دار أوبرا مومباي الملكية تفوز بجائزة «اليونيسكو»

تتسع مقاعدها إلى 574 شخصاً وتستضيف عروضاً أوبرالية وأفلاماً من حول العالم

TT

دار أوبرا مومباي الملكية تفوز بجائزة «اليونيسكو»

فازت دار أوبرا مومباي الملكية التي يعود تأسيسها لأكثر من قرن في ظل الحكم البريطاني، بجائزة «اليونيسكو»، وتتميز دار الأوبرا الملكية بجميع المميزات التي تجعل منها مكاناً استثنائياً - الأسقف المذهبة والثريا الرائعة والقباب المزدانة بلوحات يظهر بها شعراء وفنانون إنجليز، والنوافذ الزجاجية الملونة والتماثيل المرمرية والشرفات الفخمة. في عام 1911 أطلق جورج الخامس ملك بريطانيا مشروع بناء دار الأوبرا الملكية في مومباي، وأنجز في عام 1916، وبمرور الوقت اشتهرت الدار بكونها مؤسسة ترفيهية قادرة على منافسة أي نظير لها في إنجلترا أو أوروبا.
لمحة تاريخية
ويرجع الفضل وراء جمع الأموال اللازمة لتشييد دار الأوبرا وتصميمها إلى رجلين: جيهانغير فرامجي كاراكا، رجل أعمال وصاحب إسهامات خيرية، وموريس باندمان، أميركي متخصص في مجال الترفيه، (750 ألف روبية تقريباً، وفي ذلك الوقت كان المبلغ ضخماً).
حملت دار الأوبرا ألقابا متنوعة، منها جوهرة مومباي الجميلة، وتتسع مقاعدها إلى 574 شخصاً وتستضيف عروضا أوبرالية وأفلاما من مختلف أرجاء العالم، في الوقت الذي ينجذب أبناء نخبة المدينة إلى أبوابها قادمين في عربات تجرها الخيول، حيث يتهادون فوق أرضية الأوبرا المصنوعة من آجر «مينتون» الساحر، ويجلسون على مقاعد مخملية للاستمتاع بالعروض المدهشة التي تقدمها الأوبرا. اللافت أنّ السقف صُمم على نحو يمكن حتى للجالسين في الرواق سماع كل كلمة تنطق على خشبة المشرح.
في البداية، اقتصر استخدام الأوبرا على العروض الأوبرالية، وكانت الغالبية الكاسحة من مرتاديها من نخبة المدينة، ومن مسؤولين بريطانيين وعدد قليل من الأوروبيين وطبقة من الهنود متأثرة بالثقافة الغربية.
بعد الحرب العالمية الأولى، تبدلت الظروف والأذواق حتى داخل هذا القطاع الضئيل من المجتمع، ولم يعد لزاماً على المسؤولين الاستعماريين والهنود أصحاب الميول الغربية، استعراض معرفتهم بالأوبرا للتأكيد على انتمائهم إلى النخبة. وعليه، زادت صعوبة الإبقاء على أبواب دار الأوبرا مفتوحة وتوفير تكاليفها بالاعتماد على الدخل المقبل من العروض الأوبرالية. ومع ظهور الأفلام الناطقة مطلع ثلاثينات القرن الماضي، اكتسبت دور السينما شعبية كبيرة. وعليه، جرى تعديل دار الأوبرا عام 1935 كي تستوعب شاشات عرض سينمائية وعروض أزياء. ومن أول الأفلام التي عُرضت داخل الأوبرا أفلام شركة «باثي» البريطانية الشهيرة ونشرات إخبارية بالأبيض والأسود التي اضطلعت بدور ريادي في صناعة الترفيه في هذا الجزء من العالم. كما جرى تصوير كثير من الأفلام داخل الأوبرا، وكذلك شهدت الدار العروض الأولى لبعض الأفلام الرائعة. يقال إنه في عام 1935، عقد ماهاتما غاندي اجتماعاً عاماً داخل دار الأوبرا. وتبدلت ملكية دار الأوبرا التي تمثل رمزاً للراج البريطاني في الهند عدة مرات، وانتقلت إلى عائلة غوندال الملكية (جوجارات في الوقت الحاضر)، عندما اشتراها مهراجا بهوجراجسينه عام 1952.
السقوط وإعادة الترميم
مع مرور الوقت وظهور كثير من دور السينما عبر أرجاء المدينة، خفت سحر دار الأوبرا، وبحلول عام 1993 أغلق المبنى بسبب الخسائر، وظل في حالة متداعية لسنوات، قبل أن ينطلق مشروع إعادة ترميمه منذ ثماني سنوات لاستعادة مظهره الأثري. كما ضُمّت دار الأوبرا إلى قائمة الآثار المعمارية العالمية المهددة عام 2011 واليوم، يقف المبنى شامخاً ليعكس جمالاً وفخامة يعود تاريخها إلى قرن مضى. وبعد قرابة عام من ترميمه، فاز بجائزة «اليونيسكو» للحفاظ على التراث الثقافي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي لعام 2017.
