جدلية اللبناني - السوري في المسلسلات سُبحةٌ تكرّ

العلاقة «الشائكة» تحضُر في لقطات تحاكي الواقع

بطلا مسلسل «نقطة انتهى» اللبناني عادل كرم والسوري عابد فهد (إنستغرام)
بطلا مسلسل «نقطة انتهى» اللبناني عادل كرم والسوري عابد فهد (إنستغرام)
TT

جدلية اللبناني - السوري في المسلسلات سُبحةٌ تكرّ

بطلا مسلسل «نقطة انتهى» اللبناني عادل كرم والسوري عابد فهد (إنستغرام)
بطلا مسلسل «نقطة انتهى» اللبناني عادل كرم والسوري عابد فهد (إنستغرام)

شجَّع مسلسل «النار بالنار» (رمضان الماضي) على جرأة قول ما كان الظنّ أنه «محظور». بالإصبع، أُشير إلى اللبناني على أنه لبناني، والسوري على أنه سوري. جرت العادة أن يُموَّه الطرفان ضمن شخصيات هشَّة الخلفية. فالتركيبة السورية - اللبنانية لطالما زُجَّت في سياق محض تجاري، لا يُقنِع غالباً ويخلو من المُبرِّر. ظلّ البطل (سوري) والبطلة (لبنانية) يُغرمان ويتزوّجان ويُنجبان، بلا إشارة إلى انتماء كلٍّ منهما إلى بلد لا يكنّ بعضه بالضرورة الودَّ إلى بعضه الآخر. الواقع مغاير. شجاعة «النار بالنار» أخذت المقاربة نحو منحى مختلف.

عابد فهد حلاوة مسلسل «نقطة انتهى» (إنستغرام)

يبدو أنّ السُبحة تكرّ، وما تردّد بصمت، يخرج إلى العلن. لم يعد «مخيفاً» قول أشياء لطالما أُحيلت على التعتيم وغضّ النظر. كأنْ يسأل اللبناني عادل كرم بشخصية المحامي «سامي» في مسلسل «نقطة انتهى»، عابد فهد بشخصية الصيدلي «فارس»، عن أحوال سوريا، وهل هو معارض؟ هذه الحوارات، غُلِّفت بالتحفُّظ. اقتصرت على الشوارع، لا الشاشات. والحديث اليومي، لا المُشاهدة الرمضانية.

وفي المسلسل، قبل دَفْن جثة، يُسأل إنْ عادت للبناني أو سوري. يُلمح الواقف بين القبور إلى تفاهة التمييز بين الموتى، وعبثية أن تصل الأمور إلى المفاضلة وفق الجنسية. فالموت لا يدرك الفوارق بين البشر على أساس الهوية.

عادل كرم يسأل عابد فهد عن أحوال سوريا في «نقطة انتهى» (إنستغرام)

يحدُث ذلك والمخرج نفسه يقود المركب... إنه محمد عبد العزيز ناقل الواقع في «النار بالنار»، رغم ملاحظات سُجِّلت. يعود في «نقطة انتهى» بنصّ كتبه فادي حسين، لإكمال ما بدأ به. فالحي الشعبي، لبناني يسكنه سوريون. وإن تذمّر سوري من تردّي العيش، تدخلَّ لبناني وأشار إلى امتعاضه مما يبدو قلّة وفاء. وكما يردّد لبنانيون أنّ سوريا هي «سويسرا» من باب الهزأ، ينتقل ذلك إلى الدراما. فالشاب اللبناني في المسلسل أطلق التسمية الساخرة رداً على شكوى السوري من أحواله، لينتهي «السجال» بإعلان الأخير أنّ اللاجئ سيتألم أينما كان، وهذه أقدار السوريين في كل مكان، لا في لبنان فقط.

وإنْ كان مسلسل «نظرة حب» على درجة أقلّ من «الحدّية»، فذلك لا يُغنيه عن «تمرير» حوارات عنوانها الواقع الشائك. في العمل (كتابة رافي وهبي وإخراج حسام علي)، المتّخذ من الأراضي اللبنانية مسرحه، هناك أيضاً الحي الشعبي حيث الخليط اللبناني - السوري. العلاقة الثنائية أكثر «هدوءاً» حتى الآن، فالقصة لها اهتمامات أخرى، وتتّخذ مساراً مغايراً لمسارات محمد عبد العزيز وكاميرته. مع ذلك، نرى رانيا عيسى وجمال العلي في دورَي الزوجة اللبنانية وزوجها السوري. عندما يتعلّق الأمر بمواجهة المجتمع (اللبناني) والاحتكاك بأفراده، تُنبّهه إلى ضرورة استخدام «مش» بدلاً من «مو» (لا)، لِما تقول إنه «أجمل على مستوى اللفظ». ليس همّ المسلسل «وضع الإصبع على الجرح»، فيكتفي بالحَوم حول الجدليات، وبما يُظهر أحداثه أقرب إلى الواقع.

