فيلم «الكنز» بين التوقع والواقع

شريف عرفة يقفز فوق سور السينما المصرية

روبي في لقطة من «الكنز»  -  محمد رمضان بطل فيلم «الكنز»
روبي في لقطة من «الكنز» - محمد رمضان بطل فيلم «الكنز»
TT

فيلم «الكنز» بين التوقع والواقع

روبي في لقطة من «الكنز»  -  محمد رمضان بطل فيلم «الكنز»
روبي في لقطة من «الكنز» - محمد رمضان بطل فيلم «الكنز»

هذا الفيلم تنسبه وأنت مطمئن للمخرج شريف عرفة، يبدو ذلك بديهيا، لأن القاعدة المستقرة عالميا هي أن الفيلم يساوي المخرج. إلا أن ما يبدو مفروغا منه في الدنيا كلها ليس هو بالضرورة ما يجري بالضبط في السينما المصرية، التي باتت تتحرك وفق رغبات نجومها، هم الذين يملكون الكلمة العليا بعد أن باتت العصمة بيدهم، هم الذين يختارون فريق العمل بداية من المخرج حتى عامل (البوفيه)، وطبعا الكاتب والمونتير وفريق الممثلين، وفي أحيان كثيرة يعلو صوتهم في الاستوديو، وهم يتابعون كل التفاصيل، بينما المخرج الحقيقي والذي نقرأ اسمه على (الأفيش) و(التترات) يبدو صامتا لا حول له ولا قوة، الفيلم مع الأسف صار يساوي النجم وتلك هي (أُم المشكلات) في السينما المصرية.
شريف عرفة واحد من المخرجين القلائل الذين لم يتنازلوا عن مكانتهم، يقف في طليعة المخرجين الذين يمارسون حقهم الفني الشرعي، لا يزال متشبثا وممسكا بالعصمة في يده، فهو يقدم فيلمه وليس فيلم النجوم، بل غالبا نكتشف أنه صاحب الفكرة الدرامية للعمل الفني، ولا يتدخل أحد في اختياراته للنجوم حيث تُسند الأدوار وفقا لقناعته، وهكذا ستجد في الفيلم ثلاثة من النجوم محمد رمضان ومحمد سعد وهند صبري، إلا أنه في البداية والنهاية فيلم شريف عرفة ويحمل بصمته، الأمر هنا ليس له علاقة بمستوى العمل الفني بقدر ما يأتي معبرا عن فيلم ينتمي (جينيا) إلى المخرج.
يبدو شريف مغرما بالبحث عن الجذور، فهو يبحث عن عمق الأشياء وليس ظاهرها، ومن الممكن أن تلمح ذلك الهاجس في أول أفلامه «الأقزام قادمون» الذي أخرجه قبل نحو 30 عاما، إلا أنه تأكد بوضوح لافت في فيلمه الذي قدمه قبل نحو 17 عاما «الناظر» بطولة علاء ولي الدين، حيث تبدلت الأزمنة ولكن برؤية هزلية كثفها في المقدمة، هذه المرة نحن نتحرك برؤية تميل للجدية، في مساحة تقترب من أربعة آلاف عام، تعود في جزء كبير منها إلى ما قبل الميلاد، من الممكن أن ترى الفيلم بزاوية ما في بعده الأول مجرد كنز يبحث عنه أشخاص مشغولون بـ«الخبيئة» الفرعونية، وهذا هو ما يبدو طبعا في الجزء الأول، الذي عرض قبل نحو شهر، لأن الفيلم تم تنفيذه باعتباره مكوناً من جزأين، أي أنه لم ينتظر نجاح الجزء الأول كما حدث من قبل في «الجزيرة» وقدم جزءاً ثانياً بعد عدة سنوات، ولكن الفيلم، منذ بدايته وهو مصنوع على هذا النحو، كما أراه يضع الخبيئة باعتبارها الكنز وتلك الكلمة تملك ظلال كثيرة من الغموض. الفيلم دراميا يلعب في تلك