«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

التلفزيون والبرّاد «أمرُ واقع» اللبنانيين... والأهم تجنُّب الأمراض

تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
TT

«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)

يقصد عيادةَ اختصاصية الطبّ الغذائي والتغذية العيادية، الدكتورة فيرا متّى، مواظبون على خطط غذائية تقي ويلات؛ منها السكّري. هؤلاء، في معظمهم، لم يغادروا المنازل نحو سقوف تتراءى آمنة من التوحّش المُعادي. في مقابلهم، يُفرِط كثيرون في تناول الطعام لسدّ حاجة إلى امتلاء تفرضه فراغات مؤلمة. لطالما تأكّدت العلاقة الشائكة بين المعدة والعالم الخارجي، وبدا وثيقاً الرابط بين الطعام والظرف. هذه أيامٌ مضطربة. جَرْفٌ من النزوح والخوف وفوضى الوقت. لذا تتدخّل الشهية في ترميم ما يتجوَّف. وتمنح بعض الأصناف اللذيذة شعوراً بالسكينة. فماذا يحدُث لدواخلنا، وهل النجاة حقاً بالأكل؟

اختصاصية الطبّ الغذائي والتغذية العيادية الدكتورة فيرا متّى (حسابها الشخصي)

ينطبق وَصْف «الأكل العاطفي» على ملتهمي الطعام الملوَّعين بالمآسي. تقول الدكتورة متّى، إنهم يشاءون مما يتناولونه الإحساس بواقع أفضل. تتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن وَقْع الاضطراب في الأجساد والنفوس، فتتصدّى له، عموماً، أصناف المأكولات وكمّياتها: «تاركو المنازل يتابعون النقل المباشر للحرب دون انقطاع. يتفاقم توتّرهم وينمو الشعور بعدم الأمان. ذلك يعزّز هرمونات تشتهي أنواع السكّر، وقد تتعدّى الرغبةُ الحلويات إلى الأملاح، دفعةً واحدة، دون فاصل أو استراحة أضراس».

تحسم تبدُّل العادات الغذائية أو تأثّرها في أقل تقدير. فغذاء النازح غالباً «غير صحّي»، ويُعمّق سوءه «النوم المتقطّع، والروتين المستجدّ». تشرح: «ضرر ذلك على الأطفال الحدّ من نموّهم الفكري والجسدي، بينما يمسُّ هرمون الكورتيزول المُسبِّب تكوُّن الدهون على بطن الكبار، فتتحقّق زيادة الوزن وإن قلَّ التهام الطعام جراء اضطراب النوم والتوتّر العالي. هنا، يتحوّل كل ما يدخل الفم إلى دهون لإصابة هذا الهرمون بالارتفاع اللافت مُحوطاً بعوامل تُصعِّب انخفاضه».

تستوقفها وضعية التغذية المستجدّة، لتراوحها بين القلّة والسوء: «قد يحضُر الطعام على شكل معلّبات مثلاً. هذه طافحة بالصوديوم والسكّر المُضاف، وتحتوي مواد كيميائية تُسبّب السرطان على المدى الطويل. بذلك، لا يعود نقصُ الطعام مُسبِّبَ المرض؛ وإنما سوءه».

غذاء النازح غالباً غير صحّي ويُعمّق سوءه النوم المتقطّع (أ.ف.ب)

ما يُفعِّل تناقُل الأمراض، وفق فيرا متّى، «الطعام غير المحفوظ جيداً». تتحدّث عن حالات بكتيرية تتمثّل في عوارض؛ منها التقيّؤ واضطراب الأمعاء، لغياب الثلاجات أو انقطاع الكهرباء. «ذلك يُخفّض المناعة وينشر الأوبئة، خصوصاً بين الأطفال. أما الكبار فيفاقمون مشكلات السكّري والشرايين والكولسترول وتشحُّم الكبد إنْ عانوها».

تعطي نسبة 20 في المائة فقط، من بين مَن تابعتْ حالتهم الغذائية، لمن لا يزالون يلتزمون نظامهم الصحّي. آخرون لوَّعهم السكّري، فازدادوا لوعة، وضخَّم تبدُّلُ غذائهم معاناتهم مع الأمراض. من دورها العيادي، تحاول إعادة أمور إلى نصابها: «نركّز اليوم على السلامة الغذائية، وكيفية تعامُل النازحين مع واقعهم الصحّي. دورنا توعوي. علينا الحدّ من التسمُّم، فأزمة الدواء لم تُحلّ، والمستشفيات توفّر استيعابها للجرحى. لا بدّ من تفادي تحميلها أعباء إضافية».

تفترض إخضاع اللبنانيين لفحص يختبر انجراف معظمهم خلف «الأكل العاطفي»، وتضمن النتيجة: «قلة فقط ستكون خارج القائمة». تصوغ معادلة هذه الأيام: «تلفزيون وبرادات. الالتهام فظيع للأخبار والمأكولات. لا شيء آخر. نحاول جَعْل هذا البراد صحّياً».

