أرزة صنين للأمل والذاكرة

خليل أبو عبيد في مبادرة تطلقها «جامعة الروح القدس»

يوم التشجير يتجاوز التعلّق بالجذور إلى هدم اليأس (جامعة الروح القدس الكسليك)
يوم التشجير يتجاوز التعلّق بالجذور إلى هدم اليأس (جامعة الروح القدس الكسليك)
TT

أرزة صنين للأمل والذاكرة

يوم التشجير يتجاوز التعلّق بالجذور إلى هدم اليأس (جامعة الروح القدس الكسليك)
يوم التشجير يتجاوز التعلّق بالجذور إلى هدم اليأس (جامعة الروح القدس الكسليك)

توقّع الحضور السياسي والثقافي والأكاديمي، الآتي إلى أعالي منطقة بسكنتا في خراج بلدة المتين المطلة على جبل صنين، تساقُط أمطار نوفمبر (تشرين الثاني) الحبيسة في غيمها، لكنّ الطقس ظلَّ صيفياً، مجنّباً حاملي الأشجار لزرعها، حرَّ أشهر اللهب. ظنَّ المؤلّف الموسيقي والمغنّي خليل أبو عبيد أنّ الحدث ضيّق النطاق، يقتصر على طلاب دعتهم «جامعة الروح القدس الكسليك» لغرس شجر أرز بأسمائهم. فاجأه الوافدون من فعاليات، معظمهم من خرّيجي الجامعة الذائعة الصيت في التشجير وتكثيف الجمال الأخضر.

مديرة «مكتب التقدّم المؤسّساتي والعلاقات مع الخرّيجين» في الجامعة كوزيت القمر، والفريق، بذلا الجهد لنجاح الحدث المُتّخِذ أهميته من واقع أنّ المناخ يتغيّر والتصحّر يعمّ. قدم اللبنانيان إميل وسليم عقل أرضهما لاحتضان الأرز المستلقي في التربة الطيّبة، وراحت الأيدي تزرع وتضيف الماء لإعلان الحياة.

الفنان اللبناني خليل أبو عبيد يزرع أرزة باسمه في صنين (جامعة الروح القدس الكسليك)

يُنجز خليل أبو عبيد دكتوراه عن «الأغنية اللبنانية، تاريخ وهوية» على مقاعد الـ«USEK»، التي، وإحساساً بالطلاب وسط الهمّ الاقتصادي، أقامت حفلاً في دبي، سألته إحياءه بالغناء والتأليف، أمام جمْع لبناني وخليجي حضر لدعم التعليم الوطني والطلاب اللبنانيين. علاقتهما جيدة، وفي يوم التشجير دعته، فزرع أرزة تحمل اسمه؛ سقاها، وأودعها أمنية إطالة العمر.

يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن بَرَكة أن تحضن الأرض زرعاً جديداً: «في الجامعة نحو 8 آلاف طالب، يضاف إليهم الخرّيجون. المبادرة عظيمة، فكل أرزة مزروعة تُجمّل المكان وترفع مستوى الوعي حيال أهمية حماية الغطاء البيئي ونشر ثقافة الشجرة على الأرض اللبنانية».

في كلمة سليم وإميل عقل، وسط الهواء المنعش وانسياب أشعة الشمس بلا إزعاج، تحدّثا عن ألفي شجرة زُرعت في المنطقة قبل 40 عاماً، حين كانا في عمر الشقاوة. يشاءان تكرُّر المشهد، فإذا بالأرز المزروع يحفر ذكريات الحاضر حيال مستقبل عساه واعداً للطلاب.

كوزيت القمر تشدّد على ضرورة التحرّك في مواجهة التغيّر المناخي (جامعة الروح القدس الكسليك)

كذلك مشيئة رئيس الجامعة الأب طلال الهاشم المُدرك أنّ طلاب اليوم هم مهاجرو الغد، فيسألهم ترك أثر في تراب الوطن، متمثّلاً بزرع أرزة في سفح جبل صنين المرتفعة أعلى قممه 2695 متراً عن سطح البحر، وهو ثاني أعلى قمم جبال لبنان، يتراءى من بعيد لسكان بيروت. ينقل عنه أبو عبيد قوله: «إلى الطلاب، إن زرتم لبنان ليومين فقط، جِدوا وقتاً لزرع شجرة. هذا دوركم وواجبكم».

تتجاوز المبادرة، بالنسبة إلى كوزيت القمر، المسألة الرمزية المتعلّقة بإعادة التشجير وترسيخ الجذور ورفض الاقتلاع. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنها محاولة لهدم اليأس. ففعل الزرع ينطوي على أمل. ومن المهم أيضاً التصدّي لظاهرة الاحتباس الحراري. مبادرتنا دورية، نجدّدها كل 6 أشهر، وفي أبعد تقدير، كل سنة».

الطلاب واعون لأهمية التشجير والحفاظ على البيئة (جامعة الروح القدس الكسليك)

من موقعها في «الروح القدس» وحسّها الإنساني، تعلم أنّ الطلاب سيستقلّون الطائرة إلى الوُجهة الأخرى. «شهادتهم هي مشروعُ الحصول على تأشيرة»، تضيف بأسف. «لذا؛ نلوّن وطننا، فإن غادروا بقيت بصمتهم، ولأولادهم من بعدهم».

