حالة مطرية غير مستقرة في الخليج تعلق الدراسة والعمل

«إنذار أحمر» من المركز الوطني للأرصاد في السعودية والدفاع المدني يحذر

أدت الأجواء الماطرة والرياح الشديدة في السعودية إلى تعليق الدراسة (واس)
أدت الأجواء الماطرة والرياح الشديدة في السعودية إلى تعليق الدراسة (واس)
TT

حالة مطرية غير مستقرة في الخليج تعلق الدراسة والعمل

أدت الأجواء الماطرة والرياح الشديدة في السعودية إلى تعليق الدراسة (واس)
أدت الأجواء الماطرة والرياح الشديدة في السعودية إلى تعليق الدراسة (واس)

أدت الأجواء الماطرة والرياح الشديدة في دول الخليج، خلال الأسبوع الحالي، إلى تعليق الدراسة والعمل الحضوري في بعض الدول، وإغلاق العديد من الطرق والأنفاق، فيما أعلن المركز الوطني للأرصاد في السعودية «الإنذار الأحمر» في المناطق الشمالية من المملكة، وذلك بعد أيام قليلة من إسدال الستار على منخفض «المطير» الجوّي الذي شكّل حدثاً استثنائياً في تاريخ المنطقة المناخي؛ إذ لم تشهد مثيلاً له منذ نحو نصف قرن، وخلَّف خسائر وأضراراً بشرية ومادّية كبيرة خلال اليومين الماضيين.

السعودية

أهاب الدفاع المدني السعودي بالجميع أخذ الحيطة والحذر والالتزام بالتعليمات والابتعاد عن مجرى السيول والوديان (الدفاع المدني السعودي)

وتوقع المركز الوطني للأرصاد في السعودية استمرار هطول الأمطار الرعدية الغزيرة، مصحوبة بزخات من البرد والرياح النشطة على معظم مناطق المملكة، وتشّكل الضباب المحد للرؤية، فيما أهاب الدفاع المدني بالجميع أخذ الحيطة والحذر والالتزام بالتعليمات، والابتعاد عن مجرى السيول والوديان.

الدفاع المدني السعودي أكمل الاستعدادات لمواجهة الحالة المطرية (الدفاع المدني السعودي)

وأعلنت إدارة التعليم في عدد من مناطق السعودية، تحويل الدراسة الحضورية لتكون «عن بُعد»، الأربعاء، عبر منصة «مدرستي»، ومنصة «روضتي»، والمنصات المعتمدة لجميع الطلاب والطالبات ومنسوبي ومنسوبات المدارس من الهيئتين التعليمية والإدارية، بعد التقارير الواردة من المركز الوطني للأرصاد؛ حرصاً على سلامة الجميع.

وفي المنطقة الشرقية بالسعودية، أغلقت أمانة المنطقة الشرقية بالتعاون مع مرور المنطقة الشرقية، أنفاق طريق الملك فهد بالدمام، وذلك نظراً لشدة الحالة المطرية التي تشهدها المنطقة، وأشارت إلى أن الإغلاق تم احترازياً لسلامة قائدي السيارات سالكي الطريق، وسوف يتم فتح الأنفاق حال استقرت حالة الطقس.

توقع المركز الوطني للأرصاد في السعودية استمرار هطول الأمطار الرعدية الغزيرة مصحوبة بزخات من البرد والرياح النشطة (واس)

وأكدت أن الفرق تواصل أعمالها الميدانية للتعامل مع الحالة المطرية، حيث تباشر مواقع تجمعات المياه في الأماكن غير المخدومة بشبكة تصريف مياه الأمطار، وكذلك البلاغات فور ورودها والعمل على معالجتها.

وكشفت دراسة بحثية علمية في المناخ لـ«المركز الوطني للأرصاد»، عن تزايد معدلات وكمّيات الأمطار بشكل ملحوظ في بعض المناطق في البلاد وانخفاضها في مناطق أخرى؛ وأشارت الدراسة إلى زيادة الهطولات المطرية ذات الشدة العالية على غرب السعودية على طول ساحل البحر الأحمر، يليها الجانب الشرقي من البلاد على طول ساحل الخليج العربي والمناطق الجنوبية الغربية.

على صعيد إجمالي هطول الأمطار أوضحت محاكاة النماذج المناخية أنه سيزداد في معظم أنحاء المملكة (واس)

وحول غزارة الأمطار بكميات غير مسبوقة في مدة وجيزة، بيّن المركز أن تحاليل بيانات رصد الأمطار لمدن أبها، وجدة، والرياض، تشير إلى أن شدة الهطول التي يعود تكرارها كل عقد زمني، تبلغ 113، 56، 33 ملم في اليوم، ولكل 50 سنة تبلغ 45,86,169 ملم في اليوم، والتي يعود تكرارها كل قرن تبلغ نحو 50,99,192 ملم في اليوم، على التوالي لكل الفترات المذكورة.

