خالد البكر لـ«الشرق الأوسط»: نسعى للحفاظ على هويتنا وتحديث وبناء مكانة السعودية

«جودة الحياة» يعمل لتصنيف مدن في المملكة ضمن الأفضل للعيش عالمياً

المدير التنفيذي لبرنامج «جودة الحياة» خالد البكر (الشرق الأوسط)
المدير التنفيذي لبرنامج «جودة الحياة» خالد البكر (الشرق الأوسط)
TT

خالد البكر لـ«الشرق الأوسط»: نسعى للحفاظ على هويتنا وتحديث وبناء مكانة السعودية

المدير التنفيذي لبرنامج «جودة الحياة» خالد البكر (الشرق الأوسط)
المدير التنفيذي لبرنامج «جودة الحياة» خالد البكر (الشرق الأوسط)

يفتتح خالد البكر، الرئيس التنفيذي لبرنامج «جودة الحياة»، حديثه مع «الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ البرنامج، وهو أحد برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030»، يهدف إلى تشكيل مستقبل قطاعات «جودة الحياة» في السعودية، بجعل مدنها أكثر جاذبية وملاءمة للعيش، وعروضها الثقافية أكثر ثراءً وتنوّعاً.

ويشير إلى أنه لتحقيق هدف إدراج 3 مدن سعودية على الأقل ضمن قائمة أفضل 100 مدينة في العالم بحلول عام 2030، جذَب البرنامج استثمارات في قطاعات الرياضة والثقافة والترفيه والسياحة... وغيرها، وأطلق برامج تدريبية في هذه المجالات للمواطنين السعوديين.

بشغف، يتكلّم عن أثر البرنامج في الواقع، فمهمّته تطول أيضاً الحفاظ على التراث الثقافي الغنيّ للسعودية، والترويج المكثّف للفنون والموسيقى والمأكولات التقليدية. ويقول: «على مدى السنوات الخمس الماضية، زادت مبادراتنا من القدرة على الوصول إلى المناسبات والفعاليات والأماكن الثقافية، وأسهمت بمبلغ 20.4 مليار ريال (5.4 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي الوطني».

ويضيف البكر: «لعبنا دوراً محورياً في تعزيز مشهد ثقافي نابض، فبلغت نسبة مشاركة أصحاب المواهب والشركات المحلية 33 في المائة من إجمالي المحتوى، وأشعلت جهودنا الطاقة الثقافية للمدن السعودية عبر دفعها لتصبح مراكز ثقافية وفنية إقليمية ودولية».

يتطلّع برنامج «جودة الحياة» للتأثير في رفاهية السعوديين وجودة حياتهم (الشرق الأوسط)

التأثير

عن تأثير البرنامج الإيجابي في رفاهية حياة السعوديين وجودتها، يتابع: «شهدنا تحسّناً كبيراً في مجالات الثقافة والترفيه والرياضة والسياحة... اليوم، يمارس 41 في المائة من سكان المملكة النشاط البدني، وفي عام 2022، أقيمت أكثر من 940 فعالية ثقافية في أنحاء البلاد، ضمن خطوة كبيرة تتماشى مع أهداف (رؤية 2030) لإتاحة فرص الرياضة والترفيه».

ويشدّد البكر على أنّ جهود البرنامج «تسهم في تحويل المملكة إلى مركز عالمي المستوى للفنون والثقافة والترفيه والرياضة، ويمكن ملاحظة هذا التحوّل في إنشاء منظّمات مثل (المعهد الملكي للفنون التقليدية)، و(مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي)، لتشجيع المواطنين والسياح على التفاعل مع المحتوى الثقافي، واكتشاف التراث الغنيّ في السعودية، وتقاسمه مع العالم».

الأهمية الدولية

ويتطرّق البكر إلى الأهمية الدولية للبرنامج وأثره في نظرة العالم إلى السعودية: «مهمتنا تنطوي على بُعد دولي مهم. إننا نغيّر النظرة العالمية إلى المملكة من خلال التحسين المستمر لمستويات معيشة السعوديين والمغتربين، وإظهار التقدّم الملحوظ الذي أحرزته في السنوات القليلة الماضية». ويضيف: «عملنا هو خلق الفرص والتغيير في أنحاء البلاد؛ تلبية للحاجات المحلية، وتغييراً للمفاهيم المسبقة غير الدقيقة والبالية حيال الحياة هنا. رؤيتنا للسعودية لا تتمثل في تقديم الفرص عينها التي يقدّمها أي مكان آخر فحسب، بل في رفع المعايير الدولية لجودة الحياة وإلحاق المدن السعودية بأفضل 100 مدينة في قابلية العيش على مستوى العالم».

