تبرئة متهم انتظر الإعدام عقوداً في اليابان... ما قصة إيواو هاكامادا؟

إيواو هاكامادا مع شقيقته هيديكو وسط محبيه (أ.ب)
إيواو هاكامادا مع شقيقته هيديكو وسط محبيه (أ.ب)
TT

تبرئة متهم انتظر الإعدام عقوداً في اليابان... ما قصة إيواو هاكامادا؟

إيواو هاكامادا مع شقيقته هيديكو وسط محبيه (أ.ب)
إيواو هاكامادا مع شقيقته هيديكو وسط محبيه (أ.ب)

بعد أكثر من خمسة عقود، أُعلنت براءة أقدم سجين محكوم بالإعدام في العالم، بحسب تقرير لشبكة «سي إن إن».

وبرأت محكمة يابانية اليوم (الخميس) إيواو هاكامادا البالغ من العمر 88 عاماً، والذي حُكم عليه ظلماً بالإعدام في عام 1968 بتهمة قتل عائلة، مما يمثل نهاية ملحمة قانونية ماراثونية جلبت التدقيق العالمي على نظام العدالة الجنائية في اليابان وأثارت دعوات لإلغاء عقوبة الإعدام في البلاد.

كان سروال وسترة ملطخين بالدماء، إضافة إلى الاعتراف القسري المزعوم سبباً في إرسال هاكامادا إلى الإعدام في الستينات.

خلال إعادة المحاكمة، قال محامو هاكامادا إن المعلومات الجديدة أثبتت براءته، بينما اعتبر المدعون أن هناك أدلة كافية لتأكيد أنه يجب إعدامه بتهمة الجريمة.

كيف بدأت القصة؟

كان هاكامادا ملاكماً محترفاً، ثم تقاعد في عام 1961 وحصل على وظيفة في مصنع لمعالجة فول الصويا في شيزوكا، وسط اليابان - وهو الاختيار الذي أفسد بقية حياته عندما عُثر على رئيس هاكاماتا وزوجته وطفليهما مقتولين طعناً في منزلهم في يونيو (حزيران).

بعد خمس سنوات، أصبح هاكامادا، الذي كان مطلقاً آنذاك ويعمل أيضاً في إحدى الحانات، المشتبه به الرئيسي لدى الشرطة.

وبعد أيام من الاستجواب المتواصل، اعترف هاكامادا في البداية بالتهم الموجهة إليه، لكنه غير اعترافه لاحقاً، بحجة أن الشرطة أجبرته على الاعتراف بضربه وتهديده.

وحُكم عليه بالإعدام بقرار من القضاة بأغلبية صوتين مقابل صوت واحد، على الرغم من تأكيداته المتكررة بأن الشرطة فبركت الأدلة. تنحى القاضي المعارض الوحيد عن العمل بعد ستة أشهر، محبطاً بسبب عجزه عن وقف الحكم.

كان هاكامادا، الذي حافظ على براءته منذ ذلك الحين، سيقضي أكثر من نصف حياته في انتظار الإعدام قبل أن تؤدي أدلة جديدة إلى إطلاق سراحه قبل عقد من الزمان.

وبعد أن كشف اختبار الحمض النووي للدم الموجود على البنطال عن عدم تطابقه مع هاكامادا أو الضحايا، أمرت محكمة منطقة شيزوكا بإعادة المحاكمة في عام 2014. وبسبب سنه وحالته العقلية الهشة، تم إطلاق سراح هاكاماتا بينما كان ينتظر يوم إعدامه.

وألغت محكمة طوكيو العليا في البداية طلب إعادة المحاكمة لأسباب غير معروفة، لكنها وافقت في عام 2023 على منح هاكامادا فرصة ثانية بناءً على أمر من المحكمة العليا في اليابان.

وإعادة المحاكمات تعتبر نادرة في اليابان، حيث تنتهي 99 في المائة من القضايا بالإدانة، وفقاً لموقع وزارة العدل على الإنترنت.

يعيش في عالمه الخاص

حتى مع هتاف أنصاره لتبرئة هاكامادا، فإن الأخبار الجيدة لن تسجل على الأرجح لدى الرجل نفسه.

