جوليان مور لـ«الشرق الأوسط»: الأهم ماذا أفعل وليس إلى أين أتجه؟

التنويع ليس جديداً عليها لكنّه ملحوظ اليوم أكثر من السابق

جوليان مور - جوليان مور في لقطة من «كينغزمن: الحلقة الذهبية»
جوليان مور - جوليان مور في لقطة من «كينغزمن: الحلقة الذهبية»
TT

جوليان مور لـ«الشرق الأوسط»: الأهم ماذا أفعل وليس إلى أين أتجه؟

جوليان مور - جوليان مور في لقطة من «كينغزمن: الحلقة الذهبية»
جوليان مور - جوليان مور في لقطة من «كينغزمن: الحلقة الذهبية»

هناك ثلاثة أفلام جديدة للممثلة جوليان مور لكن ليست هي ذاتها في كل واحد من هذه الأفلام. هي ممثلة من العهد الصامت في «ووندرسترك» لتود هاينز الذي تقع أحداثه في السبعينات من القرن الماضي. وهي الشقيقة التوأم التي أسهمت في قتل شقيقتها لكي ترث زوجها ومالها في «سبوربيكون». أمّا في «كينغزمن: الحلقة الذهبية»، فهي الشريرة الأولى التي تختطف المغني إلتون جون لكي يخفف عنها وحدتها. لكن هذا ليس كل ما تقوم به في هذا الفيلم إذ هي تملك في بلد أفريقي تجارة مخدرات رائجة.
هذا التنويع ليس جديداً عليها، لكنّه ملحوظ اليوم أكثر من السابق خصوصاً بعد نجاح سلسلة «ألعاب الجوع» الذي شاركت في تمثيله.
لا يبدو على وجهها أي أثر للسنوات التي تحملها، إلّا إذا اختارت أن تبدو كذلك كما في «ووندرسترك». لكنّها ولدت بالفعل سنة 1960 في بلدة صغيرة اسمها فورت براغ في «نورث كارولاينا». ولدت باسم جوليا سميث (نسبة لأبيها بيتر مور سميث) وكان اسمها يكتب مفرقاً: جولي آن سميث. لكن عندما بدأت العمل في التلفزيون والسينما في منتصف الثمانينات اكتشف وجود ممثلة أخرى بذلك الاسم فغيرت اسمها إلى جوليان مور.
القول بأنّها موهوبة أمر بدهي لا يكفي لتحليل كنيته. هي واحدة من الممثلات اللواتي يستطعن بسهولة النفاذ إلى أي دور تريد النفاذ إليه من دون أن ترتكب هفوة المبالغة أو الادعاء. ومنذ البداية فرضت على عملها مستوى مثيراً للاهتمام بسبب ملامحها من ناحية وبسبب موهبتها من ناحية مماثلة.
على ذلك فإن دخولها العمل السينمائي لم يحمل الكثير لا من الجمال ولا من الموهبة. الفيلم كان «حكايات من الجانب الداكن» (فيلم تألف من ثلاثة فصول قصيرة وأنتج سنة 1990) وكل ما قامت به كان لعب دور فتاة تسقط ضحية هجوم للمومياء. بعد عامين ارتقت إلى أدوار مساندة في «اليد التي تهز المهد» ثم في «الهارب» أمام هاريسون فورد. في النصف الثاني من التسعينات تبلورت كممثلة درامية جادة في أعمال عدة من بينها «فانيا الشارع 42» للفرنسي لوي مال. المخرج الأميركي تود هاينز اعتاد على إشراكها في أفلامه منذ 1990 (وأول فيلم لها تحت إدارته كان Safe) والمخرجون المماثلون في قدراتهم الفنية تبعوه ومن بين أبرز أفلامها في هذا الاتجاه «بوغي نايتس») لبول توماس أندرسن، و«حظ الحلوى» لروبرت ألتمن و«مانغوليا» لأندرسن أيضاً وصولاً إلى «الساعات» لستيفن دولدري و«أطفال الرجال» لألفونسو كوارون.
في عام 2015 فازت بالأوسكار عن دورها في «ما زالت أليس» (Still Alice) وعنه أيضاً نالت جائزة «غولدن غلوبس».

