في تجسيدها شخصية «روح» في مسلسل «نفس» الرمضاني، خاضت الممثلة دانييلا رحمة تجربة درامية لا تشبه غيرها. قدّمت دورها بأداء محترف أثنى عليه معظم النقاد، وعدته دانييلا دوراً علّمها كثيراً، وزوّدها بدروس حفرت في ذهنها.
تقول دانييلا لـ«الشرق الأوسط»: «إنه من أصعب الأدوار التي مثّلتها في مشواري. لقد حمّلني مسؤولية كبيرة تجاه الأشخاص المكفوفين. وكذلك تجاه كل من يواجه صعوبات في حياته. ومن خلال شخصية (روح) اخترت أن أكون صوتهم وأحمل قضيتهم. وتطلَّب مني الأمر تركيزاً عاطفياً وجسدياً مضاعفاً».
تصف دانييلا تجربتها: «كانت ملهمة ومشبَّعة بالإنسانية. كما أنها استثنائية، وأنا فخورة بإنجازي هذا المشروع مع شركة (الصبّاح) للإنتاج التي آمنت بقدراتي».
وعمَّا إذا صارت تشكِّل اليوم فرداً من عائلة هذه الشركة في موسم رمضان ترد: «أتمنى أن تتقاطع طريقنا مجدداً في مشروعات مستقبلية». حمل مسلسل «نفس» رسائل إنسانية عدّة. وبالنسبة لدانييلا فإن أكثر ما لمسها هو أن المرء لا يُقاس بقدراته الجسدية.
وتتابع في سياق حديثها: «إن شخصية روح كانت مثالاً حقيقياً للإنسان الذي يتمتَّع بقدرات هائلة في داخله. استطاعت تجاوز مواقف صعبة بفضل قوةٍ تسكن قلبها وروحها». فكرة البطلة المكفوفة تعود لمديرة أعمال دانييلا رحمة. وشركة «الصبَّاح» أُعجبت بها، ودوّنتها الكاتبة إيمان السعيد بأسلوب ممتع. وتروي دانييلا علاقة هذه الشخصية بفتاة تعاني من فقدان البصر. «غالباً ما يحاول مدربي في التمثيل بوب مكرزل ربط الشخصيات التي أجسّدها بناس حقيقيين. فعرّفني إلى الفتاة ربيكا لأستلهم من تجربتها مع فقدان البصر. التقيت بها أكثر من مرة ولفتتني منذ اللحظة الأولى. أذهلتني كيف تتعامل مع حياتها اليومية بمهارة. وهذا الأمر ساعدني على فهم شخصية (روح) بشكل أعمق. كنت أعيش حالتها بالفعل وبطريقة طبيعية».
وعن أبرز الصعوبات التي واجهتها في تمثيلها الفتاة العمياء تقول لـ«الشرق الأوسط»: «تعلّمت منها كثيراً، والأهم هو تقدير نعم صغيرة قد نغفل عنها في حياتنا اليومية. فجعلتني أشعر بمدى قوة الإنسان حتى عندما يفقد إحدى حواسه الأساسية مثل البصر. والصَّعوبة الكبرى تمثَّلت في كيفية إقناع المشاهد بأنني فعلاً عمياء ومن دون مبالغة أو تصنّع».
تفضِّل دانييلا رحمة أن تتقمَّص شخصيات لا تُشبهها في الواقع. وتوضح: «عندما تكون لا تشبهني في الحقيقة فإنها تسمح لي باكتشاف عالم جديد ونواحٍ مختلفة من قدراتي. وكذلك مشاعر لم يسبق لي أن اختبرتها من قبل. وهو ما يجعلني أعشق التمثيل بشكل أكبر».
وتقول لـ«الشرق الأوسط» عن موقف تمنَّت لو أنها لم ترَه: «مررت بمواقف مؤلمة تمنّيت لو أني لم أشهدها. وهذا الأمر ينطبق على الصعيدين الشخصي والاجتماعي. بعضها ترك أثراً عميقاً عندي لم أستطع محوه، بيد أنه ساهم من ناحية ثانية في بناء شخصيتي التي أنا عليها اليوم».
