الخطر يهدد قلعة بعلبك الرومانية وضرر مباشر في أحد معالمها

وزير الثقافة مرتضى: سيكون لنا لقاء مع مديرة «اليونسكو» لبحث الموضوع

أحد عروض كركلا في بعلبك (خاص بـ«الشرق الأوسط»)
أحد عروض كركلا في بعلبك (خاص بـ«الشرق الأوسط»)
TT

الخطر يهدد قلعة بعلبك الرومانية وضرر مباشر في أحد معالمها

أحد عروض كركلا في بعلبك (خاص بـ«الشرق الأوسط»)
أحد عروض كركلا في بعلبك (خاص بـ«الشرق الأوسط»)

استشعرت وزارة الثقافة في لبنان، منذ مطلع السنة الحالية، المخاطر التي يمكن أن تحيط بالأماكن الأثرية، رغم أن الحرب الإسرائيلية كانت محصورة في الحدود. وبدأت تحضير الملفات ودراسة الإجراءات الممكنة، تحسباً لأي طارئ.

ومع توسع الحرب في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، ووصولها إلى كامل الجنوب والبقاع وبيروت، ومناطق لبنانية أخرى، بدأت الوزارة بمخاطبة «اليونسكو»، وكلفت رئيس بعثة لبنان لدى المنظمة؛ السفير مصطفى أديب، لعمل ما يلزم مع المديرة العامة، للتصدي للأخطار التي يمكن أن تتعرض لها المواقع الأثرية التراثية. لكن بحسب وزير الثقافة، القاضي محمد وسام مرتضى، فإن شيئاً لم يصدر عن المنظمة بهذا الخصوص. و«أعدنا التذكر والحثّ على التدخل. وكان لا بد من أن أطلب تدخل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، الذي طلب بدوره معونة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كون (اليونسكو) موجودة في باريس».

مدينة الشمس وقلعتها الرومانية التاريخية الفريدة (أ.ف.ب)

وصدر قبل أيام بيان عن «اليونسكو» يشرح أنه تم الاعتراف بأكثر من 70 موقعاً استثنائياً في المنطقة تراثاً عالمياً، و«أن هذه المواقع معرضة الآن للخطر، خصوصاً في لبنان وفلسطين وإسرائيل واليمن». ويذكّر بيان «اليونسكو»، «جميع الأطراف بالتزامها باحترام وحماية سلامة هذه المواقع. فهي تراث البشرية جمعاء ولا ينبغي استهدافها أبداً».

لكن ذكر إسرائيل ووضعها بين الضحايا، أثار غضباً على وسائل التواصل، لأنها هي المعتدية، ولم يتعرض أي من مواقعها لتهديد يذكر. وعلقت روزينا سعد على البيان حين نشر على «إكس»: «نداء إلى كل الأطراف؟ هناك (طرف واحد) يقصف ويمحو التراث العالمي في مهد الحضارة. بالأمس صور واليوم بعلبك. لماذا نداء إلى كل الأطراف؟».

وقصفت إسرائيل بشكل جنوني مدينة صور التاريخية، التي هي من أقدم مدن العالم، وتُعرّض، كل يوم، مواقعها الأثرية من فينيقية إلى رومانية وإسلامية وصليبية، لخطر بالغ، إن بسبب الصواريخ المباشرة، أو لما تسببه الانفجارات بارتجاجاتها العنيفة من أضرار. كما أفنت إسرائيل سوق مدينة النبطية التاريخية. ويشكو أبناء كثير من البلدات، من القصف الذي طال بيوتهم التراثية ومعالمهم التاريخية. وبلغ الغضب مبلغه، حين نشرت إسرائيل خرائط استهدافاتها التدميرية، واضعة القلعة التاريخية لمدينة بعلبك، وأيقونة المواقع الأثرية اللبنانية ضمن الأماكن التي تنوي قصفها.

هنا وصلت المخاوف إلى ذروتها، وقد طلبت إسرائيل إضافة إلى ذلك من سكان مدينة بعلبك، ويتجاوزون 80 ألفاً، مغادرتها على وجه السرعة. وهو أمر سوريالي بحق.

