في هدأة ليل الرياض القديمة، ينبعث صوت الحق من مئذنة الجامع الكبير (جامع الإمام تركي)، ويصل صداه إلى بقية الأحياء المحيطة، حاملاً صوت المؤذن الشهير عبد العزيز بن ماجد بنبرته النجدية الفريدة، يصدح في فضاء المدينة وأحيائها العتيقة، منادياً بالصلاة وحاثاً المسلمين على القيام إليها.
صوت هذا الشيخ الجليل ارتبط وعلى مدى عقود طويلة، مع أهالي العاصمة السعودية، ومع غيرهم من ملايين المستمعين في المحطات الفضائية والإذاعات المسموعة، إضافة إلى بعض تطبيقات الهواتف المحمولة، التي تبث صوته الجهوري وهو ينادي بالصلاة.

بن ماجد يتلمس طريقه نحو المئذنة
وُلد الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الله الماجد في حي دخنة بمدينة الرياض عام 1319 للهجرة، وورث مهنة النجارة عن والده الذي قدم مبكراً من الأفلاج إلى الرياض، التي عمل فيها نجاراً لشِداد إبل الجيش وعمل أوسمة لتمييز هوية إبل كل قبيلة، واستمر بن ماجد في العمل نجاراً في قصر الأمير منصور بن عبد العزيز، ثم عمل نجاراً لعمل الشبابيك والأبواب في قصور الملك عبد العزيز بحي المربع.

وخلال تلك الفترة كان الشيخ بن ماجد، يتلمس طريقه في الأذان، حيث سيقضي بقية عمره صادحاً بصوت الحق من مئذنة أشهر جوامع الرياض، ففي أول الأمر عمل في مسجد ابن ناصر في حارة مليحة (جنوب العاصمة السعودية)، ثم انتقل إلى جامع الإمام تركي بن عبد الله بعد بنائه بجوار قصر الحكم في حي الديرة (وسط الرياض).
وبدأ بن ماجد مسيرته مؤذناً في جامع الإمام تركي بن عبد الله وهو بعمر 25 عاماً، وارتبط بهذا المقام طويلاً، لم ينقطع خلالها عن أداء الأذان للصلوات من مسجده الذي تعلق به، متفانياً في عمله وحريصاً على وقته، وقد كان يتيقن من اقتراب موعد الأذان من خلال ساعة تتدلى منها سلسلة كان يضعها في جيبه، وكان إذا انقطعت الكهرباء عن المسجد في رمضان، يصعد 32 درجة إلى السطح، ليرفع الأذان بصوته من هناك، ويصله أبناؤه بزاده حيث يجلس.
واستمر بن ماجد في الأذان 7 عقود قبل أن يتوفى مطلع العام الهجري 1418 عن عمر ناهز الـ100عام، عاصر خلالها قادة السعودية منذ عهد الملك عبد العزيز وصولاً إلى عهد الملك فهد.

بن ماجد الابن يمدّ في أثر والده
وبوفاته طُويت مسيرة طويلة لهذا الصوت الفريد في حين واصل على نهجه ابنه عبد الرحمن الذي ورث شغف والده ونداوة صوته وبقي يرفع الأذان النجدي من المئذنة ذاتها.
وواظب بن ماجد الابن مسيرة الأب، وسلك طريق والده، وعمّق ارتباط الناس مع الأذان النجدي، لا سيما خلال شهر رمضان ولياليه، وبخاصة أثناء لحظات الإفطار في الشهر الفضيل، حيث كان أهالي الرياض يحبون أن يشرعوا في الإفطار مع سماع صوته، مباشرة من مئذنة المسجد أو عبر أثير الإذاعة التي كانت تبث الأذان من الجامع الكبير في الرياض.
وفي عام 2018 توفي بن ماجد الابن، وفقدت الرياض صوت الأذان النجدي الذي استمر يصدح من مئذنة أشهر جوامعها لقرابة قرن كامل، انطلقت مع عبد العزيز بن ماجد الأب، وطويت مع عبد الرحمن بن ماجد الابن.

