علي الشوك ... نموذجاً لثلاث حيوات

TT

علي الشوك ... نموذجاً لثلاث حيوات

يقول توماس مان إن حياة أي إنسان هي ليست حياته فقط بل حياة جيله وعصره. ولعلي أجد في الفقيد علي الشوك نموذجاً لثلاث حيوات تعاقبت وتزامنت مع بعضها بعضا: فحياته الشخصية التي أشار في مكان ما إلى محفزاتها الأربعة: الرياضيات والموسيقى والأدب والمرأة. وحياة جيله بأفكاره وقناعاته واهتماماته وحياة عصره بانتمائه السياسي وقناعاته الفلسفية العميقة.
ولعل الرياضيات هي ما يميزه عن أبناء جيله الذين رحل أغلبهم قبله: فؤاد التكرلي، نجيب ألمانع، غائب طعمة فرمان، بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، وآخرون. وكل هؤلاء ولدوا بين عامي 1926 و1930. تلك الفترة التي بدأ العراق يخرج من معطف الإمبراطورية العثمانية المنتمي إلى القرون الوسطى، ويدخل في العصر الحديث.
جيل علي الشوك واجه هذا التحول المفاجئ: الدخول المتأخر في عصر الحداثة مع ظهور ملامح عصرية لبغداد من مطاعم وفنادق ومقاه وشوارع فسيحة ومحطات قطار وباصات وبيوت حديثة بشيء من القطيعة مع الأجيال التي سبقتهم، وفي الوقت نفسه مع النظام الذي صاغه المحتلون البريطانيون للعراق. وهذا العالم الجديد يمكن تلمسه في رواية غائب طعمة فرمان: خمسة أصوات: بغداد خلال عقد الخمسينيات من القرن الماضي.
ولعل انتماء علي الشوك لجيله وعصره تمثل في الارتباط المبكر بالحركة الشيوعية في العراق، رغم خلفيته الطبقية إذا جاز القول.
كان هذا الانتماء بالنسبة إليه رومانسياً أكثر منه عقائدياً محضاً. مع ذلك فقد دفع ثمناً باهظاً حين اعتقل بعد انقلاب 8 فبراير (شباط) الدموي عام 1963.
الاختلاف الأساسي مع أبناء جيله هو ولعه بالرياضيات الذي دفعه إلى ترك دراسة الهندسة المعمارية في جامعة بيروت والتحول إلى الرياضيات. مع ذلك كان الفقيد علي الشوك مشدوداً إلى ما هو نقيض الرياضيات: الأدب. فبالقدر الذي تطالب الرياضيات عاشقها التفرغ لها تماماً والدخول في عوالمها المجردة ومنطقها الصارم يطالب الأدب بالانجرار إلى الحياة اليومية للآخرين وللنفس والسعي إلى اكتشاف أسرارها: أي التورط الكامل في الحياة.
وكأن هذا الجمع كان على حساب الاثنين. فعلي الشوك لم يكمل دراسته في حقل الرياضيات ليصبح أكاديمياً جامعياً ومبدعاً فيها كما هو الحال مع عالم الرياضيات ريمون نجيب شكوري الذي هو الآخر ترك دراسة الهندسة المعمارية واتجه إلى الرياضيات في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي ليصبح بعد عودته من الولايات المتحدة وإكمال دراسته للدكتوراه أستاذاً في كلية العلوم بجامعة بغداد ومؤسساً لمنهج الرياضيات المعاصرة التي تم اتباعها في منتصف السبعينيات من القرن الماضي في العراق.
على العكس من ذلك، لم يكمل الراحل علي الشوك دراسة الرياضيات في الولايات المتحدة واكتفى بشهادة البكالوريوس، وعند عودته للعراق عمل مدرساً للرياضيات في الثانويات حتى اضطراره مغادرة العراق عام 1979. كذلك هو الحال مع الموسيقى الكلاسيكية، فالجيل الذي خرج من شرنقة مدينة قرون وسطى خربة كبغداد إلى نور الحداثة المفاجئ لم يواجه ذلك الإرث الموسيقي إلا بالقطيعة.
بدلاً من ذلك أصبح للموسيقى الكلاسيكية جمهور صغير يحضر في تلك البيوت الفخمة ببغداد جلسات استماع ونقاش للسيمفونيات الكبرى.
