السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

يحتفل الأمازيغ حول العالم وخاصة في المغرب العربي بعيد رأس السنة الأمازيغية في 12 أو 13 من يناير (كانون الثاني)، التي توافق عام 2975 بالتقويم الأمازيغي. ويطلق على العيد اسم «يناير»، وتحمل الاحتفالات به معاني متوارثة للتأكيد على التمسك بالأرض والاعتزاز بخيراتها.

وتتميز الاحتفالات بطقوس وتقاليد متنوعة توارثها شعب الأمازيغ لأجيال عديدة، في أجواء عائلية ومليئة بالفعاليات الثقافية والفنية.

وينتشر الاحتفال ﺑ«يناير» بشكل خاص في دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا والنيجر ومالي وسيوة بمصر.

أمازيغ يحتفلون بالعام الجديد من التقويم الأمازيغي في الرباط بالمغرب 13 يناير 2023 (رويترز)

جذور الاحتفال

يعود تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى العصور القديمة، وهو متجذر في الحكايات الشعبية والأساطير في شمال أفريقيا، ويمثل الرابطة بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، فضلاً عن ثروة الأرض وكرمها. ومن ثمّ فإن يناير هو احتفال بالطبيعة والحياة الزراعية والبعث والوفرة.

ويرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بأصل تقويمي نشأ قبل التاريخ، يعكس تنظيم الحياة وفق دورات الفصول.

وفي الآونة الأخيرة، اكتسب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أهمية إضافية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية حية.

ومصطلح «يناير» هو أيضاً الاسم الذي يُطلق على الشهر الأول من التقويم الأمازيغي.

خلال احتفال لأمازيغ جزائريين برأس السنة الأمازيغية الجديدة «يناير» في ولاية تيزي وزو شرق العاصمة الجزائر (رويترز)

متى رأس السنة الأمازيغية؟

إن المساء الذي يسبق يناير (رأس السنة الأمازيغية) هو مناسبة تعرف باسم «باب السَنَة» عند القبائل في الجزائر أو «عيد سوغاس» عند الجماعات الأمازيغية في المغرب. ويصادف هذا الحدث يوم 12 يناير ويمثل بداية الاحتفالات في الجزائر، كما تبدأ جماعات أمازيغية في المغرب وأماكن أخرى احتفالاتها في 13 يناير.

يبدأ التقويم الزراعي للأمازيغ في 13 يناير وهو مستوحى من التقويم اليولياني الذي كان مهيمناً في شمال أفريقيا خلال أيام الحكم الروماني.

يمثل يناير أيضاً بداية فترة مدتها 20 يوماً تُعرف باسم «الليالي السود»، التي تمثل واحدة من أبرد أوقات السنة.

أمازيغ جزائريون يحتفلون بعيد رأس السنة الأمازيغية 2975 في قرية الساحل جنوب تيزي وزو شرقي العاصمة الجزائر 12 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ما التقويم الأمازيغي؟

بدأ التقويم الأمازيغي في اتخاذ شكل رسمي في الستينات عندما قررت الأكاديمية البربرية، وهي جمعية ثقافية أمازيغية مقرها باريس، البدء في حساب السنوات الأمازيغية من عام 950 قبل الميلاد. تم اختيار التاريخ ليتوافق مع صعود الفرعون شيشنق الأول إلى عرش مصر.

وشيشنق كان أمازيغياً، وهو أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية في تاريخ شمال أفريقيا القديم. بالنسبة للأمازيغ، يرمز هذا التاريخ إلى القوة والسلطة.

رجال أمازيغ يرتدون ملابس تقليدية يقدمون الطعام خلال احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

كيف تستعد لرأس السنة الأمازيغية؟

تتركز احتفالات يناير على التجمعات العائلية والاستمتاع بالموسيقى المبهجة. تستعد معظم العائلات لهذا اليوم من خلال إعداد وليمة من الأطعمة التقليدية مع قيام الأمهات بتحضير الترتيبات الخاصة بالوجبة.

