بعد حظرها في كوريا الجنوبية... ما الدول التي لا تزال تستهلك لحوم الكلاب؟

نشطاء يقومون بفحص شاحنة تحتوي على مئات الكلاب المعدة للاستهلاك بعد أن استولت عليها الشرطة في سيمارانغ بإندونيسيا (أ.ف.ب)
نشطاء يقومون بفحص شاحنة تحتوي على مئات الكلاب المعدة للاستهلاك بعد أن استولت عليها الشرطة في سيمارانغ بإندونيسيا (أ.ف.ب)
TT

بعد حظرها في كوريا الجنوبية... ما الدول التي لا تزال تستهلك لحوم الكلاب؟

نشطاء يقومون بفحص شاحنة تحتوي على مئات الكلاب المعدة للاستهلاك بعد أن استولت عليها الشرطة في سيمارانغ بإندونيسيا (أ.ف.ب)
نشطاء يقومون بفحص شاحنة تحتوي على مئات الكلاب المعدة للاستهلاك بعد أن استولت عليها الشرطة في سيمارانغ بإندونيسيا (أ.ف.ب)

تنتشر تجارة لحوم الكلاب على نطاق واسع في كثير من الدول حول العالم، على الرغم من غرابة الموضوع في عصرنا الحالي. ففي الصين وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلاند ولاوس وفيتنام وكمبوديا وإندونيسيا، وناجالاند في شمال الهند، لا يزال الناس يتناولون لحم الكلاب ضمن أطباقهم. وتعد هذه التجارة منظمة بشكل جيد؛ حيث تتم سرقة أعداد كبيرة من الكلاب، أو أخذها من الشوارع، ونقلها لمسافات طويلة، وذبحها بوحشية. وفي كوريا الجنوبية، تتم أيضاً تربية الكلاب بشكل مكثف لتجارة اللحوم، في ظروف حرمان مروعة.

ومن المعروف أيضاً أن الكلاب تؤكل في بعض البلدان الأفريقية، مثل غانا والكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا، وهناك تقارير تفيد بأن الكلاب تُقتل للاستهلاك الشخصي، من قبل بعض المزارعين في المناطق النائية من سويسرا، ولكن لا شيء يقارن بالحجم الهائل لقتل الكلاب للاستهلاك والتجارة عبر آسيا، وفقاً لتقرير لمنظمة «هيومن سوسايتي إنترناشيونال».

واليوم، تمكَّن برلمان كوريا الجنوبية من إقرار مشروع قانون يحظر تجارة لحوم الكلاب، أخيراً، وهي ممارسة تقليدية يصفها الناشطون بأنها عار على البلاد.

وصوَّتت الجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية لصالح النص الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد فترة سماح مدتها 3 سنوات. ويعاقب القانون الجديد على تربية وبيع وذبح الكلاب لأغراض الاستهلاك، بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات، وغرامة مقدارها 22 ألفاً و745 دولاراً.

مجموعات من الناشطين في مجال حقوق الحيوان يرفعون لافتات خلال احتفال بقانون يحظر تجارة لحوم الكلاب في سيول (إ.ب.أ)

ومنذ فترة طويلة، يُعد لحم الكلاب جزءاً من المطبخ الكوري الجنوبي، بينما تشير تقديرات إلى أن ما يصل إلى مليون كلب يُقتل كل عام من أجل تناول لحمه؛ لكن الاستهلاك انخفض بشكل حاد في السنوات الأخيرة، مع ازدياد تربية الكوريين حيوانات أليفة. وواجهت محاولات سابقة لفرض حظر على هذه الممارسة معارضة شرسة من مربي الكلاب المخصصة للاستهلاك.

وتظهر أرقام رسمية أن هناك نحو 1100 مزرعة كلاب تربي مئات الآلاف منها كل عام، لتقدّم على موائد المطاعم في كل أنحاء كوريا الجنوبية.

