فيروز أرزة حزينة في وداع ابنها زياد الرحباني

برحيله جمع اللبنانيين على اختلافاتهم حول موهبته الجريئة

TT

فيروز أرزة حزينة في وداع ابنها زياد الرحباني

جنازة شعبية لزياد دون طلب من أحد أو تنظيم مسبق (خاص الشرق الأوسط)
جنازة شعبية لزياد دون طلب من أحد أو تنظيم مسبق (خاص الشرق الأوسط)

يوم حزين وثقيل على اللبنانيين الذين تجمهروا بالآلاف أمام مستشفى خوري منذ الصباح، لإلقاء نظرة الوداع على نعش زياد الرحباني. انتظروه حاملين لافتات ممهورة بعبارات مأخوذة من أغنياته: «بلا ولا شي... بحبك»، و«لأول مرة ما منكون سوا». وما إن أطلت السيارة السوداء التي حملت الجثمان حتى انهمرت الدموع، ونُثرت الزهور وحبّات الأرز، وصدحت الحناجر: «زياد، زياد، زياد». وعلت الأصوات تغني نشيده الشهير: «جاي مع الشعب المسكين، جاي تَأعرِف أرضي لمين، لمين عم بموتوا ولادي بأرض بلادي جوعانين».

فيروز مع أولادها الأربعة... رحل منهم زياد وليال (خاص الشرق الأوسط)

الشعب المسكين، هذه المرة، كان يصطف على الطرقات، ينتظر مرور الموكب في شوارع منطقة الحمرا، التي سكنها زياد وأحبّها، وجلس في مقاهيها. ثم جال الجثمان في أنطلياس، حيث كان منزل العائلة. طوال الجولة، كان الأحبة يصطفّون في استقباله وهم يبكون، يصفّقون، ويبثّون أغنيات زياد، وصولاً إلى «كنيسة رقاد السيدة المحيدثة» في بكفيا بمنطقة المتن، لإقامة الصلوات وتلقي التعازي.

بعد وصول نعش زياد بقليل، وصلت والدته فيروز مع ابنتها المخرجة ريما الرحباني، في سيارة يقودها نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب، وبرفقته زوجته الفنانة جوليا بطرس.

تلك إطلالة للسيدة الكبيرة فيروز لن تُنسى: بغطاء أسود على الرأس، ونظّارة سوداء، ووجه متجهّم حزين. ما كان أحد يتمنّى أن تكون الإطلالة الأولى لفيروز، حبيبة الناس جميعاً، بعد غياب، في مناسبة على هذا القدر من المأساوية.

رئيس الوزراء نواف سلام يمنح الفقيد زياد الرحباني وسام الأرز من رتبة كوموندور (خاص الشرق الأوسط)

فيروز، الأم الثكلى، آثرت أن تدخل الكنيسة لتكون إلى جانب النعش هي وابنتها، من دون كاميرات. لحظات حميمة قليلة، قبل أن تعود وتلتحق بالعائلة الرحبانية في صالة تقبّل التعازي.

جمع كبير من المعزّين، من مختلف الأطياف السياسية: موسيقيون، مغنّون، ممثّلون، شعراء، إعلاميون.السيدة الأولى نعمت عون انتظرت وصول فيروز، وكانت أول المعزّين. ووصلت قبل الجميع الممثلة كارمن لبس، صديقة زياد التي عايشته 15 عاماً، وله في قلبها حبّ كبير، كذلك خالته هدى حداد.

أحد المشيّعين يحمل صورة زياد الرحباني (رويترز)

توافد إلى العزاء رئيس الوزراء نواف سلام وزوجته سحر بعاصيري، ووزير الثقافة غسان سلامة، والرئيس الأسبق للجمهورية أمين الجميل وزوجته جويس، كما زوجة رئيس مجلس النواب رندة بري، كذلك إيلي صعب وولداه، وماجدة الرومي التي خرَّت على ركبتيها أمام فيروز، وراغب علامة، وهبة طوجي، وفنانون كثر.

مادونا قالت إن زياد كان بالنسبة لها صديق طفولة، وإنهما كانا مؤخراً يُحضّران معاً لتقديم مسرحية استعراضية، لكن العائق الأساسي دائماً بالنسبة لزياد هو الإنتاج. وهكذا طال الانتظار، ولم تُقدَّم المسرحية. أي خسارة؟! وأين هي المسرحية الآن؟

في هذه الكنيسة تحديداً، حيث سُجِّي زياد الرحباني جثة، كان قد قدّم قبل 41 سنة بالتمام سنة 1974، مسرحيته «سهرية» في الساحة الخارجية. أي مصادفة أن يكون يوم 28 يوليو (تموز) هو يوم تقديم المسرحية ويوم دفنه أيضاً؟

لعب مسرحيته هنا، من أجل أهالي المنطقة التي كانت مصيف بيت الرحباني، وبينهم الصغير زياد الذي ارتبط بعلاقة وطيدة مع السكان.