كما أصبح من المعتاد ارتداء الملابس التقليدية الأمازيغية والمجوهرات خصيصاً لهذه المناسبة.

وتماشياً مع معاني العيد المرتبطة بالتجديد والثروة والحياة، أصبح يناير مناسبة لأحداث مهمة لدى السكان مثل حفلات الزفاف والختان وقص شعر الطفل لأول مرة.

يحتفل الأمازيغ في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي وكذلك أجزاء من مصر بعيد «يناير» أو رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

ما الذي ترمز إليه الاحتفالات؟

يتعلق الاحتفال بيوم يناير بالعيش في وئام مع الطبيعة على الرغم من قدرتها على خلق ظروف تهدد الحياة، مثل الأمطار الغزيرة والبرد والتهديد الدائم بالمجاعة. وفي مواجهة هذه المصاعب، كان الأمازيغ القدماء يقدسون الطبيعة.

تغيرت المعتقدات الدينية مع وصول اليهودية والمسيحية والإسلام لاحقاً إلى شمال أفريقيا، لكن الاحتفال ظل قائماً.

تقول الأسطورة إن من يحتفل بيوم يناير سيقضي بقية العام دون أن يقلق بشأن المجاعة أو الفقر.

نساء يحضّرن طعاماً تقليدياً لعيد رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

يتم التعبير عن وفرة الثروة من خلال طهي الكسكس مع سبعة خضراوات وسبعة توابل مختلفة.

في الماضي، كان على كل فرد من أفراد الأسرة أن يأكل دجاجة بمفرده للتأكد من شبعه في يوم يناير. وترمز البطن الممتلئة في يناير إلى الامتلاء والرخاء لمدة عام كامل.

ومن التقاليد أيضاً أن تأخذ النساء بعض الفتات وتتركه بالخارج للحشرات والطيور، وهي لفتة رمزية للتأكد من عدم جوع أي كائن حي في العيد.


مقالات ذات صلة

عَرْض عظام القردة الشهيرة «لوسي» في أوروبا بعد 50 عاماً على اكتشافها

يوميات الشرق «لوسي» ستحطُّ في أوروبا (أ.ف.ب)

عَرْض عظام القردة الشهيرة «لوسي» في أوروبا بعد 50 عاماً على اكتشافها

كان اسم «لوسي» في الأصل «A.L-288-1»، وسُمِّيت على اسم أغنية البيتلز «لوسي في السماء مع ألماس»، التي كان يستمع إليها فريق العلماء بعد الاحتفال بالاكتشاف.

«الشرق الأوسط» (براغ)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي الراحل جون كيندي يلوّح بيده قبل نحو دقيقة واحدة من إطلاق النار عليه واغتياله يوم 22 نوفمبر 1963 بمدينة دالاس الأميركية (أ.ب)

ترمب: سأفرج بسرعة عن ملفات اغتيال جون وروبرت كيندي ومارتن لوثر كينغ

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه سيفرج عن وثائق سرية الأيام المقبلة تتعلق باغتيال الرئيس الأميركي جون كيندي والسيناتور روبرت كيندي والحقوقي مارتن لوثر كينغ.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون أمين الريحاني

«ملوك العرب» في مئويّته: مُعاصرنا أمين الريحاني

قيمة كتاب «ملوك العرب» كامنة في معاصرتها لحياتنا ولبعض أسئلتنا الحارقة رغم صدوره قبل قرن. ولربّما كانت قيمة الريحاني الأولى أنه لا يزال قادراً على أن يعاصرنا.

