في أروقة «مؤتمر ومعرض الحج والعمرة» في نسخته الخامسة، كان جناح وزارة الداخلية أقرب إلى مدينة مستقبلية بُنيت على أرض مركز المعرض؛ مدينة يتجاور فيها الحديد مع الذكاء الاصطناعي، والروبوتات مع البشر، والبيانات مع الميدان. تتحرك كلها بتناغم لا يُرى، لكنها تصنع في الواقع شبكة حماية دقيقة تدير موسماً هو الأضخم عالمياً من حيث خدمة ضيوف الرحمن وتأمينهم.
على أرض الجناح، انتشرت الطائرات المسيّرة بأحجام مختلفة، بعضها صغير مزوّد بحساسات دقيقة، وأخرى تحمل حمولات متخصصة للكشف الكيميائي والإشعاعي. وإلى جوارها وقفت الروبوتات الميدانية بأشكالها المتعددة: روبوتات لإطفاء الحرائق، وأخرى للإنقاذ والمتابعة والرصد والاستطلاع.
وبين هذه الأجهزة المتراصة، كان الجنود يقفون بثبات يرتدون زيَّهم الميداني، يشرحون للزوّار كيف تحوّل الأمن إلى علم، وكيف انتقلت إدارة الحشود من التجربة البشرية إلى منظومات تحليلية تعتمد على البيانات الفورية والكاميرات الذكية والذكاء الاصطناعي، حيث يصبح الحاج والمعتمر محورين لمنظومة رقمية تعمل بانسيابية كأنها نبض واحد.

الأمن العام... عقل تشغيلي يراقب الحشود من السماء
في الجهة المقابلة من الجناح، كان حضور الأمن العام لافتاً بشاشته الكبيرة التي تحولت إلى نافذة مفتوحة على المسجد الحرام، تعرض بدقة ما تفعله منصة «بصير»، المنصة التي أطلقتها وزارة الداخلية بالتعاون مع «سدايا» لإدارة الحشود داخل الحرم المكي.
على الشاشة تظهر بيانات حيّة، تستطيع أن ترصد ما يقارب 30 ألف زائر في صحن المطاف في اللحظة نفسها، وتحلِّل حركة أكثر من مليون مصلٍّ يومياً في مواسم الذروة، وتحدد أماكن الازدحام وتوجيه التدفق خلال ثوان.
الأمن العام عرض أيضاً طائرة درون ميدانية متخصصة في رصد المخالفين وأنماط الحركة داخل المشاعر، تبث صوراً جوية عالية الدقة إلى مركز القيادة والسيطرة، إضافة إلى السكوتر الأمني الذي يستخدمه رجال الأمن في المناطق المكتظة لسرعة الوصول للبلاغات، في تجربة تجمع بين الحداثة وسرعة التدخل وتقليل الانبعاثات.
القوات الخاصة... حضور دائم في أروقة الحرمين
وفي مساحة أخرى من الجناح، كشفت القوات الخاصة لأمن الحج والعمرة جانباً من عملها المستمر طوال العام، لا في الحج والعمرة فحسب. عرضت القوات جهودها في حفظ النظام داخل المسجد الحرام والمسجد النبوي، وتنظيم الحشود وتوجيه المعتمرين والزوار، وتقديم الخدمات الإنسانية للحالات الطارئة، إضافة إلى ضبط السلوكيات المخالفة داخل الحرمين.
يمتاز أفرادها بتأهيل لغوي متقدم يشمل الإنجليزية، والفرنسية، والأردو، والإندونيسية، والتركية، ولغة الإشارة، لضمان تواصل فعال مع ملايين الزوار.

أمن الطرق... طوق ذكي يحمي العاصمة المقدسة
خارج حدود مكة، عرضت القوات منظومة مراقبة تعتمد على كاميرات حرارية بعيدة المدى ترصد تحركات الأفراد والمركبات، ومنصة تمرير تلقائي للبلاغات إلى مركز المرافقة الميدانية.
لكنّ أبرز ما شدّ الانتباه كان الطائرة المُسيَّرة ذات الجناحين الثابتين، التي تُقلِع آلياً وفق خطة طيران مُبرمجة مسبقاً، وتصل إلى مدى 400 كيلومتر، وتُحلِّق نحو 3 ساعات، ومزوّدة بخوارزميات تُميِّز الأجسام وتتابعها فوراً. هذه التقنيات ترسم «طوقاً ذكياً» يحمي حدود مكة ويضمن سلامة مسارات ضيوف الرحمن.
الدفاع المدني... مختبر متنقّل للإنقاذ
كان جناح الدفاع المدني أشبه بورشة عمليات مفتوحة؛ فيه طائرات للكشف الكيماوي والإشعاعي يعمل عليها محلّلو قراءات، وروبوتات مقاومة للحرارة والحرائق تدخل المناطق الخطرة، وطائرة «الصقر» القادرة على الارتفاع 200 متر وحمل 40 كغم من المساعدات، والتواصل مع المحتجزين عبر كاميرا وميكروفون.

رعاية صحية تسبق الخطر
قدّمت الخدمات الطبية بوزارة الداخلية ابتكاراً لافتاً تمثّل في سوار طبي ذكي يرتديه رجال الأمن أثناء عملهم. يقيس السوار مستوى الأكسجين ودرجة الحرارة وضغط الدم، إضافة إلى النشاط البدني، وعند أي مؤشر غير طبيعي يُرسل تنبيهاً فورياً إلى غرفة القيادة، لتتحرك فرق التدخل السريع مباشرة، في خطوة تعكس مفهوم الرعاية الوقائية الذكية.
المرور... مكتب رقمي في حقيبة
عرضت الإدارة العامة للمرور منظومة تعمل بإتقان: حقيبة ذكية لإعادة طباعة رخص القيادة وتنفيذ الخدمات فوراً، وجهازاً ميدانياً للتحقق من هوية الأشخاص عبر البصمة أو الوجه أو الهوية، ورفع البلاغات المرورية والجنائية والطبية مباشرة من موقع الحدث دون العودة إلى المراكز.هذه الأدوات تختصر الوقت وتقلل الأخطاء وتدعم التحوّل الرقمي في السلامة المرورية.
«المجاهدين»... خبرة وتفوق في المناطق الوعرة
قدّمت «الإدارة العامة للمجاهدين» حضورها التاريخي في الجناح لتعرِّف عن دورها في نشر قواتها في محيط عرفات والمناطق الترابية الوعرة، حيث تعمل ضمن الطوق الأمني، ومنع دخول المخالفين، وتأمين مسار قطار المشاعر، وحماية المنشآت الحيوية، إضافة إلى العمل بوصفها قوة احتياط تُستدعى فوراً لدعم أي قطاع أمني. وتستند في ذلك إلى مهارات أبناء البادية الذين يجيدون قراءة التضاريس والطرق الترابية.
أمن يعمل في منظومة واحدة
تكشف مشاركة وزارة الداخلية في معرض الحج والعمرة عن منظومة أمنية لا تعمل بمعزل عن بعضها بعضاً، بل هي شبكة واحدة تتحرك بسلاسة ودقة: درونات، وروبوتات، وكاميرات، ومنصات تحليل، وسوار ذكي، وفرق بشرية راسخة. جميعها تصب في هدف واحد: أن يعيش ضيفُ الرحمن تجربة آمنة وهادئة وسهلة، من مكة إلى العالم.