رجل يحمل صورة زياد الرحباني خلال مراسم الجنازة (أ.ف.ب)

توالى توافد المعزّين، وكان الأكثر تأثيراً وصول الشاعر طلال حيدر، الذي بدا متعباً، برفقة الفنان مارسيل خليفة؛ رفيقي الدرب والشعر والأغنيات والنغم والمسرح.

بكى طلال حيدر، وأجهش أمام النعش، ولوّح بيده مودّعاً. لبنان كله يودّع حقبة كاملة بغياب زياد. ثمة من يقول إن الدنيا قد أظلمت، وذهب من احترف التحدث بلسان الناس، والبوح بما لم يُجيدوا التعبير عنه بأنفسهم.

مع بدء الصلاة، تقدّمت فيروز الصفوف، وجلست أمام النعش مع ابنتها ريما. وقال رئيس الحكومة نواف سلام إنه يقف بخشوع أمام الأم الحزينة والعائلة والأصدقاء، وإن لبنان كله شريك في هذا الحزن. ووصف الراحل بأنه «صرخة جيلنا الصادقة الملتزمة بقضايا الإنسان والوطن»، وبأنه «قال ما لم يجرؤ كثيرون على قوله».

كما أعلن أن رئيس الجمهورية جوزيف عون منح زياد الرحباني وسام الأرز الوطني من رتبة كوموندور، وتشرّف بتسليمه للعائلة.

الممثلة اللبنانية كارمن لبس تحضر مراسم جنازة زياد الرحباني (أ.ف.ب)

وأصدرت لجنة «مهرجانات بعلبك الدولية» بياناً رأت فيه أن زياد «تربّى في بيت يشبه وطناً صغيراً من الفنّ، لكن زياد لم يكن يوماً مجرد امتداد للمدرسة الرحبانية، بل تمايز عنها ليصنع لغته الخاصة: مزيج من الموسيقى، والسياسة، والسخرية، والوجع».

ومن أهم ما ذكّر به البيان، أن زياد شهد صغيراً مشاركات والدته والرحابنة في مهرجانات بعلبك، ولحّن لها أولى أغنياتها التي غنّتها هناك وهو في السابعة عشرة.

من حينها «بدأت شراكة إنسانية وفنية فريدة بين أم وابنها، بين صوت وملحّن، شراكة نحتت ملامح الأغنية اللبنانية الحديثة. وفي الثمانينات والتسعينات، أبدعت فيروز من كلمات وألحان زياد: (كيفك إنتَ)، و(عودك رنّان)، و(إيه في أمل)، أعمال شكّلت انقلاباً فنياً وصوتاً حرّاً تجاوز المألوف، وجسّدت لقاء جيلين ووجعين».

وبخسارة زياد، تكون فيروز، الصامدة الصابرة، قد خسرت 3 من أفراد عائلتها: زوجها عاصي، وابنتها ليال، وأخيراً زياد الذي لم يكن ابناً فقط، بل كان البديل الفني الاستثنائي الذي لا مثيل له بعد غياب عاصي. وهو لم يُكمل جملة عاصي فقط، بل ابتدع لها طريقاً جديداً، وجعلها أكثر شباباً، أعاد لها الصبا والمرح والظرف في أغنيات تنبض بالفرح والحيوية والنكتة.

فيروز والدة زياد الرحباني وابنتها ريما وشقيقتها هدى حداد (إ.ب.أ)

لبنان كله حزين، وخائف من هذا الفقد الموجع الذي يصعب تعويضه. وغضب البعض لأن حداداً رسمياً لم يُعلَن، والأعلام لم تُنكّس، ولأن زياد والإرث الرحباني الذي رفع اسم لبنان، يستحق من الدولة اهتماماً حقيقياً. لكن وزير الثقافة غسان سلامة، الذي قطع إجازته وعاد من باريس جالساً في مقصورة القبطان لأنه لم يجد مقعداً شاغراً، وأصرّ على حضور الجنازة بأي طريقة، قال: «لا يزايدنّ أحد عليّ في حب زياد».

وشرح سلامة أن حداداً رسمياً لم يُعلن سابقاً لرحيل أي فنان لبناني، وبالتالي لم تُتخذ مبادرة استثنائية هذه المرة. وعومل زياد كما كل الكبار الذين رحلوا. لكن الممثلة المسرحية حنان الحاج علي كتبت مستنكرة أن يحتكر الرسميون الحداد الرسمي، دون الفنانين والمبدعين، مذكرة أن زياد، على كل حال، لم يكن يحب هذه الطبقة، ولا طائفيّتها.