حازم صاغيّة
الولايات المتحدة​ الأعلام الأميركية ترفرف منكّسة في نصف السارية قرب مبنى الكونغرس الأميركي حداداً على وفاة الرئيس الأسبق جيمي كارتر... واشنطن 11 يناير 2025 (رويترز)

ما سبب تنكيس الأعلام الأميركية يوم تنصيب ترمب؟

التنكيس الحالي للعلم الأميركي إجراء اتخذه الرئيس الأميركي جو بايدن لتكريم الرئيس الراحل جيمي كارتر، الذي توفي الشهر الماضي عن عمر يناهز 100 عام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق نال الراشد منحة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتاريخ الجزيرة العربية عام 2017 (واس)

«سعد الراشد» حياة في الآثار ودراسة حضارات الجزيرة العربية

مسيرة مهنية فذّة للبروفيسور سعد الراشد في مجال الآثار ودراسات الحضارة والنقوش في الجزيرة العربية انطلاقاً من جوهرة أعماله في استكشاف طريق الحج من الكوفة إلى مكة

عمر البدوي (الرياض)

«مسرح زقاق» يقدّم «كوما»... صرخة الشباب في وجه العتمة

تُعرَض «كوما» في 8 و9 فبراير الحالي على مسرح «زقاق»... (مسرح زقاق)
تُعرَض «كوما» في 8 و9 فبراير الحالي على مسرح «زقاق»... (مسرح زقاق)
TT

«مسرح زقاق» يقدّم «كوما»... صرخة الشباب في وجه العتمة

تُعرَض «كوما» في 8 و9 فبراير الحالي على مسرح «زقاق»... (مسرح زقاق)
تُعرَض «كوما» في 8 و9 فبراير الحالي على مسرح «زقاق»... (مسرح زقاق)

عند كلِّ جيلٍ جديدٍ ملاحظات على الذي قبله، والعكس بالعكس. الفرق بين جيل وآخر عادة هو مدى التأثّر بالزمن الذي يعيش فيه كل منهما. لذلك تحضر الاختلافات وفق التَّطورات الاجتماعية. فتتأثّر بالاختراعات والتقنيات المتقدمة التي من شأنها أن تُعيدَ ترتيب الحياة برمّتها. وهو ما يُحدِث فجوة كبيرة بين الأجيال تترجَم بتغيّر عادات وتقاليد وأسلوب عيش. وفي مسرحية «كوما» يعلو صوت جيل يُعرف باسم «ألفا»، ويشمل المولودين منذ عام 2010 حتى اليوم، فيقدّم حكاية تجمع بين الكوميديا السوداء والمشاعر العميقة، ويحاول عبرها لفت انتباه كلَّ من يغضُّ النظر عن سماع آرائه. وخلالها يروي 6 شبان وفتيات كيفية تأثُّرهم بالخسارات وبالحب والوطن. وتأتي ضمن برنامج «كواليس مسرح زقاق (جيل زد)» للإرشاد المسرحي.

مسرحية «كوما» تتناول هواجس جيل «ألفا»... (مسرح زقاق)

تحكي المسرحية عن «ياسمينا»؛ الإطفائية الجريئة... كانت في الصّفوف الأمامية عندما هزّ انفجار بيروت العاصمة. نراها على المسرح تحكي عن تلك اللحظات مع أصدقائها، ومعهم تُترجم انعكاساتِ حدثٍ هزَّ مشاعرها. يتبادلون الأحاديث حول العلاقات بالجيران وصاحب الدُّكان الصغير... وغيرهما. فالحدث طبع أهل بيروت وترك بصمته السلبية عليهم. ولكن في الوقت نفسه تُوصّل المجموعة المشاركة في المسرحية أفكارها بأسلوبٍ ساخرٍ ومضحكٍ. وهو ما يلوِّن العمل بمشاهدَ تكسرُ النمط التراجيدي. وهو يُعرض على مسرح «زقاق» بمنطقة الكرنتينا في 8 و9 فبراير (شباط) الحالي.

كتَب المسرحية بهاء الرّافع وياسمينا شيّا؛ ومع 4 من زملائهما يُطلُّون على المسرح. ويشير جنيد سري الدين، المُشرف على تدريب المجموعة، إلى أن أعمار الممثلين تتراوح بين 13 و19 عاماً. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «هذا البرنامج الإرشادي المسرحي نُنظِّمه سنوياً للناشئين. نُرافق مواهبهم ونطوِّرها ونُسهم في ولادات جديدة، فنبني معهم عملاً فنِّياً مسرحياً مختلفاً، وندعمه مادياً وتقنياً وفنياً».

