سباق على طاولة التسوية

ميدانياً، يجري حالياً في صحراء سوريا الشرقية سباق محموم بين قوات النظام السوري، المدعومة من روسيا، وقوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة.
عسكرياً، محط رحال السابقين مدينة دير الزور، آخر معاقل دولة «داعش» السيئة الذكر والذكرى.
أمّا سياسياً، وبصرف النظر عمّن يضع يده قبل الآخر على دير الزور، فسيظل الرابح الفعلي روسيا... إن لم يكن الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً. لماذا؟ لأن سباق دير الزور، بأبعاده الإقليمية والدولية، مؤشر كاف على «تورط» الولايات المتحدة في عملية التسوية السياسية المرتقبة في سوريا... ليس لأن سوريا عزيزة إلى هذا الحد على قلب الرئيس بوتين، بل لأنّها ستكون ورقة أخرى مؤثرة في مسار طموحه لإعادة ترتيب موازين القوى الدولية على أسس أكثر واقعية - بنظره - من معادلتها الراهنة.
ليس سراً أنّ بين روسيا والولايات المتحدة أكثر من خلاف دولي واحد، وأنّ ملابسات انتخاب دونالد ترمب لمنصب الرئاسة الأميركية أضافت عاملاً شخصياً عليها. وليس سراً أنّ اليد الطولى في أي تسوية محتملة لهذه الخلافات ما زالت في جعبة الولايات المتحدة وشركائها في حلف شمال الأطلسي. من هنا، ما يبدو مسعى دبلوماسياً روسياً للتوصل إلى تسوية دولية «بالجملة» لكل خلافاته مع واشنطن، وليس «بالمفرق»، بدءاً بأوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وانتهاءً بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده... ما يعني أن من مصلحة روسيا إثارة خلافات تملك هي اليد الطولى في حلها.
وإذا كانت سوريا مثالاً نادراً على هذه الخلافات، فإنّ «الحالة» الكورية الشمالية مثال أبرز، وقطعاً أجدى، فقد تكون «الحالة» الكورية الشمالية مثالاً أكثر خطورة، ومدعاة لتفاوض مبكر على كل الخلافات.
قد يكون مستبعداً اتهام روسيا بتحريك الخطر النووي الكوري الشمالي في هذا التوقيت بالذات. ولكن مسارعة روسيا - والصين - لإبداء «تحفظاتهما» على نص مشروع قرار مجلس الأمن الذي يدين التجربة النووية الكورية، توحي بأنّ «توظيف» الحالة الكورية الشمالية في العلاقات الروسية - الأميركية بدأ فعلياً. وعلى ضوء الجدية التي تنظر فيها الولايات المتحدة إلى الخطر النووي الكوري الشمالي، لن يكون مستبعداً أن تقرّب «الحالة الكورية» مرحلة التفاوض على الخلافات القائمة بين موسكو وواشنطن. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: إلى أي مدى يمكن فصل التسوية السورية عن «سلة» الخلافات الروسية - الأميركية؟
قد تكون الضمانة العملية لمقاربة التسوية السورية من منطلق إقليمي بالدرجة الأولى تعدد اللاعبين المحليين على ساحتها، وتحديداً كثرة من يمكن تسميتهم بدول الصف الثاني - خصوصاً تركيا وإيران - ولكل منهما «أجندته» الخاصة التي يعمل - ولا شك يضغط على الدولة الربيبة له - لفرضها.
الحصيلة الأولية الممكن توقعها من تقاطع «أجندة» الدولتين العظميين و«أجندة» دول الصف الثاني، هي تأخير التسوية السياسية في سوريا... ربما إلى أجل يتيح لمناطق «خفض التوتر» التحوّل إلى «أمر واقع» جغرافي وإثني، أو يحمل الولايات المتحدة وروسيا على إيجاد صيغة تعايش جديدة لنفوذهما في المنطقة.
وفي كلتا الحالتين، تكون روسيا الدولة التي نجحت في التحول إلى «شريك مضارب» للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهو حلم قديم للرئيس بوتين.