الفرق الغنائية في السينما السعودية... من «حد الطار» إلى «آخر سهرة»

حضور المرأة المغنية يطغى على أفلام محلية... ويعكس تطورات المهنة

مشهد من فيلم «حد الطار» (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «حد الطار» (الشرق الأوسط)
TT

الفرق الغنائية في السينما السعودية... من «حد الطار» إلى «آخر سهرة»

مشهد من فيلم «حد الطار» (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «حد الطار» (الشرق الأوسط)

في عام 1987، حين طرحت المغنية السعودية الراحلة عتاب أغنيتها «يا أهل الهوى اسمعوا شكوتي أنا»، لاقت رواجاً كبيراً، ثم طواها النسيان، لتعود إلى ذاكرة فيلم «آخر سهرة في طريق ر» للمخرج محمود صباغ، الذي يُعرض حالياً في دور السينما السعودية، وفيه تلعب الممثلة مروة سالم شخصية المغنية «كولا سالمين»، مؤدية الأغنية بصوتها في حفلات الأعراس بمدينة جدة.

وليست المرة الأولى التي تحضر بها المغنية الشعبية في الأفلام السعودية، باختلاف المكان والزمان، فلطالما ظهرت إما شخصية رئيسية أو ثانوية، تحت اسم «الطقاقة» أحياناً أو المطربة في أحيان كثيرة، ففي «آخر سهرة في طريق ر» جاءت المهنة ركيزة للقصة، وقدم الفيلم أكثر من 8 أغنيات، من بينها 6 أغنيات تُعد من الفولكلور التراثي، مثل الأغنية التي يفتتح بها الفيلم «انعشوني لا أطيح وأنا على الله»، وأغنية «الخاتم أحمر يماني».

⁨⁨ المغنية السعودية الراحلة عتاب (الشرق الأوسط)

بين جدة والرياض

ومن أزقة جدة إلى حي شعبي في مدينة الرياض، دارت أحداث فيلم «حد الطار» للمخرج عبد العزيز الشلاحي، الصادر أواخر 2020. ويحكي قصة الفتاة شامة (أضوى فهد)، التي لا تستطيع الزواج من حبيبها دايل (فيصل الدوخي)، بسبب مهنة والدتها التي تُغني في الأعراس تحت اسم «طقاقة»، مما يجعل الحكاية تدور حول هذه الفرقة الغنائية النسائية، التي ينظر لها المجتمع بازدراء في عقد التسعينات من القرن الماضي، حين شهد حالة من المغالاة في التشدد الاجتماعي، كما تواجه الفرقة تحديات الاستمرار مع تطورات المهنة، مما يدفع الأم (الطقاقة) لإجبار شامة على تعلم عزف الأورغ، وهو الأمر الذي ضاعف حجم مشكلاتها مع دايل.

يبدأ «حد الطار» بالأغنية الفلكلورية «عليك مبارك يا نور حيه» التي يُزف بها العرسان في حفلات الزفاف، لينتهي بأشهر أغنيات الفنانة السعودية توحة «أشر لي بالمنديل»، وهي أغنية بإيقاع الخبيتي وغناها كثيرون على مدى سنوات طويلة، وخلال الفيلم يلمس المشاهد صعوبة عمل الفرق الغنائية النسائية، إلى الحد الذي يجعل بعض المنتسبات إليها ينسحبن لتشكيل فرقٍ جديدة تواكب متغيرات العصر، وينافسن من خلالها الفرقة الأصلية.

