من الإرهاب الذي يضرب المنطقة منذ سنوات. استطاع فنانو البينالي أن يخطفوا الأنظار بقوة وهم يرسمون في الأسواق والميادين وعلى تلال الجبال، في رسالة واضحة بعودة أجواء الأمن والاستقرار للمدينة.
على مستوى سوق النشر شهد هذا العام صعود دار «بتانة» بقيادة رئيس مجلس إدارتها الكاتب الشاب د. عاطف عبيد، وأصبحت محط أنظار الكتاب والشعراء والباحثين، بينما أعلن حسني سليمان صاحب دار «شرقيات» انسحابه من السوق وغلق أبواب الدار، مؤكداً في تصريحات صحافية شعوره بأنه لم يعد لديه ما يمكن تقديمه إلى صناعة النشر، وأنه يريد أن يمر انسحاب الدار بهدوء... انطلقت «شرقيات» مع بدايات تسعينات القرن الماضي، وأصبحت من أشهر دور النشر العربية، وقدمت أعمالاً مهمة لعدد من الكتاب الجدد، إضافة إلى إسهامات متميزة في ترجمة العديد من روائع الأدب العالمي.
وفي عبادة المسرح شهد هذا العام عودة خجولاً ومضطربة لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، بعد انقطاع دام لسنوات، برز هذا في تغيير مسمى المهرجان إلى «مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي»، وكأن التجريب لا يعني المعاصرة. كما ارتفع الجدل بضرورة إلغاء فكرة المسابقة من المهرجان، وهي أحد عناصر التحفيز على الجودة والإتقان الفني.
وفي أجندة أهم الإصدارات الشعرية تبرز دواوين: «برهان على لا شيء» للشاعر عاطف عبد العزيز و«ميدان طلعت حرب» للشاعر أسامة حداد، و«بيتي له بابان» للشاعرة فاطمة قنديل، و«لا يمكنك الاختباء من الموتى» للشاعر أسامة بدر و«أشاكس الأفق بكمنجة» لديمة محمود. وفي الرواية برزت أعمال «صخرة بيتهوفن» للكاتب محمد داود و«الوصفة رقم 7» للكاتب أحمد مجدي همام، و«حافة الكوثر» للشاعر علي عطا، والمجموعة القصصية «حائط غاندي» للكاتبة عزة رشاد.
وغيب الموت في هذا العام عدداً من الكتاب والشعراء، أثروا الحياة الثقافية بعطاء وافر من الإبداع والرؤى النقدية، منهم: الشاعر الناقد شريف رزق، أحد أهم المنظرين لقصيدة النثر، والشاعر الكاتب الصحافي أسامة عفيفي، رئيس تحرير مجلة «المجلة»، والشاعر محمد أبو المجد، والروائي مكاوي سعيد صاحب الأيقونة الروائية «تغريدة البجعة».



أفلام مصرية جديدة تراهن على موسم «رأس السنة»

من كواليس فيلم «المستريحة» (إنستغرام ليلى علوي)
من كواليس فيلم «المستريحة» (إنستغرام ليلى علوي)
TT

أفلام مصرية جديدة تراهن على موسم «رأس السنة»

من كواليس فيلم «المستريحة» (إنستغرام ليلى علوي)
من كواليس فيلم «المستريحة» (إنستغرام ليلى علوي)

تُراهن أفلام مصرية جديدة على موسم «رأس السنة»، من خلال بدء طرحها في دور العرض قبيل نهاية العام الحالي، وأبرزها «الهنا اللي أنا فيه»، و«الحريفة 2»، و«المستريحة»؛ إذ أُعلن عن طرحها بشكل رسمي.

ورأى نُقادٌ أن عدد الأفلام التجارية التي أُعلن عنها حتى الآن، قليل بالنسبة للموسم الجديد لم تتعدَ 3 أعمال، وأكّدوا أن موسم «رأس السنة» له أهمية كبيرة عند صُناع الأعمال الفنية، وكان يستقطب كثيراً من الأفلام؛ نظراً لإقبال الناس على دور العرض بوصفها جزءاً من النزهات العائلية.