صديق زياد، الفنان خالد الهبر، لفت إلى أنه ترك لنا بعد رحيله ذخراً كبيراً: «المهم الآن ما سنفعله بهذا الإرث. لا أعتقد أن فناناً خلّف وراءه فناً بهذا الثراء». وحين سُئل وزير الثقافة عن تدابير الوزارة، قال إن تركة زياد الفنية هي ملك العائلة، وهي تقرر ما تفعل بها. «نحن حصلنا على هبة بمليون دولار، لرقمنة الإرث اللبناني، وسيكون أمراً جيداً أن نبدأ العمل بما تركه زياد، لحفظه وصيانته».


مقالات ذات صلة

عزل القاضية التي تسببت في بطلان المحاكمة بقضية وفاة مارادونا

رياضة عالمية أسطورة كرة القدم الأرجنتينية دييغو مارادونا (رويترز)

عزل القاضية التي تسببت في بطلان المحاكمة بقضية وفاة مارادونا

عُزِلت القاضية التي تسببت في بطلان المحاكمة في قضية وفاة أسطورة كرة القدم في الأرجنتين، والعالم، دييغو أرماندو مارادونا.

«الشرق الأوسط» (لابلاتا)
يوميات الشرق جعفر جاكسون بدور عمّه في فيلم «مايكل» الذي يُعرض في أبريل المقبل (الشركة المنتجة Lionsgate)

جعفر جاكسون يعيد عمّه مايكل إلى الحياة في فيلم مثير للجدل

الفيديو الترويجي لفيلم «مايكل» حطّم أرقام المشاهدات خلال 24 ساعة، في دليل على أن شخصية مايكل جاكسون وحياته ما زالت تثير الفضول والاهتمام.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الممثلة جنيفر أنيستون وحبيبها الجديد جيم كورتيس (إنستغرام)

جنيفر أنيستون في الـ56... الحب لا يأتي متأخراً

فاجأت الممثلة الأميركية، جنيفر أنيستون، الجمهور بإعلانها علاقة عاطفية جديدة تجمعها بجيم كورتيس. فما تفاصيل قصة الحب هذه الآتية على مشارف خريف العمر؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق عدد من مشاهير الموسيقى والتمثيل لا يعطون أولوية للنظافة الشخصية (رويترز – أ.ب)

إهمال النظافة الشخصية... ظاهرة عابرة للمشاهير

منهم مَن يوفّر مياه الاستحمام والمرحاض حفاظاً على البيئة، ومنهم من لا ينظّف أسنانه، بينما يقاطع آخرون مزيل التعرّق.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق يضم ألبوم تايلور سويفت الجديد 12 أغنية شخصية 5 منها عن علاقتها بخطيبها ترافيس كيلسي (إنستغرام سويفت)

داخل خزانة تايلور سويفت... فتاة الاستعراض الأولى

في ألبومها الجديد تكشف تايلور سويفت المستور كله. من تفاصيل قصتها مع خطيبها ترافيس كيلسي، إلى عداواتها الشخصية، مروراً بفصول مؤثرة من طفولتها وسنوات المدرسة.

كريستين حبيب (بيروت)

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
TT

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

في لحظة يصعب نسيانها، ظهر النجم الأميركي فين ديزل، وهو يدفع الأسطورة البريطانية مايكل كين على كرسيه المتحرّك فوق خشبة مسرح حفل افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، مساء الخميس، في مشهد بدا كأنه يُلخّص روح دورة خامسة تجمع بين شغف السينما وامتنانها لرموزها، وبين حضور دولي يُرسّخ جدة منصةً تلتقي فيها قصص نجوم «هوليوود» و«بوليوود» والعالم العربي.

وقف ديزل على المسرح لتقديم الجائزة التكريمية، قائلاً: «هذه الليلة مميّزة بالنسبة إليّ، لأنني أقدّم جائزة لشخص تعرفونه جميعاً بأنه من أفضل الممثلين الذين عاشوا على الإطلاق... مايكل كين يملك من الكاريزما ما يفوق ما لدى معظم نجوم هوليوود». أمّا كين، الذي بلغ التسعين من عمره، فصعد إلى المسرح بدعم 3 من أحفاده، وقال مازحاً: «أتيتُ لأتسلم جائزة، ولا يفاجئني ذلك... فقد فزت بأوسكارين».

مايكل كين متأثّراً خلال كلمته على المسرح (إدارة المهرجان)

كان ذلك المشهد الشرارة التي أعطت مساء الافتتاح طابعاً مختلفاً؛ إذ لم تكن الدورة الخامسة مجرّد احتفاء بفنّ السينما، وإنما إعلان عن نقلة نوعية في موقع السعودية داخل الخريطة العالمية، حيث تتقاطع الأضواء مع الطموح السينمائي، ويتحوَّل الافتتاح من استقطاب للنجوم وعروض الأفلام، إلى قراءة لصناعة تتشكَّل أمام العالم.