بالانتقال إلى مقاربة أخرى، يمكن التوقّف عند شخصية سورية متضرّرة بانفجار مرفأ بيروت. إننا هنا في مسلسل «مال القبان» (كتابة علي وجيه ويامن الحجلي، وإخراج سيف السبيعي)، حيث الإشارة الساطعة إلى الأذى السوري (أيضاً، وليس اللبناني فقط) من هول مأساة عصر الرابع من أغسطس (آب) 2020.

نرى التشوّه على الوجه السوري، واعترافاً بحُسن النية حين طلب أخٌ من أخيه مرافقته للعمل في المرفأ، لعلّهما يكسبان المال الإضافي. حدث أنّ الأخ قُتل، فترمّلت امرأته وأُرغمت على عبور الدرب الوعرة لمواصلة العيش بعد سدِّ الآفاق. يقصدها أخو الزوج بتشوّهاته ليُخبرها بأنّ الجميع ليس بخير منذ الفاجعة. يشاء المسلسل تأكيد ما يغفل بعضٌ عنه: أرواحٌ سورية حُصِدت، ولها أحبّة يتألمون. الضرر امتدّ وشمل ضحايا سوريين، قتلى، وأحياء لا يزالون يعدّون الخسائر.

يامن الحجلي يتحدّث عن تهريب من سوريا وُجهته لبنان (مال القبان)

يأتي ذلك مع تصريح سوري بأنّ الغلاء ينهش لبنان، ولا مجال للعيش على أراضيه بعد اليوم. المسلسل (أرجئ عرضه من رمضان الماضي)، لم يمرّ بجوار الواقع اللبناني - السوري ويُكمل سيره كأنه مُصاب بالعمى. توقّف أمامه وتعمّد النظر إليه.

المهمّ ذكره أيضاً، هو مسألة التهريب نحو الوُجهة اللبنانية؛ مقصد التجاوزات. فأمام العملة المزوّرة أو البنزين أو سائر المخالفات، يردُ ذِكر بيروت. «مال القبان» جريء في الإشارة إلى هذا الواقع، ونقله كما هو.

لكنّ أمراً آخر أكثر جمالية يحدُث في سياقه، هو حضور الممثلة اللبنانية ختام اللحام بشخصية والدة بطل الحكاية بسام كوسا. بلهجة سورية، تؤدّي الدور بمهارة. المسلسل سوري بالكامل، يُصوَّر في سوريا ويحاكي دهاليز عالم التجارة والانتماء العاطفي والمادي إلى سوق للخضراوات. اللحام في مكانها ومكانتها، كأنها «سورية»، وهذه إضافة متبادَلة.

جوزيف بو نصار لبناني في شخصية ضابط فرنسي بمسلسل «تاج» (فيسبوك)

اللبنانية نتاشا شوفاني باللهجة السورية في «تاج» (إنستغرام)

الأمر مُشابه للحضور اللبناني في مسلسل «تاج»: جوزيف بو نصار بشخصية الضابط الفرنسي المتغطرس «جول»، ونتاشا شوفاني بشخصية الممرضة «ماريون» المتمسّكة بالمبدأ الوطني. حديثهما بالفرنسية لتزامُن السياق مع نهاية الانتداب وزمن الاستقلال، هو الطاغي. لكنهما متى يتكلّمان العربية، يؤدّيانها باللهجة السورية. الـ«مش» اللبنانية على لسانها «مو» لطيفة، وهي تناقش تيم حسن في أثمان إنقاذ سوري من حبل المشنقة.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

فرقة «الحضرة» المصرية تدخل عامها العاشر بطموحات كبيرة

«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)
«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)
TT

فرقة «الحضرة» المصرية تدخل عامها العاشر بطموحات كبيرة

«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)
«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)

تحتفل فرقة «الحضرة» المصرية للإنشاد الديني بعيد ميلادها التاسع خلال فعاليات الموسم الصيفي للموسيقى والغناء في دار الأوبرا؛ بإحيائها حفلاً على «المسرح المكشوف» يمتدّ لساعتين، السبت 10 أغسطس (آب) المقبل.

يتضمّن البرنامج مجموعة قصائد تقدّمها للمرّة الأولى، منها «جدّدت عشقي» لعلي وفا، و«أحباب قلبي سلام» للشيخ سيدي الهادي من تونس، وقصيدة في مدح النبي، «يفديك قلبي»، لشاعرة فلسطينية، وفق نور ناجح، مؤسِّس الفرقة الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون الحفل مختلفاً واستثنائياً على جميع المستويات، فهو محطّة لاستقبال عامنا العاشر».

الفرقة تجمع منشدين ذوي ثقافة صوفية (الشرق الأوسط)

وستقدّم الفرقة مجموعة من أشهر أعمالها السابقة، هي 11 قصيدة مجمَّعة بطريقة «الميدلي»، منها «مدد يا سيدة»، و«أول كلامي بأمدح»، و«جمال الوجود»، و«هاتوا دفوف الفرح»، و«خذني إليك». ذلك إضافة إلى مجموعة من الأناشيد والابتهالات التي يُطالب بها الجمهور، مثل «إني جعلتك في الفؤاد محدّثي»، و«المسك فاح». ومن مفاجآت الحفل، وفق ناجح، استضافة مشايخ لمشاركتهم الإنشاد، منهم المنشد وائل فشني، وعلي الهلباوي، وراقص التنورة المصري - الإسباني المقيم في أوروبا، محمد السيد، الذي سيقدّم فقرة للأداء التعبيري، مصاحبةً لبعض القصائد.