المساحة الرمادية، هو في الحقيقة معني بالحب وعمقه وقيمته، وكيف أنه يقفز فوق كل المعوقات والحواجز مهما كانت نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، قصص الحب الثلاث إلى نراها في الجزء الأول وإحساسي أنها في الجزء الثاني من الفيلم سوف تتشابك في حكايات أخرى، لأن هذا هو ما يمهد له الشريط السينمائي الذي رأيناه في جزئه الأول، كما هو معنيا أيضا بالوطن، ومعني الانتماء.
ولكن قبل أن أواصل دعونا نتوقف أمام تلك المفارقة، نجما الفيلم محمد سعد ومحمد رمضان، سعد هو النجم الذي استطاع أن يحقق إيرادات ضخمة في شباك التذاكر منذ عام 2002 بفيلمه «اللمبي» تلك الشخصية التي ظلت ملازمة له وتحولت من تميمة نجاح إلى عُقدة عاشها سعد بكل تبعاتها، حيث تراجعت تماما مع الزمن إيرادات أفلامه، حتى تحول اسمه من عامل جذب للجمهور إلى عامل طرد، وفيلمه قبل الأخير «تحت الترابيزة» الذي قدمه في العام الماضي يشهد على ذلك التراجع الرهيب، فلأول مرة نرى الجمهور يبتعد عن أفلام البطل بمجرد أن يقرأ اسمه. شخصية «اللمبي» تم رسم ملامحها في فيلم «الناظر» تأليف أحمد عبد الله وإخراج شريف عرفة، كان دورا صغيرا ومحدودا في عدد مشاهده، ولكن شريف أثناء تنفيذ السيناريو استشعر أن تلك الشخصية التي تبدو في الوهلة الأولى هامشية، إلا أنها تستحق مساحة أكبر، لأن لديها شيء خاص وحميم يتلامس مع الجمهور، وهكذا خرج سعد من تجربة «الناظر»، وهو مؤهل بعد عامين لكي يعتلي القمة الرقمية في السينما المصرية. وبالفعل تعددت نجاحاته، إلا أن مع الزمن كان ينبغي على من أحضر عفريت «اللمبي» أن يصرفه أيضا، وهكذا تمكن شريف عرفه من أن يسند دور اللواء بشر رئيس قسم البوليس السياسي إلى محمد سعد لينتقل إلى آفاق أبعد وينسى تماما نجاحه في شخصية «اللمبي» التي خنقته تماما وكادت أن توقف مسيرته الفنية، بعد أن تحولت إلى عُقدة، وهكذا صرف عرفة العفريت. الغريب أن الدور الذي كان مرشحا له في البداية أحمد السقا إلا أنه بعد أن أبدى موافقة مبدئية تراجع في اللحظات الأخيرة ليقتنص الدور محمد سعد رغم أنه ظل مترددا هو الآخر بعض الوقت، حتى أقنعه شريف عرفة، بأن هذا الدور هو فقط الذي سيعيده مجددا إلى مكانته على الخريطة.
نأتي إلى البطل المشارك في الفيلم محمد رمضان والذي تراجعت إيراداته في آخر فيلمين «آخر ديك في مصر»، و«جواب اعتقال»، بدأ البعض يتشكك في جدارته بالمقدمة الرقمية، وقطعا هذا الفيلم لم يحقق أيضا الإيرادات الضخمة التي انتظرها رمضان مما دفعه أن يكتب على صفحته أنه في العام المقبل يعد جمهوره بتقديم أفلام شديدة الجماهيرية تعيد له إيراداته السابقة على غرار «عبده موتة».
أكبر مأزق يواجه أي عمل فني هو أن يعرض في توقيت غير ملائم، وأظن أن هذا هو واحد من الأسباب التي أثرت سلبا على المردود التجاري لفيلم شريف عرفه «الكنز» الذي حل ثانياً وبفارق ضخم جدا عن فيلم «الخلية» الذي تفوق وبوضوح لافت في الإيرادات ووصل إلى أكثر من الضعف، إلا أنه قطعا ليس السبب الوحيد.
