المُحلّيات الصناعية... جوانب طبية شائكة

الاستهلاك المزمن لها قد يؤدي إلى زيادة استهلاك الغذاء والسمنة

المُحلّيات الصناعية... جوانب طبية شائكة
TT

المُحلّيات الصناعية... جوانب طبية شائكة

المُحلّيات الصناعية... جوانب طبية شائكة

لا تزال المُحليات الصناعية Artificial Sweeteners، أو ما تُسمى بـ«المُحليات غير الغذائية» Nonnutritive Sweeteners أو «المُحليات البديلة» Alternative Sweeteners، تثير الكثير من جوانب الجدل الطبي والقانوني، وحتى الاقتصادي. وفي السادس عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي تم رفع عدد من الدعاوى القضائية بولاية نيويورك على عدد من الشركات المنتجة للمشروبات الغازية حول مصداقيتها التسويقية مع المستهلكين لوصفها منتجاتها بأنها «دايت» عند إضافة أحد أنواع المُحليات الصناعية بدلاً من السكر الطبيعي.
وبالتزامن مع هذا الجدل القانوني، صدر الكثير من التقارير الاقتصادية حول توقعات مدى تنامي حجم سوق الأنواع المعروفة من المُحليات الصناعية، وهي توقعات تفيد بأن النمو يفوق بمراحل، التوقعات قبل بضعة سنوات. لكن، بالمقابل ثمة شكوكا مع احتمالات دخول منتجات جديدة حلبة المنافسة، وبخاصة المنتجات الطبيعية لأنواع من المُحليات الصناعية، وهي المنتجات الطبيعية التي تمتلك درجات عالية من حلاوة الطعم وتوجد في عدد من أنواع الأشجار في مناطق متفرقة من العالم، وتنازع مكانة الأنواع الصناعية من تلك المُحليات مع وجود بعض الشكوك لدى البعض حول احتمالات تسببها في عدد من الأمراض السرطانية، رغم عدم ثبوت ذلك علمياً حتى اليوم.
هذا، وتستمر النقاشات العلمية والطبية والبحثية حول عدد من الجوانب في شأن إضافة المُحليات الصناعية أو الطبيعية التي لا علاقة لها بالسكر، وبخاصة عقب نشر دراسة الباحثين الكنديين ضمن عدد 17 يوليو (تموز) الماضي من مجلة الرابطة الكندية الطبية CMAJ حول المُحليات الصناعية. وكان الباحثون من أقسام عدة بجامعة مانيتوبا ومركز جورج أند فاي يي للرعاية الصحية المُبتكرة قد قاموا بمراجعات علمية واسعة حول المُحليات الصناعية، وكان عنوان الدراسة: «المُحليات غير الغذائية وصحة القلب وعمليات الأيض الكيميائية الحيوية: مراجعة منهجية وتحليلية للدراسات». وهي الدراسة التي حملت نتائجها الكثير من الملاحظات العلمية التفصيلية حول تأثيرات تناول المُحليات الصناعية على أعضاء ومتغيرات عدة في جسم الإنسان.
وتشكل السمنة اليوم تحدياً كبيراً في مجال حفظ مستوى الصحة العامة؛ ذلك أن السمنة تُسهم في ارتفاع احتمالات الإصابات بمرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية. وعبر عشرات السنوات من البحوث الطبية، ثمة الكثير من الأدلة العلمية على أن ارتفاع استهلاك السكر يزيد في تأجيج انتشار وتفاقم وباء السمنة. وهو ما أدى إلى تحفيز البحوث نحو اكتشاف مواد غذائية يُمكن إضافتها إلى الأطعمة والمشروبات لتعطي حلاوة الطعم، كي تُستخدم بديلاً لتناول السكر.
لذا؛ زادت شعبية استخدام المُحليات غير الغذائية، أو ما تُسمى بـ«المُحليات الصناعية» كالأسبارتام والسكرالوز وستيفيوسيد. وفي عام 2008، أفاد أكثر من 30 في المائة من الأميركيين بأنهم يتناولون يومياً محليات غير غذائية. وقد افترض عدد من الباحثين أن المُحليات غير الغذائية قد يكون لها آثار سلبية على العمليات الكيميائية الحيوية لاستقلاب الغلوكوز في خلايا الجسم، وعلى وجود وتوازن كميات ونوعيات المكروبات الحيوية للبكتيريا الصديقة في الأمعاء، وكذلك في قدرات ضبط التحكم في الشهية. وتحديداً، أشارت بعض الدراسات إلى أن الاستهلاك المزمن للمُحليات الصناعية غير الغذائية يؤدي إلى زيادة استهلاك الغذاء، وكثرة تناول الطعام وزيادة الوزن والسمنة.