وعلى الرغم من أن استهلاك لحوم الكلاب أمر مرفوض في معظم الثقافات الغربية، فإن استهلاك هذه اللحوم يعد ممارسة عمرها قرون في أجزاء أخرى كثيرة من العالم. في بعض البلدان الآسيوية والأفريقية على وجه الخصوص، يمكن اعتبار لحوم الكلاب غذاءً أساسياً، تماماً كما هي الحال مع لحم البقر والدجاج في الثقافات الغربية. فما الدول التي لا تزال تستهلك لحوم الكلاب حول العالم؟

آسيا

تعد آسيا القارة التي ينتشر فيها استهلاك لحوم الكلاب على نطاق واسع؛ حيث يتم قتل ما يصل إلى 30 مليون كلب للاستهلاك البشري كل عام، وفقاً لتقديرات جمعية الرفق بالحيوان الدولية. يشمل هذا التقدير كثيراً من الحيوانات الأليفة التي غالباً ما تتم سرقتها بشكل غير قانوني من المنازل، ويتم ذبحها. واستهلاك لحوم الكلاب هو الأكثر شيوعاً في الصين وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلاند ولاوس وفيتنام وكمبوديا، ومنطقة ناجالاند في الهند؛ لكنه لا يعد منتشراً على نطاق واسع في أي من هذه المواقع. إضافة إلى ذلك، أصبحت هذه الممارسة أقل شعبية في كثير من البلدان؛ حيث من المرجح أن تنظر الأجيال الشابة إلى الكلاب والقطط على أنها مخلوقات مخصصة «للمرافقة» وليست طعاماً، وذلك وفقاً لتقرير «وورلد بابيوليشن ريفيو».

تعد الصين أكبر مستهلك للحوم الكلاب على مستوى العالم؛ حيث تستهلك ما يقدر بنحو 10 ملايين كلب، و4 ملايين قطة، سنوياً. ولقد كان لحم الكلاب طبقاً تقليدياً في الصين منذ آلاف السنين، وما زال تناوله يتم في كثير من مناطق البلاد. وأشهر هذه المناطق هي يولين التي تقيم مهرجان لحوم الكلاب كل عام. يتم الاحتجاج على مهرجان يولين السنوي للحوم الكلاب على نطاق واسع، ويثير جدلاً متزايداً خارج الصين. وفي عام 2020، أصبحت مدينتا شنتشن وتشوهاي المدينتين الأولى والثانية في البر الرئيسي للصين اللتين تحظران استهلاك لحوم الكلاب والقطط، وغيرت وزارة الزراعة الصينية تصنيف الكلاب والقطط من الماشية إلى الحيوانات المرافقة.

كلب يظهر داخل قفص خلال احتجاج لمطالبة الحكومة بإلغاء خطط لتمرير مشروع قانون يحظر أكل لحوم الكلاب في سيول (رويترز)

ودولة أخرى مشهورة بتناول الكلاب هي فيتنام، ثاني أكبر مستهلك للحوم الكلاب في العالم؛ حيث يعد الكلب عنصراً غذائياً أساسياً. يستخدم الفيتناميون كل جزء من أجزاء الكلب تقريباً في الحساء. يعتقد كثيرون أن لحم الكلاب له خصائص طبية، ويجلب الحظ السعيد. تعالج تجارة لحوم الكلاب الفيتنامية ما يقدر بنحو 5 ملايين كلب سنوياً (أكثر بكثير من نصيب الفرد من الصين)، ما أدى إلى سوق استيراد غير قانونية للكلاب التي يتم استيرادها من البلدان المجاورة، مثل كمبوديا (حيث تؤكل الكلاب أيضاً)، ولاوس، وتايلاند، وفقاً لتقرير «وورلد بابيوليشن ريفيو».

وتمثل لحوم الكلاب أيضاً مشكلة في إندونيسيا؛ حيث يستهلكها أقل من 5 في المائة من السكان، ولكن يتم اختطاف وذبح الحيوانات الأليفة وكلاب الشوارع الضالة بشكل روتيني. يُشار إلى أن تجارة لحوم الكلاب في إندونيسيا تعد خطيرة بشكل خاص؛ لأن داء الكلب منتشر جداً في البلاد، كما أن المواقع والأساليب المستخدمة لذبح وبيع اللحوم غالباً ما تكون بعيدة عن المعايير الصحية. وتوجد عادة تناول لحم الكلاب أيضاً في الفلبين.