بعد عقود من السجن، تدهورت الصحة العقلية لهاكامادا وهو «يعيش في عالمه الخاص»، كما قالت شقيقته هيديكو (91 عاماً)، التي ناضلت لفترة طويلة من أجل براءته.

نادراً ما يتحدث هاكامادا ولا يُظهر أي اهتمام بالأشخاص الآخرين، كما قالت هيديكو لـ«سي إن إن».

أضافت: «أحياناً يبتسم بسعادة، ولكن هذا عندما يكون في أوهامه. لم نناقش حتى المحاكمة مع إيواو بسبب عدم قدرته على إدراك الواقع».

لكن قضية هاكامادا كانت دائماً تتعلق بأكثر من رجل واحد.

ولقد أثارت تساؤلات حول اعتماد اليابان على الاعترافات للحصول على الإدانات. ويقول البعض إنها أحد الأسباب التي تجعل البلاد يجب أن تلغي عقوبة الإعدام.

قالت هيديكو: «أنا ضد عقوبة الإعدام. المدانون بشر أيضاً».

نظام عدالة تحت التدقيق

واليابان هي الدولة الوحيدة من مجموعة الدول السبع الكبرى خارج الولايات المتحدة التي تحتفظ بعقوبة الإعدام، رغم أنها لم تنفذ أي عمليات إعدام في عام 2023، وفقاً لمركز معلومات عقوبة الإعدام.

وقال هيروشي إيتشيكاوا، المدعي العام السابق الذي لم يشارك في قضية هاكامادا، إن المدعين العامين اليابانيين كانوا تاريخياً يشجعون على الحصول على اعترافات قبل البحث عن أدلة داعمة، حتى لو كان ذلك يعني تهديد المتهمين أو التلاعب بهم لحملهم على الاعتراف بالذنب.

ولفت إلى أن التركيز على الاعترافات هو ما يسمح لليابان بالحفاظ على مثل هذا المعدل المرتفع من الإدانة، في بلد حيث يمكن أن تؤذي البراءة مهنة المدعي العام بشدة.

صراع طويل من أجل البراءة

لمدة 46 عاماً، احتُجز هاكامادا خلف القضبان بعد إدانته على أساس الملابس الملطخة واعترافه، والذي يقول هو ومحاموه إنه تم الاعتراف به تحت الإكراه.

وتحدث هيديو أوغاوا، محامي هاكامادا، لشبكة «سي إن إن»، قائلاً إن هاكامادا كان مقيداً جسدياً وتم استجوابه لأكثر من 12 ساعة يومياً لمدة 23 يوماً، من دون وجود محامي دفاع.

وأوضح أنه كان النظام القضائي الياباني، وخاصة في ذلك الوقت، نظاماً يسمح للوكالات التحقيقية بالاستفادة من طبيعتها السرية لارتكاب جرائم غير قانونية أو تحقيقية.

من جهتها، قالت كيارا سانجيورجيو، مستشارة عقوبة الإعدام في منظمة العفو الدولية، إن قضية هاكامادا «ترمز إلى العديد من القضايا المتعلقة بنظام العدالة الجنائية في اليابان».

وأشارت إلى أن السجناء المحكوم عليهم بالإعدام في اليابان عادة ما يتم احتجازهم في الحبس الانفرادي مع اتصال محدود بالعالم الخارجي.

ووفق «سي إن إن»، فإن عمليات الإعدام محاطة بالسرية مع القليل من التحذير أو من دونه، وعادة ما يتم إخطار العائلات والمحامين فقط بعد تنفيذ الإعدام.

ملذات هاكامادا الصغيرة خلال الحرية

وأمضى هاكامادا معظم حياته خلف القضبان بتهمة جريمة لم يرتكبها.

ومع ذلك، وعلى الرغم من صحته العقلية السيئة، فقد تمكن هاكامادا على مدى العقد الماضي من الاستمتاع ببعض الملذات الصغيرة التي تأتي مع العيش بحرية.

ففي فبراير (شباط)، تبنى قطتين، وقالت هيديكو: «بدأ إيواو في الاهتمام بالقطط والقلق بشأنها والعناية بها، وكان ذلك تغييراً كبيراً».