وقد واجه المشروع الدؤوب الذي استمر طيلة ثماني سنوات لتحويل دار الأوبرا من مبنى متهالك يواجه خطر الانهيار إلى نسخة جديدة متألقة من الصورة التي كان عليها أيام مجده عام 1916. تحديات جمة.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قال أشيش دوشي، المدير الشرفي للموقع الأثري: «عملنا بدأب شديد وبذلنا مجهوداً ضخماً واعتمدنا على فريق ضخم من مسؤولي ترميم اللوحات والزجاج الملون وخبراء استشاريين بمجال الصوت والمسرح ومتعاقدين مدنيين ومهندسين بمجال تكييف الهواء وآخرين بمجال الكهرباء ومسؤولين بمجال الصحة العامة، علاوة على فريق من العاملين المخضرمين بمجال ترميم الآثار الذين بذلوا جهدا هائلاً لإنجاز المشروع على هذه الصورة المشرفة».
من ناحيته، أكد مهندس ترميم الآثار، أبها نارين لامباه، الذي تتولّى شركته مسؤولية ترميم الموقع، على أنّه من الواضح أنّ جهود الترميم استغرقت وقتاً طويلاً وجهداً ضخماً، مشيراً إلى أنّ التحدي الأكبر تمثل في إصلاح الأضرار التي أصابت هيكل المبنى وإضفاء مسحة عصرية عليه من دون الإضرار بطابعه الأثري. وأضاف: «تطلب العمل أكثر من 54 ألف يوم من العمل المثابر والمحترف، من جانب خبراء ماهرين ومتخصصين بمجال ترميم المباني والمنحوتات والأعمال الفنية ومهندسين فنيين والذين عكفوا جميعاً على إعادة ابتكار هذه القطعة التاريخية. ونظراً لأنّ فترة تألق المبنى تعود إلى عام 1916، قررنا ترميم وإعادة تصميم الديكورات الداخلية على النسق (الباروكي) (المميز للقرنين السابع عشر والثامن عشر)، وتمكنا من تجميع مجموعة متنوعة من الصور الأرشيفية التي تكشف التاريخ المعماري والتصميم الداخلي للمبنى كي تعيننا على استعادة السمات التاريخية له من أعمدة مزخرفة والشرفات الجانبية وجميع النقوش والزخارف التي كان يعج بها البناء الأصلي». وأضاف: «اضطررنا إلى تركيب أجهزة حديثة لتكييف الهواء والإضاءة وأجهزة صوتية رفيعة الجودة لازمة للعروض التي تقدم اليوم من دون الإخلال بالقيمة التاريخية للمكان».
واعتمد فريق العمل على مجموعة من الصور القديمة للمبنى تتضمن الشرفات القديمة التي كان يضمها. وقد ساعدت صور التقطها صحافي أسترالي عام 1914 على نحو خاص في هذا الأمر.
الرعاة الجدد
اليوم، تحظى دار الأوبرا بجيل جديد من الرعاة، ذلك أنّ جيل النبلاء الإنجليز ولّى وحلّ محله نظراؤهم العصريون من الهنود، وإن كانت طبقة النبلاء الاستعماريين لا تزال بصماتها قائمة في لوحات اللوردات الإنجليزية القائمة داخل القوس القائم فوق ردهة الدخول.
ويضمّ المبنى في صورته الجديدة مقهى ومطعما فاخرين، ومن المعتقد أنّ هذا المبنى الأثري سيصبح مزاراً في حد ذاته. وأعرب أسد لالجي، المشرف على دار الأوبرا، عن أمله في أن تتسع دائرة استخدامات الدار لتشمل عقد نقاشات وندوات.
اللافت أنّه خلال العام الذي مر منذ إعادة افتتاح دار الأوبرا أبوابها، تضمن برنامجها مختلف جوانب الفنون الأدائية وعناصر ثقافية والموضة والفنون. ومن بين أبرز المحطات التي مرت بها الدار خلال العام عروض الليلة الافتتاحية التي تضمنت مجموعة كلاسيكية من الأغاني وأول إنتاج أوبرالي كامل بعنوان «إل ماتريمونيو سيغريتو»، الذي يعتبر الأول من نوعه داخل الدار منذ مائة عام، وكذلك حفل افتتاح مهرجان جيو مامي للأفلام والاحتفال بالذكرى الـ20 لانطلاق مجلة «غاليري».