من ناحية أخرى، أصبحت تايوان أول دولة آسيوية تحظر استهلاك لحوم القطط والكلاب، وكذلك بيع القطط والكلاب بغرض الاستهلاك، في عام 2017. ويواجه المخالفون غرامات كبيرة، والتشهير العام، واحتمال السجن. وعلى نحو مماثل، كان ذبح القطط والكلاب -فضلاً عن بيع لحومها- أمراً غير قانوني في هونغ كونغ لعقود من الزمن. ومع ذلك، لم يتم حظر استهلاك هذه اللحوم بعد.

ويشار إلى إن لحوم الكلاب تُستهلك في كوريا الشمالية للغاية، وكذلك في تيمور الشرقية وأوزبكستان. كما أنها شائعة في كوريا الجنوبية؛ حيث تعد العنصر الرئيسي في أطباق مثل: جايجوجي (هو أيضاً المصطلح العام للحوم الكلاب)، وبوسينتانغ، وجاي سويوك، والمشروب الطبي جايسوجو؛ لكن شعبية هذه المأكولات تراجعت في السنوات الأخيرة.

ماذا عن بقية العالم؟

في أفريقيا: يتم استهلاك لحوم الكلاب لأغراض طقوسية وثقافية في نحو 20 دولة أفريقية. تنظر بوركينا فاسو إلى لحوم الكلاب باعتبارها رفاهية ثقافية وطعاماً شهياً. لا يتم تقديم اللحوم هذه في المطاعم؛ بل كوجبة خاصة تتطلع إليها العائلات. يتمحور تاريخ لحوم الكلاب في بوركينا فاسو حول الأسرة والصداقة والترابط الشخصي. يعد لحم الكلاب أيضاً طعاماً شهياً في غانا، وغالباً ما يتم تناوله كوجبة توطيد بين سكان قبائل الفرافرا والدجابا. يتم استهلاك لحوم الكلاب أيضاً في بلدان أخرى، بما في ذلك ليبيريا وجمهورية أفريقيا الوسطى وأجزاء من نيجيريا (حيث يعتقد البعض أن اللحوم لديها القدرة على علاج الملاريا)، والكاميرون، وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ومع ذلك، كما هي الحال في إندونيسيا، فإن استهلاك لحوم الكلاب يحمل في طياته مخاطر للإصابة بالأمراض، بما في ذلك داء الكلب في غانا ونيجيريا، والإيبولا في ليبيريا.

في أوروبا: يعد استهلاك لحوم الكلاب من المحرمات عموماً في أوروبا؛ ومع ذلك، بدءاً من عام 2014، بدأ نحو 3 في المائة من الأشخاص في سويسرا (خصوصاً في المناطق الريفية) تناول لحوم الكلاب على شكل نقانق. تحظر القوانين في المملكة المتحدة بيع لحوم الكلاب، ولكن يبدو أنها تسمح بقتل واستهلاك لحوم الكلاب ما دام الحيوان مملوكًا للقاتل/ المستهلك، ويتم قتله بطريقة إنسانية.