باعتراف علي الشوك كان للراحل نجيب المانع أثر بارز في خلق هذا الولع والدخول إلى عالم الموسيقى. وفي كتابه «عمر أكلته الحروف» يشير ألمانع أيضاً إلى عاملين لعبا دوراً في خلق ولعه بالموسيقى الكلاسيكية: شرح توفيق الحكيم للسيمفونية الخامسة لبتهوفن في روايته «عصفور من الشرق» حين حضر البطل حفلة موسيقية في باريس، والثاني هو تلك الأسطوانات التي كان يتخلص الجنود البريطانيون في قاعدة الشعيبة بالبصرة منها فتصل إلى السوق الشعبية وتباع بأسعار بخسة ومنها تعرف خلال الأربعينات على بيتهوفن وموتزارت وشوبان وغيرهم.
الفارق الآخر هو اهتمام علي الشوك بالميثولوجيا واستغراقه المعمق في قراءة الكثير من كتبه ولا أتذكر اسم الكتاب الذي أصدره عنها وأظنه ينتمي إلى الإعداد أكثر منه إلى التأليف. ومن فضائله على المكتبة العربية أنه ترجم الكثير من المصطلحات والمفاهيم في هذا الحقل إضافة إلى تعريفه بأحد العلماء في هذا الحقل: روبرت غريفز.
في الموسيقى قدم علي الشوك وبشكل معمق كل ما يحتاج إليه القارئ لمقاربة هذا الحقل الرفيع وهو مسلح بالمعرفة.
وفي مجال الرياضيات وعلاقته بالفنون الأخرى كان كتاب «الأطروحة الفنطازية» الذي اعتبر ولحد اليوم رائعته المتفردة، للكثير من القراء.
وقد ساعدته الرياضيات على الغور في الفيزياء الحديثة بحقولها المختلفة من علم الكون وفيزياء الكم وعلم الوراثة وغيرها. ولعل كتابه «الثورة العلمية الحديثة وما بعدها» (الصادر عن دار المدى عام 2004) معلماً فارقاً. وهو خليط ما بين التأليف والإعداد. والحقول التي تضمنها تشير بشكل مثير للإعجاب مدى اطلاع الفقيد الشوك بهذه الحقول المعقدة والمختلفة وقدرته على المحاججة مع هذا الرأي أو ذاك.
في هذا الكتاب وجدت علي الشوك ابن جيله الذي تربى على الفكر المادي فكانت محاججته ضد بعض أفكار أحد مكتشفي وصائغي علم فيزياء الكم الدنماركي نيلز بوهر استنادا إلى كتاب لينين «المادية والنقد التجريبي» دليلاً على أن الفرد يبقى منتمياً إلى عصره وجيله حتى لو تغيرت قناعاته السياسية لاحقاً.
في هذا الكتاب يقدم علي الشوك مساهمة مهمة في تعريب عدد كبير من المصطلحات العلمية المعقدة بصيغة معبرة ودقيقة.
تأتي المرحلة الرابعة الأخيرة من حياة علي الشوك وهو يقترب من الثمانين: إنه الأدب الذي ظل قارئاً ملماً له أكثر منه مبدعاً. وفي رواياته الثلاث الأولى التي قرأتها وجدت أنها أقرب لرواية السيرة الذاتية منها إلى الرواية التقليدية. والشخصيات هي أصدقاء وزملاء ورفاق التقى بهم في رحلة الحياة.
كأن علي الشوك في اندفاعه الأخير يكتشف أنه كان عليه التفرغ للأدب منذ البداية حتى بوجود نوازع قوية تجره بعيداً عنها: كأن وجود أكثر من معشوق بالنسبة إلى العاشق تفقده القدرة على سكب العاطفة كاملة في آنية واحدة فتتوزع هذه العاطفة بشكل غير متساوٍ على عكس قانون الأواني المستطرقة الذي يجعل السائل يأخذ نفس المستوى في جميعها.
مفاجأة أخرى في رواياته: معرفة علي الشوك بالمحيط البريطاني وتغلغله فيه مدهشة وهو الذي قدم إلى لندن في أوائل التسعينيات لاجئا أي بعد تخطيه سن الستين، وهذا بالذات إنجاز فريد يحسب له.
الشيء الآخر وكما قال هو: ولعه بالمرأة الذي ظل مخفياً بسبب طبيعته الخجولة الحيية تجلى بشكل مثير للاهتمام (والجدل) في هذه الروايات.
سيظل الإرث الفكري الذي تركه علي الشوك محض اهتمام أجيال تعقبنا من عراقيين وعرب بشكل عام. ففيها من الغنى الذي لا يقدم معرفة بهذه الحقول الأربعة فقط: الرياضيات والعلوم، الموسيقى، الميثولوجيا والأدب بل هي تمنحهم فرصة التعرف على الإنسان نفسه: الإنسان سواء كان علي الشوك أو الإنسان ابن جيله أو الإنسان بشكل عام، أي أنفسهم.



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.