لؤي عبد الإله
وصلني قبل أيام قليلة خبر وفاة خالي سعدون، ومن دون أن يوصي بأي شيء قبل رحيله، عرف أفراد أسرته وأقاربه ما هي أمنيته: أن يُدفن في تلك البقعة الصغيرة التي بنى دكة صغيرة عليها تقع بين قبر ابنه البكر الذي قُتل غدراً قبل عقد تقريباً، وأخته الكبرى التي غادرت الحياة في أشهر الحرب الأخيرة مع إيران. أشك أن خالي يعرف أي شيء عن معروف الكرخي أكثر من كونه وجهاً بارزاً ارتبطت المقبرة، التي تضم عظام أقاربه، باسمه، أو قد يكون صاحب الأرض نفسها، فهو لم يقرأ في حياته كتاباً، ولم يُشغل ذهنه بفكرة خارج حاجاته الأولية، وتجاوزَها قليلاً إلى إشباع متع حسية كان يتنافس فيها مع أبنائه الذكور ويُشركهم فيها، وتظل مادة أولية
غالباً ما ينتابني شعور عند الدخول إلى مكتبة عامة بأن كل المؤلفين الذين استقرت كتبهم منذ عقود على رفوفها قد غادروا الحياة، وأنهم الآن يتوسلون بي من وراء حاجز الغيب كي أستل مؤلَّفاً ما من أعمالهم، ولعل تصفحه فقط سيكون كافياً لمنحهم خيطاً واهياً من الشعور بالخلود، حتى للحظة واحدة. وقد لا أستبعد أن هذا الشعور راود طالب الدراسات العليا الذي دخل إلى مكتبة أكاديمية العلوم في موسكو بحثاً عن مصادر لأطروحته، وعادة تكون أغلب الكتب فيها محجوبة عن القراء خارج أسوار الجامعة لأنها غالباً ما تتعارض (من وجهة نظر القيادة السياسية) مع الفكر «الماركسي - اللينيني». خلال تجواله العشوائي بين الرفوف وقعت عيناه على كت
يقول توماس مان إن حياة أي إنسان هي ليست حياته فقط بل حياة جيله وعصره. ولعلي أجد في الفقيد علي الشوك نموذجاً لثلاث حيوات تعاقبت وتزامنت مع بعضها بعضا: فحياته الشخصية التي أشار في مكان ما إلى محفزاتها الأربعة: الرياضيات والموسيقى والأدب والمرأة. وحياة جيله بأفكاره وقناعاته واهتماماته وحياة عصره بانتمائه السياسي وقناعاته الفلسفية العميقة. ولعل الرياضيات هي ما يميزه عن أبناء جيله الذين رحل أغلبهم قبله: فؤاد التكرلي، نجيب ألمانع، غائب طعمة فرمان، بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، وآخرون. وكل هؤلاء ولدوا بين عامي 1926 و1930.
جاءت مبادرة الكاتبة والأكاديمية المغربية زهور كرام في استذكار عالِم المستقبليات؛ المهدي المنجرة، لتسلط الضوء على مفكر مغربي حظي طوال سنوات حياته المهنية بتقدير واعتراف كبيرين على المستوى العالمي، فهو إضافة إلى احتلاله موقع نائب المدير العام لمنظمة اليونيسكو، والتدريس في كثير من المؤسسات الأكاديمية العريقة مثل «مدرسة لندن للاقتصاد والأعمال» SLE، التي سبق له أن حصل على شهادة الدكتوراه منها خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي، مُنح جوائز وأوسمة عالية من كثير من الدول والمؤسسات، مثل «وسام الشمس المشرقة» باليابان عام 1986، و«جائزة السلام» عن معهد ألبرت آينشتاين الدولي عام 1990، و«وسام ضابط» للفنون و
عندما ينتهي المرء من قراءة «نهار بطيء»، سيكتشف مستغرباً أن قصصه القصيرة تدور في فضاء متحرر تماماً من الوضع السياسي - الاجتماعي السائد في بغداد، كأن هناك إمكانية للعيش السوي في عالم يتخلله العنف واختلال الأمن والاستقرار، وهذه نقطة مضيئة تحسب لصالح القاص والشاعر حيدر عبد المحسن، فمقاومة قوى الخراب اليومية باكتشاف جماليات الزمن الإنساني المُعاش ضمن شروط حياتية كالتي يعيشها العراق منذ سقوط النظام السابق هو بحد ذاته إنجاز كبير.
في معظم قصصها القصيرة التي ضمتها مجموعتها «ما لا تعرفه عن الأميرات»، تتلبس القاصّة والروائية الكويتية سعداء الدعاس شخصية صبية في سن الطفولة، فيكون سرد الحكاية بضمير الغائب، لكنه بشكل ما يقترب من صوت البطلة نفسها. كذلك سيتلمس القارئ البناء المسرحي للمشهد واستثمار بعض الأعمال المسرحية في إدخال بعض تفاصيلها ضمن النص القصصي نفسه، وهذا بالتأكيد بفضل اختصاص الكاتبة الدعاس في مجال الإخراج المسرحي. العنصر الثالث الذي يميز قصص هذه المجموعة هو تنوع الخلفية المحلية؛ فهناك قصة تدور أحداثها في حلب اليوم داخل جحيم الحرب الأهلية، وأخرى في القاهرة، وثالثة في ريف بأفغانستان، ورابعة في العراق.
وفق الأسطورة الإغريقية، كان على هرقل أن يقوم باثني عشر عملاً بطولياً خارقاً ليحقق لنفسه الخلود.
عطَّلت سنوات الحرب الأهلية الإسبانية (1936 - 1939) مسار الشعر في إسبانيا حتى منتصف القرن الماضي، فالكثير من الشعراء قُتلوا خلالها أو تشتتوا في المنافي، مما حدا بالشاعر ليون فليب أن يعلن من منفاه في المكسيك بأن «الشعر تخلى عن إسبانيا». بعد انتهاء الحرب خرجت إسبانيا منهكة والكتّاب كانوا يواجهون الرقابة والقمع على يد نظام الجنرال فرانكو. في هذا السياق أصبحت الاهتمامات السابقة قديمة ونائية، وأصبح الشعر مجزَّأً، إذ راح الشعراء يجربون مقاربات مختلفة لإعادة صياغة نتاجاتهم، فالكتّاب المعارضون للنظام طوروا شعرا احتجاجيا، وآخرون وجدوا ضالتهم في السوريالية أو الوجودية أو غيرهما.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
