8 فنانين يُعيدون تشكيل المشهد الاستشفائي في بيروت

الخريطة الوريدية والستارة والصوت أدوات تأمُّل ترافق رحلة العلاج

عمل زينة وريّا بدران يتجاوز الجماليات البصرية ليلامس مشاعر المرضى (المُلحقة الإعلامية)
عمل زينة وريّا بدران يتجاوز الجماليات البصرية ليلامس مشاعر المرضى (المُلحقة الإعلامية)
TT

8 فنانين يُعيدون تشكيل المشهد الاستشفائي في بيروت

عمل زينة وريّا بدران يتجاوز الجماليات البصرية ليلامس مشاعر المرضى (المُلحقة الإعلامية)
عمل زينة وريّا بدران يتجاوز الجماليات البصرية ليلامس مشاعر المرضى (المُلحقة الإعلامية)

داخل أروقة المركز الطبّي في الجامعة الأميركية ببيروت، حيث تتقاطع النظرات القلقة بأصوات الأجهزة، تنفتح فجوة غير متوقّعة: الفنّ. مشروعٌ أطلقته منصة مؤقتة للفن (TAP) عام 2017 بعنوان «مشروع شفاء عام»، جاء ثمرة لسلسلة من التدخّلات الفنية المُكلَّفة في مواقع محدّدة داخل المستشفى، ودعوة لتأمّل العلاقة بين الجسد المريض والمكان.

8 فنانات وفنانين معاصرين استُدعوا إلى مقاربة الفضاء الطبّي من زاوية مختلفة، تحت إشراف القيّمة أماندا أبي خليل والقيّمة المُشاركة نور عسيران. فقد دُعوا إلى تأمُّل المركز الطبّي بوصفه «لا مكاناً»، أو - كما وصفه الأنثروبولوجي والباحث الفرنسي مارك أوجيه - فضاءٌ يعبره الناس من دون أن تنشأ فيه علاقات اجتماعية أو إحساس بالانتماء. هنا، حيث يغيب الاستقرار وتُعلَّق الحياة، أراد الفنّ أن يعيد تكوين شعور ما بالحضور.

تمزج كاثرين كاتاروزا بين الخريطة الوريدية للجسم البشري وخريطة بيروت (المُلحقة الإعلامية)

الفنانون تمارا السامرائي، وكاثرين كاتاروزا، وحاتم إمام، ولارا تابت، ونديم مشالوي وشريف صحناوي، وزينة بدران وابنتها ريا، استجابوا لهذا التحدّي بتقديم أعمال تأمّلية تبحث في الأصوات والأجساد والوجوه، وفي المادّة العضوية والبشرية التي تُشكّل هذا الفضاء.

من خلال إدماج الأعمال الفنّية ضمن البنية الحديثة للمركز، يُكرّس هذا المشروع المستشفى بوصفه موقعاً للتفاعل البحثي بين الفنّ والمجال الطبّي، ويفتح مساحات جديدة للتعاون بين الفنانين والعاملين في الرعاية الصحية. كما يمنح المرضى والزوار تجربة فنّية تفاعلية في بيئة أُنتجت خصيصاً لاستقبال هذا النوع من التعبير.

من بين الأعمال المعروضة، يبرز فيلم الفنانة زينة أبو الحسن (10 دقائق) بوصفه نقطة تلاقي بين التجربة الشخصية لرعاية المرضى وبين الجمهور العام، إذ يُضيء على العملية الإبداعية الكامنة خلف بعض الأعمال، موسِّعاً بذلك نطاق تأثيرها.

أما الفنان البصري ومصمّم الغرافيك اللبناني حاتم إمام، فابتكر منحوتة مُتحرّكة تُرافق المرضى في غرف الجراحة اليومية؛ صُمِّمت لتُحاكي حالة الانتظار التي تسبق العمل الجراحي. تتألّف القطعة من هيكل مقعّر من البليكسي محفور عليه مشهد طبيعي، ومُثبّت على قاعدة معدنية مضاءة من الداخل بأضواء «ليد». تُوضع المنحوتة قرب سرير المريض، لتوفّر له مشهداً بصرياً يُضفي طمأنينة، ويأخذه في رحلة تخيّلية تتجاوز حدود الغرفة الباردة.

