جامع الطنبغا المارداني يستعيد بهاءه وسط القاهرة التاريخية

أنشئ في القرن الثامن الهجري ويضم نقوشاً ونوافذ زجاجية نادرة

صحن المسجد  (تصوير: عبد الفتاح فرج)
صحن المسجد (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

جامع الطنبغا المارداني يستعيد بهاءه وسط القاهرة التاريخية

صحن المسجد  (تصوير: عبد الفتاح فرج)
صحن المسجد (تصوير: عبد الفتاح فرج)

بأحد أروقة المسار السياحي بحي الدرب الأحمر الشهير بوسط القاهرة التاريخية، يطل جامع الطنبغا المارداني الأثري، الذي يعود تاريخ إنشائه إلى القرن الثامن الهجري، ويتميز بطابعه المعماري الفريد كحال أغلب المباني الأثرية بشارع باب الوزير.

وبعد مرور 6 سنوات على إغلاق الجامع من أجل الترميم، تمت إعادة افتتاحه رسمياً مساء الثلاثاء، بعد استعادة رونقه، إذ تم الانتهاء من المرحلة الثانية والأخيرة من مشروع الترميم، ليكون متاحاً مجدداً أمام المصلين والزائرين.

الحجاب الخشبي الأثري بجامع الطنبغا المارداني بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وبلغت تكلفة مشروع ترميم المرحلة الثانية من الجامع 32 مليون جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 47.30 جنيه)، وفق الدكتور محمد إسماعيل، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الذي قال في كلمته على هامش افتتاح الجامع إنه تمت مراعاة الحفاظ على الهوية البصرية والتاريخية للمسجد والطابع الأثري له من خلال إبراز ما يزخر به من نقوش وفنون من العمارة الإسلامية، باستخدام أحدث النظم والأساليب في أعمال الترميم الأمر الذي جعل المسجد يظهر في أبهى صورة له.

وبدأت أعمال ترميم المسجد بالتعاون بين المجلس الأعلى للآثار ومؤسسة الأغاخان عام 2018، وتم افتتاح أعمال المرحلة الأولى من المشروع في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، بينما استمرت أعمال المرحلة الثانية نحو عام ونصف العام قبل أن يكون جاهزاً لاستقبال المصلين مجدداً.

خطوط ونقوش مميزة بالسقف (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وتضمنت أعمال المرحلة الثانية ترميم 3 أروقة بالمسجد بجانب الصحن، حيث تم ترميم ومعالجة الأسقف الخشبية المزخرفة وترميم الملاط الأثري بالواجهات الداخلية والخارجية للمسجد، بالإضافة إلى ترميم الأرضيات الحجريّة بالصحن والأروقة، وإضافة أحواض للنباتات، وفق العميد هشام سمير، مساعد وزير السياحة والآثار لمشروعات الآثار والمتاحف.

واعتبر شريف عريان، المدير التنفيذي لمؤسسة أغاخان للخدمات الثقافية، مسجد المارداني «أحد أجمل مساجد القاهرة، وإضافة أثرية وسياحية جديدة لمنطقة الدرب الأحمر»، لافتاً إلى «حرص مؤسسة أغاخان على تأهيل المنطقة المحيطة بالمسجد لإثراء تجربة الزائرين».

وأضاف عريان لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «جامع المارداني له أهمية لافتة ضمن المسار السياحي الجديد بمنطقة الدرب الأحمر، حيث يبدأ من حديقة الأزهر وينتهي بشارع الخيامية أمام باب زويلة الشهير».

ووفق عريان، فإن مسجد المارداني يعد المبنى رقم 13 ضمن قائمة الآثار التي رممتها مؤسسة أغاخان بالمنطقة، ويلفت إلى أنه «تم تغيير مفهوم الترميم والتطوير، فبعدما كان يتم ترميم الأثر لم يكن يزوره أحد، ففكرنا في خلق رؤية سياحية جديدة تحت إشراف وزارة السياحة والآثار المصرية تعتمد على إنشاء مسار يتيح زيارة هذه المباني والاستمتاع بها، بجانب تطوير المنطقة المحيطة من خلال دعم الورش التراثية».