الأميركتين

يعد أكل الكلاب من المحرمات أيضاً على نطاق واسع في الولايات المتحدة. من الناحية الفنية، تفتقر الولايات المتحدة إلى قانون وطني يحظر استهلاك الكلاب والقطط، ومع ذلك، فإن قانون حظر تجارة لحوم الكلاب والقطط لعام 2018 يحظر «نقل وتسليم وحيازة وذبح الكلاب والقطط للاستهلاك البشري»، وهو ما يفرض فعلياً تفكيك أي أعمال غير سرية تتمحور حول هذه الممارسة. يتضمن القانون استثناءً لطقوس الأميركيين الأصليين؛ حيث إن بعض القبائل لها تاريخ أو تقليد في استهلاك لحوم الكلاب. لدى قبيلة كيكابو المقيمة في تكساس وأوكلاهوما وكانساس حالياً، كثير من الوصفات التقليدية التي تتضمن لحوم الكلاب. ومن المعروف أن كلاً من قبيلتي سيوكس وشيان تناول أفرادها لحوم الكلاب الأليفة. ويعد لحم الكلاب قانونياً أيضاً في كندا، على الرغم من أن اللحوم يجب أن تأتي من مصانع معالجة لحوم الكلاب المرخصة، ولا يبدو أن أياً منها موجود.

ويحظر بيع لحوم الكلاب في المكسيك.

أوقيانوسيا

هناك ولاية واحدة فقط من الولايات والأقاليم الستة عشر في أستراليا (جنوب أستراليا) قد حظرت صراحة ذبح واستهلاك كل من القطط والكلاب. ومع ذلك، فإن بيع لحوم القطط والكلاب محظور في جميع أنحاء البلاد.

وفي المجموع، نجد أن أكثر من 20 دولة، 7 في آسيا، و20 في أفريقيا، تستهلك الكلاب. وتعد الصين أكبر مستهلك للكلاب في العالم؛ حيث تأكل 10 ملايين منها سنوياً.

هل تعاني الكلاب قبل الذبح؟

معاناة الحيوانات الشديدة مستوطنة في تجارة لحوم الكلاب. تُحشر الحيوانات بالمئات على ظهور الشاحنات، وتوضع بإحكام في أقفاص بحيث لا تتمكن من الحركة. في فيتنام، مألوف أن يتم إطعام الكلاب بالقوة، عن طريق أنبوب أسفل الحلق من أجل زيادة وزنها قبل إرسالها للذبح. عادة ما تتم قيادة الكلاب لأيام أو أسابيع، وغالباً ما تكون مريضة ومصابة، ويموت كثير منها بسبب الاختناق أو الجفاف أو ضربة الشمس، قبل وقت طويل من وصولها إلى وجهتها، وفقاً لمنظمة «هيومن سوسايتي إنترناشيونال».

ما المخاطر على صحة الإنسان؟

تمثل تجارة لحوم الكلاب تهديداً كبيراً لصحة الإنسان؛ حيث تم ربطها بتفشي داء الشعرينات والكوليرا وداء الكلب. تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن تناول لحوم الكلاب يزيد من خطر الإصابة بالكوليرا؛ وقد تم ربط عدد من الفاشيات الواسعة النطاق التي حدثت مؤخراً في فيتنام باللحم بشكل مباشر. تم العثور على داء الكلب (الذي يقتل نحو عشرات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء آسيا سنوياً) في الكلاب التي يتم الاتجار بها للاستهلاك البشري، في الصين وفيتنام وإندونيسيا.


مقالات ذات صلة

الاتصال العاطفي بين الكلاب وأصحابها يوحِّد ضربات قلبهما

يوميات الشرق تظهر نتائج البحث آليات التفاعُل بين الإنسان والكلب (جامعة يوفاسكولا)

الاتصال العاطفي بين الكلاب وأصحابها يوحِّد ضربات قلبهما

كشفت دراسة حديثة عن الارتباط بين التقلّبات في معدّل ضربات القلب بين الكلاب وأصحابها من البشر، ما عدُّه الباحثون علامة على قوة الاتصال العاطفي بينهما.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق العملية تنجم عن إرسال إشارات من أجهزة استشعار على الجلد إلى الدماغ لدى الحيوانات (أ.ب)

لماذا تهتز الكلاب عندما تتبلل بالمياه؟

اكتشف علماء جامعة هارفارد الأميركية السبب الحقيقي وراء قيام الكلاب بالهز والارتجاف عندما تبتل، وذلك لأنها تتعرض للدغدغة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق مطالب بإقالة عميدة كلية طب بيطري (صفحة كلية طب بيطري على فيسبوك)