يكمل: «يجتهد برنامجنا لخلق مشهد ثقافي وترفيهي مزدهر، مع 5 آلاف فعالية مختلفة، و20 بطولة رياضية كبرى، عزّزت السياحة، وجذبت الزوار من العالم. ونحن نتحدّى بشكل مباشر الأفكار المسبقة عن أمتنا، والجميع بدأ يعترف بنا مجتمعاً ديناميكياً ومتخصّصاً في التكنولوجيا، ومتطلّعاً نحو المستقبل».

غاية البرنامج جذب الكفاءات للعمل والعيش داخل المملكة (جودة الحياة)

اختلاف البرنامج السعودي

وعن الذي يميّز برنامج «جودة الحياة» السعودي عن غيره من برامج العالم، يوضح البكر: «ما يجعله فريداً هو التزامنا بتحقيق التوازن بين التحديث والحفاظ على الثقافة والتراث. فبينما نتطوّر بتبنّي الاتجاهات والابتكارات الدولية، ننجز ذلك مع احترام عميق لجذورنا وتراثنا الثقافي. نهجنا يضرب جذوره بقيم مجتمعنا وتقاليده، ويسمح لنا بالحفاظ على هويتنا المتميزة، في إطار سعينا إلى بناء مكانتنا العالمية وتحديثها. والتركيز على الاستمرارية الثقافية والتنمية يميّز برنامجنا عن برامج الدول الأخرى».

ويؤكد أنّ ما يميز السعودية أيضاً في هذا المجال هو التمحور العميق لمهمّتها حول الإنسان، فيقول: «شيء جميل اليوم من المملكة وهو تأكيدها، من خلال برنامج (جودة الحياة) على ضرورة تعزيز البُعد الإنساني وأهمّيته؛ عبر الفن والثقافة والرياضة والترفيه. لسنا نجعل المدن أكثر ملاءمة للعيش فحسب، بل نُضفي عليها أيضاً الطابع الإنساني، ونضمن أنها تعزّز حيوية مواطنينا».

الجوانب الثقافية

يكمل البكر حديثه مع «الشرق الأوسط» بتناوُل الجوانب الثقافية للبرنامج، والمشهد الحضاري المتطوّر في السعودية، فيقول: «الطموحات الثقافية للبرنامج تتضمّن 3 أهداف مهمّة؛ هي: الحفاظ على التراث الثقافي للمملكة، وتعزيز مساهماتها في الفنون والثقافة، وتطوير البنية التحتية الثقافية اللازمة لدعم هذه المساعي. فتأكيداً على تطوّر المشهد الثقافي السعودي، يزداد الإنتاج الثقافي؛ ليُنشر في العام الماضي 6875 كتاباً محلياً، ويُنشأ 38 مرفقاً ثقافياً جديداً».

يضيف: «اتُّخذت خطوات مهمّة أيضاً للحفاظ على تراثنا. ففي السعودية اليوم 7 مواقع للتراث العالمي نالت اعتراف (اليونيسكو)، و11 موقعاً أثرياً مؤهلاً. تدل هذه التطوّرات على التحوّل الثقافي لمدننا الحضارية التي تتّسم بتحسين مستويات المعيشة والتجارب الغنية لمواطنينا».

التنوّع

قبل ختام حديثه، يؤكد أنّ برنامج «جودة الحياة» يشجّع التنوّع الثقافي في السعودية من خلال تسهيل إطلاق نوادي الأحياء التعليمية الترفيهية وتشغيلها، ويُنهي: «هذه الأنواع من المساحات التي تتيح لجميع الأعمار والجنسين وأفراد المجتمع الاجتماع للمشاركة في الأنشطة والمساعي الثقافية هي في طليعة جهودنا لتنمية المساهمة السعودية في الفنون والثقافة، وتعزيز التنمية الشاملة لمجتمعاتنا. هدفنا تصنيف 3 من مدننا ضمن أفضل 100 مدينة في قابلية العيش على مستوى العالم، وجذب الكفاءات والخبرات من مختلف الدول للعيش والعمل، والاستمتاع بالحياة داخل المملكة».


مقالات ذات صلة

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

الاقتصاد مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

رفعت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني تصنيف السعودية إلى «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1»، مشيرة إلى جهودها لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك) «الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت «الأوركسترا السعودية» أجمل الألحان الموسيقية في ليلة ختامية كان الإبداع عنوانها على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية بمشاركة 100 موسيقي ومؤدٍ.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
خاص الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

خاص نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

كشف مسؤول نيجيري رفيع المستوى عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول الخليج في قطر (واس)

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودي، الأربعاء، موقف بلاده الراسخ في تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دول الخليج، خصوصاً في الشأن الأمني.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.