الأصولية والإرهاب عقبتان في طريق علاقات تاريخية وجغرافية

أوروبا والإسلام... علاقة تزيد عن الألف عام

دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)
دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)
TT

الأصولية والإرهاب عقبتان في طريق علاقات تاريخية وجغرافية

دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)
دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)

أحد أهم الأسئلة المطروحة مؤخرا على الساحة الفكرية هو ذاك المتعلق بالعلاقة بين القارة الأوروبية وبين الإسلام كدين والمسلمين كأتباع لهذا الدين، وهي علاقة في حقيقة الأمر تعود إلى قرون طويلة مضت، نعم ربما لم تكن بأكملها سخاء رخاء، لكن بنوع أو آخر شهدت نوعا من أنواع التعاون والتعايش.
والآن يتساءل المراقبون هل العمليات الإرهابية الأخيرة عطفا على تنامي الأصوليات الراديكالية سوف تشكل عقبة وقطعاً على طريق التعايش المشترك أم أوروبا التنوير والتسامح، سوف يقدر لها القفز فوق هذا الحاجز واعتباره جملة اعتراضية لا أكثر في علاقة تزيد عن الألف عام.

في هذه القراءة التحليلية، نحاول أن نطوف مع القضية الملحة وذلك عبر رؤى لعدد من كبار المفكرين الغربيين والمسلمين على حد سواء من أجل وضع ملامح ومعالم هذه العلاقة، والتي تؤثر ولا شك على مستقبل الحياة في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط معا.
لا يمكن القفز مرة واحدة من أربعة عشر قرناً خلت إلى الواقع المعاصر الأوروبي الحديث لتبيان شكل العلاقة بين أوروبا والمسلمين، وسط المخاوف الآنية، ولهذا يتوجب أن نقترب عبر القرنين السابقين على الأقل.
تحدثنا ديبا كومار أستاذ مشارك الدراسات الإعلامية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة «روتجرز» الأميركية في كتابها «فوبيا الإسلام والسياحة الإمبريالية»، عن الغرب الذي بات قبل قرن ونصف تقريبا ينظر إلى الشرق بوجه عام وإلى العثمانيين بوجه خاص على أنهم أدنى من الغرب وغير قادرين إلا على إفراز مجتمعات استبدادية، ثم تحولت هذه الصورة الجدلية إلى صورة غرائبية أثناء الحقبة الرومانية، وتعايشت مع هذه الفانتازيا مع رؤى أدق للإسلام ظهرت أثناء عصر التنوير وإيجازا، كما تقول المؤلفة، وعلى العكس من أكذوبة أن الغرب والشرق كانا دائما في حالة صراع فإن الصراع تعايش في حقيقة الأمر مع التعاون، وبعيدا عن فكرة أن الشرق شرق والغرب غرب وأن الاثنين لا يمكن أن يلتقيا أبدا، فإن ما شهدناه هو أن تاريخ الشرق وتاريخ الغرب، بقدر ما يمكننا حتى أن نتحدث عن شرق منفرد وغير منفرد، يوجد بينهما تداخل وثيق.
السؤال الحيوي والجوهري هنا... «هل كان للغرب دوما صورة سلبية ومشوهة عن الإسلام والمسلمين؟ والجواب الأول لم يكن ذلك كذلك أبدا، وإنما وجد لا سيما في مراحل الاستعمار من عمل على تعزيز «شيطنة الإسلام والمسلمين»
.يعن لنا ونحن نتناول المخاوف جراء الحوادث الإرهابية في العقدين الماضيين عامة، وفي العامين الأخيرين خصوصا أن نتساءل، هل كانت الإسلاموفوبيا عقبة كئود قائمة بدورها على خط الاتصال والتواصل بين الجانبين قبل حدوث تلك العمليات ووقوع قتلى ومصابين وإراقة دماء أوروبية على الإسفلت؟