جمهور العيد، خاص جدا لديه هدف مباشر وهو التسلية، ومن الممكن أن يجدها في أفلام التشويق مثل «الخلية» أو الكوميديا مثل «خير وبركة»، لدينا فيلم، أقصد «الكنز»، يريد من المتلقي أن يصبح فاعلا في هذا الفيلم أثناء المتابعة، الشريط يبحث عن المتفرج الإيجابي الذي يتفاعل معه، وليس المسترخي على مقعده، ومن هنا جاء «الكنز» في سره وسحره وأيضا في تعثره. وإن كنت أرى أن الفيلم قادر مع الزمن على اكتساب شريحة من الجمهور، خاصة وأنه يحتوي على جزء ثان من المفترض أن يعرض قبل نهاية هذا العام، أي أنه سيتكامل في نهاية الأمر.
«الكنز» يتحرك دراميا خلال أربعة أزمنة، ما يقرب من 4 آلاف عام؛ مصر الفرعونية والعثمانية وعهد الملك فاروق ثم مصر في منتصف السبعينات.
الأحداث تبدأ في أوروبا عام 1975، ونحن نرى هيثم أحمد زكي الذي يؤدي دور عم أحمد، حاتم الشاب المريض الذي يعيش هناك مع ابن شقيقه. نكتشف طبعا مع مرور الزمن أنه شخصية مطلوبة لدخول السجن، فهو مزور ونصاب رغم أن أخوه كان رئيس القلم السياسي في وزارة الداخلية قبل الثورة، إلا أنه يظل مطلوبا رغم ذلك بعد الثورة أيضا، يؤدي دور رئيس القلم السياسي في وزارة الداخلية محمد سعد، ونقترب منه لنكتشف أنه يحب مطربة الملاهي الليلية التي تؤدي دورها أمينة خليل، ونتابع قصة الحب الفرعونية بين هند صبري (حتشبثوت) التي تستجيب مشاعرها لأحد من العامة يؤدي دوره هاني عادل رغم زواجها طبقا للقرار المقدس من رجال الدين (الذين يمثلهم محيي إسماعيل) من رمزي لينر الذي يؤدي دور (تحتمس الثاني)، وهو في الحقيقة يبدو مجرد واجهة للحكم ينطق فقط بلسان (حتشبسوت) الحاكم الفعلي. ولدينا خط ثالث يجمع في قصة حب مستحيلة بين محمد رمضان، الذي يؤدي دور على الزيبق، وروبي. المخرج ينتقل من زمن إلى آخر ومن حكاية إلى أخرى، والجمهور الذي تعود على طريقة سرد سينمائي تتحرك في خط درامي يتصاعد رأسيا يألفه وتعود عليه، هذه المرة عليه أن يتحرك في خط زماني ومكاني أفقي ليستطيع أن يمنح كل تلك الحكايات عمقها الفكري والتاريخي، وكان المخرج قد حرص حتى لا يحاسبه أحد تاريخيا أن يؤكد في التترات أن الفيلم مستوحى من التاريخ إلا أنه غير ملتزما به حرفيا، هذا هو ما يمكن اعتباره (فانتازيا خيالية). بالفيلم عناصر تفوقت مثل تصوير أيمن أبو المكارم، ومونتاج داليا ناصر، وموسيقي هشام نزيه، وديكور أنسي أبو سيف، وملابس ريم العدل، واستعراضات عاطف عوض. «الكنز» تجربة جديرة حقا بالتوقف عندها في ظل سينما شحيحة جدا لا تسمح لأحد بالقفز على السور. فعلها شريف وقفز، المشكلة أن قطاعاً وافراً من الجمهور لم يفعلها ويقفز هو أيضاً ليلتقيه خارج السور.


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».