الباب الرئيسي للجامع (تصوير: عبد الفتاح فرج)

واختارت مؤسسة أغاخان 6 محال ومطاعم لتطويرها ضمن المسار من بينها مطعم لبيع «الفول والطعمية» الوجبة الشعبية الأولى في مصر.

وخلال أعمال الترميم، تم اكتشاف صهريج أثري بصحن المسجد بجوار فوارة الوضوء وبئر بالإيوان الجنوبي الغربي وكذلك الكشف عن السلم الخاص بأحد الأبواب الجانبية والوصول لمنسوبه الأصلي، وفق الدكتور جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية بالمجلس الأعلى للآثار الذي أوضح، في بيان لوزارة السياحة والآثار، الأربعاء، أن المسجد أنشأه الأمير الطنبغا المارداني أحد مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، ويؤرخ إنشاء المسجد على نصوصه التأسيسية بتاريخ 740 هجرياً، ووُضع تصميمه على مثال المساجد الجامعة 4 إيوانات ذات أروقة يتوسطها صحن مكشوف، أكبرها إيوان القبلة.

ويتميز محراب هذا المسجد بأنه يعد من المحاريب النادرة دقيقة الصنع بين محاريب مساجد القاهرة، حيث كسيت جدرانه بالرخام الدقيق والصدف مكونة زخارف هندسية دقيقة ويعلو المحراب قبة كبيرة ترتكز على 8 أعمدة من الغرانيت الأحمر ومقرنصاتها من الخشب الملون، وإلى جوار المحراب يوجد منبر من الخشب بحشوات مطعمة بالعاج.

رواق القبلة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

ووفق زياد عامر، المشرف على المرحلة الثانية من مشروع الترميم بمؤسسة أغاخان، فإن «المسجد كان يعاني بشدة قبل الشروع في ترميمه، على غرار أعمدته الرخامية وسقفه وألوانه ونقوشه وحتى جدرانه».

ويتفرد جامع المارداني باحتوائه على 3 أبواب يعلوها نوافذ جصية زجاجية أبدعتها إحدى الورش في عصر الناصر محمد بن قلاوون، ويضيف عامر لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجامع لم يكن معداً للصلاة فقط بل كان يتم توظيفه لتعليم طلاب الأزهر وكان يستخدم مساراً للمرور خلف الحجاب الخشبي الذي تم ترميمه أيضاً ضمن المرحلة الأولى».

ويتوسط صحن المسجد فوّارة أثرية للوضوء تم نقلها من جامع السلطان حسن بمعرفة لجنة الآثار العربية قبل أكثر من قرن.

المسجد من الأعلى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وخضع سقف المسجد إلى عملية ترميم واسعة وصعبة، وفق وصف رشا جلال، مسؤولة ترميم الأخشاب بالجامع، التي تقول إنه «تمت مراعاة الحفاظ على شكل السقف وعدم إضافة مواد دخيلة عليه والعمل على إبراز نقوشه وألوانه الأصلية»، معتبرة أن «الترميم لا يعني استكمال الرسومات المنقوصة بل يستوجب الحفاظ عليها بعد تعقيم الخشب ومعالجته».

زخارف أصلية بعد ترميمها (تصوير: عبد الفتاح فرج)


مقالات ذات صلة

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

العالم العربي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال كلمته (سبأ)

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

في لحظة وصفت بـ«التاريخية»، أعلنت الحكومة اليمنية استرداد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية، ووضعها بمتحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك بشكل مؤقت…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق دهشة الذكاء الاصطناعي (رويترز)

الذكاء الاصطناعي «نجم» رسوم عمرها 2000 عام في بيرو

تُعدّ خطوط نازكا، التي تعود إلى 2000 عام مضت، رسوم لنباتات وحيوانات، يمكن رؤيتها فقط من السماء. وقد أُعلنت ضمن مواقع التراث العالمي لـ«يونيسكو» عام 1994.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)
يوميات الشرق إطلالة على مدينة طرابلس اللبنانية من أعلى قلعتها الأثرية (الشرق الأوسط)

«جارة القلعة» تروي حكاية طرابلس ذات الألقاب البرّاقة والواقع الباهت

لا يعرف معظم أهالي طرابلس أنها اختيرت عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، لكنهم يحفظون عنها لقب «المدينة الأفقر على حوض المتوسط».

