الذكاء الاصطناعي يعزز جاهزية العالم لمواجهة الأوبئة
تقنيات الذكاء الاصطناعي تسهم في التنبؤ بتفشي الأمراض (جامعة نبراسكا - لينكولن)
القاهرة :«الشرق الأوسط»
TT
القاهرة :«الشرق الأوسط»
TT
الذكاء الاصطناعي يعزز جاهزية العالم لمواجهة الأوبئة
تقنيات الذكاء الاصطناعي تسهم في التنبؤ بتفشي الأمراض (جامعة نبراسكا - لينكولن)
سلطت دراسة هندية الضوء على الدور الحاسم للذكاء الاصطناعي في تحسين جاهزية العالم لمواجهة الأوبئة، من خلال التنبؤ السريع، والتخطيط الفعّال، وتطوير حلول طبية مبتكرة.
وأوضح الباحثون من معهد «داتا ميغي» للتعليم العالي والبحث العلمي الهندي، أن استخدام الذكاء الاصطناعي يسهم في التنبؤ بتفشي الأمراض عبر نماذج وبائية دقيقة، وتسريع تطوير اللقاحات، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «Molecular Biomedicine».
وأحدثت تقنيات الذكاء الاصطناعي مؤخراً نقلة نوعية في الممارسات الطبية والوبائية، من خلال إسهاماتها في تعزيز كفاءة الأنظمة الصحية عبر التنبؤ الدقيق بتفشي الأمراض، وتحليل البيانات الضخمة لتوجيه القرارات السريرية والصحية.
وركز الباحثون في دراستهم على التطبيقات الواسعة للذكاء الاصطناعي في مجال الصحة العامة العالمية، بما في ذلك النماذج الوبائية، وتطوير اللقاحات، وتحسين نظم الرعاية الصحية، فضلاً عن معالجة التحديات الأخلاقية والمجتمعية المرتبطة بهذه التقنيات.
وتناولت الدراسة كيف تُستخدم النماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي، مثل نماذج «SIR» التي تستخدَم لتحليل انتشار الأمراض المعدية بين السكان و«SIS» التي تُستخدم للتنبؤ بإمكانية الإصابة بالمرض مجدداً بعد التعافي. ووفق الباحثين، أسهمت هذه النماذج في تحسين دقة التوقعات الوبائية، مما مَكّن صُناع القرار من تنفيذ تدخلات سريعة وفعّالة. كما ساعدت تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين تخصيص الموارد وتعزيز كفاءة استجابات الصحة العامة عبر تحليل مجموعات بيانات ضخمة ومتنوعة.
وتناولت الدراسة أيضاً مساهمة الذكاء الاصطناعي في تسريع عمليات تطوير اللقاحات، حيث ساعدت تقنيات المحاكاة الجزيئية القائمة على الذكاء الاصطناعي في تسريع تصميم التجارب السريرية. وخلال جائحة «كوفيد - 19»، لعب الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في تطوير لقاحات «mRNA»، مما أبرز قدرته على مواجهة التحديات غير المسبوقة.
كما استعرض الباحثون دور الذكاء الاصطناعي في مراقبة الأوبئة والكشف المبكر عنها من خلال تحليل البيانات المستمدة من السجلات الصحية الإلكترونية، والتطبيقات المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعي. وشدد الفريق على أهمية التعاون الدولي وبناء أنظمة متكاملة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز الأمن الصحي العالمي.
وفي المقابل، أكد الفريق ضرورة معالجة التحديات الأخلاقية والمجتمعية المرتبطة بتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل خصوصية البيانات، والتحيزات في الخوارزميات، وضمان الوصول العادل إلى هذه التقنيات، مع تأكيد أهمية تبني حوكمة مسؤولة وأطر أخلاقية قوية لتحقيق تطبيق عادل وشامل لها، خصوصاً في المناطق ذات الموارد المحدودة.
واختتم الباحثون دراستهم بالدعوة إلى مواصلة البحث لمعالجة الفجوات والتحديات في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، مؤكدين ضرورة توافق هذه التقنيات مع أهداف الصحة العامة لمواجهة الأزمات الصحية العالمية بفاعلية.
تُمثل «Image Playground» قفزة نوعية في مجال الإبداع البصري؛ حيث تدمج بين الذكاء الاصطناعي وسهولة الاستخدام.
عبد العزيز الرشيد (الرياض)
الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبكhttps://aawsat.com/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82/5098966-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1-%D9%85%D9%83%D8%B1%D9%85%D8%A7%D9%8B-%D9%83%D8%A3%D8%AD%D8%AF-%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%AF%D8%A9-%D9%82%D9%84%D8%B9%D8%A9-%D8%A8%D8%B9%D9%84%D8%A8%D9%83
قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.
فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.
طربيه ودور البطل
قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.
ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».
فيلم للتاريخ
«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.
نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.
لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.
عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».
في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».
في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!
كبار يساندون بعضهم
في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.
المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.
روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».
طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.
أعلن رئيساً لجمهورية الخيال
طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».
وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.
الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».
وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.
أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».
وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».