وعلى صعيد إجمالي هطول الأمطار، أوضحت محاكاة النماذج المناخية أنه سيزداد في معظم أنحاء المملكة، بينما يزداد معدل أحداث هطول الأمطار الغزيرة على مناطق (المدينة المنورة، القصيم، الرياض، المنطقة الشرقية، مكة المكرمة، عسير، جازان، والمناطق الغربية من منطقة نجران) في ظل السيناريوهات المناخية المتوسطة والمرتفعة، وذلك للمستقبل القريب (2021 - 2040)، وتستمر الزيادة في الحالات المطرية الغزيرة خلال منتصف ونهاية القرن الحالي في ظل السيناريوهات المتوسطة والمرتفعة.

وبحسب الدراسة، من المتوقع أن تزداد وتيرة هطول الأمطار الغزيرة (25 إلى 30 حالة تكرار) مقارنةً بالمناخ الحالي في حالة السيناريوهات المرتفعة، خلال العقدين الأخيرين من القرن الحالي على مناطق جنوب غربي السعودية.

الإمارات

من جانبها، رفعت الإمارات مستوى التأهب وجاهزية المنظومة الوطنية للتعامل مع الحالة الجوية التي تشهدها البلاد، وذلك لضمان فاعلية الاستجابة، وتقديم الدعم اللازم على المستويين الوطني والمحلي.

وعقدت سلسلة اجتماعات برئاسة الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث بمشاركة جهات حكومية ذات العلاقة، حيث تم تأكيد ضرورة تفعيل خطط استمرارية الأعمال، واستمرار المتابعة والتقييم للحالة الجوية وتأثيراتها على كافة مناطق الدولة.

وبناءً على الحالة الجوية المتوقعة، أوصت وزارة الداخلية بالتنسيق مع الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث بتفعيل نظام الدراسة عن بعد ليومي الخميس والجمعة، لجميع المؤسسات التعليمية، على أن يتخذ القرار من قبل السلطات المختصة على المستوى الاتحادي وقادة فرق إدارة الطوارئ والأزمات والكوارث المحلية؛ كلٍّ ضمن اختصاصه وبالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم ومؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي؛ طبقاً لتطورات الحالة وتأثيرها.

إضافةً إلى ذلك، تمت التوصية بتفعيل نظام العمل «عن بعد» لجميع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص ليومي الخميس والجمعة، ما عدا الوظائف الحيوية التي تتطلب طبيعتها الحضور الفعلي، أو تلك التي تشارك في أعمال الاستجابة والتعافي من المنخفض، على أن يتخذ القرار من قبل السلطات المختصة على المستوى الاتحادي وقادة فرق إدارة الطوارئ والأزمات والكوارث المحلية؛ كلٍّ ضمن اختصاصه، طبقاً لتطورات الحالة وتأثيرها.

كما قررت وزارة الداخلية، وبالتنسيق مع هيئة الطوارئ والأزمات، إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى مناطق جريان الأودية وتجمعات المياه والسدود خلال فترة الحالة الجوية. وأهابتا بالجمهور الابتعاد عن هذه المناطق والتقيد بتوجيهات الفرق الميدانية المختصة، وعدم ارتياد المناطق الجبلية والصحراوية والبحر، في هذا الوقت؛ حفاظاً على سلامتهم وأرواحهم، وضرورة اتباع كافة الإجراءات التي ستعلن عنها الجهات الرسمية واستقاء المعلومات الصحيحة من المصادر الرسمية في الدولة، وتجنب تداول الشائعات والمعلومات المغلوطة.

وكان المركز الوطني للأرصاد قد أعلن أن البلاد ستشهد بدءاً من ليل الأربعاء – الخميس، سقوط أمطار متوسطة إلى غزيرة على مناطق متفرقة مصحوبة بالبرق والرعد أحياناً، واحتمال سقوط حبات البرد بأحجام صغيرة، وبالنسبة ليومي الجمعة والسبت، تقل كميات السحب مع استمرار فرصة سقوط أمطار خفيفة إلى متوسطة قد تكون غزيرة على بعض المناطق الجنوبية والشرقية.

عُمان

وفي عُمان أشارت توقعات وتحليلات «المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة» إلى تأثر أجواء محافظة ظفار بتدفق السحب بدءاً من الثلاثاء إلى السبت المقبل، وستؤدي إلى هطول أمطار متفرقة ومتفاوتة الغزارة، وأضاف المركز أنه من المتوقع أن تزداد غزارة الأمطار، الخميس، مع فرص جريان الشعاب والأودية، وتتراوح كميات الأمطار من 30 إلى 80 ملم.

وقررت وزارة التربية والتعليم العُمانية تفعيل نظام التعليم عن بُعد في كافة المدارس الحكومية والخاصة والأجنبية بجميع المحافظات باستثناء مدارس محافظة الوسطى وذلك يوم الخميس، نظراً لتأثر أجواء معظم المحافظات بهطول الأمطار مع جريان للأودية.

وبيّنت توقعات المركز إلى تأثر أجواء السلطنة بـ«أخدود من منخفض جوي»، بدءاً من الخميس إلى السبت المقبل، ومن المتوقع أن تصاحب هذه الحالةَ الجوية أمطارٌ متفاوتة الغزارة من 20 إلى 60 ملم، لتؤدي إلى جريان الشعاب والأودية، وتكون ذروة الحالة يوم الخميس.