كريستين حبيب (طرابلس)
شمال افريقيا مبنى المتحف القومي السوداني في الخرطوم (متداول)

الحكومة السودانية تقود جهوداً لاستعادة آثارها المنهوبة

الحكومة السودانية عملت على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتأمين 76 موقعاً وصرحاً أثرياً تاريخياً في ولايات نهر النيل والشمالية، وجزء من ولاية الخرطوم.

وجدان طلحة (بورتسودان)
يوميات الشرق من أعمال التنقيب في موقع زبالا التاريخي المهمّ على درب زبيدة (واس)

السعودية... آمالٌ تُفعّلها المساعي لالتحاق مواقع بقائمة التراث العالمي

العمل قائم على تسجيل مواقع جديدة في القائمة الدولية للتراث العالمي، من أهمها دروب الحج القديمة، لا سيما درب زبيدة، بالإضافة إلى ملفات أخرى تشمل الأنظمة المائية.

عمر البدوي (الرياض)

أسماء المدير: «كذب أبيض» فتح أمامي أبواب السينما العالمية

أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)
أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)
TT

أسماء المدير: «كذب أبيض» فتح أمامي أبواب السينما العالمية

أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)
أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)

قالت المخرجة المغربية أسماء المدير، إن رحلتها من أجل الحصول على تمويل لفيلمها «كذب أبيض» لم تكن سهلة، بل عاشت معاناة على مدى 10 سنوات معه، بيد أن هذا لم يُزعزع ثقتها أبداً، مؤكدةً في حوار مع «الشرق الأوسط» أنها شَرَعت في العمل على فيلم جديد، وتعكف حالياً على كتابة عملٍ روائيٍّ طويل مُستمَداً من الواقع.

وأشارت أسماء المدير إلى أنها لا تضع نفسها تحت ضغوط النجاح، وليس بالضرورة أن يحظى فيلمها المقبل بقدر نجاح «كذب أبيض»، وأن هذا حدث مع كبار مخرِجي السينما في العالم.

وحرصت المخرجة الشابة على حضور المهرجان الدولي لفيلم المرأة الذي يُقام بمدينتها «سلا» بالمغرب، وقد استقبلها الجمهور بحفاوة، وأقام المهرجان حواراً معها بحضور المخرجين الشباب، وطلبة مدارس السينما.

ووضع فيلم «كذب أبيض» أسماء المدير في مكانة سينمائية جيدة، بعدما طافت معه على مدى عام في مهرجانات عدة، حاصداً جوائز كثيرة، فما وقْعُ ذلك كله عليها؟

تجيب أسماء المدير: «لم أتغيّر، لكن مسيرتي المهنية تغيّرت، فقد تحقّق جزء كبير من أحلامي السينمائية، من بينها وصول الفيلم لمهرجان (كان) وفوزه بجائزتين، وتمثيله لبلادي بالأوسكار، وقد حقّقت ما أردته من أن يكون إنتاجاً عربياً خالصاً، من المغرب والسعودية وقطر، كما نجاحه بوصفه أول فيلمٍ مغربي يحصل على الجائزة الكبرى في مهرجان (مراكش)، وترشّحي لجائزة (الروح المستقلة) مع سينمائيين كبار، على غرار مارتن سكورسيزي، وجوستين تريت؛ مخرجة فيلم (تشريح سقوط)، لا شك أن (كذب أبيض) فتح أمامي أبواب السينما العالمية».

لقطة من فيلم «كذب أبيض» (إدارة مهرجان «سلا»)

لم يكن نجاح الفيلم لحظياً، فالنجاح في رأي أسماء مجموعة من المحطات عبر الزمن، وسنوات تتخلّلها مراحل سقوط ونهوض، تُعِدّ نفسها كما لو كانت في سفر ووصلت إلى المحطة التي تبغيها، مثلما تقول: «قد يجعلني ذلك لا أشعر بنشوة النجاح سوى مع مرور الوقت، حين ألتقي بصُنّاع أفلام كبار يقولون لي: لقد نجحت».