كل بعد ظهر، تأخذه مجموعة من أنصاره في جولة بالسيارة، حيث «يشتري كمية كبيرة من المعجنات والعصير»، وفقاً لهيديكو.

وأضافت: «آمل أن يستمر في العيش حياة طويلة وحرة».


مقالات ذات صلة

للمرة الأولى منذ 2010... تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص بكارولاينا الجنوبية

الولايات المتحدة​ السجين المحكوم عليه بالإعدام ستيفن براينت (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ 2010... تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص بكارولاينا الجنوبية

أُنزل حكم الإعدام برجل أدين بجريمة ارتكبها في عام 2004، رمياً بالرصاص الجمعة في كارولاينا الجنوبية في جنوب شرقي الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جلسة سابقة للكنيست الإسرائيلي (إ.ب.أ) play-circle

«الكنيست» يطرح مشروع قانون «إعدام الأسرى» للتصويت بالقراءة الأولى اليوم

قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الكنيست سيطرح اليوم (الاثنين) مشروع «قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين»، للتصويت عليه بالقراءة الأولى.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ الغرفة التي يتم فيها إعدام السجناء بمدينة كولومبوس الأميركية (أ.ب)

قضية تعود لأكثر من 30 عاماً... ألاباما الأميركية تنفذ حكم الإعدام بسجين باستخدام غاز النيتروجين

من المقرر أن تنفذ، مساء الخميس، في ولاية ألاباما، عقوبة الإعدام بحق سجين أدين بقتل رجل بسبب مرتبط بالمخدرات، وذلك باستخدام غاز النيتروجين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري خلال اجتماعه بالقضاة في 12 من أكتوبر الحالي (الرئاسة)

احتدام الجدل في الجزائر حول «تفعيل عقوبة الإعدام»

أثار تصريح مسؤول قضائي كبير حول تفعيل عقوبة الإعدام ضد «الجرائم الخطيرة» نقاشاً واسعاً تناول مدى استعداد السلطات للتخلي عن تعهداتها الدولية بتجميد هذه العقوبة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شؤون إقليمية متظاهرون في احتجاج داخل تل أبيب نظمته عائلات الرهائن الإسرائيلية للمطالبة بوقف الحرب واستعادة المحتجزين مساء السبت (أ.ف.ب)

لجنة بالكنيست تمهد لاستخدام عقوبة «الإعدام» مع أسرى فلسطينيين

طرح حزب وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير مشروع قانون يلزم قضاة المحاكم الإسرائيلية بإصدار حكم الإعدام على الفلسطينيين المدانين بقتل إسرائيليين أو يهود.

نظير مجلي (تل أبيب)

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
TT

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)

هل تجد صعوبة في إبقاء عينيك مفتوحتين بعد الغداء؟ كثيراً ما يبدأ الناس يومهم بنشاط ثم تنهار طاقتهم بعد الغداء. هناك العديد من الأسباب التي تجعل الأشخاص يشعرون بانخفاض نشاطهم في فترة ما بعد الظهر، وخاصةً بين الساعة الواحدة ظهراً والرابعة عصراً.

كشف الدكتور أنتوني ريفي، اختصاصي النوم السلوكي في مركز هنري فورد الصحي: «الإيقاع اليومي الطبيعي لجسمنا، وهو الساعة الداخلية التي تعمل على مدار 24 ساعة وتساعد على تنظيم عملياتنا البيولوجية، يرسل إشارات إلى الدماغ خلال النهار ليبقينا متيقظين ونشيطين. مع حلول وقت الغداء، تنخفض هذه الإشارات مما قد يجعلنا نشعر بالنعاس».

إليك طرق تساعدك في التغلب على نعاس ما بعد الظهر دون احتساء رشفة من القهوة:

استمع إلى الموسيقى

أثبتت الدراسات أن الاستماع إلى موسيقى مُبهجة يُحسّن المزاج ومستوى الطاقة. للحفاظ على نشاطك خلال النهار بعد الغداء، أنشئ قائمة تشغيل لأغانٍ مُبهجة لتسلية نفسك. ولأن الموسيقى نشاط ممتع في كثير من الأحيان، فإنها تُحفز إفراز هرمون السعادة الذي يُبقيك نشيطاً.

