لماذا نحب «الأخبار المتجهمة»؟

من متناقضاتنا الشكوى الدائمة من غياب أخبار تحمل روحاً إيجابية أو مبهجة، في حين أننا نحن من نلاحق الموضوعات ذات الطابع السلبي، بل ونروّج لها. هذا التناقض دفع باحثين من جامعة ميغيل في كندا إلى استخدام تقنية خاصة تتبع حركة عين مجموعة من المشاركين في تجارب مخبرية أجريت عليهم لمعرفة أين تتوقف أعين المشاركين حينما طلب منهم حرية الاختيار من طائفة الأخبار عبر شاشة الحاسوب، فكانت النتيجة لصالح حفنة من الموضوعات السلبية على حساب الإيجابية. ولم أستغرب ذلك، لا سيما حينما قرأت أن اختياراتهم حملت أخباراً مثيرة للكآبة، أو تتطرق للفساد أو النفاق hypocrisy، على حساب تلك القصص الخبرية المعتدلة. والغريب أنهم حينما سئلوا سلفاً: ما نوع الأخبار التي تفضلونها؟ كانوا يميلون للإيجابية!
تعد هذه الدراسة دليلاً جديداً على ما يسمى بالانحياز السلبي negativity bias، وهو مفهوم درسه العلماء بعمق، فوجدوا أننا بالفعل ننتقي اختيارات سلبية، وقد يعود ذلك لأسباب عدة، منها أن الطبيعة البشرية تميل لذلك لأن الأصل فيه الحفاظ على جنسه البشري. فنحن مثلاً نفزع حينما نشاهد حيواناً مفترساً أو شخصاً يحمل سلاحاً ويجري به في مكان عام. وأذكر أن صديقاً شاهد في أثناء تحرك الطائرة نحو مدرج الإقلاع دخاناً يتصاعد من محرك الطائرة، فهرع صارخاً بأعلى صوته نحو قمرة القيادة طالباً النجدة من قبطان الطائرة، فأنقذ الركاب من موت محقق.
صحيح أن ذلك يحدث بدافع فطري أحياناً، لكن المثيرات حولنا تعزز الأجواء القاتمة التي تدفعنا للانتباه للاختيارات السلبية. فمثلاً مئات الملايين من الإشارات المرورية من حولنا غرست فينا أن اللون الأحمر وحتى لافتات التنبيه المرورية إطارها أحمر. وكذلك الحال مع عناوين الأخبار، فمن خبرة تمتد لأكثر من عشرين عاماً في الصحافة، أرى أن مانشيتات الصفحة الأولى محجوزة للقتل وسفك الدماء والمؤامرات والاضطرابات والمشكلات، وتغفل إبراز خبر مثير للبهجة والأمل، مثل اكتشاف علماء عرب لأمر يستحق الاهتمام والفخر.
ولماذا لا نخصص على الأقل عددين في الأسبوع للأخبار المهمة المبهجة؟
وهناك جانب آخر نحن من نتحمله، كتركيزنا المبالغ فيه أحياناً على الناحية السلبية، مثلما نصب جام غضبنا على أحد أبنائنا ممن حصل على درجة متدنية واحدة مقابل درجات مرتفعة، فنفسد عليه وعلينا متعة الفرحة. ولماذا ينسينا تأخر مثابر عن الدوام لسويعات جل عطائه وتفانيه. نحن في الواقع نركز على السلبي، في ظل وجود خيارات أخرى. ومن أكثر الأمثلة التي نقدمها في محاضراتنا ورقة بيضاء فيها نقطة صغيرة، فنسأل الجمهور: ماذا تشاهدون؟ فتجيب الغالبية الساحقة بأنهم يرون نقطة سوداء، وقلما تجد من يقول: ورقة ناصعة البياض.
صحيح أن اختياراتنا السلبية قد تأتي بدافع فطري، لكننا نتحمل جزءاً من وزر إشاعة السلبية، لا سيما حينما يكون أمامنا خيارات أو أخبار أخرى نتجاهلها، إما من دون قصد أو بهدف لفت الأنظار أو رفع نسبة المشاهدة والمتابعين في وسائل التواصل بكل أنواعها.
m.nughaimish@asharqalawsat.com