«من وحي الأقصر»... يُعيد اكتشاف «مدينة الشمس»

معرض يضم مائة عمل لـ35 فناناً

لوحة للفنان اللبناني فؤاد تومب (الشرق الأوسط)
لوحة للفنان اللبناني فؤاد تومب (الشرق الأوسط)
TT

«من وحي الأقصر»... يُعيد اكتشاف «مدينة الشمس»

لوحة للفنان اللبناني فؤاد تومب (الشرق الأوسط)
لوحة للفنان اللبناني فؤاد تومب (الشرق الأوسط)

تعكس أعمال معرض «من وحي الأقصر» الارتباط الوثيق ما بين الفن وذاكرة المدن، وتستلهم أعماله التفاصيل الدقيقة لتاريخ مدينة الأقصر (جنوب مصر)، ومعابدها وناسها وبيوتها وشوارعها وأزقتها.

ويُعد المعرض الذي يستضيفه غاليري «بيكاسو إيست» في القاهرة، نتاجاً لـ7 نسخ من «ملتقى من وحي الأقصر الدّولي»؛ التي استُلهمت أعماله من المكان ووثّق له في الوقت نفسه.

جانب من معرض «من وحي الأقصر» (الشرق الأوسط)

ويجمع المعرض بين 35 فناناً من مصر والعالم، ومن بين الفنانين المشاركين فيه كل من جورج بهجوري، وصلاح المليجي، وسيد سعد الدين، وفتحي عفيفي، وإبراهيم غزالة، والراحل مصطفى الفقي من مصر، وفؤاد تومب من لبنان، وإسماعيل الرفاعي وحمود شنتوت من سوريا، وإسماعيل عزّام من العراق، وأحلام لمسفر من المغرب، ومحمد الغالوس من الأردن، وجوليا يوسكو من إيطاليا، وريتو سينغ من الهند، وإيزابيلا أوتشمان من بولندا، وأولغا ماتياش من روسيا، وفنانين آخرين.

لوحة للفنان السوري حمود شنتوت (الشرق الأوسط)

وعبر نحو مائة لوحة، يتعرّف المتلقي على الأقصر التي تُلقّب بـ«مدينة الشمس»، من دون أن تظهر بشكل مباشر على سطح اللوحة، حيث تمتزج الأعمال ما بين خيال الفنانين وسحر الأقصر وإرثها الحضاري، ليجد المتلقي نفسه في مواجهة حكايات مسكونة بخصوصية المكان، ومعالم الحضارات، ومشاهد الإنسانية، التي تترك آثارها في الذاكرة البصرية للمتلقي.

عمل للفنان المصري مصطفى الفقي في المعرض (الشرق الأوسط)

يُبرز المعرض قوة الفن، وقدرته على تجاوز الحدود، وتعزيز التبادل الثقافي، كما يمثّل حواراً فنياً بين مختلف المدارس التشكيلية التي ينتمي إليها المشاركون، الذين يمثّلون أجيالاً مختلفة، وفق رضا بيكاسو مدير الغاليري.

يقول بيكاسو لـ«الشرق الأوسط»: «تجمع الأقصر كل هؤلاء الفنانين، ليستلهموا منها أعمالهم، محاولين عدم رهن المكان إلى جمالياته الجاهزة، بل يبتكرون جماليات جديدة للمدينة ليكون حيزها البارز في عملية الإبداع».

عمل للفنان المصري مصطفى الفقي في المعرض (الشرق الأوسط)

ويوضح أن «أعمال المعرض هي نتاج (ملتقى الأقصر) الذي يُمثّل منصة فنية للتعارف وتبادل الثقافات والتجارب بين الفنانين، تُستضاف خلاله مجموعة من الفنانين من مصر والدول العربية والأجنبية، للإقامة في الأقصر لمدة 9 أيام، يزورون خلالها معابد المدينة، والمقابر الملكية والمتاحف، ما يتيح لهم الاستلهام والإبداع خلال فترة إقامتهم فيها».

تجدر الإشارة إلى أن الملتقى انطلق للمرة الأولى عام 2013، وأقيمت النسخة السابعة منه في الفترة من 10 إلى 19 مايو (أيار) الماضي، وشهدت نسخته الأخيرة زخماً فنياً مميزاً، انعكس على المعرض الجديد الذي يضمّ نحو مائة عمل فني.