إنها الحرب؛ بشاعتها تفرض البحث عن ملاذ، ومطاردة لحظة تُحتَسب، والسعي خلف فسحة، فيتراءى الطعام تعويضاً رقيقاً. بالنسبة إلى الدكتورة متّى إنه «إحساس بالامتلاء وبأنّ مَن يتناوله لا يزال حياً». تحت قسوة هذه الأيام ومُرّها، لا يعود الإحساس بالذنب المُرافق للإفراط في تناوله، هو الغالب... «يتراجع ليتقدّم الشعور بالنجاة. مساعي البقاء تهزم فكرة الكيلوغرامات الزائدة. بإمكان الأكل العاطفي إتاحة المساحة للراحة والسعادة. ذلك يسبق تسبّبه في ثقل وزيادة الوزن. بتحقّقهما، يلوح الذنب، وإنما في مرحلة لاحقة، بعد بهجة الامتلاء الداخلي».

ضرر سوء الغذاء على الأطفال يمسّ بنموّهم الفكري والجسدي (د.ب.أ)

تتفهّم الحاجة إلى اللحاق بكل ما يُعزّي والتشبُّث به. الطعام يتقدَّم. ترى أن لا أحد مخوَّلاً تقديم نصيحة لنازح من نوع «اضبط شهيتك بينما القصف في جوارك». برأيها، «يكفي الخوف وحده شعوراً سيئاً». يهمّها «الحدّ من نتائج كارثية ستظهر بوضوح بعد الحرب»، مُفضِّلة الاستعانة بالتمر مثلاً بدل «القضاء على علبة شيكولاته» والقهوة البيضاء لتقليص ضخّ الكافيين.

وتنصح بالتنفُّس والرياضة، فهما «يهدّئان هرمون الأعصاب»، وبالنظافة بما «تشمل غلي الماء قبل استعماله حال الشكّ في مصدره». تضيف: «الاستغناء عن تناول دجاج ولحوم أُبقيت مدّة خارج الثلاجة، لاحتمال فسادها، على عكس الحمّص والصعتر، مثلاً، القابلَيْن لعمر أطول». أما الحصص الغذائية، فالمفيد منها «التونة والسردين والأرز والمعكرونة وزيت الزيتون، ولا بأس بمعلّبات البازلاء والذرة بديلاً للخضراوات. يُفضَّل استبعاد اللحوم المصنّعة. الحليب المجفَّف جيّد أيضاً لغياب الطبيعي».


مقالات ذات صلة

الذهب يتراجع 3 % على خلفية تقارير عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»

الاقتصاد سبائك ذهبية معروضة في بورصة الذهب بسيول لدى كوريا الجنوبية (رويترز)

الذهب يتراجع 3 % على خلفية تقارير عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»

انخفضت أسعار الذهب بنحو 3 في المائة يوم الاثنين، كاسرةً بذلك موجة صعود استمرت خمس جلسات إلى أعلى مستوياتها في نحو ثلاثة أسابيع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي جانب من الأضرار التي سببها التفجير في حي المزة في 14 الحالي (الشرق الأوسط)

دمشق تشدّد إجراءات تسجيل عقود الإيجارات

شدَّدت وزارة الداخلية السورية إجراءات تسجيل عقود الإيجار، ومنحت الشرطة صلاحية إخلاء العقارات في ظل تنامي المخاوف من تأجير المنازل لأشخاص مرتبطين بـ«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الاقتصاد منظر عام لمعدات حفر النفط على الأراضي الفيدرالية بالقرب من فيلوز بكاليفورنيا (رويترز)

النفط يهبط بأكثر من دولار بعد تقارير وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان

انخفضت أسعار النفط أكثر من دولار واحد يوم الاثنين، بعد أن ذكر موقع «أكسيوس» أن إسرائيل ولبنان اتفقا على شروط اتفاق لإنهاء الصراع بين تل أبيب و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (هيوستن)
الاقتصاد وحدات تخزين في مزرعة خزانات النفط المركزية ميرو في قرية نيلاهوزيفيس في التشيك (رويترز)

النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية

حوَّمت أسعار النفط قرب أعلى مستوى في أسبوعين يوم الاثنين في أعقاب مكاسب بنسبة 6 % في الأسبوع الماضي

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد سبائك ذهبية معروضة في بورصة الذهب الكورية بسيول (رويترز)

الذهب يقترب من أعلى مستوى في 3 أسابيع وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية

صعدت أسعار الذهب يوم الاثنين مقتربةً من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع مدعومة بانخفاض الدولار والطلب على الملاذ الآمن وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
TT

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي، لافتاً إلى أن الفيلم يحترم دور المعلم ويقدّره حتى مع وجود الطابع الكوميدي في العمل.