مطالب بعقوبات في واقعة «تعذيب كلاب» بكلية الطب البيطري في القاهرة

مع تصاعد حالة الاستياء من مقاطع الفيديو المتداولة التي ظهرت فيها عدد من الكلاب مقيدة ومكبلة داخل أجولة بلاستيكية، بكلية الطب البيطري في جامعة القاهرة.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق لقطة تظهر الكلب «تروبر» قبل إنقاذه من الفيضانات في فلوريدا (شرطة ولاية فلوريدا)

أميركي يواجه السجن لسنوات لتخليه عن كلبه أثناء إعصار «ميلتون» (فيديو)

أكد مسؤولون في الولايات المتحدة أن رجلاً زُعم أنه ترك كلبه مقيداً إلى جانب سور وسط مياه الفيضانات قبل إعصار «ميلتون»، يواجه اتهامات ترتبط بالقسوة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق البشر والكلاب لديهم أنظمة معالجة صوتية مختلفة (جامعة إيوتفوس لوراند)

طريقة جديدة لمساعدة الكلاب على فهم كلام البشر

أظهرت دراسة جديدة، أجراها باحثون من جامعة جنيف في سويسرا، أن البشر يتحدثون بمعدل أسرع بكثير من الكلاب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
TT

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)

قد ينشغل اللبنانيون في زمن الحرب بأخبارها وأحوال النازحين وكيفية تأمين حاجاتهم. لكنّ قلةً منهم فكّرت بجزء من المجتمع اللبناني؛ هم الأشخاص الصمّ. فهؤلاء يفتقدون القدرة على السمع وسط حرب شرسة. لا أصوات القذائف والصواريخ، ولا الانفجارات والمسيّرات. ولا يدركون إعلانات التحذير المسبقة لمنطقة ستتعرّض للقصف. وقد تكمُن خطورة أوضاعهم في إهمال الدولة الكبير لهم. فهي، كما مراكز رسمية ومستشفيات ووسائل إعلام، لا تعيرهم الاهتمام الكافي. فتغيب لغة الإشارة التي يفهمونها، ليصبح تواصلهم مع العالم الخارجي صعباً.

من هذا المنطلق، ولدت مبادرة «مساعدة الصمّ»، فتولاها فريق من اللبنانيين على رأسهم نائلة الحارس المولودة من أب وأم يعانيان المشكلة عينها. درست لغة الإشارة وتعاملت من خلالها معهما منذ الصغر؛ الأمر الذي دفع بأصدقائها الصمّ، ملاك أرناؤوط، وهشام سلمان، وعبد الله الحكيم، للجوء إليها. معاً، نظّموا مبادرة هدفها الاعتناء بهؤلاء الأشخاص، وتقديم المساعدات المطلوبة لتجاوز المرحلة.

بلغة الإشارة يحدُث التفاهم مع الأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

تقول نائلة الحارس لـ«الشرق الأوسط» إنّ القصة بدأت مع صديقتها ملاك بعد نزوح أهلها الصمّ إلى منزلها في بيروت هرباً من القصف في بلدتهم الجنوبية، فتوسّعت، من خلالهم، دائرة الاهتمام بأصدقائهم وجيرانهم. وعندما وجدت ملاك أنّ الأمر بات يستدعي فريقاً لإنجاز المهمّات، أطلقت مع هشام وعبد الله المبادرة: «اتصلوا بي لأكون جسر تواصل مع الجمعيات المهتمّة بتقديم المساعدات. هكذا كبُرت المبادرة ليصبح عدد النازحين الصمّ الذين نهتم بهم نحو 600 شخص».

لا تواصل بين الصمّ والعالم الخارجي. فهم لا يستطيعون سماع أخبار الحرب عبر وسائل الإعلام، ولا يملكون «لاب توب» ولا أدوات تكنولوجية تخوّلهم الاطّلاع عليها لحماية أنفسهم. كما أنّ لا دورات تعليمية تُنظَّم من أجلهم ليتمكّنوا من ذلك.

