تسمم الحديد... ومضاعفاته على الأطفال

يحدث بسبب خلل جيني أو عند علاج المصابين بفقر الدم

تسمم الحديد... ومضاعفاته على الأطفال
TT

تسمم الحديد... ومضاعفاته على الأطفال

تسمم الحديد... ومضاعفاته على الأطفال

على الرغم من ندرة الإصابة بتسمم الحديد «iron poisoning» (زيادة نسبة الحديد بالجسم) عند علاج عدد من الحالات المرضية لدى الأطفال، فإنها تعتبر من الأمور واردة الحدوث أحياناً كحادث عارض في بعض الأطفال الذين يتناولون الأقراص عن طريق الخطأ، أو مرضى الأنيميا الحادة الذين يضطرون لنقل الدم باستمرار، كما يمكن حدوثها نتيجة لتناول كثير منهم جرعات كبيرة جداً من الحديد، سواء شراباً في الأطفال الصغار أو أقراص الحديد في الأطفال الأكبر عمراً. وفي بعض الأحيان النادرة عن طريق الحقن كعلاج لحالات الأنيميا الشديدة، وأخيراً يمكن أن تحدث بشكل طبيعي في بعض الأحيان في الأطفال العاديين نتيجة لخلل جيني (Hemochromatosis) يؤدي لزيادة امتصاص الحديد من الطعام بشكل مبالغ فيه. ويعتبر تسمم الحديد من المشكلات الطبية التي تتطلب التدخل العاجل خصوصاً في الأطفال.
من المعروف أن الحديد يدخل في تركيب كثير من خلايا الجسم، كما أنه ضروري لعمل كريات الدم الحمراء (ولذلك يستخدم في علاج الأنيميا، أي فقر الدم)، ولكن يجب الوضع في الحسبان أنه ليست كل حالات الأنيميا يكون علاجها الحديد.
- دور الحديد
كما أن جرعة الحديد الزائدة يمكن أن تظل في المعدة حتى بعد حدوث القيء. وهي تسبب تهيجاً للجهاز الهضمي وفي بعض الأحيان يمكن أن تسبب نزيفاً، ويمكن إذا لم يتم العلاج أن يَحدث تلف للكبد في غضون أيام.
ولذلك يجب التعامل مع تسمم الحديد على أنه حالة طوارئ طبية، وفي الأغلب يحدث ذلك في الأطفال تحت عمر الخامسة، إذا تم تناولهم جرعات الكبار الذين يتناولون الحديد أو الفيتامينات التي تحتوي على الحديد عن طريق الخطأ. ويجب الوضع في الحسبان أن تناول الأطعمة الغنية بالحديد مثل اللحوم والتفاح والسبانخ وغيرها لا يسبب تسمم الحديد مهما كانت الكميات التي يتناولها الطفل، إذ إن الكمية الممتصة لا يمكن أن تسبب التسمم.

- الأعراض
تتميز أعراض تسمم الحديد بحدوثها بشكل سريع، خلال نحو 6 ساعات في الحالات التي يحدث فيها تناول جرعة زائدة، وتحدث في عدة أجهزة من الجسم مثل الجهاز التنفسي والأمعاء والمعدة والقلب والأوعية الدموية والكبد، وتحدث على 5 مراحل:
- المرحلة الأولى (حتى 4 ساعات) ويمكن أن يحدث فيها قيء، أو قيء مدمم وإسهال وآلام بالبطن ودوار وسرعة في ضربات القلب وتشنجات وخلل في الوعي وهبوط بالضغط.
- المرحلة الثانية (من 4 وحتى 12 ساعة) ويحدث فيها تحسن نسبي للأعراض ويشعر المريض بالراحة.
- المرحلة الثالثة (من 12 وحتى 24 ساعة) تسوء الحالة، ويمكن أن يحدث فيها هبوط شديد للضغط ونزيف وتشنجات، كما تحدث زيادة في نسبة الصفراء بالدم ويمكن حدوث فشل كبدي.
- المرحلة الرابعة (من يومين إلى 5 أيام) ويحدث فيها تدهور للحالة، ويمكن حدوث انخفاض شديد لمعدلات الغلوكوز بالدم، كما تحدث صعوبة في التنفس وخلل في الوعي يمكن أن يؤدي إلى غيبوبة، ويمكن أن تتطور الحالة وتحدث الوفاة في هذه المرحلة.
- المرحلة الخامسة (من أسبوعين وحتى 5 أسابيع) يحدث فيها ما يشبه الندبة بعد التئام النزيف في المعدة والأمعاء، وهذه الندبات يمكن أن تؤدي إلى انسداد في الأمعاء وآلام في البطن وتقلصات وقيء، ويمكن حدوث تليف في الكبد