وحتى اليوم، يتمثل موقف أكاديمية الحمية وعلم التغذية Academy of Nutrition and Dietetics بالولايات المتحدة في أن المُحليات غير الغذائية يمكن أن تساعد في الحد من استهلاك الطاقة الغذائية كاستراتيجية لإدارة عملية التحكم في كل من وزن الجسم ونسبة الغلوكوز في الدم.
ومع ذلك، ووفق نتائج الكثير من الدراسات الطبية، فإن استهلاك المُحليات غير الغذائية يرتبط بشكل متناقض مع حصول زيادة الوزن والإصابة بالبدانة. وقال الباحثون الكنديون في مقدمة دراستهم: «وكان هدفنا هو تجميع الأدلة التي تتناول الإجابة عن هذا السؤال: هل الاستهلاك الروتيني للمُحليات غير الغذائية من قِبل البالغين والمراهقين يرتبط بحصول آثار سلبية على المدى الطويل في القلب وعمليات الأيض الكيميائية الحيوية وفق نتائج الدراسات الطبية؟».
وقام الباحثون بمراجعة نتائج نحو 12 ألف دراسة علمية حول المُحليات الصناعية، تم استخلاص 37 دراسة علمية منها بما يخدم معرفة تأثيرات تناول تلك المُحليات الصناعية على القلب وعمليات الأيض الكيميائية الحيوية. وكانت تلك الدراسات التي تم استخلاصها للمراجعة وتمحيص نتائجها وتحليلها على نوعين، النوع الأول دراسات «التجربة المنضبطة العشوائية» Randomized Controlled Trials، وكان عددها سبع دراسات فقط، وشملت نحو ألف شخص فقط، ومدة المتابعة لم تتجاوز ستة أشهر. والنوع الثاني من الدراسات كان من نوع «دراسات تعرض الأتراب» Cohort Studies. وهي نوعية الدراسات الطبية التي تعمل على مراقبة مجموعتين من الناس، إحداهما تتعرض لعامل خطورة مُحتمل، كتناول المُحليات الصناعية، والأخرى لا تتعرض لعامل الخطورة المحتمل ذاك، ثم تتم متابعتهم لفترة زمنية طويلة، وتجري مقارنة النتائج. وتمتاز هذه النوعية من الدراسات بأنها استشرافية مستقبلية تنخفض فيها احتمالات الانحياز، وتُمكن بدرجة أعلى في إجراء تقييم لعوامل الخطورة المحتملة وتأثيراتها الواقعية. وكان عدد الدراسات المشمولة بالتمحيص والمراجعة والتحليل في هذه الدراسة الكندية الحديثة هو 30 دراسة، وشملت أكثر من 400 ألف شخص، وتمت متابعتهم بالمتوسط لمدة تفوق عشر سنوات.
ومن نتائج تلك الدراسات الـ37، هدف الباحثون إلى تحديد تأثيرات تناول المُحليات الصناعية على مؤشر كتلة الجسم، بصفتها جانبا رئيسيا، وعلى كل من وزن الجسم ومحيط وسط البطن وارتفاع ضغط الدم والإصابة بمتلازمة الأيض والإصابة بالنوع الثاني من السكري واضطرابات أمراض القلب.
ورغم عدم ملاحظة أي تأثيرات لتناول المُحليات الصناعية على تلك الجوانب المستهدفة بالتقييم في نتائج الدراسات من نوعية «التجربة المنضبطة العشوائية»، وهو الأمر المتوقع نظراً لقلة عددها وقلة عدد المشمولين فيها وقصر المدة الزمنية للمتابعة فيها، فإنه وفي الوقت نفسه، كما قال الباحثون: «وفق نتائج الدراسات التجربة المنضبطة العشوائية لا توجد أدلة تدعم بوضوح وجود أي جدوى لتناول المُحليات الصناعية في المساعدة على ضبط إدارة وزن الجسم».
وعلى الجانب الآخر، والأعلى أهمية، فإن تحليل ومراجعة نتائج الدراسات من النوعية «دراسات تعرض الأتراب» لاحظت أن ثمة علاقة بين استهلاك المُحليات الصناعية على المدى الطويل وبين ارتفاع حصول زيادة وزن الجسم وزيادة محيط وسط البطن وارتفاع الإصابة بالسمنة والإصابة بارتفاع ضغط الدم والإصابة بمتلازمة الأيض Metabolic Syndrome، والإصابة بمرض السكري وزيادة الانتكاسات الصحية في القلب. وهو ما عقب عليه الباحثون بالقول: «وهناك حاجة إلى إجراء دراسات جديدة لمقارنة أنواع المحليات غير الغذائية المختلفة، وتقييم التأثير الصافي لاستبدال المحليات غير الغذائية للسكر. وبالنظر إلى الاستخدام الواسع النطاق والمتزايد للمُحليات غير المغذية، فإنه يلزم توخي الحذر من استهلاكها إلى أن يتم تمييز المخاطر والفوائد الطويلة الأجل لهذه المنتجات بشكل كامل».

