عليك أن تكون مليونيراً حتى تستطيع إيفاء موسم المهرجانات حقّه من الحضور والاهتمام، منتقلاً من مهرجان إلى آخر لتُشبع نهمك من الأفلام الجديدة؛ كل زمرة منها معروضة فيما يُشبه سلسلة أعياد متوالية.عليك أيضاً أن تحتفظ بقائمة من الأفلام التي تُشاهدها تباعاً لئلا يختلط عليك الأمر في نهاية السنة، مُتسائلاً إذا ما شاهدت هذا الفيلم المعيّن في ذلك المهرجان أو في سواه. والأفضل طبعاً أن تجد الوقت لكتابة بضعة أسطر بعد كلّ مشاهدة لئلا يختلط عليك الأمر عندما تسترجع ما شاهدته وعلى أيّ شاشة.
عروض أولىحقيقة الأمر أنّ المدّة ما بين منتصف يوليو (تموز) الماضي وحتى نهاية السنة مليئة بالمهرجانات. ينتهي الواحد منها ليبدأ الآخر، وفي أحيان كثيرة تتقاطع، فإذا بأحدها يبدأ قبل نهاية المهرجان الذي قبله بأيام.لا نتحدّث عن المهرجانات الصغيرة، فهذه تتوالى بمعدل مهرجانين إلى ثلاثة كل يوم من أيام السنة، لكننا نتحدّث عن مهرجانات من وزن التشيكي «كارلوفي فاري»، والإسباني «سان سابستيان»، والسويسري «لوكارنو»، والإيطالي «البندقية»، والكندي «تورنتو»، والأسترالي «ملبورن»، عدا المهرجانات العربية التي تتكثَّف في الشهرين الأخيرين من السنة؛ وهي السعودي «البحر الأحمر»، المغربي «مراكش»، والمصريان «الجونة» و«القاهرة»، والتونسي «قرطاج». هذه جزءٌ من كلّ، فالعدد الكامل من المهرجانات التي تتوالى من نصف الشهر المذكور حتى نهاية السنة يبلغ 145 مهرجاناً.

قد تتساءل إذا ما كان هناك كمّ كافٍ من الأفلام لتغطي كل هذه المهرجانات. والجواب نعم. على سبيل المثال، يعرض مهرجان «لوكارنو» أكثر من 20 فيلماً عرضاً أول، ويعرض «البندقية» نحو 30 فيلماً عرضاً أول داخل المسابقة الرئيسية وخارجها، أما «تورنتو» فلديه هذا العام 18 فيلماً لم يسبق عرضها.الباقي لا بأس إذا ما استعارته المهرجانات بعضها من البعض الآخر؛ من دون أن يعني ذلك أنّ ما يعرضه مهرجان «لندن» مثلاً أو «ملبورن» قائم فقط على أفلام التبادُل. كلاهما سبق وتخصص –كما «تورنتو»– بعرض الأفلام التي سبق عرضها في المهرجانات التي سبقت كلّ واحد منهما. حينها (حتى التسعينات)، كانت تُعرف بـ«مهرجان المهرجانات»، وهي تسمية مناسبة لمهرجان لا يجذب ما يكفي من العروض العالمية الأولى، ويختار، بديلاً، عرضَ أهم ما سبق لمهرجانات أخرى توفيره.