كي تلبّي نائلة الحارس رغبات الصمّ وتجد فرصاً لمساعدتهم، كان عليها التفكير بحلّ سريع: «لأنني أدرس لغة الإشارة والترجمة، دعوتُ من خلال منشور على حسابي الإلكتروني متطوّعين لهذه المهمّات. عدد من طلابي تجاوب، واستطعتُ معهم الانكباب على هذه القضية على أرض الواقع».

معظم الصمّ الذين تعتني بهم المبادرة في البيوت. بعضهم يلازم منزله أو يحلّ ضيفاً على أبنائه أو جيرانه.

يؤمّن فريق «مساعدة الصمّ» جميع حاجاتهم من مساعدات غذائية وصحية وغيرها. لا تواصل من المبادرة مع جهات رسمية. اعتمادها الأكبر على جمعيات خيرية تعرُض التعاون.

كل ما يستطيع الصمّ الشعور به عند حصول انفجار، هو ارتجاج الأرض بهم. «إنها إشارة مباشرة يتلقّونها، فيدركون أنّ انفجاراً أو اختراقاً لجدار الصوت حدث. ينتابهم قلق دائم لانفصالهم عمّا يجري في الخارج»، مؤكدةً أنْ لا إصابات حدثت حتى اليوم معهم، «عدا حادثة واحدة في مدينة صور، فرغم تبليغ عائلة الشخص الأصمّ بضرورة مغادرة منزلهم، أصرّوا على البقاء، فلاقوا حتفهم جميعاً».

ولدت فكرة المبادرة في ظلّ مصاعب يواجهها الأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

وتشير إلى أنّ لغة الإشارة أسهل مما يظنّه بعضهم: «نحرّك أيدينا عندما نتحدّث، ولغة الاشارة تتألّف من هذه الحركات اليومية التي نؤدّيها خلال الكلام. كما أن تعلّمها يستغرق نحو 10 أسابيع في مرحلة أولى. ويمكن تطويرها وتوسيعها بشكل أفضل مع تكثيف الدروس والتمارين».

عدد الصمّ في لبنان نحو 15 ألف شخص. أما النازحون منهم، فقلّة، بينهم مَن لجأ إلى مراكز إيواء بسبب ندرة المعلومات حول هذا الموضوع. كما أنّ كثيرين منهم لا يزالون يسكنون بيوتهم في بعلبك والبقاع وبيروت.

بالنسبة إلى نائلة الحارس، يتمتّع الأشخاص الصمّ بنسبة ذكاء عالية وإحساس مرهف: «إنهم مستعدّون لبذل أي جهد لفهم ما يقوله الآخر. يقرأون ملامح الوجه وحركات الشفتين والأيدي. وإنْ كانوا لا يعرفون قواعد لغة الإشارة، فيستطيعون تدبُّر أنفسهم».

يغيب الاهتمام تماماً من مراكز وجهات رسمية بالأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

إهمال الدولة اللبنانية لمجتمع الصمّ يبرز في محطّات عدّة. إن توجّهوا إلى مستشفى مثلاً، فليس هناك من يستطيع مساعدتهم: «ينبغي أن يتوافر في المراكز الرسمية، أسوةً بالخاصة، متخصّصون بلغة الإشارة. المشكلات كثيرة في كيفية تواصلهم مع الآخر. فالممرض في مستشفى قد لا يعرف كيفية سؤالهم عن زمرة دمهم. وليس هناك مَن يساعدهم لتقديم أوراق ووثائق في دعوى قضائية. هذه الثغر وغيرها تحضُر في مراكز ودوائر رسمية».

تختم نائلة الحارس: «التحدّي في الاستمرار بمساعدة الأشخاص الصمّ. فالإعانات التي نتلقّاها اليوم بالكاد تكفينا لأيام وأسابيع. على أي جمعية أو جهة مُساعدة أخذ هؤلاء في الحسبان. فتُدمَج مساعدات الأشخاص العاديين مع مساعدات الصمّ، وبذلك نضمن استمرارهم لأطول وقت».