وحسب صُناعه، فإن فيلم «المستريحة»، سيُطرح يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وتدور أحداثه في إطار اجتماعي كوميدي حول ظاهرة «المستريح» التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة، المرتبطة بالنّصب وجني الأموال من المواطنين والهروب، بالإضافة إلى مفارقات عدة بين الأبطال في قضايا فرعية أخرى، الفيلم بطولة ليلى علوي، وبيومي فؤاد، وتأليف محمد عبد القوي، وأحمد أنور، وأسامة حسام الدين، وأحمد سعد والي، وإخراج عمرو صلاح. كما يُطرح فيلم «الهنا اللي أنا فيه»، في اليوم نفسه أيضاً، وهو من بطولة كريم محمود عبد العزيز، ودينا الشربيني، وياسمين رئيس، وتأليف أيمن بهجت قمر، وإخراج خالد مرعي. وتدور أحداثه في إطار اجتماعي كوميدي.

الملصق الترويجي لفيلم «الهنا اللي أنا فيه» (الشركة المنتجة)

وحجز فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، مكاناً بداية الشهر المقبل تحديداً يوم 4 ديسمبر (كانون الأول)، والفيلم من بطولة نور النبوي، وأحمد غزي، وكزبرة، ونور إيهاب، وتأليف إياد صالح، وإخراج كريم سعد، وتدور أحداثه في إطار اجتماعي شبابي خفيف، حول المنافسة في مسابقات خاصة بكرة القدم.

وتؤكد الناقدة الفنية المصرية ماجدة موريس أن «عدد الأفلام لا يناسب موسم رأس السنة، الذي اعتاد فيه صناع السينما على طرح عددٍ كبيرٍ ومتنوعٍ من الأفلام الجاذبة».

وتضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «السينما المصرية وصلت إلى الحد الأدنى في عروضها، وأن الأزمة إنتاجية في المقام الأول، مع العلم أن هذا الموسم له طبيعة خاصة وتحضيرات مسبقة بهدف استغلال الإقبال الجماهيري والرواج السياحي». كما أوضحت ماجدة أن «نوعية الأفلام الجديدة تدور في الإطار الكوميدي نفسه، ولم يعد لدينا إنتاجات تطرح موضوعات مختلفة وجذابة»، كما كشفت الناقدة عن أن «مشكلات الصناعة تتمحور حول الرقابة وبنودها، والبحث عن الربح السريع»، وطالبت بتسهيلات لزيادة المعروض، وعودة الدولة للإنتاج، وتيسير تصاريح التصوير.

الملصق الترويجي لفيلم «الحريفة 2» (الشركة المنتجة)

وبجانب الأفلام التجارية الجديدة، طُرح، الثلاثاء، فيلم «مين يصدق» للعرض الجماهيري، بعد مشاركته ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» في دورته الـ45، وشارك في بطولته أشرف عبد الباقي، وشريف منير، ومجموعة من الشباب، وإخراج زينة عبد الباقي في أولى تجاربها الإخراجية.

وترى الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله أن «الأفلام التي ستُطرح غير كافية لموسم مهم مثل (رأس السنة)، لكن الناس اعتادت على ذلك منذ سنوات، والمشكلة ليست وليدة العام الحالي». وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «دُور العرض ربما اعتمدت على الأفلام الموجودة حالياً كي تقضي الغرض وتسدّ الفجوة، بجانب الأفلام الأجنبية التي ستُطرح».

وترى ماجدة أن «سبب أزمة ندرة الإنتاج تتمثّل في الرقابة، التي حجَّمت بعضهم وجعلتهم يعتمدون أفلاماً سهلة وفي الغالب كوميدية، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالصناعة، والاعتماد على خطط مستقبلية عبر التسويق في الخارج».

الملصق الترويجي لفيلم «مين يصدق» (فيسبوك أشرف عبد الباقي)

وبجانب الأفلام التي تُطرح في دور العرض قريباً، تُعرض راهناً مجموعة من الأفلام المصرية التجارية، من بينها أفلام «الهوى سلطان»، و«وداعاً حمدي»، و«دراكو رع»، و«آل شنب»، و«اللعب مع العيال»، و«المخفي»، و«إكس مراتي»، و«عصابة الماكس»، و«عاشق»، و«ولاد رزق3»، وفيلما المهرجانات «رَفعت عيني للسما»، و«الفستان الأبيض».