قال المخرج المكسيكي بابلو بيريز لومبادريني إن الدافع الأول وراء إنجاز فيلمه الجديد «المحمية» جاء من إدراكه لحقيقة صادمة، وهي أنّ المكسيك تُعدّ من أكثر دول العالم التي يلقى فيها المدافعون عن البيئة مصرعهم سنوياً.
مؤكداً أنّ هذه الصدمة جعلته يشعر بأن السينما قد تكون المنبر الأكثر صدقاً لطرح تلك القضية شديدة الحساسية، ومن ثم لم يتعامل مع المشروع بوصفه عملاً توثيقياً فحسب، بل رأى فيه قصة إنسانية ملحّة تستحق أن تتحول إلى فيلم روائي يمتلك قدرة التعبير والتأثير.
وأضاف لومبادريني لـ«الشرق الأوسط» أن «الفيلم انطلق من حكاية حقيقية رواها أحد حراس الغابات وفرت لي مساراً درامياً صلباً دون الحاجة إلى تصعيد مفتعل في الأحداث»، موضحاً أنه اختار لغة بصرية تقوم على المشاهدة أكثر من التفسير احتراماً لثراء الأشخاص والأماكن التي يصوّرها، فحاول مع فريقه قدر الإمكان عدم إفساد صدق المكان بالسيطرة المفرطة.

وتدور أحداث «المحمية» الذي حصد تنهوياً خاصاً من لجنة تحكيم للمسابقة الدولية للأفلام الطويلة في مهرجان «الدوحة السينمائي» في نسخته الأولى، حول «جوليا» حارسة إحدى المحميّات الطبيعية، تعيش مع والدتها وابنتها في قرية تتخصص في زراعة القهوة، وفي أحد الأيام، وخلال سيرها الاعتيادي في الغابة، تكتشف مجموعة من الحطّابين غير الشرعيين الذين بدأوا في قطع الأشجار. وبعد أن تدرك أن البروتوكول الرسمي الواجب عليها اتباعه لن يؤتي بثماره، تقرر أن تجتمع بجيرانها لتطلب منهم المساعدة.
وعمل المخرج الشاب مع ممثلين غير محترفين من مجتمع ريفي في ولاية تشياباس المكسيكية، الأمر الذي فسره برغبته في تقديم عمل صادق من البداية مما جعله يصارح المشاركين منذ اللحظة الأولى بكامل تفاصيل القصة، وترك لهم حرية تصويب أو تحسين ما لا يشبه حياتهم اليومية لتكون مشاركتهم ليس تمثيلاً بقدر ما كانت إعادة صياغة لواقع يعيشونه، الأمر الذي جعله يتحمّل مسؤولية مضاعفة في احترام تفاصيل حياتهم وأصواتهم وتاريخهم.
وتحدث لومبادريني عن الغابة، بوصفها «ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي حضور فاعل يشارك الشخصيات مسارها النفسي، وهي معالجة استلهمتها من أعمال فوتوغرافية بارزة لسيباستياو سالغادو وأنسل آدامز، وناقش مطولاً مع مدير التصوير كيفية التقاط الإحساس العميق الذي تبعثه غابة إل تريونفو، سواء عبر الضوء الطبيعي أو الصوت أو الكاميرا المحمولة على الكتف».
وعن كيفية الحفاظ على التوتر الدرامي رغم بطء الإيقاع وتلاشي التصعيد التقليدي، اعتبر أن «المحنة نفسها كانت كافية»، موضحاً أنّه لم يكن بحاجة إلى تضخيم الأحداث، فالصراع بين أصحاب الأرض والمتسللين إلى الغابة يحمل بذاته كل التوتر الأخلاقي والإنساني الذي يحتاجه الفيلم.
وأعرب عن رفضه لـ«تجميل الدمار»، فرغم تفضيله تجنّب تصوير العنف بشكل مباشر احتراماً لمشاعر المشاهد، فإنه لجأ إلى استخدام الصوت والتلميح بشكل عدّه «سيكون أقوى بكثير من عرض العنف بصور صادمة، انطلاقاً من قناعتي بأنّ الجمهور يدخل السينما في حالة هشاشة وجدانية، ولا يحق لصانع الفيلم أن يخون هذه الثقة».

وفيما يتعلق باختياره عرض العنف عبر غيابه أو آثاره، قال إنّ ذلك يمنح المتفرج مساحة للتفكير فيما يحدث فعلاً، بدلاً من أن يُمرَّر عليه الحدث بشكل مباشر وسريع، وهو أسلوب يخدم أيضاً قضية البيئة، إذ يسمح بتأمل الخراب من خلال أثره، لا من خلال صورته المباشرة.
وعن البعد السياسي للفيلم، أوضح أنّه لم يكن معنياً بالخطاب السياسي العالمي حول العدالة البيئية بقدر اهتمامه بـ«رحلة داخلية لإنسان واحد قرر أن يهب حياته للدفاع عن الطبيعة»، مشيراً إلى أن صمت «جوليا» كان وسيلة للتعبير عن الامتنان والاحترام تجاه كل من يكرّسون حياتهم لحماية الطبيعة، فالبطلة ليست «أيقونة»، بل إنسانة عادية تحمل عبئاً غير عادي.
وعن تصويره داخل بيئة تعاني فعلياً من إزالة الغابات، أكد أنّه شعر بمسؤولية كبيرة تجاه المصداقية في نقل حياة هؤلاء الناس، مؤكداً أنّ الفيلم لم يكن بالنسبة له مشروعاً سينمائياً فقط، بل تجربة شخصية غيّرته مع قناعته بأن «السينما قد لا تنقذ الطبيعة بشكل مباشر، لكنها تستطيع أن تمنح البشر وعياً وجمالاً ومعنى».