لوحة للفنان جورج بهجوري تعكس بوح النيل بأسرار الحضارة المصرية (الشرق الأوسط)

في لوحاته بالمعرض يظهر تأثر الفنان المصري جورج بهجوري بنشأته في صعيد مصر، حيث ولد في عام 1932، ومن خلال تأمل هذه اللوحات من السهل أن يُدرك المتلقي أن بهجوري يُعيد صوغ تفاصيل المكان، عبر خطوط بسيطة، ولوحات تعبيرية، تعكس البيئة الجنوبية، وتنزل إلى الشارع تارة لتجسد صوراً من الحياة البسيطة، وتنتقل إلى النيل تارة أخرى لتحكي الكثير عن جمال الطبيعة وأسرار الحضارة.

لوحة للفنان العراقي إسماعيل عزام (الشرق الأوسط)

وما بين هذا وذاك، يتمسّك الفنان بالطابع المصري الزاخر بالألوان والحياة، مستدعياً مشاهد ولحظات وذكريات عاشها في الأقصر بقيت في مخيلته، تُوقظها زياراته المتكررة لها من حين إلى آخر. ويكفي أن تتأمل لوحات المعرض حتى تُدرك كم تتمتّع الأقصر بالسكينة والهدوء، وكم تمثل أيضاً ملاذاً للفنانين الباحثين عن الجمال والإلهام، فالفنان العراقي إسماعيل عزام اختار أن يترك الزّخم الأثري للمدينة، كما قرّر أن يتخلّى عن شغفه في الوجوه ورسم البورتريه المعروف عنه، ليستكشف مع المتلقي دفء البيوت، وجمال الطبيعة، وسكون المكان.

الفنانة المغربية أحلام لمسفر (الشرق الأوسط)

في حين تنقل الفنانة المغربية أحلام لمسفر، مشاعرها وانطباعاتها الخاصة بالمدينة بأسلوب تجريدي، لا يٌقدّم أشكالاً تقليدية أو صوراً يمكن التعرف عليها، لكنها من خلال لوحاتها تنقل للمتلقي الإحساس بهيبة المكان، وعظمة الحضارة المصرية القديمة. فلوحاتها في المعرض أقرب إلى الفن التجريدي الهندسي التي تُذكّرنا بالفنان في بيت موندريان أثناء بحثه المستمر عن تنسيقٍ مثالي من خلال تحقيق التوازن بين الألوان والخطوط، والأشكال النقية.

عمل للفنانة المغربية أحلام لمسفر (الشرق الأوسط)

وظهر تأثّرها الشديد واضحاً في معابد الأقصر وواجهاتها المبهرة، التي عبّرت عنها بأسلوبها الخاص، وبطغيان اللون الأزرق، ما يمنح المتلقي رؤية عميقة الدلالة، تبعث على الإحساس بالراحة والصفاء الذهني، وارتباط ذلك بالمدينة المصرية.

الفنان السوري إسماعيل الرفاعي (الشرق الأوسط)

ومن خلال التعبير عن روح المكان والناس، بحث الفنان السوري إسماعيل الرفاعي عن اللامرئي في الأقصر، متناولاً التجربة الإنسانية الأوسع، إذ تبدو الشخوص في لوحاته وكأنها جاءت للتو من جدران المعابد في المدينة، لتسجل حضورها في العصر الراهن، وتبوح بأسرار جديدة عن الحضارة المصرية القديمة.

عمل للفنان المصري السيد قنديل (الشرق الأوسط)

وتُظهر أعمال الفنان المصري السيد قنديل، التواصل ما بين الإنسان والطبيعة، وتتميز خطوطه بالرشاقة والحركة، والتداخل بين الألوان الهادئة، مما يعكس روح الحياة والمشاعر الإنسانية.

لوحة الفنان المصري الراحل مصطفى الفقي (الشرق الأوسط)

وفي أعمال الفنان الراحل مصطفى الفقي، يمكن أن تعيش أياماً داخل بيوت المدينة، إذ ينقل لنا نبض الحياة داخلها، ونستطيع أن نشاهد امرأة أمام الفرن البلدي التقليدي تخبز وتعد الطعام لأسرتها، ورغم تأثير الزمن الذي يظهر واضحاً على وجهها وجسدها، فإنها تمارس عملها بنشاط، في حين تحيط بها مجموعة من الحمام، في أوضاع وحركات مختلفة، كما لو أنّ هذه الطيور تؤدّي مهاماً ما، أو تخوض حواراً شبيهاً بحوار البشر، لفرط إحساسها بالأمان والألفة في المنزل الرّيفي البسيط.