وانضم إلى مايكل كين في قائمة النجوم المكرّمين لهذا العام: سيغورني ويفر، وجولييت بينوش، ورشيد بوشارب، وستانلي تونغ، فيما استمرَّت أسماء عالمية في التوافد إلى جدة في اليومين الماضيين، من بينهم جيسيكا ألبا، وأدريان برودي، ودارين أرونوفسكي، والمخرجة كوثر بن هنية.

وينسجم ذلك مع كلمة وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، خلال الحفل، بأنّ المهرجان أصبح منصةً تعكس التحوّل الكبير الذي يشهده القطاع الثقافي في المملكة، ويُظهر دور الشباب في تشكيل مشهد سينمائي ينسجم مع طموحات «رؤية 2030»، مشيراً إلى أنّ الثقافة تُعد إحدى أقوى أدوات التأثير عالمياً.

حشد سينمائي عالمي كبير في الحفل (إدارة المهرجان)

السعودية... بدايات هوليوود

ومثل عادة المهرجانات، اتّجهت الأنظار نحو السجادة الحمراء، فامتلأت «الريد كاربت» الواقعة في منطقة البلد التاريخية بطيف نادر من نجوم السينما العالمية؛ من داكوتا جونسون، وآنا دي أرماس، ورئيس لجنة التحكيم شون بيكر وأعضاء اللجنة رض أحمد، وناعومي هاريس، ونادين لبكي، وأولغا كوريلنكو، إضافة إلى كوين لطيفة، ونينا دوبريف؛ اللتين شاركتا في جلسات حوارية مُعمَّقة قبل الافتتاح.

وخلال الحفل، أكد رئيس لجنة التحكيم شون بيكر، أنه متحمّس جداً للحضور في السعودية، التي شبَّهها بـ«هوليوود في أيامها الأولى»، مضيفاً: «بينما نُقاتل للحفاظ على دور العرض في الولايات المتحدة، افتُتِحت هنا مئات الصالات خلال 5 سنوات، لتصبح السعودية أسرع أسواق شباك التذاكر نمواً في العالم. ما يحدث هنا مُلهم ودافئ للقلب».

رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد (إدارة المهرجان)

من جهتها، تحدَّثت رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي»، جمانا الراشد، عن أثر المؤسّسة خلال السنوات الخمس الماضية، قائلة: «لقد بنينا بهدوء ما كان كثيرون يرونه مستحيلاً: منظومة تمنح صنّاع الأفلام من آسيا وأفريقيا والعالم العربي القدرة على القيادة». وأشارت إلى أنّ 7 أفلام دعمها «صندوق البحر الأحمر» اختارتها بلدانها لتمثيلها في «الأوسكار»، وهو دليل على أثر الصندوق الذي دعم أكثر من 130 مشروعاً خلال 5 سنوات فقط. وأوضحت أنّ الدورة الخامسة تضم هذا العام 111 فيلماً من أكثر من 70 دولة، وتسلّط الضوء على 38 مُخرجة، مؤكدة أنّ حضور المرأة في هذه الدورة يُسهم في إعادة تعريف حدود السرد السينمائي، ويشكّل جزءاً أساسياً من روح المهرجان.

«العملاق»... فيلم الافتتاح

وفي نهاية الحفل، بدأ عرض فيلم الافتتاح «العملاق» للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، وهو عمل يستعيد سيرة الملاكم البريطاني - اليمني الأصل نسيم حمد «برنس ناز»، والفيلم من إنتاج سيلفستر ستالون، ويقدّم فيه الممثل المصري - البريطاني أمير المصري أهم أدواره حتى الآن، بينما يلعب بيرس بروسنان دور المدرّب الذي شكّل مسيرة ناز.

ورغم أنّ السِّير الرياضية مألوفة في السينما العالمية، فإنّ اختيار هذا الفيلم تحديداً يحمل دلالة ضمنية؛ فهو عن شاب صنع مساراً لم يكن موجوداً، وعَبَر حدود التصوّرات الطبقية والثقافية ليصنع له مكاناً يُشبهه. بما يُشبه إلى حد كبير قصة الصناعة السينمائية المحلّية التي تُحاول إعادة تعريف صورتها أمام العالم، وتبني حضورها من نقطة البدايات، بمزيج من الحلم والهوية والإصرار، لتصل اليوم إلى مرحلة النضج في دورة تحتفي بشعار «في حبّ السينما»، وتحمل معها 10 أيام من عروض وتجارب تُعيد إلى الفنّ السابع قدرته الأولى على الدهشة.


ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».