مروة سالم في لقطة من «آخر سهرة في طريق ر» (الشرق الأوسط)

الموروث الشعبي

ويعيد كلا الفيلمين اكتشاف وتقديم ألوان مختلفة من الشعر الغنائي للجزيرة العربية، وهو ما يبدو بوضوح أكثر في «آخر سهرة في طريق ر»؛ إذ أفاد المخرج محمود صباغ بأن مرحلة إعداد الفيلم تضمنت كثيراً من البحث والتدقيق للشعر الغنائي التراثي واستكشاف العوالم والأجواء المحيطة بالطقاقات والفرق الشعبية. وكان صباغ قد أشار إلى كثافة الموروث الغنائي الذي ظهر في العمل خلال حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «وجدنا أنفسنا نوجه تحية للموروث الموسيقي والسمعي العريق في الجزيرة العربية وفي السعودية».

المنظور الاجتماعي

ويتقاطع فيلم «حد الطار» مع «آخر سهرة في طريق ر» بالمنظور الاجتماعي لواقع الفرق الغنائية، رغم اختلاف الحقبة الزمنية التي يتناولها كلا الفيلمين؛ ففي «حد الطار» طغت النظرة الدونية على مَن تمارس هذه المهنة (الطقاقة)؛ ما منع الشاب من الزواج من حبيبته.

أما في «آخر سهرة»، فلقد كان الشعور بالنقص يرافق الفرقة الغنائية التي تجاوزها الزمن، مما جعلها أقل قيمة من الفرق الحديثة والمغنين النجوم الذين تصدح أصواتهم في المسارح الكبيرة، وهو الحلم الذي ظل يداعب بطلة الفيلم اللاهثة وراء النجومية، التي كانت أحلامها محل ازدراءِ وتهكم أقرانها، بالنظر لمحدودية إمكانياتها وقِدم أدواتها.

يضمّ «آخر سهرة في طريق ر»، 8 أغنيات من التراث السعودي (الشرق الأوسط)

حضور فنّي

ولا يبدو حضور المُغنيات أو «الطقاقات» في الفن السعودي أمراً جديداً؛ فقد كانت الشخصية ملحوظة في كثير من المسلسلات، كما في بعض حلقات «طاش ما طاش»؛ إما بشكل مباشر، أو ضمن الحديث عن أعباء حفلات الأعراس، وفي حلقات عدة من مسلسل «سيلفي» حيث كان اسم «الطقاقة» في حلقة «المرقوق» بخيتة.

أما في حلقة «حمام جانا مسيان»، فكان اسمها زبيدة، وذلك حسب دراسة حديثة أجرتها الدكتورة الهنوف الدغيشم تتبعت فيها فرق الغناء النسائية السعودية، ونشرت نتائجها في مبادرة «المنور» البحثية.

وأوضحت الهنوف الدغيشم أن هناك حساسية شديدة مؤخراً تجاه مصطلح «طقاقة» الذي بات يُعد إهانة وتقليلاً من القيمتين الفنية والاجتماعية، وهو ما بدا واضحاً في الفيلمين، وما لا يمكن تجاهله في هذا السياق أن التغير في اللفظ المستخدم قد رافقه تغير في التفاصيل الوظيفية لهذه المهنة؛ إذ لم يعد للطق على الدفوف القيمة العليا التي تُقدَّم أثناء الاحتفالات، فمع تطور الآلات الغنائية والسماعات الصوتية، أصبح الاعتماد على الرتم الموسيقي المسجل من دون أن يكون هناك طق مباشر بالأيدي، وباتت الفرق الغنائية تعتمد على صوت الفنانة أو المغنية ومهندس الصوت الذي يضبط الإيقاعات الموسيقية.

مشهد من فيلم «حد الطار» (الشرق الأوسط)

وترك هذا التطور السريع الذي حدث في السعودية، خصوصاً في جانبه الاقتصادي، أثره الكبير على مظاهر الأعراس، وهذا التغير لامس أيضاً دور الفرق الغنائية النسائية؛ فقد كانت الفرقة تأتي بدفوفها وعدَّتها وعدَّة الفحم للتسخين، ويكون مكانها في طرف المنصة أو الميدان، وهو الجزء المرتفع من القاعة حيث ترقص النساء، ولا يكون لحضورهن وملابسهن أي أهمية. ولكن في الآونة الأخيرة أصبح حضور الفرقة الغنائية مجالاً للتباهي في الأعراس، وأصبح يُدفع للفنانة مبلغ إضافي لتزفّ من بوابة دخول العروس نفسها، إيذاناً ببدء الحفلة غنائياً، ويستلزم الأمر ارتداء فستان فاخر، وتسريحة شعر لافتة، ووضع مكياج يناسب حجم المناسبة، وفق الهنوف الدغيشم.