لوحة للفنانة البولندية إيزابيلا أوتشمان (الشرق الأوسط)

وتمزج الفنانة البولندية إيزابيلا أوتشمان في أعمالها ما بين الخط العربي والألوان والرسم، وقد طوّعت الخط رمزياً وتشكيلياً بشكل حداثي، ووزّعته ليملأ مساحة اللوحة بحروف تتمتع بالمرونة والانسيابية، معبرة عن تنوع الحضارات في مصر.


مقالات ذات صلة

روائع آدم حنين الباريسية ترى النور للمرة الأولى في مصر

يوميات الشرق مشهد من معرض «آدم حنين... سنوات باريس» (مكتبة الإسكندرية)

روائع آدم حنين الباريسية ترى النور للمرة الأولى في مصر

تعكس أعماله الفنّية سمات ميَّزت آدم حنين في التصوير والنحت، إذ تكشف غلبة التجريد على لوحاته التصويرية، وسعيه إلى الوصول نحو آفاق روحية بالغة السمو والإنسانية.

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق ضمَّن الفنان السوري محمد حافظ فنّه لوعة تعذُّر النسيان (موقعه الإلكتروني)

«الوطن في حقيبة»... مطالبة فنّية برفع الحظر عن الانتماء

سنوات مرَّت ومحمد حافظ سوريٌّ جداً، في عزّ إمكان بزوغ الخيار الآخر؛ كأنْ يتغاضى مثلاً، أو يُشفى بعض الشيء من مرارة الأوطان. فنُّه عزاء لروحه المشتاقة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الغناء والرقص الشعبي في لوحات الفنان محسن أبو العزم (الشرق الأوسط)

«منمنمات شعبية»... معرض فني يرصد «الروح المصرية المبهجة»

«بائع العرقسوس»، و«طقوس الأفراح»، و«المولد»، و«الغناء الشعبي»... بهذه اللوحات أو اللقطات المأخوذة من الشارع المصري جسّد معرض «منمنمات شعبية» مشاهد حياتية مميزة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق لوحة عن أحداث دنشواي ورصد الخوف والفزع على الوجوه (الشرق الأوسط)

«شعبيات» مصرية وروحانيات الحج في معرض فني بالقاهرة

بمجرد الدخول إلى قاعة «أفق»، تتداخل الوجوه الشاحبة ذات الملامح المطموسة والروح الوارفة، في مشاهد متنوعة توحي بتفاصيل عدة ومفردات ثرية مأخوذة من الأحياء الشعبية.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لوحة الرسام اللبناني عماد فخري تختزل العلاقة الخاصة بين الكلب والإنسان (الشرق الأوسط)

«حيث يكون الانتماء»... محاولة بيروتية لتقليص الخراب

على جدران الغاليري ما يهمس بالحياة؛ وهي الثابت الوحيد. حتى النظرات الشاردة على وجوهٍ ممسوحة بالحزن، تتمسّك بهذا الهَمْس الحيّ وتتحلّى بنبضه، كأنها تطوي الصفحة.

فاطمة عبد الله (بيروت)

«إنسانية» الآلة تتخطى البشر... و«تطبيقات الذكاء الاصطناعي» أكثر تعاطفاً منا!

مستخدمو تطبيق قائم على الذكاء الاصطناعي قيّموا التعاطف الرقمي بدرجة أكبر من نظيره البشري (رويترز)
مستخدمو تطبيق قائم على الذكاء الاصطناعي قيّموا التعاطف الرقمي بدرجة أكبر من نظيره البشري (رويترز)
TT

«إنسانية» الآلة تتخطى البشر... و«تطبيقات الذكاء الاصطناعي» أكثر تعاطفاً منا!