جنيد سري الدين يُشرف على تدريبات «برنامج الإرشاد المسرحي»... (مسرح زقاق)

يُترجم البرنامج أولى خطوات جيلٍ فتيٍّ على المسرح، وينظمه «زقاق» منذ نحو 5 سنوات، فيستفيد من أفكارٍ ومحاولاتٍ كتابية لمجموعة من التلامذة والطلاب. ويتألف محور العمل من استيقاظ فتاة بعد فترة «غيابٍ عن الوعي (كوما)» لتكتشف أن كلَّ شيء تغيّر حولها.

على مدى 6 أشهر واكب سري الدين المجموعة في جلسات وورشات عمل متتالية... «حاولتُ قدر الإمكان توضيحَ أفكارهم ووضعَها في نصٍ مسرحيٍّ محبوكٍ بشكل جيّد. والأهم كان الحفاظ على لغتهم الشبابية في كيفية تناولهم الموضوع. وبعدها تأتي مرحلة التطبيق على المسرح والمتابعة والإخراج».

مُدّة المسرحية 40 دقيقة، وتترجم العلاقات الاجتماعية بين جيل «ألفا» والمحيطين به. ويُوضح سري الدين: «غالباً ما توجد مسافات تفصل بين أفكار جيل قديم وآخر جديد. وهذا الأخير يشعر في معظم الوقت أن كلامه غير مسموع. فالجيل الأكبر منه لا يُولي لملاحظاته وانطباعاته الاهتمام الكافي. وتأتي المسرحية لتمدّ هذا الجسر بين الأجيال بأسلوب سلس وفعّال، فتُخرِج المجموعة معاناتها وأوجاعها على الملأ. ويدور ذلك ضمن قالب مسرحي خفيف (لايت) ومرح في الوقت نفسه، فيعكس شخصيتهم الحقيقية والواضحة في التعبير عن هواجسها».

بالنسبة إلى جنيد، فإن المشاركة في العمل مع جيل شبابيٍّ تُزوِّده بمعلومات كثيرة... «هناك نواةُ قوةٍ تبرز عندهم من خلال شخصية واثقة بأدائها. يبوحون بكل ما يخالجهم من مشاعر من دون خوفٍ وبأسلوبهم المباشر».

مجموعة من الصبايا والشبان يشاركون في «كوما»... (مسرح زقاق)

وتحاول المسرحية الحدّ من استخفاف بعضهم بقدرات جيل فتيٍّ. ويُعلّق سري الدين قائلاً: «هذه الفجوة تحضر دائماً بين الأجيال. وأنا شخصياً عندما كنت أصغر سنّاً كانت لديّ حساسية من نظرة الكبار تجاهي. وأعتقد أن هذا الجيل يتمتَّع بقدرة استيعاب ومعرفة كبيرة. وقد استغرقت منا، نحن الجيل القديم، سنوات طويلة لنُدركها. فهم يمتازون بسرعة استيعابهم الموضوعات. ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تفتُّحهم وتطوِّر أفكارهم بشكل ملحوظ».

مرّ جيل «ألفا» بمراحل صعبة شهدَها لبنان، وتركت أثرها على شباب وُلدوا في عام 2010، وعاشوا انهيارات متتالية، وتفتّحت أعينهم على أحداثٍ أكبر منهم؛ من بينها انتشار جائحة «كورونا»، وانفجار بيروت، والحرب الأخيرة... عاشوا فترة انعزال ووحدة وتساؤلات كثيرة حول مصيرهم. ويُوضح جنيد سري الدين: «لقد واجهوا تحدّيات كثيرة على مستوى النُّمو الفردي والاجتماعي. وساهم المسرح في تفتُّح شخصيتهم. فالخشبة تزوِّد من يقف عليها بالثقة. هذه التغيّرات لاحظتُها في نبرات أصواتهم وتصرفاتهم وكيفية تعاملهم مع الآخر. وهذا هو الهدف الرئيسي من (برنامج الإرشاد المسرحي) الذي ننظمه سنوياً».