ليالي الفلكلور اللبناني في بعلبك

غضب عارم، ومخاوف استبدت باللبنانيين، الذين أقاموا في هذه القلعة المهابة، وعلى أدراجها ومعابدها أول مهرجاناتهم، وأقدمها على الإطلاق في العالم العربي. ويفترض أن يحتفل العام المقبل بعيده الخامس والسبعين. فمهرجانات بعلبك استقبلت كبار نجوم الفن في العالم، من فرقة «موريس بيجار» للباليه، إلى نجم الأوبرا بلاسيدو دومنغو، وعزفت كبريات الأوركسترا، وشهد ولادة ليالي الفولكلور اللبناني. بعلبك أكبر من مدينة، ومعالم أثرية، إنها ذاكرة ومساحة حبّ وتفاعل خصب.

من حفلات مهرجانات بعلبك (خاص بـ«الشرق الأوسط»)

ووجّه وزير الثقافة نداء لمجلس الأمن والمجتمع الدولي، لـ«ردع إسرائيل عن تنفيذ تهديداتها بقصف قلعة بعلبك»، مشيراً إلى أن هذا المعلم يعدّ إرثاً ثقافياً عالمياً مدرجاً على لائحة «اليونسكو» منذ عام 1984.

وسارعت لجنة المهرجانات إلى كتابة رسالة مفتوحة إلى جميع رؤساء البعثات الدبلوماسيّة، والمنظمات الدوليّة، والمختصّين في حماية التراث، وكل الجهات المؤثرة في العالم، داعين إلى التحرّك السريع لوقف الاعتداءات المتكررة على مدينة بعلبك وموقِعها الأثري.

والمخاوف لم تأتِ عبثاً فقد شهدت مدينة بعلبك عشرات الغارات الوحشية، وأجبر سكانها على الخروج منها تحت تهديد الموت، وقصفت إسرائيل بشكل كبير موقعاً يبعد نحو 500 متر فقط عن القلعة. وبحسب لجنة المهرجانات، «طالت الاعتداءات مُحيط القلعة الأثريّة، مما أسفَر عن أضرار مباشرة لأحد معالمها المعروف بـ(ثكنة غورو)، بالإضافة إلى الأضرار غير المباشرة الناتجة عن الدخان الأسود والانفجارات التي أثّرت على الأحجار القديمة وتسبّبت في تصدعات بالهياكل الهشّة. تمثّل هذه الاعتداءات انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدوليّة، بما في ذلك اتفاقيّة التراث العالمي لعام 1972 واتفاقيّة لاهاي لعام 1954 حول حماية التراث في مناطق النزاعات»، علماً بأن ترميم القلعة الذي استدعى جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً، وتمويلاً إيطالياً، انتهى العام الماضي فقط.

بعلبك مدينة فريدة

يعود تاريخ المدينة إلى أكثر من 11 ألف سنة، يحتوي موقعها على آثار فينيقيّة ورومانيّة وعربيّة، وتُعدّ هياكلها ومعابدها الرومانيّة من الأكبر والأكثر حفظاً في العالم. والقلعة التاريخية بمبانيها الضخمة وأعمدتها ومعابدها وأدراجها تُعدّ من أهم آثار الهندسة الرومانيّة الإمبراطورية، التي بنيت وهي في أوج ذروتها. ورغم كثرة الغزاة الذين مروا من هنا، بقيت محفوظة ومصانة.

معبد باخوس في بعلبك (رويترز)

بنيت هذه الأيقونة المعمارية على مدى يتجاوز قرنين من الزمان، مما يجعل معمارها تراكماً حضارياً وفنياً، وهي من أشهر المزارات الرومانية ونموذجاً للتعرف على هندستها. كان الحجاج يتوافدون إلى هذا المزار لتكريم الآلهة الثلاثة، المعروفة باسم الثالوث الروماني لهليوبوليس، وهي عبادة فينيقية تجسّد أجمل ما اختزنه العالم القديم من ثروات نتيجة التبادل الثقافي والحضاري. «تستحقّ بعلبك اهتمام العالم بأسره، لكي لا تغرق (مدينة الشمس) في الظلام، وتبقى شعاع أمل يضيء جمالاً» تختم رسالة لجنة المهرجانات.

