المسرح الليبي يتجاوز الانقسام ويُطل من «نافذة إنسانية وترفيهية»

التئام «الوطني للفنون» بعد انقطاع في طرابلس بمشاركة 11 مدينة

لقطة من عرض مسرحي مشارك في المهرجان الوطني للفنون المسرحية بطرابلس (إدارة المهرجان)
لقطة من عرض مسرحي مشارك في المهرجان الوطني للفنون المسرحية بطرابلس (إدارة المهرجان)
TT

المسرح الليبي يتجاوز الانقسام ويُطل من «نافذة إنسانية وترفيهية»

لقطة من عرض مسرحي مشارك في المهرجان الوطني للفنون المسرحية بطرابلس (إدارة المهرجان)
لقطة من عرض مسرحي مشارك في المهرجان الوطني للفنون المسرحية بطرابلس (إدارة المهرجان)

تُجمّع الفنون في ليبيا عادة ما فرقت بينهم السياسة، ويحشد المسرح على خشبته ممثلين من أنحاء البلاد، كانت قد باعدت بينهم الآيديولوجيات في زمن ما، يحكون جميعاً أوجاعهم عبر نصوص ولوحات إبداعية، ويفتحون نوافذ جديدة للتلاقي والحوار بعيداً عن النزاع والانقسام السياسي.

لقطة من عرض مسرحي مشارك في المهرجان الوطني للفنون المسرحية بطرابلس (إدارة المهرجان)

ومن طرابلس العاصمة، أطلّ فنانون ومخرجون وكتاب بأعمالهم عبر دورة جديدة لـ«المهرجان الوطني للفنون المسرحية» انطلقت 12 ديسمبر (كانون الأول) وتنتهي 22 من الشهر ذاته، بعد انقطاع منذ اندلاع ثورة 17 فبراير (شباط) عام 2011.

وعكست الأعمال المسرحية التي قُدمت - حتى الآن - على خشبات عدة بالعاصمة، تنوعاً في التناول ما بين الترفيه، وبين التعرّض لهموم الوطن الإنسانية، والأمة على اتساعها أيضاً، بداية من المآسي تعيشها مدينة درنة التي ترك إعصار «دانيال» المتوسطي آثاره على وجهها، ووصولاً إلى قطاع غزة، الذي ينزف تحت ضربات الاحتلال الإسرائيلي.

لقطة من عروض مسرحية مشاركة في المهرجان الوطني للفنون المسرحية بطرابلس (إدارة المهرجان)

تقول إدارة المهرجان في إيجاز صحافي، إن هذه الدورة الـ12 التي تحمل شعار «غداً سيزهر الليمون»، تشهد إقبالاً واسعاً من فرق مسرحية بـ11 مدينة ليبية، وغالبيتها تستعرض أزمات إنسانية وحياتية، كما أنها تعبر عن جميع الليبيين الذين توافدوا من مناطق عدة إما للمشاركة بأعمالهم، أو للفرجة والاستمتاع.

وتأثرت الحركة المسرحية في ليبيا كباقي الفنون، إثر اندلاع «الثورة»، التي أسقطت النظام السابق، لكن الآن، يرى الفنان أنور التير مدير المهرجان، أنه «بعودة المهرجان تتجدد الأمنيات في رؤية مسرح بأنحاء ليبيا كافة، وذلك بعد حالة ركود».

وكان المهرجان، الذي افتتحه عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، استهل أولى فعالياته بالأوبريت المسرحي «عندما يزهر الليمون» من إخراج الفنان فتحي كحلول، وبمشاركة فنانين من بينهم بسمة الأطرش، وعلي الشول، وسعد الجازوي، وتمحور العرض حول ما وقع في درنة، وما يجري في غزة بفلسطين.

وشهد العرض الذي احتضنه مسرح «الكشاف» بطرابلس، حضوراً لافتاً من المهتمين بالحركة الفنية في ليبيا، بالإضافة إلى كتاب ومثقفين وإعلاميين، فضلاً عن وزيرة الثقافة والتنمية المعرفية بالحكومة مبروكة توغي.