اتجاهات فنية

> لديك ثلاثة أفلام معروضة في وقت واحد... ما الفيلم الذي تفضلينه أكثر من سواه؟
- هذا سؤال غير سهل، ليس لأنني لا أملك جواباً له أو أي شيء من هذا القبيل، بل لأنني كنت مقتنعة بكل واحد منها عندما بدأت العمل عليه. أحببت غموض «ووندرسترك» ومعاني «سبوربيكون» وخفة «كينغزمن». أحببت كذلك العمل مع مخرجي هذه الأفلام تود هاينس وجورج كلوني وماثيو فون. ليس من بينهم من يفشل في تنفيذ الفيلم الذي يريده وهذا جيد لأن الممثل يريد أن يرى أن جهده لم يذهب في غير طريقه. النتيجة جيدة لنا جميعاً.
> يختلف «كينغزمن: ذا غولدن سيركل» عن لفيلمين الآخرين بأنه فانتازيا في مقابل فيلمين لا أقول إنهما واقعيان، لكنهما أقرب إلى الواقع. هل تؤكدين ذلك؟
- من حيث الاختلاف «نعم». هو فيلم ترفيه فيه كثير من المشاهد التي ليس من المطلوب تصديقها. في الحقيقة لا شيء فيه يستند إلى الواقع باستثناء أنّه كل يوم هناك صراع على هذه الأرض بين الأخيار والأشرار. من هذه الناحية هو مثل أفلام جيمس بوند، لأنه يستند إلى هامش عريض في الحياة، لكنّه يعالج هذا الهامش بطريقة فانتازية.
لكن في اعتقادي أنّ الفيلمين الآخرين ليسا واقعيين تماماً. «ووندرسترك» في النهاية هو قصة مرتبطة بالحياة الواقعية لكن الأحداث تميل صوب الخيال أيضاً. و«سبوربيكون» يفعل الشيء نفسه لأنه يبتكر مدينة خيالية ليروي فيها أحداثه. طبعاً المدينة رمز لمدننا اليوم، لكن الخيال موجود في الفيلم بوضوح.
> إذن هل هناك أفلام واقعية على الإطلاق؟
- نعم. لكن من الضروري تلوين الواقع في الوقت نفسه. إنه مثل الرسم الذي عليك أن تضيف إليه ربما لوناً شاحباً أو مفرحاً...
> هل تفكرين في اتجاهاتك الفنية؟ أعني هل تفكرين أين كنت بالأمس وأين أصبحت اليوم؟ أو أين ستكونين في الغد؟
- لا. ربما عندما كنت شابة صغيرة. كنت في سن السذاجة وأردت أن أصبح ممثلة وزارتني أحلام اليقظة حول أنني سأنجح في مهنتي وأصبح ممثلة ناجحة. لكن لاحقاً توقفت عن ذلك. لا يهمني أين أنا ذاهبة. الأهمية القصوى عندي هو ماذا أفعل وليس إلى أين أتجه. هذا هو أهم وأجدى من مراقبة خطواتي ووضع حسابات مختلفة لأن هذه الحسابات ليس مقياساً في اعتقادي.

سوبرمان

> أنطوني هوبكنز قال لي ذات مرّة إن الممثل عليه أن يتمتع باللحظة التي يقوم فيها بتمثيل الدور لا أن يعيش زمناً آخر.
- هذا صحيح وأؤمن به كثيراً. أقول إن على كل منا، ليس الممثل فقط، أن يسعى لإتقان ما يقوم به اليوم والآن، بصرف النظر عن وضعه بالنسبة لمرحلة حياته الحالية. هذا طبقته منذ أن عملت «غرسونة» في أحد المطاعم، وبعد ذلك في كل مرحلة من مراحل حياتي كممثلة.
> هل توافقين على أن لقب الممثل أهم أو أفضل من لقب النجم؟
- بكل تأكيد. الأول يبقى. الثاني يذهب. أو حتى لو بقي فإن نجومية الممثل لا تبقى كما هي. اسمع. تشارلي تشابلن كان نجماً في أوانه ولا يزال معروفاً لليوم، لكن هل تعتقد أنّه كان سيحقق هذه المستوى من النجاح لو لم يكن ممثلاً جيداً؟ لا أعتقد.
> في «سبوربيكون» كما في «كينغزمن» تؤدين دوراً شريراً. هل كان ذلك صدفة؟
- كان صدفة. الدور في «سبوربيكون» كان مثيراً لاهتمامي والشر فيه لا يتبدّى سريعاً. تكتشفه بعد فترة من الغموض وهذا مثير في اعتقادي وعلى عكس «كينغزمن». لكن «كينغزمن» فيلم فيه نبرة حية. عندما سُئِلت سابقاً عن وصف له قلت إنه مثل (رسومات) «رودرَنر» (Roadrunner)إنه عالم مختلف تماماً.
> أي ممثلة لعبت دور الشريرة سابقاً أثرت فيك وأنت صغيرة؟
- فاليري بيرين في «سوبرمان» الأول (نسخة 1978). لم أكن قد أصبحت ممثلة بعد، لكنّي أعجبت كثيراً بالطريقة التي مثلت فيها دورها. أعجبني أيضاً جين هاكمن في دور الشرير. إنّهما ذلك النوع المجنون من الأشرار، لكن لديه القدرة على أن يظهر طبيعياً.
> في «سبوربيكون» يختلف الوضع، إذ إن الدور أكثر جدية.
- صحيح. أكثر جدية لكن فيه لمسة كوميدية في الوقت ذاته. أعتقد أنّ الجريمة فيه جادة بينما الجريمة في الفيلم الآخر غير واقعية. إنها خيالية مفرطة في «كينغزمن».
> هل أنت امرأة جادة أكثر أم مرحة أكثر؟
- أنا ممثلة جادة، لكني في حياتي بعيداً عن الكاميرا مرحة أكثر... هكذا آمل على أي حال.
> أنت واحدة من الممثلات اللواتي بدأن التمثيل في فيلم رعب. هل تذكرين «حكايات من الجانب الداكن»؟
- نعم، لكن هل تقصد أن هناك كثيرات من الممثلات اللواتي بدأن التمثيل في أفلام رعب؟
> نعم. هناك شارون ستون وروني مارا وميشيل ويليامز وآمي أدامز.
- صحيح؟ لم أكن أعلم، لكنّني أعتقد أنّ السبب عادة ما يكون في أنه حين تكون في بداية حياتك الفنية كممثل تقبل على أي شيء وأفلام الرعب هي أول ما يُعرَض عادة... دور الممثلة عادة ما يكون صغيراً وكل ما عليها أن تقوم به هو أن تصرخ وتموت (تضحك).