وهو ما حاولت الأفلام السعودية إظهاره بوضوح؛ ففي «آخر سهرة في طريق ر»، كانت المغنية كولا سالمين تتزين باهتمام بالغ، وكأنها ستؤدي وصلة غنائية على مسرح كبير، في حين أنها ستغني أمام عدد محدود من مستمعيها في حفلات ضيقة، وكانت المغنيات في فيلم «حد الطار» يذهبن إلى الأعراس بكامل زينتهن للغناء بأناقة لافتة، مما يعكس حالة الاهتمام الشديد بالمظهر لدى المغنيات في الأفلام، بما يحاكي الواقع؛ الأمر الذي يُضاعف من دور هذه الفئة الحاضرة في جميع المناسبات الاجتماعية بشكل خفي، والواضحة سينمائياً، بشكل جلي وممتلئ بالحكايات.


مقالات ذات صلة

عاطف الطيب... «البريء» الذي انتصرت أعماله للمهمشين

يوميات الشرق المخرج المصري الراحل عاطف الطيب (فيسبوك)

عاطف الطيب... «البريء» الذي انتصرت أعماله للمهمشين

رغم سنوات عمره القصيرة ومرور نحو 3 عقود على رحيله عن عالمنا فإن المخرج المصري عاطف الطيب يحتل مكانة مرموقة في قائمة المخرجين المصريين البارزين.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق أبطال «ولاد رزق... القاضية» (برومو الفيلم)

لماذا تصدَّر فيلم «ولاد رزق 3» قائمة الإيرادات التاريخية بمصر؟

تصدَّر فيلم «ولاد رزق... القاضية» قائمة الإيرادات التاريخية للسينما المصرية بعد 10 أيام فقط من طرحه، بإيرادات وصلت إلى أكثر من 147 مليون جنيه حتى الجمعة.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق رحيل دونالد ساذرلاند... «أرستقراطي» السينما

رحيل دونالد ساذرلاند... «أرستقراطي» السينما

عُرف دونالد ساذرلاند، الذي رحل، الخميس، بحضوره الطاغي على الشاشة، في جميع الأدوار؛ من النذالة إلى إعلاء شأن الإغواء، في أفلام مثل «لا تنظر الآن»، و«كلوت». كان

«الشرق الأوسط» ( لندن)
يوميات الشرق مشهد من الفيلم المصري «ستين جنيه» (الشركة المنتجة)

5 أعمال مصرية في «تورونتو للفيلم العربي»... وحضور سعودي لافت

تُشارك 5 أفلام مصرية في الدورة الخامسة لمهرجان «الفيلم العربي في تورونتو» بكندا، كما يشارك فيلمان سعوديان بالفعاليات المستمرّة حتى نهاية الشهر الحالي.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الحضور الطاغي (رويترز)

دونالد ساذرلاند... أرستقراطي السينما الذي «لا يُعوَّض»

لم يقتصر تفوّق دونالد ساذرلاند على تجسيد أدوار الأبطال النبلاء فحسب، بل امتدّ إلى الأدوار الشريرة. كذلك أتقن تجسيد هموم الرجل المحترم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

النباتات تتمتع بالوعي والذكاء للتعامل مع البيئة

نبتة تنبعث منها مادة كيميائية عندما تأكلها الخنافس (غيتي)
نبتة تنبعث منها مادة كيميائية عندما تأكلها الخنافس (غيتي)
TT

النباتات تتمتع بالوعي والذكاء للتعامل مع البيئة

نبتة تنبعث منها مادة كيميائية عندما تأكلها الخنافس (غيتي)
نبتة تنبعث منها مادة كيميائية عندما تأكلها الخنافس (غيتي)

تتمتع النباتات بالذكاء والقدرة على حل المشكلات، حيث تم رصد تفاعلها مع البيئة بطرق يزعم أحد العلماء أنها تثبت تمتعهم بالوعي.