بوستر العرض المسرحي «ناجٍ لم ينجُ» المشارك في المهرجان الوطني للفنون المسرحية بطرابلس (إدارة المهرجان)

وتتنوع الأعمال المسرحية التي عُرضت وستعرض في المهرجان، بحسب البيئة الفنية التي خرجت منها وتعكسها، من بينها مسرحية «ناجِ لم ينجُ» لفرقة المسرح الوطني بمصراتة، وهي من تأليف عبد الله الرايس، وإخراج أنور التير، بالإضافة إلى مسرحية «حضرة الغائب»، عن رواية «الجنرال في محطة فيكتوريا»، تأليف علي مصطفي المصراتي، وإخراج سامي الشريف، وتعرض على مسرح «الكشاف».

بوستر العرض المسرحي «حضرة الغائب» المشارك في المهرجان الوطني للفنون المسرحية بطرابلس (إدارة المهرجان)

وحرص المهرجان، الذي يضم ندوات أدبية عديدة، على الترحيب بالعروض التي تهتم بالطفل، وهو ما أظهره العرض «قلق»، الذي قدمته فرقة مسرح الطفل والشباب بمدينة سبها بجنوب ليبيا.

لقاءات الكتاب والشعراء والصحافيين على هامش المهرجان الوطني للفنون المسرحية بطرابلس (إدارة المهرجان)

وتضمنت الأنشطة الثقافية، محاضرة بعنوان «المسرح في زمن الصراعات»، للناقد والمسرحي والروائي منصور بو شناف، شهدت حضوراً مميزاً. وبو شناف كتب العديد من المسرحيات من بينها «عندما تحكم الجرذان» و«تداخل الحكايات في غياب الراوي» و«الإنسان والشيطان».

وربط التير بين حالة الاستقرار في ليبيا، وبين عودة الحركة المسرحية، وقال في تصريح صحافي: «طبعاً حلم أي فنان وحلم أي مسرحي هو المهرجانات؛ وعودة المهرجان إلى طرابلس جددت الآمال في رؤية مسرح بكل مدن ليبيا»، متابعاً: «أن يكون هناك مهرجان في طرابلس العاصمة، هذا مهم جداً ومؤثر جداً، فما بالك بعودة المهرجان الوطني للفنون المسرحية الذي تعطل 13 عاماً منذ دورته الحادية عشرة».

وعبّر التير عن سعادته بعودة الحركة المسرحية، وانتهى إلى ذلك: «هناك فرحة بدت على من له علاقة بمجال المسرح بجانب الجمهور؛ وقد حصدنا النجاح بجهد وتكاتف عديد الفنانين واللجان والأصدقاء وكل من له علاقة بهذه الفرحة. هي حلم ونحن فعلاً سعداء مثل الأطفال».

وكان الدبيبة قال في افتتاح المهرجان، إن «فكرة التقاء كل مدن ليبيا في هذا المكان مكسب مهم لصالح الوحدة الوطنية ويعزز فكرة أن ليبيا جسد واحد، مؤكداً على دور الثقافة والمسرح كعنصر رئيسي لتأصيل هذا التلاحم».

جانب من جمهور المهرجان الوطني للفنون المسرحية بطرابلس (إدارة المهرجان)

ويعوّل مسرحيون ليبيون على أن تتسع الحركة المسرحية في البلاد وتتنوع، لا سيما في ظل حالة الهدوء السياسي المسيطرة على البلاد.

وتحرص عدة مدن ليبية في أنحاء مختلفة من البلاد على إقامة المهرجانات سواء الثقافية أو الشعبية كل عام في مواعيدها، التي عادة ما تتضمن معارض للتراث والفنون والمسرح، وسباقات للخيل، فضلاً عن إقامة أمسيات شعرية وعروض للأزياء الرسمية للتعريف بهوية البلاد.


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».