الفيلم الذي عُرض للمرة الأولى ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» بالنسخة الماضية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تدور أحداثه في 8 فصول حول رهان مدير المدرسة على تأسيس «الفصل الشرعي» ليقدم من خلاله نهجا مختلفاً عن المتبع.

وقال المطيري لـ«الشرق الأوسط» إن «المدرسة تشكل فترة مهمة في حياة كل شخص ولا تزال هناك ذكريات ومواقف راسخة في ذاكرتنا عنها، الأمر الذي سيجعل من يشاهد الفيلم يشعر بأن هناك مواقف مشابهة ربما تعرض لها أو شاهدها بالفعل خلال مسيرته التعليمية»، مرجعاً حماسه لتقديم شخصية الأستاذ «شاهين دبكة» مدير ثانوية «السويدي الأهلية» رغم كون الدور لرجل أكبر منه سناً إلى إعجابه بالفكرة التي يتناولها العمل وشعوره بالقدرة على تقديم الدور بشكل مختلف.

فهد المطيري مع أبطال الفيلم (الشركة المنتجة)

وأضاف المطيري: «إن الماكياج الذي وضعته لإظهار نفسي أكبر عمراً، استوحيته جزئياً من الفنان الراحل حسين الرضا خصوصاً مع طبيعة المدير ومحاولته المستمرة إظهار قدرته في السيطرة على الأمور وإدارتها بشكل جيد، وإظهار نفسه ناجحاً في مواجهة شقيقه الأصغر الذي يحقق نجاحات كبيرة في العمل ويرأسه».

وحول تحضيرات التعامل مع الشخصية، أكد المطيري أن خلفيته البدوية ساعدته كثيراً لكونه كان يحضر مجالس كبار السن باستمرار في منزلهم الأمر الذي لعب دوراً في بعض التفاصيل التي قدمها بالأحداث عبر دمج صفات عدة شخصيات التقاها في الواقع ليقدمها في الدور، وفق قوله.

وأوضح أنه كان حريصاً خلال العمل على إبراز الجانب الأبوي في شخصية شاهين وتعامله مع الطلاب من أجل تغيير حياتهم للأفضل وليس التعامل معهم على أنه مدير مدرسة فحسب، لذلك حاول مساعدتهم على بناء مستقبلهم في هذه المرحلة العمرية الحرجة.

وأشار إلى أنه عمل على النص المكتوب مع مخرجي الفيلم للاستقرار على التفاصيل من الناحية الفنية بشكل كبير، سواء فيما يتعلق بطريقة الحديث أو التوترات العصبية التي تظهر ملازمة له في الأحداث، أو حتى طريقة تعامله مع المواقف الصعبة التي يمر بها، وأضاف قائلاً: «إن طريقة كتابة السيناريو الشيقة أفادتني وفتحت لي آفاقاً، أضفت إليها لمسات شخصية خلال أداء الدور».

المطيري خلال حضور عرض فيلمه في «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

وعن تحويل العمل إلى فيلم سينمائي بعدما جرى تحضيره في البداية على أنه عمل درامي للعرض على المنصات، أكد الممثل السعودي أن «هذا الأمر لم يضر بالعمل بل على العكس أفاده؛ لكون الأحداث صورت ونفذت بتقنيات سينمائية وبطريقة احترافية من مخرجيه الثلاثة، كما أن مدة الفيلم التي تصل إلى 130 دقيقة ليست طويلة مقارنة بأعمال أخرى أقل وقتاً لكن قصتها مختزلة»، موضحاً أن «الأحداث اتسمت بالإيقاع السريع مع وجود قصص لأكثر من طالب، والصراعات الموجودة»، مشيراً إلى أن ما لمسه من ردود فعل عند العرض الأول في «القاهرة السينمائي» أسعده مع تعليقات متكررة عن عدم شعور المشاهدين من الجمهور والنقاد بالوقت الذي استغرقته الأحداث.

ولفت إلى أن «الفيلم تضمن تقريباً غالبية ما جرى تصويره من أحداث، لكن مع اختزال بعض الأمور غير الأساسية حتى لا يكون أطول من اللازم»، مؤكداً أن «المشاهد المحذوفة لم تكن مؤثرة بشكل كبير في الأحداث، الأمر الذي يجعل من يشاهد العمل لا يشعر بغياب أي تفاصيل».

وحول تجربة التعاون مع 3 مخرجين، أكد فهد المطيري أن الأمر لم يشكل عقبة بالنسبة له كونه ممثلاً، حيث توجد رؤية مشتركة من جميع المخرجين يقومون بتنفيذها في الأحداث، ولافتاً إلى أن حضورهم تصوير المشاهد الأخرى غير المرتبطة بما سيقومون بتصويره جعل الفيلم يخرج للجمهور بإيقاع متزن.