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
TT

رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)

رحلت الإعلامية المصرية ليلى رستم، الخميس، عن عمر يناهز 88 عاماً، بعد تاريخ حافل في المجال الإعلامي، يذكّر ببدايات التلفزيون المصري في ستينات القرن العشرين، وكانت من أوائل المذيعات به، وقدمت برامج استضافت خلالها رموز المجتمع ومشاهيره، خصوصاً في برنامجها «نجمك المفضل».

ونعت الهيئة الوطنية للإعلام، برئاسة الكاتب أحمد المسلماني، الإعلامية القديرة ليلى رستم، وذكرت في بيان أن الراحلة «من الرعيل الأول للإعلاميين الذين قدموا إعلاماً مهنياً صادقاً متميزاً وأسهموا في تشكيل ثقافة ووعي المشاهد المصري والعربي، حيث قدمت عدداً من البرامج التي حظيت بمشاهدة عالية وشهرة واسعة».

والتحقت ليلى بالتلفزيون المصري في بداياته عام 1960، وهي ابنة المهندس عبد الحميد بك رستم، شقيق الفنان زكي رستم، وعملت مذيعةَ ربط، كما قدمت النشرة الفرنسية وعدداً من البرامج المهمة على مدى مشوارها الإعلامي، وفق بيان الهيئة.

ليلى رستم اشتهرت بمحاورة نجوم الفن والثقافة عبر برامجها (ماسبيرو زمان)

وتصدر خبر رحيل الإعلامية المصرية «التريند» على منصتي «غوغل» و«إكس» بمصر، الخميس، ونعاها عدد من الشخصيات العامة، والعاملين بمجال الإعلام والسينما والفن، من بينهم الإعلامي اللبناني نيشان الذي وصفها على صفحته بمنصة «إكس» بأنها «كسرت طوق الكلاسيكية في الحوار ورفعت سقف الاحترام والمهنية».

كما نعاها المخرج المصري مجدي أحمد علي، وكتب على صفحته بموقع «فيسبوك» أن المذيعة الراحلة «أهم مذيعة رأتها مصر في زمن الرواد... ثقافة ورقة وحضوراً يفوق أحياناً حضور ضيوفها».

واشتهرت ليلى رستم بلقب «صائدة المشاهير»؛ نظراً لإجرائها مقابلات مع كبار الشخصيات المؤثرة في مصر والعالم؛ مما جعلها واحدة من أعلام الإعلام العربي في تلك الحقبة، وقدّمت 3 من أبرز برامج التلفزيون المصري، وهي «الغرفة المضيئة»، «عشرين سؤال»، و«نجمك المفضل»، بالإضافة إلى نشرات إخبارية ضمن برنامج «نافذة على العالم»، وفق نعي لها نشره الناقد الفني المصري محمد رفعت على «فيسبوك».

الإعلامية المصرية الراحلة ليلى رستم (إكس)

ونعاها الناقد الفني المصري طارق الشناوي وكتب عبر صفحته بـ«فيسبوك»: «ودّعتنا الإعلامية القديرة ليلى رستم، كانت أستاذة لا مثيل لها في حضورها وثقافتها وشياكتها، جمعت بين جمال العقل وجمال الملامح»، معرباً عن تمنيه أن تقدم المهرجانات التلفزيونية جائزة تحمل اسمها.

ويُعدّ برنامج «نجمك المفضل» من أشهر أعمال الإعلامية الراحلة، حيث استضافت خلاله أكثر من 150 شخصية من كبار الأدباء والكتاب والصحفيين والفنانين، من بينهم طه حسين، وعبد الحليم حافظ، وأحمد رمزي، وفاتن حمامة وتوفيق الحكيم، كما أجرت مقابلة شهيرة مع الملاكم الأميركي محمد علي كلاي.

وأبرزت بعض التعليقات على «السوشيال ميديا» حوار الإعلامية الراحلة مع كلاي.

وعدّ رئيس تحرير موقع «إعلام دوت كوم» محمد عبد الرحمن، رحيل ليلى رستم «خسارة كبيرة» وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإعلامية الراحلة كانت تنتمي إلى جيل المؤسسين للتلفزيون المصري، وهو الجيل الذي لم يكن يحتاج إلى إعداد أو دعم، لكن دائماً ما كان قادراً على محاورة العلماء والمفكرين والفنانين بجدارة واقتدار»، موضحاً أن «القيمة الكبيرة التي يمثلها هذا الجيل هي ما جعلت برامجهم تعيش حتى الآن ويعاد بثها على قنوات مثل (ماسبيرو زمان) ومنصة (يوتيوب) وغيرهما، فقد كانت الإعلامية الراحلة تدير حواراً راقياً يحصل خلاله الضيف على فرصته كاملة، ويبرز الحوار حجم الثقافة والرقي للمذيعين في هذه الفترة».

بدأ أول بث للتلفزيون المصري في 21 يوليو (تموز) عام 1960، وهو الأول في أفريقيا والشرق الأوسط، واحتفل بعدها بيومين بعيد «ثورة 23 يوليو»، وبدأ بقناة واحدة، ثم قناتين، ثم قنوات متعددة تلبي احتياجات شرائح مختلفة من المجتمع، ومع الوقت تطور التلفزيون المصري ليصبح قوة للترفيه والمعلومات، وفق الهيئة العامة للاستعلامات.

وشهدت بدايات التلفزيون ظهور إعلاميين مثَّلوا علامة بارزة فيما بعد في العمل التلفزيوني مثل أماني ناشد، وسلوى حجازي، وصلاح زكي وأحمد سمير، وكانت ليلى رستم آخر من تبقى من جيل الروَّاد المؤسسين.