ويبحث باكو كالفو، أستاذ في جامعة مورسيا في إسبانيا، طوال سنوات في ذكاء النباتات وقدرتها على حل المشكلات، ووجد أن نبات المستحية (الميموزا) «يتعلم من التجربة» على ما يبدو، حين يتوقف عن الانطواء والتدلي. وصرح كالفو لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية، قائلاً: «إن هذا هو الشكل الأساسي للتعلم بحسب علم النفس». وأضاف قائلاً: «هذا النمط من الانطواء والتدلي، ثم الامتناع عن ذلك، متسق مع فكرة أن النبات قد يعلم شيئاً نتيجة خبرة لا من مورثاته».

و أشار الأستاذ كالفو إلى أن هناك نباتات أخرى تتواصل مع بعضها بعضاً من خلال إفراز مواد كيميائية، وتحل المشكلات، بل ويبدو أن لديها ذكريات. يعرّف الكثير من العلماء الذكاء بأنه امتلاك جهاز عصبي مركزي، تمر خلاله إشارات كهربائية، إلى جانب رسائل، إلى أعصاب أخرى لمعالجة المعلومات.

عوضاً عن ذلك، لدى النباتات جهاز وعائي، وهو شبكة من الخلايا التي تنقل المياه والمعادن والمغذيات لمساعدتها في النمو. وقال كالفو: «ننظر إلى النباتات بوصفها مصادر للوقود والأكسجين والمنسوجات والغذاء، لكننا لا نحترمها لذاتها. إذا كنا نستطيع فهم شكل آخر من الذكاء الذي لا يحتاج إلى أدمغة، ربما نتمكن من فهم ما الذي يوحدنا جميعاً في شجرة الحياة. نحن بحاجة إلى العثور على المفتاح الرئيسي العام».

ويبدو أن بعض النباتات «تتذكر» موجات الجفاف، وتحافظ على المياه بشكل أكثر فعالية من نباتات أخرى لم تمر بفترات جفاف في السابق، ويمكن تدريب نبات الفراولة للربط بين الضوء ولصقات المغذيات، على حد قول الأستاذ كالفو.

واستفاض في الشرح والتوضيح قائلاً: إن النباتات أيضاً تتعلم تحديد وقت إطلاق حبوب اللقاح، بحيث يكون عندما توجد ملقحات مثل النحل. كذلك تكهن الباحثون بأن النباتات قد تكون قادرة على العدّ، واتخاذ القرارات، والتعرّف على أقاربها، بل وحتى تذكر الأحداث.

وتكمن المشكلة في أن فهم البشر للذكاء قائم على أنفسهم، ويتركز ذلك على الحيوانات التي لديها أدمغة، ويقودنا هذا إلى تجاهل أشكال أخرى ممكنة من الذكاء والوعي. وقال كالفو: «نرى أن عليك أن تكون حيواناً، وإلا من المستحيل أن تكون ذكياً. إن هذه نظرة محدودة وقاصرة».

ووجدت دراسة حديثة، تم إجراؤها في جامعة «كورنيل»، أن نباتات عصا الذهب تفرز مادة كيميائية عندما تأكلها الخنافس، تنخدع تلك الحشرات وتظن أنها تالفة ومصدر طعام غير صالح، وبعد ذلك تفعل نباتات عصا الذهب القريبة الأمر نفسه... «وهذا يناسب تعريفنا للذكاء».