هل يكون النجاح الباهر عائقاً أمام تجربتها السينمائية المقبلة، ومتى تبدأها؟

تجيب أسماء، ذات الـ34 عاماً، قائلة: لقد «بدأتها بالفعل، أعمل على فكرة فيلم روائي مرتبط بقصة حقيقية، ولكن بطريقتي، وأحاول أن أستمد أفلامي من الواقع، ولا أضع نفسي تحت ضغوط النجاح، وليس بالضرورة أن يكون العمل المقبل بنجاح (كذب أبيض)، نعم سأشتغل عليه بالجدية نفسها، لكنني لا أتحكم في النجاح، فقد لا يعجب الجمهور مثلاً، وليس معنى ذلك أنني فشلت، بل عليّ أن أُجرّب شكلاً آخر، ومَن يخشى التجربة يفتح لنفسه باب الفشل».

وتضيف موضّحةً: «مُخرِجون كبار حدث معهم هذا، ومنهم المخرج الإيراني عباس كياروستامي الذي قدّم أفلاماً قوية، ومن ثمّ قدّم فيلماً لم يكتب عنه ناقد واحد، حتى المخرج يوسف شاهين تعجبني بعض أفلامه، وبعضها ليس على المستوى نفسه، وأذكر حين زارنا المخرج محمد خان خلال دراستنا السينما، قال إنه يصنع أفلامه كما يريدها، وهذا كل شيء، لذا أقرأ النقد وأدَعُه جانباً، فقد انتهى الفيلم بالنسبة لي».

تأثّرت أسماء المدير بمخرجين مغاربة كبار، ومن بينهم حكيم بلعباس في كل أفلامه، ومحمد المعنوني بفيلمه «الحال»، وفوزي بن سعيدي في «ألف شهر».

المخرجة المغربية أسماء المدير (إدارة مهرجان سلا)

عاشت أسماء المدير رحلة معاناة تَعُدُّها رحلة صحية، قائلة: «عانيت مع الفيلم 10 سنوات، كبرت خلالها معه سعياً وراء الإنتاج الذي حلمت به في كل تفاصيله، المونتاج والإخراج والكتابة، وقد بدأته في 2016، وفي عام 2020 وصلنا لآخر محطة تصوير، وخلال عامَي 21 و22 كان المونتاج، ليصدر الفيلم في 2023، قبل ذلك عشت مراحل من الفشل والنجاح، كنت أقدّم ملف الفيلم لصناديق دعم فترفضه، لكنني كنت واثقة أنني أصنع فيلماً حقيقياً، فلم يتزعزع إيماني به، ولم أستسلِم لثقة اكتسبتها، فأنا لا أعرف شيئاً آخر سوى السينما، هي شغفي ودراستي ومهنتي، ومجالي الذي اخترته وتخصصت فيه، وصارت الهواية مهنة، وعندي دائماً نظرة بعيدة أتجاوز بها العراقيل، وأتطلّع لما بعد».

تنظر لما مرّت به بشكل إيجابي، قائلة: «أرى أن هذه الرحلة تجربة صحية، فلو حصلت على دعم كبير في البداية كنت سأجد صعوبة في تحقيق ما وصلت إليه في النهاية، بالنسبة لي هي أشياء صحية لأي مبتدئ، وأغلب صُنّاع الأفلام يواجهون ذلك في البداية».

وتنحاز المخرجة المغربية للأفلام الوثائقية، مؤكّدة: «إنه مجال خصب، وبه حرية أكبر وأشكال كثيرة ممكن تجريبها، الأفلام الروائية أحياناً تكون متشابهة، ومنذ زمن لم نشاهد تجارب مبهرة تخرج عن المألوف، لكن الوثائقي لا يزال خصباً».

فرحتها الكبيرة حين تُوِّج فيلمها بالجائزة الكبرى في «مراكش» (إدارة مهرجان سلا)

لحظات سعادة عاشتها أسماء المدير مع الفيلم في مدن عدة، لكن أسعدها يوم عُرض في مهرجان «مراكش»، تقول: «أجمل ما سمعت عن الفيلم كان في مراكش أيضاً، الجمهور المغربي كان رائعاً في استقباله للفيلم، وقد حظي بنجاح أسعدني، كما عُرض في مهرجان (البحر الأحمر السينمائي)، والآن هناك موزّع سينمائي في مصر يتفاوض على عرضه بالقاهرة مع الجهات التي تملك حقوق توزيعه».