حاتم إمام ابتكر منحوتة مُتحرّكة تُرافق المرضى في غرف الجراحة (المُلحقة الإعلامية)

في عملها التركيبي، تمزج الفنانة البصرية والمصوّرة الفوتوغرافية الفرنسية كاثرين كاتاروزا بين الخريطة الوريدية للجسم البشري وخريطة مدينة بيروت، مستخدمةً خامات دقيقة مثل الرصاص والخيط الأحمر والسلك النحاسي. عملها استكشاف داخلي للجسد، حيث التفرُّد والاختلاف، لكنه يخرج إلى العلن عبر التمثيل البصري، مُستلهماً من تقنيات رسم الخرائط.

تمزج كاثرين كاتاروزا بين الخريطة الوريدية للجسم البشري وخريطة بيروت (المُلحقة الإعلامية)

بدورها، تقدّم الطبيبة والفنانة لارا تابت عملاً يربط بين البنية الجينية لـ3 أفراد وارتباطهم بـ3 مراحل في تاريخ المركز الطبي: ما قبل التشييد، في أثناء البناء، وما بعد الافتتاح. من خلال الحمض النووي بكونه عنصراً جوهرياً في تكوين الهوية، تبني تركيباً ضوئياً ينبض بالحياة، في محاولة لإدخال مفهوم الهوية الفردية إلى الفضاء العلاجي.

تحاول لارا تابت إدخال مفهوم الهوية الفردية إلى الفضاء العلاجي (المُلحقة الإعلامية)

أما الفنانة التشكيلية والرسامة الكويتية تمارا السامرائي، فاستوحت عملها من الصور البصرية للبطاقات البريدية، من شواطئ وجبال ومواقع سياحية، وحوّلتها إلى لوحات مائية صغيرة تُطبع لاحقاً على الستائر المحيطة بأسرَّة العلاج الكيميائي. بهذا، تتحوّل 4 وحدات علاجية إلى حجرات حالمة تُتيح للمرضى مساحة للانفصال المؤقت عن الجسد المُثقل بالعلاج.

تمارا السامرائي تُتيح مساحة للانفصال المؤقت عن الجسد المُثقل بالعلاج (المُلحقة الإعلامية)

في بُعدٍ سمعي مختلف، انشغل المؤلّف الموسيقي نديم مشالوي وعازف الغيتار الارتجالي شريف صحناوي بأصوات المركز الطبي: من همس الأجهزة إلى الأصداء المحيطة. سجَّلا أصواتاً من مواقع متعدّدة داخل المستشفى، وأعادا تركيبها لإنتاج نغمتَيْن جديدتَيْن، بالإضافة إلى لحن انتظار هاتفي، ونبضة صوتية قصيرة تُستخدم في المصاعد. الأصوات الجديدة لا تكتفي بوظيفتها، وإنما تُعيد تأويل العلاقة بين الإنسان والآلة.

أصوات نديم مشالوي وشريف صحناوي تُعيد تأويل العلاقة بين الإنسان والآلة (المُلحقة الإعلامية)

ومن ضمن المشاركين أيضاً، الفنانة زينة بدران وابنتها ريا، في عمل مشترك يجمع بين تجربة الأمّ الرسامة والمتخصّصة بالطباعة، صاحبة الخلفية العلمية؛ وتجربة الابنة، الكاتبة. في حديثها مع «الشرق الأوسط»، تُعبّر زينة عن صلتها العميقة بالمكان، إذ عاشت 30 عاماً قرب الجامعة الأميركية. ورغم حذرها من التعاون مع ابنتها في عمل فنّي واحد لانفصال مسارَيْهما وعدم تدخّل إحداهما بالأخرى، شعرت بأنّ هذا المشروع جمعهما في نقطة تلاقٍ واحدة.

ترى زينة وريّا بدران في الفنّ العام مساحة لإرسال رسائل إلى المجتمع (المُلحقة الإعلامية)

ترى زينة بدران في الفنّ العام مساحة لإرسال رسائل إلى المجتمع وتعزيز الحسّ المدني، بينما يبقى الفنّ الحميمي أكثر ارتباطاً بالتجربة الذاتية للفنان. عملهما المُشترك يتّخذ شكل لوحة متعددة الوسائط تُحاكي خلايا الإنسان، وتضمّ تفاصيل وتركيبات كيميائية مُستلهمة من تخصص العلمي، مصحوباً بقطعة صوتية أنجزتها ريا، ناتجة عن مقابلات أجرتها مع موظّفي المستشفى حول تفاعلاتهم الطبّية والإنسانية.