أفضل من يقدم لنا جواب في هذا الإطار إيدوي بلينيل الكاتب والصحافي الفرنسي في كتابه القيم «من أجل المسلمين»، ومن ترجمة الأستاذ عبد اللطيف القرشي، وعنده أن قضية الإسلام يتم توظيفها بكثافة لصناعة عدو داخلي لخلق حالة من الفزع لدى جزء هام من الرأي العام الأوروبي عامة والفرنسي خاصة، ذاك الذي أصبح يتبنى مواقف عنيفة ضد قضايا الهجرة، التي صارت مرادفة - في كثير من وسائل الإعلام – للإسلام والتطرف والإرهاب والغزو الثقافي وغيرها من مفردات القاموس الكزينوفوبي (الخوف من الأجانب والغرباء).
يقودنا بلينيل إلى تقرير اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان عام 2013 (قبل ظهور داعش) وفيه يبدو واضحا استفحال العنف، وإن المعطى الأكثر ثباتا وتجذرا في هذا العنف هو التعصب المعادي للمسلمين والتكتل المناهض للإسلام.
وعليه فإذا قورنت المرحلة الحالية في أوروبا بمرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية تحديدا، فإنه يمكننا القول إن المسلم متبوع بالمغاربي عوض اليهود قد بات في التمثلات الأوروبية الحديثة هو كبش الفداء، حسب تعليق علماء الاجتماع والسياسة الذين استشارتهم اللجنة.
في هذا الإطار أصبحت تطرح قضايا جديدة مثل اقتراح منع الرموز الدينية (الحجاب) في الجامعات والمدارس العليا، وبات التوظيف المتهافت للإسلاموفوبيا بذريعة حماية «العلمانية» وتحصينها يؤكد على استعجالية وراهنية التصدي للتوظيف السياسي لقضايا الهجرة والإرهاب.
هنا قد ينبغي على الأوروبيين أن يفصلوا فصلا عقلانيا بين هاتين القضيتين، سيما وأنه ليس بينهما علاقة السبب والنتيجة كما يحاول البعض التدليل على ذلك بِلَيّ عنق الحقائق وتزييف الوقائع، ويدعو إلى مقاربة سؤال الإسلام بمفاهيم التلاقح الثقافي والتنوع الحضاري وتعدد الهويات وديناميتها... لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك وهناك من يزرع الشكوك في طريق المسلمين وعلاقتهم بأوروبا؟
يبقى بطريرك الاستشراق برنارد لويس، زارعا للشكوك، ومنذ وقت طويل، وهو لا ينسى رغم تجنسه بالجنسية الأميركية قبل بضعة عقود، إنه أوروبي الأصول، بريطاني النزعة، ولهذا فإنه يقدم صورة لأوروبا العنصرية، ذات الرؤية غير التصالحية أو التسامحية مع الإسلام والمسلمين، والغريب والعجيب، أنها رؤية سبقت الأحداث الإرهابية الأخيرة، وسبقت ظهور «داعش»، وقد أوردها في كتابه «الإيمان والقوة والدين والسياسة في الشرق الأوسط»، الصادر عام 2010 عن جامعة أكسفورد.
يفرد الفصل الثاني عشر من مؤلفة للحديث عن أوروبا والإسلام، والكتاب من ترجمة الأستاذ أشرف محمد كيلاني، وفيه ينزع لويس إلى فكرة التنبؤات التي تحقق ذاتها بذاتها، من خلال حديثه عن الأقلية الأوروبية المتعصبة، والتي تتكاثر عتادا وعددا وعدة في الأعوام الأخيرة.
هذه الأقلية ترى أن ما يحدث في أوروبا اليوم هو الموجة الثانية لهجوم المسلمين... أنهم يتحدثون بصوت عال، «يجب ألا نخدع أنفسنا فيما يتعلق بماهية تلك الهجمة وما تعنيه وهي تتخذ أشكالا مختلفة هذه المرة، اثنين تحديدا: الإرهاب والهجرة... كيف فعلها لويس قبل عام من انفجار ما عرف بـ«الربيع العربي» الذي قادنا إلى الهجرة واللاجئين وأذكى من نيران الإرهاب القاعدي ثم الداعشي دفعة واحدة؟