مستخدمو تطبيق قائم على الذكاء الاصطناعي قيّموا التعاطف الرقمي بدرجة أكبر من نظيره البشري (رويترز)
مستخدمو تطبيق قائم على الذكاء الاصطناعي قيّموا التعاطف الرقمي بدرجة أكبر من نظيره البشري (رويترز)

يعد الكثيرون أن التعاطف هو «حجر الزاوية» في العلاج الفعال للصحة العقلية. ويتفق عدد من الخبراء على أن التعاطف يخلق مشاعر الثقة، ويقلل من المشاعر السلبية، ويعزز احترام الذات، وفق ما ذكره موقع «سيكولوجي توداي» المعني بالصحة النفسية والعقلية والعلوم السلوكية.

لكن، هل يمكن للأجهزة الرقمية أن تُظهر التعاطف؟

تتمتع تطبيقات الصحة العقلية الرقمية بلحظة اختراق حقيقية. ويُظهر الذكاء الاصطناعي أملاً كبيراً في محاكاة المحادثة البشرية. لكن هل يمكن للتعاطف الرقمي أن يتنافس مع التعاطف الإنساني؟

كجزء من مشروع مستمر، أُجري اختبار لقياس تأثير الاستجابات التي يولدها الكمبيوتر عن طريق تطبيق مُصمم حديثاً على الأفراد الذين يبحثون عن الراحة من الأفكار والمشاعر السلبية.

ووفق «سيكولوجي توداي»، فقد سعى الاختبار إلى القياس بـ«طريقة هادفة» حول ما إذا كان الناس يستفيدون بما يسمى «التعاطف الرقمي».

التعاطف الرقمي يفوق التوقعات

وباستطلاع آراء 290 من مختبري الإصدار التجريبي، الذين استخدموا التطبيق في شتاء 2023-2024، الذين طُلب منهم تقييم مستوى الدفء والتفهم الذي شعروا به مع الأصدقاء والأحباء على مقياس من 0 (ليس على الإطلاق) إلى 100 (ممتاز)، وبعد ذلك، طُلب منهم التنبؤ بمدى الدفء والتفهم الذي سيتلقونه من التطبيق، لم يُبلغ معظم مختبري الإصدار التجريبي عن الكثير من الدفء من الأصدقاء كما من التطبيق. ولعل هذا يعكس الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن التكنولوجيا هي بطبيعتها «غير شخصية» و«أقل من» الإنسان.

لكن عندما استخدم المشاركون التطبيق بعد تطويره للرد، كما لو كان في محادثة حقيقية «وجهاً لوجه»، عبّر التطبيق عن التفهم، وقدّم الدفء، واقترح العديد من الطرق الجديدة لتحدي الأفكار التي أثارت مشاعر المستخدمين السلبية.

وبمجرد أن بدأ المستخدمون في التفاعل مع التطبيق القائم على الذكاء الاصطناعي، تغيرت تصوراتهم عن «التعاطف الرقمي» بشكل كبير. وفي نهاية الاختبار التجريبي الذي دام أربعة أسابيع، قيّموا مقدار الدفء الرقمي بما يقرب من ضعفي المستوى البشري و«أعلى بكثير مما توقعوه».

قيّم المشاركون التعاطف الرقمي بمستوى أعلى من الدفء والتفاهم

وتشير هذه النتائج بقوة إلى أن التطبيق قد يكون في الواقع أفضل من البشر في التعاطف. وأشار الاختبار أيضاً إلى أنه قد لا يكون هناك حقاً أي شيء فريد أو خاص بشأن التعاطف الإنساني.

لقد تحسن مستخدمو التطبيق بشكل كبير وسريع، وأبلغوا عن انخفاض بنسبة 50-60 في المائة في جميع المشاعر السلبية بعد ثلاثة أيام من استخدام التطبيق، واستمر هذا التحسن طوال مدة الاختبار التجريبي وفي فترة المتابعة لمدة خمسة أسابيع.

أبلغ المستخدمون عن تحسن كبير في المشاعر السلبية بعد استخدام التطبيق القائم على الذكاء الاصطناعي

وأكد الاختبار أن الأجهزة الرقمية «يمكنها القيام بعمل رائع في التعاطف». بالإضافة إلى ذلك، أكد أن «التغيرات السريعة والدراماتيكية في مجموعة واسعة من المشاعر السلبية» أمر ممكن لدى معظم المستخدمين.

ومع التقدم في الذكاء الاصطناعي وتقنيات العلاج الجديدة، يمكن الآن التطلع إلى تطبيقات قابلة للتطوير وأكثر قوة في المستقبل القريب.