ويلفت وزير الثقافة اللبناني مرتضى في حديث له مع «الشرق الأوسط»، إلى «أن إسرائيل ليست عضواً في (اليونسكو)، وهي تبقي نفسها خارج المنظمة لتظل متفلتة من أي التزام». ويخشى مرتضى، من أضرار قد تلحق بالمواقع الأثرية رغم أنها محمية بالقانون، «لأن لإسرائيل تاريخاً أسود مع الآثار اللبنانية خلال حروبها السابقة، وسجلها معروف في هذا المجال، ففي عام 1982 سرقت الكثير واعتدت».

وتتحدث التقارير عن آلاف القطع التي سرقتها إسرائيل أثناء اجتياحاتها المتكررة على لبنان، ووجودها في الجنوب، حتى إنها نقبت عن الآثار، وأخفت جرائمها عن أعين الأهالي. ويؤكد مرتضى أن «الاتصالات لن تتوقف. وبعد أسبوعين سيكون لنا لقاء مع مديرة (اليونسكو) لنبحث هذا الموضوع، ونضع الأمور في نصابها. فهذه الآثار ليست ملكاً لبنانياً، وإنما هي إرث عالمي يعني البشرية جمعاء».

من حفلات مهرجانات بعلبك (خاص بـ«الشرق الأوسط»)

بدورها، حذرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت، من الخطر الذي تشكّله الحرب الإسرائيلية، على مواقع أثرية خاصة في مدينة بعلبك، وفي مدينة صور، اللتين تتعرضان لغارات كثيفة ومتتالية.

وكتبت بلاسخارت، في منشور لها على موقع «إكس»: «تواجه مدن فينيقية قديمة ضاربة في التاريخ خطراً شديداً قد يؤدي إلى تدميرها»، مشددة على أنه «يجب ألا يصبح التراث الثقافي اللبناني ضحية أخرى لهذا الصراع المدمر».


مقالات ذات صلة

قرية من العصر البرونزي... أحدث اكتشافات «العُلا» الأثرية

يوميات الشرق إعادة بناء افتراضية ثلاثية الأبعاد لأطلال قرية النطاة من العصر البرونزي استناداً إلى أدلة ودراسات أثرية نُشرت حديثاً (مشروع خيبر عبر العصور)

قرية من العصر البرونزي... أحدث اكتشافات «العُلا» الأثرية

أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العلا، في مؤتمر صحافي بالعاصمة السعودية الرياض، اكتشافاً فريداً من نوعه لقرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر بالسعودية.

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق بعض اللقى الأثرية المكتشفة في المقبرة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: اكتشاف «أول» مقبرة أثرية من عصر الدولة الوسطى

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الجمعة، اكتشاف أول مقبرة تعود لعصر الدولة الوسطى بجبانة العساسيف في الأقصر (جنوب مصر).

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق معرض «قمة الهرم» يجذب الجمهور في شنغهاي (وزارة السياحة والآثار المصرية)

معارض مصر الأثرية في الخارج تحقق أرقاماً قياسية

أعلنت مصر وصول عدد زائري المعارض الأثرية الخارجية المؤقتة المقامة حالياً في ألمانيا والصين إلى أرقام «قياسية».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشروع تطوير شارع النبي دانيال في الإسكندرية (رئاسة مجلس الوزراء)

شارع النبي دانيال التاريخي بالإسكندرية في حُلة جديدة

اكتسى شارع النبي دانيال التاريخي في محافظة الإسكندرية حلة جديدة ضمن أعمال التطوير التي تقوم بها الإدارة المحلية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق يستغرق علماء الآثار العالميون في رحلة عبر الزمن (الشرق الأوسط)

آثار خيبر وعكمة ودادان تستقطب اهتمام علماء الآثار حول العالم

يضمّ المهرجان تجارب مغامرات تتيح لضيوف العلا اكتشاف أسرار طريق البخور الشهير.

عمر البدوي (العلا)

اكتشاف أكبر موقع تعشيش لـ«السلاحف» في البحر الأحمر بالسعودية

يأتي الاكتشاف ضمن سلسلة الجهود لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية وبيئاتها الطبيعية (واس)
يأتي الاكتشاف ضمن سلسلة الجهود لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية وبيئاتها الطبيعية (واس)
TT

اكتشاف أكبر موقع تعشيش لـ«السلاحف» في البحر الأحمر بالسعودية

يأتي الاكتشاف ضمن سلسلة الجهود لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية وبيئاتها الطبيعية (واس)
يأتي الاكتشاف ضمن سلسلة الجهود لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية وبيئاتها الطبيعية (واس)

في اكتشافٍ بيئي فريد، أعلنت السعودية، ممثلة في المؤسسة العامة للمحافظة على الشُعب المرجانية والسلاحف البحرية في البحر الأحمر (شمس)، السبت، عن اكتشاف أكبر موقع تعشيش للسلاحف البحرية يتم تسجيله على الإطلاق في المياه السعودية بالبحر الأحمر، وذلك في جزر الأخوات الأربع؛ وهي «مرمر»، و«دهرب»، و«ملاتو»، و«جدير».