من مهرجان إلى آخريقع مهرجان «لوكارنو» في مطلع هذا الموسم. الدورة الحالية، التي انطلقت في 6 أغسطس (آب) الحالي، وتنتهي في 16 منه، تتمتّع بحضور خاص، لكونه بات منذ سنوات أحد أهم المهرجانات الأوروبية. ولكونه الاختيار الأول لأفلام المخرجين الجدد (أول أو ثاني عمل) يجعله متميّزاً عن سواه. وقد حشد هذا العام 15 فيلماً في المسابقة و22 فيلماً خارجها.المهرجان الكبير أيضاً، ذو التاريخ العريق، هو «ملبورن الدولي» الذي بدأ في 7 الحالي وينتهي في 24 منه؛ إلى جانب مهرجان «سيدني» الذي يُقام في الشهر السادس من كلّ عام. المهرجانان عريقا الحضور، ولو أنّ الإقبال العالمي عليهما ينحصر غالباً في المنطقة الجغرافية القريبة وبمن يُدعَى من المخرجين المُشاركين.أما زِينة الصيف، فهو مهرجان «البندقية» بلا ريب، المُنافس الأول لمهرجان «كان»، الذي كثيراً ما يعرض أفلاماً في المسابقة هي –إلى جانب أنها عروض أولى عالمياً– من أفضل ما يمكن للناشط والهاوي مشاهدته. ينطلق في دورته الـ82 في 27 أغسطس الحالي، ويستمرّ حتى 9 سبتمبر (أيلول) المقبل.خلال أسبوعه الأول، ينطلق مهرجان «تورنتو» الذي لا يزال بوابة العروض الأولى في أميركا الشمالية. بعض أفلام «البندقية» تطير إلى هناك، لكن المهرجان الكندي لديه كثير من أفلام تقصده أولاً.بعد أيام من انتهائه، يمكن أن تستقل الطائرة وتعود إلى أوروبا، حيث مهرجانات «سان سابستيان»، و«هلسنكي»، و«براغ»، و«زيورخ» من بين ما يحتشد في الشهر المقبل.

اتجاهاتلك أن تقصد آسيا لحضور مهرجان «بوسان» في كوريا الجنوبية، أو تجتاز الحدود الكندية نحو الولايات المتحدة لتتابع مهرجانات في «سان دييغو» و«نيويورك» (مهرجانان). أما إذا كانت الرغبة مشاهدة أفلام أميركية حديثة في أوروبا، فعليك بمهرجان «دوفيل» الفرنسي الذي بات أكثر من مجرّد عرض للأفلام الهوليوودية الجديدة.الحال ذاتها في أيّ اتجاه تختاره خلال الأشهر التالية حتى نهاية السنة، مع العلم أنّ البارز من بين 52 مهرجاناً تُقام في أكتوبر (تشرين الأول)، يمتد «ريو دي جانيرو» في البرازيل (ممتاز بسبب تشكيلته من الأفلام اللاتينية) ما بين 2 و12 من الشهر. مهرجان «لندن» السينمائي (8-19) بات علامة مهمة بعد عقود من النشاط المستمرّ. في إسبانيا، هناك مهرجان «سيتجيس» (9-19)، وهو المقصد العالمي الأول لسينما الفانتازيا والخيال العلمي والرعب. يتبعه عن كثب مهرجانات «وورسو» (بولندا: 10-19)، و«الجونة» (مصر: 16-24)، و«فيينا» (النمسا: 16-28)ـ و«طوكيو» (27 أكتوبر حتى 5 نوفمبر/ تشرين الثاني).
منافسة عربيةعربياً، وبعد مهرجان «الجونة»، ينطلق مهرجان «القاهرة» من 12 إلى 21 نوفمبر، وبعد انتهائه، يبدأ مهرجان «الدوحة» من 20 إلى 28 منه. في يوم ختامه، ينطلق مهرجان «مراكش» حتى 6 ديسمبر (كانون الأول)، أي بعد يومين من إطلاق الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر» في مدينة جدة، الذي يستمر 9 أيام من 4 إلى 13 الشهر الأخير من السنة.ختاماً لهذه المهرجانات العربية، هناك أيام «قرطاج» السينمائية في تونس السنوي، التي تبدأ دورتها الجديدة في 13 ديسمبر حتى 20 منه.هذا الحشد من مهرجانات السينما في بلاد العرب لطالما اختار هذا الجزء من السنة لإقامته. يعود ذلك لسبب وجيه، وهو أن نهاية العام تثمر عن انتهاء عدد من المخرجين العرب من أفلامهم. كذلك تتيح المهرجانات العربية لنفسها الاستزادة مما عُرض عالمياً في المهرجانات الأخرى، خصوصاً «البندقية».هذا الاحتشاد العربي في الشهرين الأخيرين من العام يُضاعف التنافس على استقبال الأفلام العربية. مباراة كبيرة خلف الكواليس لاستقطاب الأفلام العربية الجديدة لتُشارك في المسابقة أو تُعرض خارجها. وكثيراً ما شكا بعض هذه المهرجانات من أنه لا يجد ما يكفي من أفلام لعرضها، لكونها تفضّل الذهاب إلى المهرجان الآخر.