جدل قانوني وسباق صناعي وإنتاجي

> تعتبر المُحليات الصناعية في جانب أحد الحلول لمشكلة الإكثار من تناول السكر وإضافته إلى أنواع واسعة جداً من المشروبات والأطعمة في حياتنا المعاصرة، وفي جانب آخر أحد الأسباب المحتملة للإصابة بعدد من الاضطرابات الصحية.
في جانبها الصحي، تمثل القضايا المرفوعة في نيويورك على عدد من شركات إنتاج المشروبات الغازية جانباً من المخاوف حول التأثيرات الصحية لاعتبار أن إضافة المُحليات الصناعية للمشروبات يُحولها إلى مشروبات يُمكن بكل اطمئنان أن يتم وصفها بأنها تخدم جهود الإنسان لخفض الوزن، وهو ما تعنيه عبارة «المشروبات الغازية للحمية» Diet Sodas للمستهلك الطبيعي.
وتعتمد تلك الشركات المنتجة على أن تحلية المشروبات الغازية تلك بأحد أنواع المُحليات الصناعية، وبخاصة أسبرتام Aspartame، التي هي بالأصل «مُحليات صناعية خالية من الكالوري» Non - Caloric Artificial Sweetener، يعني دخول الجسم مشروب خال من كمية السكريات في المشروبات الغازية العادية، والتي كمية السكريات فيها تعادل ما يملأ 12 ملعقة شاي من السكر، وبالتالي لن يتسبب تناول «الدايت صودا» بزيادة في وزن الجسم، وربما يُساعد في خفض الوزن. في حين تعتمد الدعاوى على أن تلك الشركات المنتجة للصودا تعلم بنتائج الدراسات الطبية التي تفيد بأن تناول تلك المُحليات الصناعية يتسبب في زيادة الوزن، ويُسهم في التسبب بالإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية؛ وهو ما يجعل الشركات تلك مُضللة للمستهلك بكتابتها عبارة «صودا الحمية» أو عبارة «صودا الصفر كالوري» Zero - Calorie Soda، ومخالفة لإصدارات هيئة الغذاء والدواء الأميركية FDA التي تمنع الشركات من كتابة عبارات زائفة أو مُضللة للمستهلك على المنتجات.

* استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».