- التشخيص والعلاج
• يجب أن يتم التشخيص بشكل سريع حتى يمكن البدء في العلاج مباشرة. وفي الأغلب يعتمد على التاريخ المرضي لتناول الحديد عن طريق الخطأ أو تكرار نقل الدم في فترات متقاربة، ويجب عمل تحليل لقياس نسبة الحديد في الدم وإخبار الطبيب عن العلاج الذي يتناوله الطفل والفيتامينات المختلفة. وعلى سبيل المثال، فإن فيتامين سي (vitamin C) يزيد من امتصاص الحديد، وبالتالي يزيد مستواه في الدم ويجب إجراء تحليل لنسبة الغلوكوز بالدم، وفي بعض الأحيان يتم عمل أشعة عادية على البطن تظهر كبسولات الحديد التي تم تناولها عن طريق الخطأ.
• يتم العلاج تبعاً للمرحلة التي يحدث فيها التسمم، ومنها علاج مشكلات الجهاز التنفسي وعلاج هبوط الضغط، وفي الأغلب تجرى عملية غسيل للمعدة للتخلص من الكميات الزائدة من الحديد حتى لا تسبب ضرراً للجسم، كما يتم إعطاء مادة معينة تتحد بالحديد وتتخلص من الحديد الزائد وتساعد في نزوله في البول (iron chelating agent)، وهذه المادة يتم إعطاؤها عن طريق الحقن، سواء من خلال الوريد أو تحت الجلد، ويجب أن تتم في المستشفى.

- المضاعفات
في الأغلب يتم العلاج والشفاء بشكل كامل.
يعتبر الفشل الكبدي وعدم قدرة القلب على القيام بوظائفه من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الوفاة في حالة تسمم الحديد، فضلاً عن المضاعفات الأقل خطورة، مثل الإصابة بمرض السكري في حالة تدهور وظائف الكبد.

- احتياطات خاصة
يجب أن يتم وضع كبسولات الفيتامينات في مكان بعيداً عن متناول الأطفال، كما يجب أن تكون العبوات صعبة الفتح بالنسبة للأطفال، ويجب أن يتم قياس نسبة الحديد بشكل دوري للأطفال الذين يتلقون الحديد بشكل مزمن، وكذلك من يتم نقل الدم لهم باستمرار.
كما يجب أيضاً ألا يلجأ الآباء من تلقاء أنفسهم بإعطاء الحديد لأطفالهم ظناً منهم أنه يمكن أن يساعد في تحسين صحتهم، خصوصاً إذا كان ذلك دون عمل تحليل لعدد كريات الدم.

* استشاري طب الأطفال



اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات
TT

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة نُشرت في نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي في مجلة الرابطة الطبية الأميركية «JAMA Network Open»، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة المختلفة في سن مبكرة أثناء فترة المراهقة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب. وبالتالي يكون هؤلاء الأطفال مدفوعين لتعاطي هذه المواد أكثر من غيرهم الذين يتمتعون ببنية مخية طبيعية.

دراسة المخ

الدراسة التي تم تمويلها من المعاهد الوطنية الصحية (NIH) بالولايات المتحدة وقام بها باحثون من جامعة واشنطن Washington University بسانت لويس أجريت على ما يقرب من 10 آلاف مراهق من جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث تمت متابعتهم عن طريق تحليل بيانات تم جمعها من دراسة سابقة (وهي: دراسة التطور المعرفي لمخ المراهقين ABCD Study التي تُعد أكبر دراسة طولية لتطور المخ في الأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة)، التي يدعمها المعهد الوطني لتعاطي المخدرات التابع للمعاهد الوطنية للصحة (NIDA).

قام الباحثون بعمل مراجعة وتقييم لأشعة الرنين المغناطيسي التي أجريت على المخ لـ9804 أطفال عندما كانت أعمارهم تتراوح بين 9 و11 عاماً. وبطبيعة الحال لم يكن هناك أي طفل قام بتجربة أي مادة مخدرة.

وبعد ذلك قام الباحثون بتتبع المشاركين على مدى ثلاث سنوات لمعرفة بدء تعاطي المواد المختلفة وركزوا على مراقبة تعاطي الكحول والنيكوتين و / أو نبات القنب بشكل أساسي؛ لأن هذه المواد على وجه التحديد تعد الأكثر شيوعاً في مرحلة المراهقة المبكرة في الولايات المتحدة. وهذه المتابعة كانت من خلال سؤال المراهقين وذويهم بشكل مباشر، أو من خلال السجلات التي تفيد بتورط هؤلاء الطلاب في تجربة هذه المواد.