ولأجل ذلك، طالبت «هيئة الطيران المدني» الجميع بأخذ الحيطة والحذر في أثناء هطول الأمطار وجريان الأودية وتدني الرؤية الأفقية، والتأكد من حالة البحر قبل ارتياده.

وكانت الحالة الجوّية الممطرة في عُمان، منتصف الشهر الماضي، صحبتها سيولٌ وعواصف رعدية، وسجّلت أضراراً جسيمة في الممتلكات العامة والخاصة، ومع إنهاء تفعيل المركز الوطني لإدارة الحالات الطارئة، والقطاعات، واللجان الفرعية بالمحافظات التي تعرّضت لـ«منخفض المطير»، كانت فرق الإنقاذ لا تزال تبحث عن مفقودين بعدما بلغ عدد الضحايا 19 شخصاً، معظمهم من الطلاب.

الكويت

قالت إدارة الأرصاد الجوية إن البلاد ستتأثر، الأربعاء، بأمطار متفرقة متوسطة الشدة وغزيرة أحياناً، تكون رعدية على بعض المناطق مع نشاط في سرعة الرياح قد تصل إلى أكثر من 60 كم في الساعة، وتؤدي إلى انخفاض في الرؤية الأفقية على بعض المناطق، ويصل ارتفاع الأمواج البحرية لأكثر من 7 أقدام.

حذرت إدارة الأرصاد الجوية في الكويت من الرياح الشديدة والأمطار الرعدية (كونا)

قطر

وفي قطر، حذرت إدارة الأرصاد الجوية من أمطار رعدية ورياح مفاجئة قوية، يومي الأربعاء والخميس، ورصدت رياحاً شديدة السرعة تتجاوز 25 عقدة على بعض المناطق، وأمواجاً عالية ترتفع ما بين 6 - 10 أقدام، وقد تصل إلى 14 قدماً، وتأثر البلاد بمنخفض جوي مع أجواء غائمة جزئياً إلى غائمة وأمطار رعدية تستمر خلال عطلة نهاية الأسبوع، تبلغ ذروتها مساء الأربعاء وحتى نهار الخميس، لتكون ما بين المتوسطة إلى الغزيرة في شدتها مع احتمالية تساقط حبات البرد أحياناً، وتصاحبها رياح قوية مفاجئة قد تتسبب في رفع الغبار على بعض المناطق.

حذرت إدارة الأرصاد الجوية في قطر من أمواج عالية ترتفع ما بين 6 - 10 أقدام وقد تصل إلى 14 قدماً (قنا)

وناشدت الهيئة العامة للطيران المدني إدارة الأرصاد الجوية، الجميع بتوخي الحيطة والحذر، والالتزام بإرشادات السلامة في أثناء الأمطار الرعدية، وأهمية تلقي المعلومات من المصادر الرسمية.

البحرين

حذرت إدارة الأرصاد الجوية في البحرين من تأثر البلاد بأمطار رعدية، تصاحبها أمطار شديدة السرعة قد تصل إلى 10 عُقد، وطالبت الجميع بتوخي الحيطة والحذر.


مقالات ذات صلة

مقتل شخصين جراء عاصفة مميتة ضربت غرب أميركا

الولايات المتحدة​ طواقم تعمل على إزالة شجرة أسقطتها عاصفة قوية ضربت منطقة شمال غربي المحيط الهادئ بالولايات المتحدة (رويترز)

مقتل شخصين جراء عاصفة مميتة ضربت غرب أميركا

ضربت عاصفة قوية ولاية واشنطن الأميركية، اليوم (الأربعاء)، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مئات الآلاف وتعطل حركة السير على الطرق ومقتل شخصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا فتاة تركب دراجة هوائية تحت المطر في فالنسيا بإسبانيا (إ.ب.أ)

إغلاق مدارس وإلغاء رحلات... موجة عواصف جديدة تضرب إسبانيا (صور)

تسببت موجة جديدة من العواصف في إسبانيا في إغلاق مدارس وإلغاء رحلات قطارات، بعد أسبوعين من مقتل أكثر من 220 شخصاً وتدمير آلاف المنازل جراء فيضانات مفاجئة.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
يوميات الشرق أحداث الطقس المتطرفة كلّفت العالم تريليوني دولار خلال عقد (أ.ب)

تقرير: الطقس المتطرف كلّف العالم تريليوني دولار خلال العقد الماضي

كشف تقرير جديد عن أن الطقس المتطرف كلّف العالم تريليوني دولار على مدى العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)

علماء: عام 2024 سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق

كشفت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي اليوم (الخميس) عن أن عام 2024 سيتخطى 2023 ليصبح العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا قاعة طعام غارقة بالمياه في أحد الفنادق وسط طقس عاصف في النرويج (رويترز)

فيضانات وانهيارات أرضية في أعقاب هبوب عواصف في النرويج

ذكرت وسائل إعلام محلية، الجمعة، أن عواصف ليلية تسببت في فيضانات وانهيارات أرضية في جنوب غربي النرويج.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.