مصر: اكتشاف «أول وأكبر» مرصد فلكي في كفر الشيخ

يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد ويؤكد براعة القدماء

بعض النقوش في المرصد الفلكي المُكتَشف (وزارة السياحة والآثار)
بعض النقوش في المرصد الفلكي المُكتَشف (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: اكتشاف «أول وأكبر» مرصد فلكي في كفر الشيخ

بعض النقوش في المرصد الفلكي المُكتَشف (وزارة السياحة والآثار)
بعض النقوش في المرصد الفلكي المُكتَشف (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الجمعة، اكتشاف «أول وأكبر مرصد فلكي» في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر)، يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد.

جاء الكشف خلال أعمال الحفائر التي تجريها البعثة الأثرية المصرية، في منطقة «معبد بوتو» بتل الفراعين في المحافظة، فجرى الكشف عن مبنى من الطوب اللبن في المعبد استُخدم لرصد الأرصاد الفلكية وتسجيلها، بالإضافة إلى حركة الشمس والنجوم، وفق بيان صحافي.

ومحافظة كفر الشيخ هي إحدى محافظات الدلتا، وتضمّ مواقع أثرية تؤرخ لعصور عدّة؛ فرعونية ورومانية وقبطية وإسلامية، وفيها أكثر من 50 تلاً أثرياً. وتُعدّ مدينة بوتو عاصمة مملكة الشمال، قبل توحيد مصر، أبرز آثارها.

في هذا السياق، رأى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور محمد إسماعيل خالد، أنّ «اكتشاف المرصد دليل يؤكد براعة المصري القديم في علوم الفلك منذ أقدم العصور».

عدد من القطع الأثرية الصغيرة تضمَّنها المرصد (وزارة السياحة والآثار)

وقال، في بيان الوزارة: «يُظهر الكشف كيف كان المصري القديم يحدّد التقويم الشمسي ومواعيد الشعائر الدينية والرسمية مثل تتويج الملوك والسنة الزراعية»، مشيراً إلى أنّ الكشف «يضيء على التقنيات الفلكية التي استخدمها المصري القديم رغم بساطة الأدوات، مما يُسهم في تعزيز فهم التطوّر العلمي والفلكي في العصور الغابرة».

وعثرت البعثة الأثرية داخل المرصد المكتَشف على ساعة شمسية حجرية تُعرف باسم «ساعة الظلّ المنحدرة»، وتُعدُّ من أبرز أدوات قياس الوقت في العصور القديمة.

ويتكوَّن المبنى الخاص بالساعة من «مدماك» مستقيم منتظم من بلاطات الحجر الجيري بطول 4.80 متر، تعلوه 5 كتل مستوية من الحجر الجيري، منها 3 رأسية، وكتلتان أفقيتان، «ويُعتقد أنها كانت تحتوي على خطوط مائلة تُستخدم لقياس ميول الشمس والظلّ ورصد حركة الشمس خلال ساعات النهار».

ووصف رئيس قطاع الآثار المصرية في المجلس الأعلى للآثار الدكتور أيمن عشماوي، مبنى المرصد المكتشف بأنه «أكبر مرصد فلكي يُكتَشف من القرن السادس قبل الميلاد، إذ تبلغ إجمالي مساحته 850 متراً تقريباً».

من جانبه، أكد مدير متحف الآثار في مكتبة الإسكندرية، الدكتور حسين عبد البصير، أنّ «مصر القديمة كانت لها الأسبقية عالمياً في علم الفلك»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «كان يُطلق على الوزير (إم حتب) باني هرم (زوسر المدرج) لقب (كبير المتطلّعين إلى السماء). هذا اللقب كان منتشراً في مناطق عدّة بمصر، لا سيما (عين شمس) في القاهرة، ويرمز إلى مَن يدرس حركة النجوم والكواكب».

وتابع أنّ «اكتشاف مرصد فلكي بهذه المساحة، يؤكد عبقرية المصري القديم في دراسة علم الفلك»، مشيراً إلى أنّ «الكشف يعود إلى عصر الأسرة 26، ومن المرجَّح أن يكون وجود المرصد الفلكي في هذا المكان مرتبطاً بقُربه من البحر الأبيض المتوسط».

ولفت إلى «وجود آثار عدّة تثبت براعة المصري القديم في علم الفلك، أبرزها لوحة (الزودياك) بسقف معبد دندرة الموجودة حالياً في متحف اللوفر بفرنسا».

ويقع المرصد المكتَشف في الركن الجنوبي الغربي لمنطقة المعابد، ويتكوّن من مدخل لجهة الشرق حيث شروق الشمس، وصالة أعمدة وسطى مفتوحة على شكل حرف «إل»، يتقدّمها جدار مرتفع من الطوب اللبن يتضمّن ميولاً إلى الداخل فيما يشبه الطراز المعروف في مداخل المعابد المصرية.

