حصد الفيلم السعودي «ضد السينما» الإعجاب خلال عرضه العالمي الأول بمهرجان «القاهرة السينمائي»، وحاز تصفيق الحضور عقب عرضه الثلاثاء ضمن أفلام مسابقة «آفاق السينما العربية»، وبينما استغرق عرضه ساعتين على الشاشة، فإن العمل عليه دام لنحو 5 سنوات.
وكان مشروع الفيلم قد فاز في مبادرة «إثراء المحتوى» عام 2019 من بين 450 مشروعاً، كما فاز بدعم «البوست برودكشن» من صندوق البحر الأحمر السينمائي.
الفيلم من إخراج علي سعيد، وإنتاج شقيقه أحمد سعيد، ويروي حكاية انطلاق السينما السعودية متتبعاً جيل أطفال الثمانينات الذين أحبوا السينما وتعلقوا بها رغم عدم وجود صالات سينما بالمملكة في ذلك الحين.
ويجمع الفيلم الوثائقي الطويل بين التوثيق والتحليل والرصد ولقاءات شهود تلك المرحلة، منذ المحاولات الأولى لصناعة الأفلام والتحديات التي واجهتهم، مستعيناً بالأرشيف الصحافي ومانشيتات الصحف السعودية، ومن بينها مانشيتات صحيفة «الشرق الأوسط» موثقاً لمائة عام من رحلة السينما السعودية، منذ انطلق أول شريط تصوير للفرنسي «جو براش» في جدة.

ويعلق المخرج بصوته على أحداث الفيلم التي تتسارع مع الشريط السينمائي في إيقاع متوازن، ويستعين بشهود يتحدثون عن بدايات السينما في السعودية، على غرار «عَراب» السينما السعودية أحمد المُلا، كما يتحدث في الفيلم المخرج ممدوح سالم، وعبد الله المحيسن، الذي كان صاحب أول فيلم سعودي يشارك في مهرجان «القاهرة السينمائي» «اغتيال مدينة» عام 1977، ويتحدث أيضاً المخرجون الجدد من جيل الثمانينات، مثل محمد سلمان، وعلي الكلثمي.
لا يغفل الفيلم كذلك دور المرأة السعودية في السينما الذي بدأته المخرجة هيفاء المنصور وعرض فيلمها القصير الأول بمهرجان «أفلام الخليج»، كما تحدث الإماراتي مسعود أمر الله عن صناع أفلام سعوديين انطلقوا بأفلامهم من خلال المهرجان، ومع فيلم «وجدة» تعترف هيفاء بأنها لم تكن تغادر عربة التصوير خلال التصوير في الشارع، كما تتحدث المخرجتان هناء العمير وهند الفهاد عن تلك المرحلة الصعبة.

وأشاد الناقد المصري سيد محمود بالفيلم عقب عرضه، وقد عَدّه «وثيقة مرئية»، قائلاً إن «البعض يتصور أن التغيير الذي حدث بالسعودية مرتبط بالسنوات الخمس السابقة، لكن الفيلم يؤكد أن (هناك ما يجب أن نكتشفه في فيلم ينحاز من اللحظة الأولى لكل الأصوات التي لعبت دوراً في انطلاق السينما السعودية)».
وأثنى المخرج السوداني أمجد أبو العلا على الفيلم، وقال: «شهادتي مجروحة لأن كل مخرج من هؤلاء هو صديق لي، فقد كنا نعمل معاً في مهرجاني (الخليج) و(دبي)»، مشيراً إلى أن «كثيراً من الشباب السعودي من صناع الأفلام لا يعرفون تاريخ مخرجي تلك المرحلة»، مشدداً على «ضرورة عرض الفيلم للجمهور في دور العرض».
فيما عبّر المخرج علي سعيد عن سعادته بتفاعل الحضور مع الفيلم، قائلاً: «استغرقت عامين في تحضيره، و3 سنوات في تصويره، في ظل وجود أزمنة مختلفة سعيت لإعادة بنائها بشكل سلس للمحافظة على الإيقاع، وقد فكرت في ابني حين يكبر ويشاهد الفيلم ويحبه هو وكل الأجيال المقبلة».
وقال شقيقه التوأم المنتج حسن سعيد إنه «كان يسأل علي متى تنتهي؟، فيقول له: أحتاج وقتاً، فكان يطلب منه ألا ينتهي سوى وهو متأكد منه مائة في المائة».
رحلة «سيزيفية»
ووصف المخرج رحلته مع الفيلم بأنها كانت رحلة «سيزيفية»؛ على غرار الأسطورة اليونانية الشهيرة، وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خضنا عملاً مضنياً أشبه برحلة (سيزيفية)، فقد كان (سيزيف) يصعد الجبل وحين يقترب من الوصول يقع ليعاود الصعود مجدداً، وهكذا كنا نحن، فمع تصورنا أننا انتهينا نكتشف شيئاً مهماً فنضيفه».
وعن عدد ساعات التصوير ومرحلة المونتاج، يقول: «صورنا مئات الساعات واستغرق المونتاج وحده عاماً كاملاً وواجهنا صعوبات تقنية شديدة، وكنت والمونتير البارع حمزة التونسي لا نحصل على إجازة سوى عند تعطل الأجهزة».

وأكد تفرغه الكامل للفيلم، قائلاً: «لم أكن متفرغاً فقط، بل كان ذهني مشغولاً وتركيزي كله مع الفيلم، فهو مشروعي الذي لا بد أن يأتي موثقاً بكل دقة».
وانفرد الفيلم بعرض مقاطع نادرة لأفلام صورت بالسعودية، مثل فيلم «الحرب على الملاريا» الذي صورته شركة «أرامكو»، وهو ما يعتبره «سعيد» «هبة من الهبات التي حظي بها في الفيلم».
وعن اختياره للمشاركة بمهرجان «القاهرة السينمائي»، يقول سعيد: «أحببت أن أعرضه للجمهور المصري، لا سيما أن (مهرجان القاهرة) لديه معايير عالية لاختيار الأفلام، والمثل يقول (لا يمكن معرفة الأنا إلا من خلال الآخر)، فما بالك بالجمهور المصري الكبير».
ويعد علي سعيد كاتباً ومخرجاً سعودياً اتجه للسينما عام 2017 بعد سنوات طويلة من العمل الصحافي، وقد كتب عدة أفلام قصيرة من بينها «ليمون أخضر»، و«بوصلة»، و«بيانست» وأخرج فيلمه القصير «رقم هاتف قديم» عام 2022 الذي تم اختياره للعرض في افتتاح مهرجان «أفلام السعودية»، وفاز بعدة جوائز.