إحياء التراث الصوفي المصري بشكل مختلف (الشرق الأوسط)

ويعدُّ ناجح «الحضرة» أول فرقة مصرية للإنشاد الصوفي الجماعي، التي كانت سبباً لانطلاق فرق أخرى مماثلة لاحقاً: «قدّمت مصر عمالقة في مجال الإنشاد والابتهالات، مثل نصر الدين طوبار، وسيد النقشبندي، ومحمد الهلباوي ومحمد عمران»، مشدّداً على أنّ «الإنشاد خلال الحقبات الماضية كان فردياً، فلم تعرف مصر الفرق في هذا المجال، على عكس دول أخرى مثل سوريا، لكنّ (الحضرة) جاءت لتغيّر ثقافة الإنشاد في البلاد؛ فهي أول مَن قدَّم الذِكر الجماعي، وأول مَن أدّى (الحضرة) بكل تفاصيلها على المسرح».

واتّخذ ناجح عبارة «الحضرة من المساجد إلى المسارح» شعاراً لفرقته، والمقصود نقل الحضرة الصوفية من داخل الجامع أو من داخل ساحات الطرق الصوفية والمتخصّصين والسهرات الدينية والموالد في القرى والصعيد، إلى حفلات الأوبرا والمراكز الثقافية والسفارات والمهرجانات المحلّية والدولية.

جمعت قماشة الصوفية المصرية في حفلاتها (الشرق الأوسط)

تحاكي «الحضرة» مختلف فئات الجمهور بمَن فيهم الشباب، والذين لا يعرف كثيرون منهم شيئاً عن أبناء الطرق أو عن الصوفية عموماً، وفق مؤسِّس الفرقة الذي يقول: «نجحنا في جذب الشباب لأسباب منها زيادة الاهتمام بالتصوُّف في مصر منذ بداية 2012، حدَّ أنه شكَّل اتجاهاً في جميع المجالات، لا الموسيقى وحدها».

ويرى أنّ «الجمهور بدأ يشعر وسط ضغوط الحياة العصرية ومشكلاتها بافتقاد الجانب الروحي؛ ومن ثَم كان يبحث عمَن يُشبع لديه هذا الإحساس، ويُحقّق له السلام والصفاء النفسي».

وأثارت الفرقة نقاشاً حول مشروعية الذِكر الجهري على المسرح، بعيداً عن الساحات المتخصِّصة والمساجد؛ ونظَّمت ندوة حول هذا الأمر شكّلت نقطة تحوُّل في مسار الفرقة عام 2016، تحدَّث فيها أحد شيوخ دار الإفتاء عن مشروعية ذلك. وفي النتيجة، لاقت الفرقة صدى واسعاً، حدَّ أنّ الشباب أصبحوا يملأون الحفلات ويطلبون منها بعض قصائد الفصحى التي تتجاوز مدّتها 10 دقائق من دون ملل، وفق ناجح.

فرقة «الحضرة» تدخل عامها العاشر (الشرق الأوسط)

وعلى مدى 9 سنوات، قدَّمت الفرقة أكثر من 800 حفل، وتعاونت مع أشهر المنشدين في مصر والدول العربية، منهم محمود التهامي، ووائل الفشني، وعلي الهلباوي، والشيخ إيهاب يونس، ومصطفى عاطف، وفرقة «أبو شعر»، والمنشد السوري منصور زعيتر، وعدد من المنشدين من دول أخرى.

تمزج «الحضرة» في حفلاتها بين الموسيقى والإنشاد، وهو ما تتفرّد به الفرقة على المستوى الإقليمي، وفق ناجح.

وتدخل الفرقة عامها العاشر بطموحات كبيرة، ويرى مؤسِّسها أنّ أهم ما حقّقته خلال السنوات الماضية هو تقديمها لـ«قماشة الصوفية المصرية كاملة عبر أعمالها»، مضيفاً: «جمعنا الصوفية في النوبة والصعيد والريف».

كما شاركت في مهرجانات الصوفية الدولية، وأطلقت مشروعات فنية، منها التعاون مع فرقة «شارموفرز»، التي تستهدف المراهقين عبر موسيقى «الأندرغراوند»، ومشروع المزج بين الموسيقى الكلاسيكية والصوفية مع عازفي الكمان والتشيلو والفيولا. وقدَّمت «ديو» مع فرق مختلفة على غرار «وسط البلد» بهدف جذب فئات جديدة لها.

يأمل نور ناجح، مع استقبال العام العاشر، في إصدار ألبومات جديدة للفرقة، وإنشاء مركز ثقافي للإنشاد الديني، وإطلاق علامة تجارية للأزياء الصوفية باسم «الحضرة».