وعثرت البعثة الأثرية على كتلة حجرية مثبتة في أرضية صالة دائرية الشكل، وإلى شمالها وغربها ثمة كتلتان حجريتان دائريتان لأخذ القياسات الخاصة بميول الشمس.

المكتشفات تضمَّنت رموزاً وعلامات فلكية قديمة (وزارة السياحة والآثار)

وأشار عشماوي إلى أنّ «البعثة عثرت أيضاً على 5 غرف من الطوب اللبن، يُرجَّح أنها استُخدمت لحفظ بعض الأدوات الخاصة بالمبنى، بالإضافة إلى 4 غرف صغيرة من الطوب اللبن وغرفة حجرية صغيرة تمثّل برج المرصد».

وتضمَّن الكشف أيضاً «صالة كبيرة نسبياً جدرانها الثلاثة مغطّاة بالملاط الأصفر المزيَّن ببعض المناظر وبقايا رسم باللون الأزرق لمركب طقسي عليها 8 مقاصير، ومن الخلف بقايا مجدافين، ومن الأمام بقايا رسم لرأس الصقر حورس و(عين أوجات) التي تجسّد أنظمة الكون، وهي مرتبطة بالشمس والقمر بالإضافة إلى (حورس) و(إجيت)، أهم الآلهة في معبد (بوتو)»، وفق عشماوي.

أما رئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه البحري وسيناء قطب فوزي، فأوضح أنه في منتصف أرضية الصالة المكتَشفة عثرت البعثة على منصة حجرية عليها نقوش تمثّل مناظر فلكية يرجَّح أنها لشروق الشمس وغروبها خلال فصول السنة.

جانب من الاكتشاف الأثري في كفر الشيخ (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بدوره، أفاد المدير العام لمنطقة آثار كفر الشيخ ورئيس البعثة الدكتور حسام غنيم، بأنه «عُثر في داخل مبنى المرصد على تمثال من الغرانيت الرمادي من عصر (واح إيب رع) من الأسرة الـ26، يمثّل الكاهن (بسماتيك سمن)، وهو يحمل تمثال المعبود أوزير، ودوَّن عليه لقب (حامل الختم الملكي)، كما عُثر أيضاً على (أداة المرخت) والقدم والإصبع وغيرها من أدوات القياس».

وتضمَّن الكشف الأثري تمثالاً لأوزير والنمس من البرونز، وتمثال تراكوتا للمعبود «بس»، وقلادة «المنيت» من «الفاينس»، وبعض بقايا لوحات حجرية عليها نقوش موائد قرابين، وبعض الأغطية لأمفورات من الملاط عليها بقايا أختام تعود إلى العصر الصاوي، بالإضافة إلى تمثال للمعبود «بتاح» من «الفاينس الأزرق»، وبعض الرموز الدينية، واللقى الأثرية من الفخار مختلفة الشكل والحجم.


مقالات ذات صلة

مطالبات بالاهتمام بحصون مصر الأثرية على شاطئ البحر المتوسط

يوميات الشرق إعادة المدافع إلى طابية الدخيلة بعد هدم أجزاء منها (الباحث وائل عزب)

مطالبات بالاهتمام بحصون مصر الأثرية على شاطئ البحر المتوسط

سرعان ما تحوّل خبر هدم «طابية الدخيلة» الأثرية في محافظة الإسكندرية إلى دعوة لقراءة وحصر تاريخ الحصون و«الطوابي» الأثرية التي تمتد على شاطئ البحر المتوسط.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من طابية الدخيلة غرب الإسكندرية (صفحة وائل عزب على «فيسبوك»)

الحديث عن هدم «طابية الدخيلة» بالإسكندرية يفجّر جدلاً بمصر

أثار الحديث عن هدم منطقة آثار الحوض الجاف بمنطقة الدخيلة في محافظة الإسكندرية (شمال مصر)، المعروفة بـ«طابية الدخيلة»، جدلاً واسعاً.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق الحناء لها طرق مختلفة في الرسم (موقع اليونسكو)

مصر تسعى لتسجيل «الحناء» و«السمسمية» بـ«تراث اليونسكو»

تسعى مصر لتسجيل «طقوس الحناء» وآلة «السمسمية» الموسيقية ضمن قائمة التراث غير المادي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق ميدان نهضة مصر بعد إزالة التمثال (فيسبوك)

​مصر: رفع «تمثال الغزالة» من أمام حديقة الحيوان بعد موجة انتقادات

رفعت محافظة الجيزة المصرية تمثالاً لغزالة من أمام مدخل حديقة الحيوان بعد موجة انتقادات وجهها فنانون ومثقفون لهذا العمل.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق بيمارستان المؤيد شيخ (الشرق الأوسط)