أما الإرهاب عنده فهو جزء من القضية الأكبر للعنف، واستخدامه في خدمة الدين، ويروج لأن الإسلام يوصي ويأمر به كحقيقة حياتية وأن المسلمين يؤمنون بأن العالم ينقسم إلى دار الإسلام، حيث يسود الحكم والقانون الإسلامي، وتعرف البقية بدار الحرب.
أما الشكل الآخر الأكثر ارتباطا بين المسلمين وأوروبا فهو الهجرة، ومن هنا يفهم المرء، ميل لويس إلى ترجيح فكرة فقدان أوروبا لطبيعتها الديموغرافية، وإشاعة طرح أسلمة القارة المسيحية، عبر تكاثر أعداد المسلمين بها.
البحث المعمق في قراءة فكر برنارد لويس يقودنا إلى ما لا يمكن أن نتوقعه، من عينة وجود أرضية خصبة تجمع الأصوليين المسلمين ببعض الحلفاء في أوروبا أيضا.
يرى الرجل، أن الإسلاميين الراديكاليين لهم جاذبية يسارية لدى العناصر المعادية لأميركا في أوروبا، كبديل عن السوفيات، ولهم جاذبية يمينية لدى العناصر المعادية لليهود في أوروبا كبديل عن النازيين، وقد تمكنوا من كسب تأييد كبير تحت كلا العنوانين، وغالبا من نفس الشعب، ويرى البعض في أوروبا أن الضغائن تفوق الولاءات بوضوح.
وثمة اختلاف مثير للاهتمام في ألمانيا، حيث أكثرية المسلمين من الأتراك، وهناك غالبا ما كانوا يميلون لمساواة أنفسهم باليهود، ويعتبرون أنفسهم قد خلفوا اليهود كضحايا للعنصرية والاضطهاد الألماني.
يذكر أحدهم اجتماعا عقد في برلين لمناقشة أوضاع الأقليات المسلمة الجديدة في أوروبا، وفي المساء طلبت مجموعة من المسلمين الأتراك أن ينضم «لويس» إليهم وسماع ما لديهم بهذا الشأن، وهو ما كان مثيرا للاهتمام حقا، وكانت أكثر عبارة علقت في ذهنه ما قاله أحدهم: «على مدى ألف عام لم يتمكنوا (يقصد الألمان) من قبول 400 ألف يهودي، فأي أمل هناك في أن يقبلوا مليوني تركي؟
لكن لويس يضع كعادته السم في العسل، إذ يشير إلى أن المسلمين الأتراك يستخدمون هذه العبارة ويلعبون على الشعور بالذنب لدى الألمان لتعزيز أجندتهم الخاصة...
ضمن خطوط البحث عن مستقبل العلاقة بين أوروبا ومسلميها والإسلام بشكل عام نجد أن هناك من يروج لفكرة أسلمة القارة الأوروبية.
يذهب الكاتب الفرنسي اليميني الأمازيغي اليهودي الأصل إيريك زيمور، صاحب كتاب «انتحار فرنسا»، والداعي لطرد المسلمين منها، إلى أن منهج مقارنة وضعية اليهود في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ووضعية المسلمين في فرنسا اليوم هو وضع معيب، فاليهودي - كما جاء في مقال له بصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بتاريخ أكتوبر (تشرين الأول) 2014، كان يقدم بوصفه ثريا حقق نجاحا غير مستحق، أما الخوف الذي يثيره المسلمون اليوم فراجع إلى كثرتهم العددية وإلى التطرف والإرهاب الإسلاميين حسب وصفه، فضلا عن أن كون العنف الذي يتهدد اليهود في فرنسا يقف وراءه في أغلب الحالات مسلمون.
في السياق نفسه سار الكتاب والصحافي في موقع «أتلانتيكو» للأخبار اليميني «بونوا رايسكي» والمتخصص في مهاجمة الإسلام، فقد كتب مقالا عنوانه «من الواجب علينا أن نكون إسلاموفوبيين»، وقد حاول رايسكي دوما تعويم قضية الإسلاموفوبيا الفرنسية في مناخ دولي يتميز بالجرائم المرتكبة ضد المسيحيين في نيجيريا والعراق والسودان وذبح الرهائن الغربيين في مناطق «داعش».