وتضمنت الأسئلة استخدام أي مواد غير مشروعة أخرى (مثل الأدوية العصبية من دون وصفة طبية والأقراص المخدرة). ثم قام الباحثون بعمل مقارنة بين صور الرنين المغناطيسي الخاصة بالمراهقين الذين أبلغوا عن بدء تعاطي المواد المخدرة بأنواعها المختلفة قبل بلوغهم سن 15 عاماً بأقرانهم الذين لم يقدموا على تجربة المخدرات، لمعرفة إذا كانت هذه الفرضية (ارتباط تشريح المخ بزيادة القابلية للمخدرات) صحيحة أم لا.

وقال معظم الطلاب (90.2 في المائة) الذين شملتهم الدراسة إنهم قاموا بتجربة تناول الكحوليات مرة واحدة على الأقل قبل عمر الخامسة عشرة. وقالت نسبة كبيرة منهم إنهم قاموا بشرب الكحول بالتزامن مع التدخين سواء النيكوتين أو نبات القنب. وفي المقابل، قال الأطفال الذين قاموا بتجربة التدخين في البداية إنهم بدأوا أيضاً في تعاطي الكحول بعد فترة بسيطة من التدخين، ما يعني أن تجربة مادة معينة في الأغلب تؤدي إلى تجربة بقية المواد.

اختلافات تشريحية

قام العلماء بتقييم الاختلافات التشريحية الظاهرة في الأشعة تبعاً لمقاييس معينة مثل الحجم الكلي للمخ، والسمك، وكذلك النتوءات الموجودة، وعمق طيات المخ depth of brain folds واهتموا بشكل خاص بطبقات القشرة المخية، وهي الطبقة الخارجية من المخ المليئة بالخلايا العصبية. وهي مسؤولة عن العديد من العمليات الإدراكية والعاطفية، مثل التعلم والإحساس والذاكرة واللغة والانفعالات العاطفية واتخاذ القرار (من المعروف أن هذه المقاييس والخصائص ترتبط بالتباين في القدرات المعرفية وردود الفعل والتوصيلات العصبية من شخص لآخر).

ووجد الباحثون اختلافات واضحة في بنية خلايا المخ للمراهقين الذين أبلغوا عن بدء تعاطي المواد المخدرة قبل سن 15 عاماً وأقرانهم الذين لم يقوموا بتجربة المواد. وعلى سبيل المثال، كانت هناك زيادة في حجم المخ الكلي، وأيضاً زيادة في حجم القشرة المخية للمراهقين الذين قاموا بتعاطي المواد المختلفة، سواء المخدرات أو الكحوليات. وأيضاً كان هناك ما يقرب من 39 اختلافاً إضافياً بين مخ الذين جربوا المواد وأقرانهم في الكفاءة الوظيفية للخلايا وسمك القشرة المخية. وقال الباحثون إنهم وجدوا في بعض الحالات اختلافات في شكل الخلايا وبنيتها بطريقة فريدة من نوعها تبعاً لطبيعة المادة المستخدمة.

الإدمان لا يحدث فقط بسبب الانحراف السلوكي بل ربما لسبب قهري

وأظهر تحليل حديث آخر للبيانات الخاصة بالدراسة نفسها (التطور المعرفي لمخ المراهقين ABCD Study) أن أنماط التوصيلات العصبية في المخ في مرحلة المراهقة المبكرة يمكن أن تتنبأ ببدء تعاطي المواد المخدرة في الشباب، وهو الأمر الذي يؤكد أن إدمان هذه المواد ليس فقط بسبب الانحراف السلوكي والمشاكل النفسية، ولكن ربما لسبب قهري مرتبط بشكل المخ والخلل الوظيفي في خلاياه.

أوضحت الدراسة أن هذه النتائج تعد بالغة الأهمية في لفت النظر إلى ضرورة وضع الأسباب البيولوجية في الحسبان عند التعامل مع مشاكل إدمان المراهقين وإقدامهم على تجربة أنواع معينة من المواد الضارة، ونصحت الدراسة أيضاً بضرورة عمل مسح عن طريق أشعة الرنين المغناطيسي للأطفال، وتوفير الدعم النفسي للأطفال الأكثر عرضة لتجربة هذه المواد تبعاً للتغييرات التشريحية في مخهم، وعمل دورات توعية باستمرار لهم، وتحذيرهم من عواقب الإدمان، وعلاجهم في حالة تعرضهم بالفعل لهذه المواد.

وفي النهاية، أكد الباحثون أن بنية المخ وحدها لا يمكنها التنبؤ بتعاطي المواد المخدرة أثناء المراهقة، ولا يجب استخدام هذه البيانات بوصفها أداة تشخيص قاطعة، ولكن يجب أن يتم التعامل معها بوصفها عامل خطورة إضافياً مثل: «البيئة، والاستعداد الوراثي الجيني، والتعرض لأحداث مأساوية في الطفولة»، خاصة في حالة وجود اختلافات واضحة في بنية المخ التشريحية في مرحلة الطفولة، قبل أي استخدام لهذه المواد.

* استشاري طب الأطفال.