الجزر الأربع تستضيف أعداداً استثنائية من السلاحف المهددة بالانقراض (واس)

يأتي ذلك ضمن سلسلة الجهود والمبادرات المتواصلة التي تقودها لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية، وبيئاتها الطبيعية في البحر الأحمر، وتحقيق استدامتها وحمايتها، وفق مستهدفات رؤية السعودية 2030.

أكد الدكتور خالد أصفهاني، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «شمس»، أن المؤسسة خصصت لهذا الاكتشاف، جزر الأخوات الأربع منطقة لإدارة الأنواع؛ من أجل حماية موائل التعشيش لهذه السلاحف، بما يتوافق مع مستهدفاتها البيئية؛ حيث تسهم هذه الجهود في حماية التنوع البيولوجي، وتحقيق هدف تحويل 30 في المائة من أراضي السعودية البرية والبحرية، إلى محميات طبيعية بحلول عام 2030.

مؤسسة «شمس» تبذل جهوداً كبيرة للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري الفريد في البحر الأحمر (واس)

وأوضح أن الجزر الأربع تتميز بكثافتها العالية بمواقع تعشيش السلاحف البحرية؛ حيث تم تسجيل أكثر من 2500 عش للسلاحف البحرية في هذه الجزر حتى الآن؛ مما يثبت أنها منطقة تكاثر حيوية للسلاحف المهددة بالانقراض في البحر الأحمر، خصوصاً أن السلاحف البحرية التي تعشش فيها تعود إلى مواقع التعشيش نفسها عاماً بعد عام؛ مما يجعل حماية هذه المواقع أمراً حيوياً لبقاء هذه الأنواع.

وأشار إلى أن الجزر الأربع تستضيف أعداداً استثنائية من السلاحف، منها السلحفاة الخضراء المهددة بالانقراض، والسلحفاة صقرية المنقار المعرضة لخطر الانقراض الشديد؛ مما يجعلها من أهم مواقع تعشيش السلاحف البحرية في المنطقة بأكملها.

خصصت جزر الأخوات الأربع منطقة لإدارة الأنواع لحماية موائل التعشيش لهذه السلاحف (واس)

وأضاف أن المؤسسة تطور حالياً خطة إدارة شاملة، لحماية مواقع تعشيش السلاحف البحرية على امتداد سواحل البحر الأحمر؛ حيث تم التعرف على أكثر من 180 موقعاً شاطئياً للتعشيش على سواحل البحر الأحمر في السعودية، بفضل الجهود الكبيرة لفرق خبراء البيئة في «شمس».

إضافةً إلى العمل على تعزيز فرص السياحة المستدامة والترفيه، حول هذا النظام البيئي البحري الفريد من نوعه؛ مما يسهم في إثراء هذه المنطقة المحمية، وضمان استمرار السلاحف البحرية في التكاثر في موائلها الطبيعية، بما يساهم في تعزيز استدامة المجتمع والبيئة.

تم التعرف على أكثر من 180 موقعاً شاطئياً للتعشيش على سواحل البحر الأحمر في السعودية (واس)

يشار إلى أن هذا الاكتشاف يأتي ضمن جهودٍ أوسع تبذلها «شمس»، للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري الفريد في البحر الأحمر، الذي تمثل السلاحف البحرية فيه عنصراً محورياً في النظام البيئي للبحر الأحمر، ما يعني أن بقاءها ضروري للحفاظ على التوازن البيولوجي والبيئي، وذلك توافقاً مع مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء، ورؤية المملكة 2030، للالتزام الوطني بالحفاظ على تراثها الطبيعي، وحماية التنوع البيولوجي البحري.

الجزر الأربع سجلت أكثر من 2500 عش للسلاحف البحرية حتى الآن (واس)