استمر بالحركة

إذا شعرت بالنعاس بعد تناول الطعام بعد الظهر، يمكنك الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك. يعتقد الخبراء أن ممارسة الرياضة تُنشط عقلك وجسمك. كما أنها تُعرّضك للهواء النقي والإضاءة الطبيعية، مما يُحقق لك نتائج جيدة.

اخرج إلى الشمس

اخرج إلى الشمس لضبط ساعتك البيولوجية وتوفير فيتامين «دي» الضروري. يمكن لأشعة الشمس الطبيعية أن تمنع إنتاج هرمون النوم (الميلاتونين) في جسمك. إذا كنت في المكتب، ولا يسمح لك ذلك بالتعرض لأشعة الشمس، يمكنك تشغيل أضواء السقف الساطعة وتجنب الظلام، خاصةً بعد استراحة الغداء.

حافظ على رطوبة جسمك

يُعد الحفاظ على رطوبة الجسم أمراً بالغ الأهمية لأداء وظائفك اليومية. ويؤكد الباحثون أن الجفاف، حتى لو كان خفيفاً، قد يؤدي إلى التعب، مما قد يؤثر على قدرتك على التركيز. يقول الدكتور ريفي: «للأسف، يُصاب الكثير من الناس بالجفاف المزمن لمجرد أنهم لا يشربون كمية كافية من الماء لأداء أنشطتهم اليومية».

تناول غداءً متوازناً

احرص على تناول نظام غذائي متوازن غني بالبروتين والألياف والدهون الصحية خلال النهار. اتباع هذه النصيحة الواعية سيساعدك على التغلب على مشكلة النوم بعد الظهر، التي تأتي فجأةً بعد الغداء، خاصةً بين الساعة الأولى ظهراً والرابعة عصراً.

اتبع نمط نوم جيداً

النوم الجيد ليلاً أمرٌ لا غنى عنه، خاصةً إذا كنت تحاول إدارة انخفاض الطاقة بعد الغداء. يوصي الخبراء بأن ينام الشخص البالغ من 7 إلى 9 ساعات على الأقل ليلاً ليشعر بالنشاط خلال النهار. يوضح الدكتور ريفي: «كمية النوم التي يحتاج إليها كل شخص تختلف من فرد لآخر، وتتغير على مدار حياته».


«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
TT

«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)

لم يتخيّل المخرج البلجيكي جان فرانسوا رافانيان أن مقطعاً مصوَّراً عابراً على مواقع التواصل الاجتماعي سيقوده، بعد سنوات من البحث، إلى قلب أفريقيا، وتحديداً إلى قرية نائية في غامبيا، ليغوص عميقاً في مأساة إنسان يُدعى «باتيه سابالي».

الشاب الذي هزّ غرقُه في القناة الكبرى بالبندقية عام 2017 الرأيَ العام العالمي، حين اكتفى العشرات من المتفرجين بالصراخ وإطلاق الإهانات العنصرية بدلاً من مدّ يد العون له، كان مقطعُ الفيديو المصوَّرُ له الشرارةَ الأولى لفيلمه الوثائقي «الشاطئ الأخير»، الذي يحاول أن يعيد لهذا الشاب اسمه وصوته وحكايته.

قال رافانيان لـ«الشرق الأوسط»، إنه يتذكّر اللحظة الأولى جيداً؛ «كان الأمر صفعةً. رأيتُ الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، كما شاهده آلاف غيري في ذلك الوقت. صدمتني اللامبالاة، والكلمات العنصرية، والجمود الكامل أمام غرق شاب لا يحاول أحد مساعدته. في البداية لم أفكّر في فيلم؛ فكّرتُ بصفتي صحافياً: مَن هذا الشاب؟ ماذا حدث؟ ولماذا لم يتحرّك أحد؟».

وأضاف المخرج، الذي عُرض فيلمه للمرة الأولى عربياً في مهرجان «الدوحة السينمائي»، أن الأمر تحوّل إلى هاجس، بيد أنه اصطدم منذ اللحظة الأولى بحقيقة أن التحقيقات في إيطاليا كانت مغلقة بالكامل، مما جعل الوصول إلى أي معلومة أمراً معقّداً وصعباً.