تدرك زينة بدران أن للفنّ دوراً في التخفيف من التوتّر والقلق والإحباط، وأنّ لهذه الأعمال تأثيراً يتجاوز الجماليات البصرية، لتلامس مشاعر المرضى وتُعيد بناء شعورهم بالانتماء. فكما تقول، الهدف هو تخفيف العزلة الاجتماعية وتحسين نتائج الصحة من خلال استحضار الإبداع داخل فضاء الاستشفاء.

هكذا، يتقاطع الفنّ مع الطبّ، من موقع الضرورة، مثل نافذة ضوء في قلب التجربة، وصوت داخلي يقول للمريض بهدوء: «لستَ وحدك».


مقالات ذات صلة

رواية «لا أحد ينام في الإسكندرية» تُلهم تشكيليين مصريين

يوميات الشرق الفنان محمد عبلة ضيف شرف المعرض (قوميسير المعرض)

رواية «لا أحد ينام في الإسكندرية» تُلهم تشكيليين مصريين

عبر لوحات تفوح برائحة اليود، تجلت مدينة الإسكندرية (شمال مصر) ببحرها وناسها وتاريخها وتفاصيلها المختلفة في معرض فني نظمته مؤسسة «محو الأمية البصرية».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق من معرض «السفارة الافتراضية» من تقييم سارة المطلق (واس)

فن الحكاية البصرية: ثلاث قيمات سعوديات يروين تجربتهن

في زخم الحركة الفنية السعودية، تبرز أسماء لفنانين وأعمال ومعارض، كما يتردد اسم «القيم الفني» الذي يتولى إخراج المعرض للجمهور عبر رؤية فنية خاصة.

عبير بامفلح (الرياض)
يوميات الشرق صناعة العطور تعتمد على خامات طبيعية (متحف الفن الإسلامي)

«مسك وزعفران»... المتحف الإسلامي بالقاهرة يستعيد تاريخ العطور

المسك والزعفران والعود والعنبر والكافور هي العناصر الخمسة الشرقية الرئيسية في تركيب العطور في العصر الإسلامي.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق البشر... حبَّات أُرز (فيسبوك)

أكوام من الأرز تُجسّد البشر... والناس يضحكون ويبكون

يواصل معرض يتخيَّل إحصاءات السكان البشريين في أكوام من الأرز بأحجام مختلفة، رحلته العالمية بتوقّفه في مقاطعة سوري بجنوب شرقي إنجلترا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بقايا الشجرة التي هزّت بريطانيا... الآن يمكن احتضانها (غيتي ومتنزه نورثمبرلاند الوطني)

نُصب فنّي يُحيي ذاكرة الشجرة التي أبكت بريطانيا

تقرَّر عرض جزء من شجرة «سيكامور غاب» ذات الشهرة العالمية، التي قُطعت بطريقة غير قانونية قبل نحو عامين، في مقاطعة نورثمبرلاند البريطانية، وذلك بشكل دائم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تصريحات مدحت العدل عن «حفيدة» أم كلثوم تثير جدلاً

جانب من مؤتمر صحافي حول مسرحية أم كلثوم (حساب العدل على فيسبوك)
جانب من مؤتمر صحافي حول مسرحية أم كلثوم (حساب العدل على فيسبوك)
TT

تصريحات مدحت العدل عن «حفيدة» أم كلثوم تثير جدلاً

جانب من مؤتمر صحافي حول مسرحية أم كلثوم (حساب العدل على فيسبوك)
جانب من مؤتمر صحافي حول مسرحية أم كلثوم (حساب العدل على فيسبوك)

تسببت التصريحات التي أدلى بها المؤلف المصري مدحت العدل حول اعتزال حفيدة شقيقة سيدة الغناء العربي أم كلثوم في إثارة جدل كبير، وتعرّض لهجوم عبر مواقع «السوشيال ميديا».

وكان مدحت العدل قد ذكر في تصريحات صحافية (الاثنين) عقب افتتاح المقر الجديد لجمعية المؤلفين والملحنين والناشرين المصرية التي يترأسها، وتطرق فيها إلى مسرحية أم كلثوم التي كتبها وينتجها في ذكرى مرور نصف قرن على وفاة «كوكب الشرق» أنه «ليس من المعقول أم كلثوم تموت وهي أم كلثوم، وأسأل عن حفيدتها التي رأيتها قبل سنوات في برنامج (ذا فويس كيدز) لكي تمثل في المسرحية فقالوا لي إنها تحجبت واعتزلت».