أفلام شعبية

> هل تختلف تقنيات عملك اليوم عما كانت عليه بالأمس؟
- كثيراً. في بداياتي كانت قراءة السيناريو هي السبيل للاجتهاد في تطبيق الشخصية التي سأقوم بتمثيلها. يمر الممثل بتجارب متعددة قبل أن يجد أنّ المهم ليس مجرد التطبيق بل معرفة كيفية التحضير للدور. هذا يعني عندي أنّه علي أن أتأكد من أنّني لا أحفظ حواري بل أربطه بالشخصية لأرى كيف يمكن لها أن تتبنى هذا الحوار. كيف تنطقه ولماذا.
> ماذا تفعلين خلال التصوير عندما لا تكونين في اللقطة التالية؟ هل تراقبين من بعيد؟
- أحاول أن أكون نفسي. أن أعود إلى جوليان التي لا تفارقني بذلك أعتقد أني أحافظ على حيويتي ونشاطي. المسألة هي مثل القفز فوق الحبل. أنت في الدور للحظات وخارجه للحظات. أجد ذلك أسهل عندي من أن أبتعد عن مكان التصوير كلياً وأعود إليه عندما يحين تصوير المشهد الذي سأظهر فيه.
> هل يشاهد أولادك أفلامك السابقة؟
- لا السابقة ولا الحالية (تضحك). عليك أن تعلم أن الأولاد عادة ما يشاهدون ما يدخل عالمهم وليس ما يوجد في عالم الآباء والأمهات. إذا كنت تقصد أن ولدي مهتمان بمشاهدتي في أفلام من نوع «خريطة العالم» و«الساعات» و«بعيداً عن السماء» لأنّها بعض الأفلام التي سعدت كثيراً بتمثيلها فأنت مخطئ. يحبون «كينغزمن» وليس لأني مثلت فيه بل لأنه ترفيه محض.
> هناك نوعان من أفلامك؛ النوع الدرامي الجاد والنوع الخفيف إلى حد ما ولا أعني التقليل من شأنه...
- لكن هذا صحيح. هذه الأفلام هي التي تنتمي إلى الثقافة الشعبية مثل «كينغزمن» و«ألعاب الجوع».
> هل تؤمين الأفلام الدرامية لحبك للتمثيل النوعي والأفلام الشعبية لأنّها أكثر نجاحاً؟
- هناك شيء من هذا، لكني لا أنظر إلى المسألة من هذا المنظار. بطبيعة الحال الأدوار الجادة التي أقوم بها تستهويني لأنها تقول الكثير حول الشخصية أو حول العالم الذي تعيش فيه أو العالم الذي نعيش نحن فيه. لكن هذه المرايا موجودة أيضاً في الأفلام المصنوعة كترفيه. «ألعاب الجوع» لا يقل تعليقاً عن حال المجتمع عن «الفتيان بخير» مثلاً. إنّه مجرد وسيلة تعبير مختلفة لجمهور أكثر عدداً.
> والتحضير هو واحد بالنسبة إليك في كلا النوعين؟
تماماً. لا آتي إلى تصوير أي فيلم بتحضير مختلف لأنه فيلم فني أو فيلم ترفيهي، بل إن هذا التقسيم ليس صحيحاً في رأيي. هناك أفلام رائعة في كلا النوعين وأفلام سيئة في كليهما أيضاً. لكن لكل نوع وسيلته الخاصة في الوصول إلى ما يقدمه للجمهور وليس من صالح الممثل أن يبني مهنته على كيف سيستقبل الجمهور هذا الفيلم أو ذاك.
> أوافقك تماماً لكن على ماذا يبنيها إذن؟
- يبنيها على قناعته بأنّه يحب مهنته كممثل وعليه أن يجيدها بصرف النظر عن النتائج.