المخرج البلجيكي (الشركة المنتجة)

ولأن الطريق إلى الحقيقة كان مسدوداً، اختار المخرج البلجيكي طريقاً آخر، وهو البحث عن عائلة باتيه. يقول: «استغرق الأمر عامين كاملين لأجد أثرهم في غامبيا، وعندما وصلت أخيراً إلى القرية، أدركت أن الغضب الذي اجتاحني أمام شاشة الكمبيوتر في أوروبا كان صورة مختلفة. فالعائلة دعتني إلى رؤية الأمور من زاوية أخرى: زاوية الفقد، والغياب، والبحث عن المعنى. عند تلك اللحظة تغيّر الفيلم تماماً».

يشير رافانيان إلى أن «أصعب ما واجهته في البداية لم يكن الطبيعة أو الظروف، بل بناء الثقة مع العائلة»، مضيفاً: «عندما تصل إلى قرية بعيدة، وتكون غريباً، عليك أن تدرك أن لكل عائلة سرديّتها الخاصة. كان عليّ أن أجد الطريقة المناسبة للوقوف بالكاميرا، وأن أتجنّب أي منظور قد يُشعِرهم بأننا نمسك بموقع قوة أو وصاية. الثقة كانت المفتاح، لا الأدوات ولا الموقع ولا التقنية».

وعن ظروف التصوير في القرية، يشرح رافانيان أن «الفريق كان صغيراً للغاية؛ كنت أنا، ومدير التصوير، ومساعدة تنتمي إلى مجتمع الفولا، تتحدث لغتهم وتفهم ثقافتهم. ولم تكن المسألة لغةً فقط، بل سلوكاً ومعتقدات ونظرة إلى الحياة. كنا نقيم في القرية أياماً طويلة بلا كهرباء، نصحو مع الفجر وننام مع المغيب؛ لا فنادق ولا راحة، فقط الحياة اليومية كما هي. وكل 8 أيام نعود إلى المدينة لشحن البطاريات وإحضار حاجات العائلة، ثم نعود من جديد. كان الوجود الدائم ضرورياً، لأن أقرب مدينة تبعد أربعين دقيقة بالسيارة، ولأن الحياة في القرية تبدأ وتنتهي مبكراً».

المخرج حاول تسليط الضوء على هوية العائلة في فيلمه (الشركة المنتجة)

اختار المخرج ألّا يُظهر باتيه، رغم امتلاكه صوراً عدّة له سواء من العائلة أو من الإنترنت، لكنه لم يرغب في استخدامها، وهو ما يفسّره قائلاً: «أردتُ أن يراه الجمهور من خلال غيابه، كما تعيشه عائلته. أردتُه غائباً، حاضراً بالصوت وبالأثر. فالصوَر قد تعيد تجسيده، لكنها قد تُسطّح ما تعرّض له، بينما الصوت، صوت العائلة وذاكرتها، يعيد إنسانيته كاملة».

وعن كيفية حماية العائلة في هذا النوع من الأفلام الحسّاسة، يقول رافانيان إن ما فعله يشبه عمل الصحافة أكثر منه عملاً سينمائياً؛ فالعائلة لم تكن تعرف تفاصيل ما حدث في القناة، ولم يرغب في أن يضع الفيديو أمامهم أو أن يعرّضهم لصدمة جديدة. وحين سألته الأم عمّا وقع لابنها، قال لها الحقيقة بالكلمات. ويضيف: «لم تشأ أن ترى الفيديو، واكتفت بأن تعرف. كان هناك أيضاً تقريرٌ من 200 صفحة صادر عن السلطات الإيطالية، لم يكن من حقّهم الحصول عليه، فساعدناهم على الوصول إليه. كان الفيلم أيضاً وسيلة لكشف الحقيقة لهم، ولإنصافهم أسرياً».

