من دون أدنى شك تعد القهوة رمزاً ثقافياً متأصلاً في جذور البيت السعودي، وهي أساس الضيافة والكرم والحفاوة، وكما يقول بعض الشعراء في الجزيرة العربية قديماً: «البيت اللي ما فيه دلة محد(ن) يدله»، وشُرحت وصفات القهوة السعودية وطرق تقديمها في شعر «الأرجوزة»، التي ذكرت أن أوقات تقديمها يكون في الصباح الباكر أو مع القدوع (ضيافة التمر)، وهذا تدرج إلى أن أصبحت القهوة ركناً أساسياً للضيافة وحُسن الاستقبال.
وخلال شهر رمضان تعد القهوة السعودية سيدة المائدة الرمضانية، ووجودها يعكس الاحتفاء بالضيف وإظهار الاحترام له، ويرتبط وجود القدوع (التمر) مع القهوة في ثقافة القهوة السعودية ارتباطاً وثيقاً، فهما متلازمان لا يفترقان. من هذا المنطلق أوضح مستشار القهوة السعودية ومدرب مبادرة خبير القهوة السعودية سلطان آل مريع في حديث له مع «الشرق الأوسط» أن معجم الجامع فسّر كلمة قدوع بـ«القدع»، وتعني كسر حدة الجوع، وما نلاحظه هو أن ارتباط معنى كلمة القهوة في المعاجم بمعنى «سد الشهية»، وأخذ ذلك من مسار كلمة «قها»، وكان هناك ارتباط كبير جداً بين كسر حدة الجوع وبين سد الشهية، فهما مكملان لبعض في الوصف والمعنى والارتباط.
ويعد تحضير القهوة من فنون الطهي السعودي، وتمت مشاركة هذا الفن في المحافل العالمية الثقافية للتعريف بثقافة إعداد القهوة السعودية، ولا يخلو البيت السعودي من طرق إعداد هذا الفن والموروث، الذي يعد من كنوز ثقافة المملكة العربية السعودية. وبحسب آل مريع تختلف طقوس إعداد القهوة السعودية باختلاف المساحة الجغرافية في المملكة العربية السعودية، حيث تتفرد القهوة السعودية بطرق الحمص المختلفة، فعندما نذهب إلى جنوب السعودية في منطقة عسير تحديداً نجد أن القهوة تكتسب اللون الفاتح في تحميصها، وحين نتجه إلى المناطق الوسطى من المملكة نلاحظ أن القهوة تأخذ لوناً متوسطاً في التحميص، أما في الشمال فتكون القهوة أكثر تحميصاً، ويسمى التحميص الغامق، مع المحافظة على إضافات محددة لكل منطقة من الجنوب إلى الشمال.
وأوضح آل مريع أن المكون الرئيسي في القهوة السعودية هو أسلوب تحميص القهوة السعودية، وهناك فرق شاسع جداً بين القهوة العربية والقهوة السعودية، حيث إن القهوة السعودية سميت سعودية لوجود اثنين من العوامل، العامل الأول هو أن القهوة السعودية تبدأ من البن الخولاني السعودي، وتوجيه أسلوب الحمص الذي انحصر فقط في المملكة العربية السعودية لـ3 حمصات مختلفة، و5 طرق لتحضير القهوة السعودية حسب مناطق المملكة، العامل الثاني أن القهوة السعودية هي القهوة الوحيدة في العالم التي تصنع أمام الضيف من التحميص إلى الطبخ ثم التقديم، وهذا ما لا نراه في أنواع القهوة الأخرى من مختلف أنحاء العالم، مع ضرورة أن يتخلل هذا التقديم القصائد الشعرية والحوارات الأدبية.
واعتمدت وزارة الثقافة في عام 2022 عدد 20 ورقة بحثية في مجال القهوة السعودية مقدمة من باحثين محليين ودوليين، وتهدف المبادرة في منح الأبحاث الخاصة بالقهوة السعودية إلى إثراء 3 عوامل رئيسية، وهي طور الدعم المقدم من الوزارة للقهوة في الجزيرة العربية، وأما المسار الثاني فكان فحص المعرفة والمهارات والتقاليد الاجتماعية، وأما الثالث فركّز على تطوير المحتوى المحلي في القهوة السعودية.
وركّزت وزارة الثقافة على مبدأ الاحتفاء بهذه الثقافة، كما قامت الوزارة ممثلة في هيئة فنون الطهي برصد الوصفات من مختلف مناطق المملكة، إضافة إلى تأهيل شباب وشابات سعوديين لمهنة تسمى «خبير القهوة السعودية»، وهو خبير ملم بجميع تفاصيل القهوة السعودية من التحميص إلى التحضير إلى التقديم، وركزت على أن يكون لخبير القهوة دور مهم في نشر الثقافة، فاليوم بإمكان أي شخص لدية «رخصة خبير القهوة السعودية» في المملكة أن يصنع القهوة الخاصة بجميع المناطق.