مقالات ذات صلة

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

يوميات الشرق الممثل البريطاني راي ستيفنسون (أ.ب)

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

توفي الممثل البريطاني راي ستيفنسون الذي شارك في أفلام كبرى  مثل «ثور» و«ستار وورز» عن عمر يناهز 58 عامًا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

«إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

أثارت تصريحات الفنان المصري محمد فؤاد في برنامج «العرافة» الذي تقدمه الإعلامية بسمة وهبة، اهتمام الجمهور المصري، خلال الساعات الماضية، وتصدرت التصريحات محرك البحث «غوغل» بسبب رده على زميله الفنان محمد هنيدي الذي قدم رفقته منذ أكثر من 25 عاماً فيلم «إسماعيلية رايح جاي». كشف فؤاد خلال الحلقة أنه كان يكتب إفيهات محمد هنيدي لكي يضحك المشاهدين، قائلاً: «أنا كنت بكتب الإفيهات الخاصة بمحمد هنيدي بإيدي عشان يضحّك الناس، أنا مش بغير من حد، ولا يوجد ما أغير منه، واللي يغير من صحابه عنده نقص، والموضوع كرهني في (إسماعيلية رايح جاي) لأنه خلق حالة من الكراهية». واستكمل فؤاد هجومه قائلاً: «كنت أوقظه من النوم

محمود الرفاعي (القاهرة)
سينما جاك ليمون (يسار) ومارشيللو ماستروياني في «ماكاروني»

سنوات السينما

Macaroni ضحك رقيق وحزن عميق جيد ★★★ هذا الفيلم الذي حققه الإيطالي إيتوري سكولا سنة 1985 نموذج من الكوميديات الناضجة التي اشتهرت بها السينما الإيطالية طويلاً. سكولا كان واحداً من أهم مخرجي الأفلام الكوميدية ذات المواضيع الإنسانية، لجانب أمثال بيترو جيرمي وستينو وألبرتو لاتوادا. يبدأ الفيلم بكاميرا تتبع شخصاً وصل إلى مطار نابولي صباح أحد الأيام. تبدو المدينة بليدة والسماء فوقها ملبّدة. لا شيء يغري، ولا روبرت القادم من الولايات المتحدة (جاك ليمون في واحد من أفضل أدواره) من النوع الذي يكترث للأماكن التي تطأها قدماه.

يوميات الشرق الممثل أليك بالدوين يظهر بعد الحادثة في نيو مكسيكو (أ.ف.ب)

توجيه تهمة القتل غير العمد لبالدوين ومسؤولة الأسلحة بفيلم «راست»

أفادت وثائق قضائية بأن الممثل أليك بالدوين والمسؤولة عن الأسلحة في فيلم «راست» هانا جوتيريز ريد اتُهما، أمس (الثلاثاء)، بالقتل غير العمد، على خلفية إطلاق الرصاص الذي راحت ضحيته المصورة السينمائية هالينا هتشينز، أثناء تصوير الفيلم بنيو مكسيكو في 2021، وفقاً لوكالة «رويترز». كانت ماري كارماك ألتوايز قد وجهت التهم بعد شهور من التكهنات حول ما إن كانت ستجد دليلاً على أن بالدوين أبدى تجاهلاً جنائياً للسلامة عندما أطلق من مسدس كان يتدرب عليه رصاصة حية قتلت هتشينز. واتهم كل من بالدوين وجوتيريز ريد بتهمتين بالقتل غير العمد. والتهمة الأخطر، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات، تتطلب من المدعين إقناع

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
سينما سينما رغم الأزمة‬

سينما رغم الأزمة‬

> أن يُقام مهرجان سينمائي في بيروت رغم الوضع الصعب الذي نعرفه جميعاً، فهذا دليل على رفض الإذعان للظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها البلد. هو أيضاً فعل ثقافي يقوم به جزء من المجتمع غير الراضخ للأحوال السياسية التي تعصف بالبلد. > المهرجان هو «اللقاء الثاني»، الذي يختص بعرض أفلام كلاسيكية قديمة يجمعها من سينمات العالم العربي من دون تحديد تواريخ معيّنة.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».