وأبدى العدل دهشته قائلاً: «تخيلوا أم كلثوم كده وحفيدتها كده شوفوا إلى أين وصلنا نحن»، وأوضح العدل لاحقاً عقب ردود الأفعال التي هاجمته مؤكداً أنه لا يعترض على الحجاب، وإنما يعترض على اعتزال حفيدة أم كلثوم لأنها ترى أن الغناء حرام، بينما جدتها كانت قارئة قرآن ومستنيرة فكرياً»، على حد تعبيره.

وتسببت هذه التصريحات في إثارة الجدل وتعرض العدل لهجوم شديد على منصة «إكس».

لكن الكاتب طارق الشناوي يرى أن «المشكلة تكمن في أن عائلة الفتاة ربطت بين الحجاب وتحريم الغناء»، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «مدحت العدل كان يريد من حفيدة أم كلثوم أن تغني في المسرحية التي تتناول سيرة جدتها فكان رد والدها أنها تحجبت واعتزلت، والمشكلة جاءت في الربط بين الحجاب وبين التوقف عن الغناء لأنه يعني بذلك تحريم الغناء، وهذا هو الجزء العميق في الموضوع، لأن والد الفتاة أدخلها معهد الموسيقى العربية وكانت تغني في الأوبرا، وقد كان موافقاً على غنائها ثم انقلب 180 درجة»، وفق تعبيره.

«سيدة الغناء العربي» أم كلثوم (أرشيفية)

ولفت الشناوي إلى وجود حلول متعددة بالنسبة لأي مخرج إذا كان من الضروري أن ترتدي أي مطربة الحجاب، فهناك مطربات منذ زمن يغنين بالحجاب مثل نجاح سلام وهدى سلطان.

وُيبدي الشناوي دهشته من «تحريم الفن وتجريمه في بلد مثل مصر، متسائلاً كيف نصل لهذه المرحلة، إنه أمر مخيف جداً»، مشيراً إلى أنه «قبل ذلك طلب المطرب أحمد عامر منع أغانيه قبل أن يموت، وتبعه آخرون، وكأن الفن ذنب أو معصية».

سناء نبيل، التي أثيرت الضجة حولها حفيدة شقيقة أم كلثوم وعمرها الآن 22 عاماً، عرفت طريقها إلى الغناء منذ طفولتها، حيث انضمت لكورال أطفال الأوبرا مع المايسترو سليم سحاب منذ كان عمرها 9 سنوات، وشاركت في برنامج «ذا فويس كيدز»، وبرنامج المواهب Arabs Good Talant ولم تتحدث عن قرابتها لأم كلثوم خلال مشاركتها بالبرنامج إلا بعدما سألها الفنان أحمد حلمي عن وجود أقارب لها بالغناء، فقالت إنها حفيدة أم كلثوم، مؤكدة أن حياتها أصبحت غناء في غناء منذ طفولتها.

وذكرت جيهان والدة سناء في تصريحات صحافية أن «هناك من اتصل بوالد سناء من طرف مدحت العدل للمشاركة في مسرحية، وأخبره أنها تحجبت واعتزلت»، نافية أنه قال إن «الغناء حرام»، وقالت: «إننا لن نحرم ونحلل على هوانا». مشيرة إلى أن «اعتزال ابنتها تم قبل عامين، فيما قال والدها نبيل المرسي إن ابنته «تلقت عروضاً لأعمال فنية، لكنها قررت الاعتزال وارتدت الحجاب».

المؤلف مدحت العدل (حساب العدل على فيسبوك)

ورأى الناقد الموسيقي أمجد مصطفى أن هناك أزمة نعيشها منذ سنوات تتمثل في اجتزاء الكلام ليفسره كل شخص على هواه، فقد اعتاد الناس تناول جزء من كلام الفنان أو المسؤول ليذهبوا به لاتجاه آخر، ومع انتشار «السوشيال ميديا» بات الأمر في منتهى الخطورة.

ويضيف مصطفى لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الأمر تكرر مع العدل ليبدو كلامه ضد الدين أو الحجاب رغم أن عائلته تضم محجبات، وقد يكون لديه أثناء حديثه مائة فكرة فتطغى إحداها على الأخرى، لذلك من المهم ألا نجري وراء (التريند) وأن نعيد التواصل معه للتأكد منه، لأن الأمر يتعلق بالدين وما يمثله ذلك من خطورة وحساسية».