طور باحثون يابانيون طريقة بسيطة لفهم عواقب سوء معاملة الأطفال وتقييم المشاكل السلوكية والعاطفية لديهم.
استخدم الباحثون قائمة التحقق من سلوك الطفل CBCL، وهي استبيان غير جراحي يتضمن ثماني فئات تقيس مشكلات مثل الانسحاب من الحياة، والقلق، وصعوبات الانتباه، والعدوانية بناءً على ملاحظات مُقدمي الرعاية اليومية.
مكّن النهج الجديد الفريق البحثي من تحديد التحديات السلوكية والعاطفية المرتبطة بسوء معاملة الأطفال، وتطوير نماذج رياضية يمكنها التنبؤ بتعرض الطفل لسوء المعاملة. كما بحثوا في كيفية تأثير توقيت ونوع سوء المعاملة على نتائج سلوكية محددة.
واستعرض الباحثون في دراستهم المنشورة في مجلة «فورنتيرز إن شايلد أند أدوليسنت سيكاتري»، كيف يمكن لأداة تقييم سلوكية شائعة الاستخدام أن تحدد بدقة سوء المعاملة دون سؤال الأطفال مباشرةً عن التجارب المؤلمة.
وكشفت النتائج التى قام بها فريق بحثي من كلية الدراسات العليا المتحدة لتنمية الطفل في اليابان، التي تضم عدة جامعات من بينها جامعة أوساكا، وجامعة كانازاوا، وجامعة فوكوي، عن أن الأطفال الذين تعرضوا لسوء المعاملة سجلوا درجات أعلى بكثير في سبعة من أصل ثمانية مجالات للمشاكل السلوكية مقارنةً بأقرانهم، خصوصاً في الأفكار الوسواسية، وصعوبات الانتباه، وأعراض القلق والاكتئاب.
وباستخدام الدرجات المستخرجة من الطريقة المستخدمة، طور الباحثون نموذجاً تنبؤياً حدد الأطفال الذين تعرضوا لسوء المعاملة بدقة تجاوزت نسبة الـ90 في المائة.
قال طالب الدراسات العليا تاكويا ماكينو، والمؤلف الرئيسي لهذه الدراسة: «كثيراً ما نتعامل مع أشخاص شُخِّصوا بالاكتئاب، أو الاضطراب الثنائي القطب، أو اضطراب طيف التوحد، ولكن عندما نراجع تاريخهم الطبي بعناية، نجد أنهم كانوا أطفالاً تعرضوا لسوء المعاملة».
وأوضح في بيان نُشر، الجمعة، على موقع جامعة فوكوي: «الصعوبات التي يُمثلونها متعددة الجوانب، وغالباً ما تُربكنا نحن أنفسنا المتخصصين. لذلك شرعنا في تحديد صعوباتهم بشكل أشمل، مع شرحها بالتفصيل في الوقت نفسه».
ووفق الدراسة، يترك سوء معاملة الأطفال آثاراً عميقة ودائمة ذات عواقب بعيدة المدى، تتجاوز الصدمة المباشرة وتؤثر على الناجين بطرق غالباً ما تكون غير مرئية وغير مفهومة.
وغالباً ما يواجه العديد من الناجين مزيجاً معقداً من التحديات التي لا تؤثر فقط على صحتهم النفسية، بل أيضاً على صحتهم البدنية ونموهم الاجتماعي وجودة حياتهم بشكل عام.
وأظهرت دراسات سابقة أن عواقب سوء معاملة الأطفال يمكن أن تكون عميقة للغاية، مما يؤثر على خطر الإصابة بأمراض مزمنة ويعرقل فرص التعليم والعمل والعلاقات مدى الحياة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من شدة آثاره، فإن معظم الدراسات حول سوء معاملة الأطفال كانت بأثر رجعي، مع التركيز على البالغين الذين يسترجعون تجارب طفولتهم. وهذا يترك فجوات كبيرة في فهمنا لكيفية تأثير سوء المعاملة على الأطفال مع تطورها.
علاوة على ذلك، غالباً ما تتضمن تقييمات الصدمات التقليدية استجواب الأطفال مباشرةً حول تجاربهم المؤلمة، مما قد يزيد من الضغط النفسي على هؤلاء الأفراد الضعفاء أصلاً. نتيجةً لذلك، غالباً ما يواجه اختصاصيو الرعاية الصحية صعوبةً في الكشف الكامل عن الآثار الواسعة النطاق لسوء المعاملة ومعالجتها فوراً.
كشفت الدراسة الجديدة أيضاً عما يعرف بأنماط التوقيت الحرجة. على سبيل المثال، ارتبطت الإساءة أو الإهمال في سن الخامسة بشكل خاص بمشاكل الانسحاب من الحياة والتفكير، بينما ارتبط سوء المعاملة بين سن الخامسة والسابعة بشكل أكبر بالشكاوى الجسدية - وهي أعراض جسدية مثل الصداع أو آلام المعدة دون سبب طبي.
ومن الجدير بالذكر أن نوع الإساءة كانت له أهمية أيضاً؛ إذ كانت الإساءة الجسدية أكثر ارتباطاً بالمشاكل السلوكية والشكاوى الجسدية، في حين ارتبطت الإساءة العاطفية بالقلق والاكتئاب والأفكار الوسواسية.



