بعد ما يزيد على قرن من الزمان، ارتحل الملك توت عنخ آمون إلى «عرش» جديد، ليبدأ رواية فصل «أسطوري» حديث في حكايته الملكية، حيث استقر القناع الذهبي للفرعون الشاب ومجموعته الذهبية، في موقعه الجديد داخل المتحف المصري الكبير، عقب عملية نقل مقتنياته، الاثنين، من المتحف المصري القديم بميدان التحرير في وسط القاهرة.
وشملت عملية النقل، التي تمت وسط إجراءات أمنية مشددة وبحضور قيادات من وزارة السياحة والآثار، التابوت وتمثال «الكا» إلى جانب القناع الذهبي، ومعها أسدل متحف التحرير الستار على حقبة تاريخية امتدت لسنوات طويلة، حيث عُرضت المجموعة، الأحد، للمرة الأخيرة أمام الجمهور بالمتحف المصري بالتحرير، ليشهد التاريخ حضوراً متجدداً للملك الشاب داخل المتحف المصري الكبير.
ومن المقرر عرض مجموعة مقتنيات الملك توت عنخ آمون كاملة لأول مرة داخل قاعتين بالمتحف المصري الكبير تبلغ مساحتهما 7500 متر مربع.
وسيبدأ المتحف في استقبال زائريه اعتباراً من 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، وهو التاريخ الذي يوافق الذكرى 103 لاكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون، وذلك عقب حفل الافتتاح الرسمي المقرر في الأول من الشهر نفسه.

وبحسب تصريحات صحافية، لمدير المتحف المصري بالتحرير، الدكتور علي عبد الحليم، اليوم الاثنين، فإن هذه هي المرة الأولى التي ستعرض فيها المجموعة الكاملة للفرعون الذهبي التي تفوق 5 آلاف قطعة، في مكان واحد، منذ اكتشاف المقبرة عام 1922، لافتاً إلى أن المجموعة درة التاج بالنسبة لمعروضات المتحف المصري الكبير.
وأوضح أنه «تم بالفعل خلال الفترة الماضية نقل أغلب مجموعة مقتنيات توت عنخ آمون، ومن بينها صندوق الأواني الكانوبية الذي كانت تحفظ فيه أحشاء الملك بعد التحنيط، ومقصورة الإله أنوبيس المصنوعة من الخشب المذهب، التي كانت ترافق الملك في رحلته إلى العالم الآخر، وكرسي العرش الذهبي المزين بمشاهد تجمع الملك بزوجته الملكة عنخ إسن آمون، وكذلك نقل تابوت ذهبي للملك توت عنخ آمون، وهو يعد مع القناع، من أبرز قطع المجموعة الملكية التي أبهرت العالم».

وبينما شهد المتحف المصري بالتحرير، الأحد، توافد آلاف الزوار من المصريين والأجانب لمشاهدة القناع الذهبي للملك توت عنخ آمون في اليوم الأخير للعرض بالمتحف، نشرت الصفحة الرسمية للمتحف على موقع «فيسبوك» صوراً تاريخية توثيقية من كنوز أرشيف المتحف تحمل عنوان «سنوات من العرض الملكي بالمتحف المصري بالقاهرة»، حيث توضح عرض القطع الأثرية للملك توت عنخ آمون داخل قاعات المتحف ما بين عامي 1920 و1930، وأخرى توضح الأثاث الجنائزي للملك الذهبي.
وعرضت الصفحة صوراً تاريخية نادرة من ألبوم صور زيارات الزعماء ورؤساء الدول للمتحف المصري بالقاهرة، منها صورة للأميرة ديانا، أميرة ويلز، خلال زيارتها للمتحف في عام 1992، وهي تشاهد بانبهار القناع الذهبي والتابوت الذهبي للملك توت عنخ آمون.

إلى ذلك، عدّد عالم المصريات الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، ميزات عرض كنوز توت عنخ آمون في المتحف الكبير مقارنة بالمتحف المصري القديم، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «طوال السنوات الماضية كانت المجموعة مُجزأة، كانت توجد قطع في المتحف المصري، وقطع في متحف الأقصر، وقطع أخرى في المخازن، لكن مع هذا النقل للمتحف الكبير ستعرض المجموعة كاملة لأول مرة في مكان واحد».
واستطرد: «هذا النقل سيتيح عرض المجموعة في المتحف الكبير على مساحة كبيرة تقدر بـ7500 متر، مقارنة بمساحة 700 متر تقريباً في المتحف المصري في التحرير، كذلك ستتغير طريقة العرض لتكون على أعلى وأحدث مستوى، حيث سيستخدم المتحف تقنيات عرض مبتكرة، مما يعزز التجربة التفاعلية للزائرين في الاستمتاع بكل قطعة، ويتيح مجالاً أكبر لتعريفهم بتاريخ الملك الشاب».
ويتوقع وزيري أن تحظى المجموعة في مكانها الجديد بزيادة الزيارات الجماهيرية وارتفاع تدفق السائحين، ما يعزز مكانة مصر وجهة ثقافية عالمية، مشيراً إلى أن «الأوساط الدولية تتابع انتقال كنوز توت عنخ آمون إلى المتحف الكبير، وهناك اهتمام كبير بهذا الحدث التاريخي، وهناك تشوق لرؤيتها في داخل المتحف الكبير».
يذكر أن مقبرة الملك توت عنخ آمون المنتمي للأسرة الثامنة عشرة الذي يعني اسمه «الصورة الحية للإله آمون»، اكتسبت شهرة عالمية لأنها المقبرة الملكية الوحيدة بوادي الملوك التي تم اكتشاف محتوياتها سليمة وكاملة نسبياً بما في ذلك التحف الذهبية وغيرها من القطع الفاخرة التي اكتشفت بالمقبرة وفي مقدمتها القناع الذهبي لتوت عنخ آمون، مما جعلها الاكتشاف الأثري الأهم حتى الآن.







