على الضفة الشرقية لنهر النيل في محافظة المنيا (صعيد مصر) يطل مبنى «المتحف الآتوني» الذي يترقب كثيرون افتتاحه ليستكمل الخريطة المتحفية للآثار المصرية، مستفيداً من زخم افتتاح المتحف الكبير والإقبال اللافت على زيارته راهناً.
المشروع الذي بدأ عام 2004 وشهد فترات توقف لأسباب عدة، من بينها التمويل، استؤنف العمل فيه أخيراً، «تمهيداً لافتتاحه في أقرب وقت ممكن»، حسب إفادة رسمية لوزارة السياحة والآثار منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عقب جولة تفقدية قام بها الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، محمد إسماعيل خالد، لمتابعة مستجدات مشروع «المتحف الآتوني»، ونقل القطع الأثرية إلى مواقع عرضها الدائم وفقاً لسيناريو العرض المتحفي المعتمد، واستعراض الأعمال الجارية لتطوير المرسى النيلي المخصص لاستقبال السفن السياحية، وممشى الزوار الممتد على النيل بطول 400 متر، إلى جانب البحيرات الصناعية والمسطحات الخضراء التي يجري تجهيزها لتتكامل مع تصميم المتحف ومحيطه.
وأوضح مؤمن عثمان، رئيس قطاع الترميم ومشروعات الآثار والمتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، أن «المتحف سيشكل نقطة جذب سياحي مهمة في المنيا، حيث سيتم ربطه بمواقع الآثار في المحافظة، كما سيشهد إقامة أول حديقة للنباتات التاريخية في مصر القديمة»، مؤكداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «المتحف سيكون إضافة للصعيد وسيعد أحد أهم متاحف المنطقة».
ويسلط سيناريو العرض المتحفي في القاعة الرئيسية الضوء على تاريخ محافظة المنيا عبر العصور وأبرز مواقعها الأثرية، بينما تتناول قاعات المتحف الأخرى عصر الملك إخناتون، وبدايات فكر العمارنة، وتاريخ الملك أمنحتب الثالث.
مشروع مهم
وعد الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، «المتحف الآتوني» واحداً من «أهم» المشروعات الأثرية والثقافية في مصر، لأنه «يسلّط الضوء على فترة استثنائية في تاريخ مصر القديمة، وهي فترة حكم إخناتون ونفرتيتي وبناء (عاصمة التوحيد) أخيتاتون في تل العمارنة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الحقبة شهدت ثورة دينية وفنية غير مسبوقة، انعكست في فن العمارنة الذي يمتاز بواقعيته وإنسانيته وتمرده على القوالب الفنية التقليدية».
وأضاف عبد البصير أن «افتتاح المتحف سيغيّر وجه السياحة في محافظة المنيا تغييراً جوهرياً. فالمنيا تمتلك ثروة أثرية هائلة، لكنها لم تستطع عبر سنوات طويلة أن تستفيد منها بالشكل الأمثل لغياب مؤسسة متحفية كبيرة تكون نقطة انطلاق للمسار السياحي».
وتوقع عبد البصير أن «يجعل المتحف محافظة المنيا مقصداً رئيسياً لعشّاق التاريخ المصري القديم، حيث سيربط بين المواقع الأثرية الكبرى مثل بني حسن، وتونا الجبل، وتل العمارنة، وجبل الطير، في منظومة واحدة متكاملة، ما سيُسهم في جذب السياح في تنشيط الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل لأبناء المحافظة».

وشهدت السنوات الماضية جولات تفقدية عدة لمبنى ومحاولات لاستكمال المشروع الذي تجاوز العشرين عاماً، آملين أن يدفع المتحف حركة الجذب السياحي في المنيا، لكن العمل في المشروع توقف عدة مرات، لأسباب مالية وسياسية.
وأرجع عبد البصير أسباب تأخر إنشاء المتحف إلى «عوامل متعددة، من بينها توقف التمويل في مراحل مختلفة، والتعثر في استكمال الأعمال الإنشائية والتجهيزية، إضافة إلى بعض التحديات الإدارية والبيروقراطية التي طالت المشروع»، مشيراً إلى «تأثر خطط افتتاحه بالظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد خلال العقد الأخير».
كان وزير السياحة والآثار الأسبق الدكتور خالد العناني قال في تصريحات صحافية منتصف عام 2022 إن «إجمالي ما تم إنفاقه من المجلس الأعلى للآثار على مشروع إنشاء المتحف الآتوني بلغ 150 مليون جنيه حتى ذلك الوقت».
وتبلغ مساحة «المتحف الآتوني» حوالي 25 فدان؛ تشمل المبنى الرئيسي الذي يضم قاعات العرض الدائم، ومسرحاً، ومركزاً للمؤتمرات، ومكتبة علمية، بالإضافة إلى منطقة الخدمات السياحية، حيث المطاعم والكافيهات والبازارات، والممشى السياحي على النيل. وتم اختيار أكثر من موقع لبناء المتحف إلى أن تم تخصيص الموقع الحالي على الضفة الشرقية للنيل أمام مدينة المنيا.
ومن بين قاعات المتحف قاعة تحمل اسم «المنيا عبر العصور»، التي من المقرر أن يتم تخصيصها لعرض تاريخ المنيا منذ أقدم العصور وحتى العصر اليوناني الروماني، بالإضافة إلى باقي قاعات العرض التي سوف تخصص لسرد تاريخ فترة ما قبل العمارنة وفترة العمارنة وفلسفة الملك إخناتون في الترسيخ للديانة الآتونية، وفن العمارنة الذي يعتبر من الفترات المتفردة في الفن المصري القديم.