من هنا يطفو على السطح التساؤل: «هل سيكون هناك أوروبا متأسلمة أم إسلام متأورب؟ والجواب غير واضح أو محسوم حتى الساعة سيما وأن الأحداث الإرهابية الأخيرة تخلط المشهد خلطا مخيفا.
نحن على الأرجح أمام مرحلة جديدة من علاقة أوروبا بالإسلام والمسلمين؟ باختصار غير مخل يمكننا القول إن العلاقة المباشرة بين أوروبا والإسلام قامت خلال ثلاث مراحل أو أزمنة مختلفة من حيث الجوهر، وفي كل محطة من هذه الحقبات كان المحاور المسلم الذي تلتقيه أوروبا مختلفا، وبما أننا نستطيع ولو تجاوزا اعتبار هذا المحاور ممثلا للإسلام، والناطق باسمه، فإنه يمكن القول كذلك إن هذا الناطق باسم الإسلام والمضطلع بهذا الدور كان يختلف في كل زمن من تلك الأزمنة.
على هذا النحو برز العرب في زمن أول، والأتراك العثمانيون في مرحلة ثانية، والمغول في مرحلة ثالثة.
ومن ثم هنا من يرى أننا إزاء مرحلة رابعة من علاقة أوروبا بالمسلمين داخلها بداية وتاليا خارجها مع الأخذ في عين الاعتبار التبعات والاستحقاقات التي تولدها المواجهات الإرهابية في الداخل على العلاقة مع مسلمي العالم الخارجي؟
أفضل ما يمكن أن نختتم به السطور المتقدمة حيث الحيرة والضبابية تلف المشهد،، سطور إيدوى بلينيل الفرنسي المنتمي بحق إلى عصر الأنوار، والذي لم تغير موقفة طلقات رصاص الإرهابيين في مسرح «الباتاكلان»، ولا شر سائق شاحنة «نيس»، وغير ذلك من حوادث إرهابية شهدتها فرنسا.
بلينيل يرى أن الخلط بين جماعة بشرية بأكملها بالانتماء أو بالثقافة أو بالعقيدة وتصرفات بعض الأفراد الذين يحسبون أنفسهم عليها أو يتباهون بالانتماء إليها هو تمهيد للظلم، والتزام الصمت أمام خطابات كهذه هو تعويد لوعينا على الإقصاء، من خلال إضفاء شرعية التمييز، وإسباغ الاحترام على التشويش.
وفى كل الأحوال تبقى أوروبا أمام اختبار صعب. والتاريخ حافظ لما جرى في القرن الماضي، عندما بينت المأساة الأوروبية النتائج الكارثية لدوامة العداء والكراهية، ومن خلال التقبل السلبي لصناعة المشكلة اليهودية، ولمجرد مسؤولية الأوروبيين عن الإرث، ولهذا نجد البعض في الداخل الأوروبي يرفضون بكل قوة هذه الصناعة الحداثية الماكرة والملحة للمشكلة الإسلامية، وإن كانوا أقلية في وسط عدد أكبر وأصوات أعلى لتيارات اليمين العنصري، وأصحاب الاتجاهات القومية السوفياتية.
أغلب الظن أن قادة الرأي وحملة مشاعل التنوير في القارة الأوروبية هم المنوط بهم تصحيح المشهد في الداخل الأوروبي، حيث صار تقديم الإسلام باعتباره ديناً مقاوماً للحداثة أمراً مألوفاً، الأمر الذي يزكي نيران التصادم بين المسلمين في أوروبا وأصحاب اليمين فيها من الأوروبيين المتشددين، وبهذا يفتحون الباب واسعاً لمزيد من الأصولية القاتلة، إذ ساعتها تبقى الأصولية الإسلامية هي التعبير عن التعارض الجوهري بين الإسلام والغرب، ناسين أو متناسين أن العالم الإسلامي دخل بالفعل في مرحلة الثورة الديموغرافية كما يقول المؤرخ الفرنسي إيمانويل تود، بل والثورة الثقافية والفكرية التي أدت سابقاً إلى تطور البلاد التي تعد اليوم أكثر المناطق تقدماً في العالم، وهو يتوجه على طريقته ناحية نقطة يلتقي فيها بتاريخ كلي وأكثر شمولاً.


مقالات ذات صلة

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.