لم يُنكر المخرج البلجيكي وجود صعوبات عدّة أثناء التصوير في غامبيا، من الإجراءات الأمنية والبيروقراطية المعقّدة، إلى عدم اعتياد السكان على الكاميرا، فضلاً عن عزلة القرية نفسها وافتقارها إلى الكهرباء والمياه العامة، واعتماد حياتها اليومية على الزراعة وتربية النحل. لكنه، رغم ذلك، لا يُخفي سعادته بهذه التجربة التي وثّقت اسم «باتيه سابالي».


رابح صقر وناصر نايف يفتتحان «صدى الوادي» بليلة طربية في وادي صفار

وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)
وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)
TT

رابح صقر وناصر نايف يفتتحان «صدى الوادي» بليلة طربية في وادي صفار

وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)
وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)

ساعات من الطرب والحماسة شهدتها أولى حفلات برنامج «صدى الوادي» في وادي صفار، مع صقر الأغنية الخليجية رابح صقر، والفنان ناصر نايف، ضمن فعاليات موسم الدرعية.

وانطلقت، الخميس، أولى حفلات برنامج «صدى الوادي»، في مشهد جمع بين القيمة التاريخية للمكان والإيقاع الفنّي الذي يُقدّمه موسم الدرعية 25-26، ضمن برامجه التي تمزج بين التاريخ والتراث والسياحة والترفيه.

وبدأت الأمسية على المسرح المفتوح بتصميمه الذي ينسجم مع الطبيعة الآسرة لوادي صفار شمال غربي مدينة الرياض، مع الفنان السعودي الشاب ناصر نايف الذي تفاعل معه الجمهور وهو يؤدّي أغنياته المُحبَّبة.

وتصاعدت حماسة الحضور مع ظهور صقر الأغنية الخليجية رابح صقر الذي لفت الأنظار بأدائه في عدد من أغنياته، أبرزها: «يوم ما أنا ضحّيت ما أقصد جحود»، و«حبيبي اللي همّه رضاي»، إلى جانب أداء ناصر الاستثنائي في «نسايم نجد»، و«خلي الليالي سعادة»، ومجموعة أخرى من الأغنيات التي أشعلت شتاء وادي صفار في أولى حفلات موسم الدرعية هذا العام.

الفنان ناصر نايف خلال الحفل (موسم الدرعية)

الفنان رابح صقر خلال الحفل (موسم الدرعية)

ويأتي اختيار وادي صفار لتنظيم الأمسية لما يمثّله من قيمة تاريخية وموقع حيوي كان على مدى العصور مَعْبراً للمسافرين وقوافل التجارة، وملتقى اجتماعياً لأهالي الدرعية، قبل أن يتحوَّل اليوم إلى مسرح مفتوح يحتضن فعاليات ثقافية وفنية تعكس حضور الموسم وتنوّع عروضه. ويندرج هذا الحفل ضمن برنامج موسيقي واسع يشارك فيه فنانون من أبرز الأسماء العربية؛ من بينهم: فنان العرب محمد عبده، وقيثارة العرب نوال، وراشد الفارس، وأميمة طالب، وفنانو حفل اليوم، الجمعة، عايض يوسف، وزينة عماد، بالإضافة إلى مجموعة من المواهب السعودية الممّيزة.

أجواء تراثية وطربية في ليالي «صدى الوادي» (موسم الدرعية)

ويُقدّم برنامج «صدى الوادي» سلسلة من الحفلات التي تستضيف أبرز الفنانين في العالم العربي، عبر إثراء التجربة الفنية لزوار موسم الدرعية من خلال عروض موسيقية متنوّعة تشمل السامري وفنون الأداء الجماعي، وتُبرز جماليات المكان بتكوينه الطبيعي وشواهده التاريخية.

وتشمل تفاصيل «صدى الوادي» تجربة متكاملة تبدأ باستقبال الزوار بطابع الضيافة السعودية، مروراً بعروض شعرية وغنائية، وصولاً إلى مرافق فنّية ومعارض تفاعلية، من بينها معرض السامري الذي يُقدّم سرداً بصرياً وثقافياً لتراث فنون الأداء النجدية عبر تقنيات رقمية وآلات موسيقية معروضة، بما يعزّز دور البرنامج في الحفاظ على الفنون التقليدية وإبرازها بأسلوب معاصر.