العتمة بالنسبة لها قد تخيفنا إذا كنا لا نملك النور الداخلي، أما الضوء الذي تحتاجه في أي علاقة فينبع من الصدق والتفاهم والاحترام. تأثرت دانييلا بشخصية (روح) في مسلسل «نفس» لإصرارها على الاستمرار رغم كل الألم الذي عاشته. «لقد علَّمتني أن القوة الحقيقية لا تأتي من قدرتنا البصرية، فهناك رؤية أهم وأكثر فعالية آتية من القلب».
اليوم، تختار دانييلا رحمة أدوارها بتأنٍ. وتوضح: «أختار تلك التي تلمس قلبي وتحمل رسالة ما. وكذلك فإن الدور لا بدّ أن يضيف لي وللجمهور، فلا يمرُّ مرور الكرام. وأبتعد عن الأدوار السطحية وتلك التي لا تتماشى مع مبادئي وقناعاتي». وتوصل دانييلا رحمة رسالة إلى المرأة المكفوفة: «أقول لها أنت ملهمة وقوية وجمالك الحقيقي يكمن في روحك وثقتك بنفسك. لا تسمحي لأحد بأن يُحدَّ من قدراتك أو يستخف بحضورك وبنورك الداخلي الساطع».
باقة من الممثلين شاركوا في «نفس» بتوقيع المخرج إيلي السمعان، وفي مقدمتهم السوريَين عابد فهد ومعتصم النهار، فكيف تصفهما؟ تردّ: «عابد فهد هو شخص استثنائي بأدائه. وهو مدرسة بحدّ ذاته نغبّ منها دروساً كثيرة. أما معتصم النهار فهو شريك محترف وملتزم جداً، والتعاون معه متعة، لا سيما أنه صاحب شخصية جميلة».
في الحلقة ما قبل الأخيرة من المسلسل تذكر (روح) عبارة «العتمة أشرف من الحقيقة التي أراها اليوم». فكيف تعلّقين عليها؟ تجيب: «هذه العبارة تعبّر عن الألم الذي قد يتسبَّب به اكتشافنا الحقيقة. ونعم أعتقد أن كثيراً من الناس يفضّلون العيش في الأوهام، ويخافون من مواجهة واقع مؤلم، وهذا الأمر ينبع من الخوف وليس من ضعف في الشخصية».
تابعت دانييلا كما تخبر عدداً من مسلسلات رمضان الأخير. وعن رأيها في «بالدم» تقول: «كان من الأعمال اللافتة جداً، وطرح موضوعاته بجرأة وبأسلوب مختلف من ناحية الإخراج والكتابة والتمثيل».
تحضّر دانييلا رحمة لمشروعات عدة كما تذكر، بعضها لا ينتمي إلى الدراما. وتتابع: «سأكشف عنها في الوقت المناسب، ولكن أقرب الأعمال التي ستُعرض لي هي (فرانكلين). وسنشاهده على منصّة (نتفليكس)، ويشارك فيه نخبة من الممثلين ومن بينهم، محمد الأحمد، وفايز قزق، وطوني عيسى. وهو من تأليف شيرين خوري وإخراج حسين المنباوي. ويُعدّ من الأعمال التشويقية المليئة بالإثارة. ويحكي قصة أب أعزب محترف في التزوير، يضطر للتعاون مع حبيبته السابقة في تزوير عملة ورقية من فئة الـ100 دولار ليُنقذ ابنته».
وتختم دانييلا رحمة متحدثة عمّن يمثّل عينيها وبصرها في حياتها العادية: «والدي ووالدتي، هما نوري وبصري، وهما من شكَّلا جذوري وصمَّام الأمان في حياتي. أما زوجي ناصيف زيتون، فيمدني بالقوة والدعم. وهو الضوء الذي يجعل كل شيء من حولي أوضح وأسهل وأجمل».