مصر لاستغلال مبانٍ أثرية في أنشطة استثمارية وسياحية

افتتحت وزارة السياحة والآثار المصرية الأحد 8 مبانٍ أثرية في القاهرة التاريخية بعد ترميمها بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

عبد الفتاح فرج (القاهرة )

السعودية تحتفي بخريجي أول برنامج ابتعاث ثقافي في تاريخها

تضمّن الحفل عرضاً مرئياً يحكي قصة برنامج الابتعاث منذ إطلاقه وإنجازاته المتلاحقة (واس)
تضمّن الحفل عرضاً مرئياً يحكي قصة برنامج الابتعاث منذ إطلاقه وإنجازاته المتلاحقة (واس)
TT

السعودية تحتفي بخريجي أول برنامج ابتعاث ثقافي في تاريخها

تضمّن الحفل عرضاً مرئياً يحكي قصة برنامج الابتعاث منذ إطلاقه وإنجازاته المتلاحقة (واس)
تضمّن الحفل عرضاً مرئياً يحكي قصة برنامج الابتعاث منذ إطلاقه وإنجازاته المتلاحقة (واس)

احتفت السعودية بخريجي أول دفعة من برنامج الابتعاث الثقافي، الذي فتح آفاقاً جديدة لنحو 157 خريجاً من المبدعين في عدد من المجالات، وقدّم فرصاً استثنائية لخلق جيل مميز من روّاد الثقافة، وتأهيلهم للتوافق مع مرحلة ثقافية وحيوية جديدة تشهدها المملكة.

وكرّمت وزارة الثقافة، الخميس، الدفعة الأولى من خريجي البرنامج، وذلك في حفلٍ أُقيم بمركز الملك فهد الثقافي بالرياض، بحضور قيادات من المنظومة الثقافية إلى جانب الطلاب المبتعثين وأولياء أمورهم وعائلاتهم.

انطلق برنامج الابتعاث الثقافي ضمن الاستراتيجية الوطنية للثقافة تحت مظلة «رؤية السعودية 2030» (وزارة الثقافة)

وقال حامد بن محمد فايز، نائب وزير الثقافة السعودي، إن تنمية القدرات الثقافية تُسهم في تعزيز الحوار الفعّال بين الثقافات والشعوب، وتبادل المعرفة عبر الأجيال، والمنافسة عالمياً في الصناعات الإبداعية بمختلف المجالات.

وأكد فايز لخريجي برنامج الابتعاث الثقافي، في كلمته التي ألقاها بينما تنتظم صفوف الخريجين على مسرح المناسبة، أن رحلتهم للمساهمة في ازدهار المملكة بمختلف ألوان الثقافة قد بدأت، ودعا الشغوفين بالتخصصات الثقافية المتاحة في البرنامج إلى التسجيل لإثراء تجربتهم ومسيرتهم.

وفي ردهة مسرح مركز الملك فهد الثقافي، شارك بعض الخريجين بنماذج من أعمالهم، التي لامست مجموعة من التخصصات الثقافية، وأظهرت الأبعاد الجديدة التي أُضيفت إلى وعيهم ومهارتهم وإدراكهم، تضمّنت أفلاماً قصيرة، وأعمالاً فنية وموسيقية، وبورتريهات، ومنحوتات إبداعية.

وتضمّن الحفل عرضاً رئيسياً مقسماً على جزئين، تَمثّل الأول في مسرحية بعنوان «أثر الأجداد يقتفيه الأحفاد»، والثاني في عرض غنائي للأوركسترا بعنوان «نبني فوق ما فعلوا»، بالإضافة إلى عرضٍ مرئي يحكي قصة برنامج الابتعاث منذ إطلاقه، وإنجازاتِه المتلاحقة، ومقابلاتٍ مع الطلبة الخريجين يستعرضون فيها تجاربهم في بلدان الابتعاث، وبعد ذلك صعد الخريجون إلى منصة الحفل لتكريمهم.

وانطلق برنامج الابتعاث الثقافي ضمن الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية السعودية 2030» خلال عام 2019، لتمكين المبدعين والمبدعات في السعودية من الالتحاق بأبرز المؤسسات التعليمية التي تضم التخصصات الثقافية في مختلف دول العالم.

وأتاح البرنامج فرصاً تعليمية فريدة للطلاب والطالبات مكّنتهم من دراسة التخصصات الثقافية والفنية في أبرز الجامعات العالمية، في مجالات منها: علم الآثار، والتصميم، والمتاحف، والموسيقى، والمسرح، وصناعة الأفلام، والآداب، والفنون البصرية، وفنون الطهي.