حضرت المبادرة ضمن خطط الجامعة منذ عام 2016، بيد أن الظروف لم تساعد في تحقيقها. كوزيت القمر والفريق انشغلا بما يعيد اتصال الجبال بعضها ببعض عبر المنظر الأخضر. ورغم اعتقاد بأنّ طالباً في 22 من العمر قد لا يكترث للتشجير، تؤكد العكس: «ننمّي فيهم حب الأرض وأهمية إنقاذ البيئة. وبينما يزرعون الأرز بأسمائهم، تسري في العروق قشعريرة وفي الحنجرة غصّة. أرادوا ألا يغادروا هذه الأرض، إنما للأحلام الكبيرة ضريبة».

لستة أشهر، جرى التحضير والتنظيم. مثل خليل أبو عبيد، تتكلّم عن «Vibes» لم يتوقعها أحد: «تنوّع الحضور بين رسمي وثقافي وأكاديمي وأمني، وسط إجماع على عظمة المبادرة. الوعي يكبُر، والمسألة ليست ترفيهية. إنها ديمومة الحياة على مستوى الكوكب».

تتخيّل المشهد في عام 2100: «إن استمرّت الحرائق وتواصل قطع الأشجار، فسيزداد التلوّث ويموت الزرع أمام واقع التغيّر المناخي. التوعية مهمّة، وللجامعات دور. لذا؛ ندعوها للاقتضاء بمبادرات مماثلة تعود بالسلامة على البيئة».

زرع أرز في المساحة الخالية لإنقاذ البيئة (جامعة الروح القدس الكسليك)

إن سهُل إقناع سليم وإميل عقل بالزرع في أرضهما، فآخرون لا يتحلّون بوعي يخوّل الانخراط في المبادرة. تشير القمر إلى «المعاناة»: «أفراد ومؤسّسات يفضّلون شجراً يتيح حصاد المحاصيل. يقترحون الصنوبر مثلاً لوهب أراضيهم. ولا يتحمّلون أي تكاليف. ذلك يُبيّن عدم أخذ المسألة على محمل الجد». يقول خليل أبو عبيد بمزيد من الصراحة: «ثمة مَن يفضّل إبقاء الأرض جرداء، على منحها لمبادرة بيئية. تعاني الجامعة لإقناع أصحاب الأراضي بتقديم المساحة المناسبة». لذا؛ يثني على «التجاوب الشعبي». برأيه، «الجامعة والجمعيات يحتاجان إلى الإيمان الواسع بواجب الإنسان حيال البيئة، فلا تبقى المبادرات حبراً على ورق».

للسنوات الخمس الأخيرة، تصدّرت «جامعة الروح القدس الكسليك» المرتبة الأولى بين الجامعات الخضراء في لبنان والشرق الأوسط، وفق كوزيت القمر. هذا العام، أزاحتها «الجامعة الأميركية في بيروت» إلى المرتبة الثانية: «نسعى إلى استرجاع موقعنا في أعلى القائمة. فالجامعة نظيفة، آمنة، خضراء بالكامل، تدوّر النفايات وتُفرز، وتقيم فيها العصافير بين أشجار لا شبيه لها في مكان آخر».


مقالات ذات صلة

أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

يوميات الشرق عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)

أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

حذر علماء من أن الأنشطة المنزلية اليومية مثل طي الملابس والجلوس على الأريكة قد تنبعث منها سحب من البلاستيك الدقيق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رئيس «كوب 29» مختار باباييف يصفق خلال الجلسة العامة الختامية لقمة الأمم المتحدة للمناخ (أ.ب)

«كوب 29» يسدل ستاره بالاتفاق على تمويل مناخي بـ300 مليار دولار

اتفقت دول العالم، بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)

أميركا وأوروبا ودول أخرى ترفع التمويل المناخي للدول النامية إلى 300 مليار دولار

وافق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى خلال قمة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ (كوب29) على زيادة عرضها لهدف التمويل العالمي إلى 300 مليار دولار

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيطر الخلاف على اليوم الختامي لـ«كوب 29» حيث عبرت جميع الأطراف عن اعتراضها على «الحل الوسطي» الوارد في «مسودة اتفاق التمويل».

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)

«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
TT

«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)

افتتح الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، أمير المنطقة الشرقية، اليوم الأحد، أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية، بحضور الأمير سلطان بن سلمان، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس الأمناء لجائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد.

وينظم المؤتمر مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» بالظهران، بالتعاون مع جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد، ويستمر حتى 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تحت شعار «في مديح الفنان الحِرفي».

ويحضر المؤتمر باحثون في الفن والتاريخ الإسلامي، ومثقفون وضيوف من مختلف دول العالم،

ويهدف إلى دعم وإحياء التقاليد الفنية الإسلامية بتسليط الضوء على أعمال الحِرفيين المعاصرين الذين يُبقون هذه التقاليد الفنية والحِرفية على قيد الحياة.

الحرف رحلة تعلّم

وفي كلمته، ثمن المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورئيس مجلس أمناء جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد الأمير سلطان بن سلمان آل سعود، جهود «أرامكو» في مجال الإرث والحضارة ودعم المشاريع التراثية في المنطقة الشرقية، مستعرضاً الأهمية التاريخية للحِرف بوصفها مليئة بالتراث الحضاري للمناطق، وذلك عطفاً على إنجازات المملكة في المحافل الدولية والعالمية بمشاركات متنوعة، سواء من مؤسسات ومعارض ومؤتمرات ذات بُعد تاريخي واجتماعي تصبّ في المنفعة المجتمعية.

وأكد «الأهمية التاريخية للحرف على أنها رحلة تعلم وليست إنجازات»، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى «دور المتاحف في تعزيز التاريخ بوصفها وجهة رئيسية لكل دولة». وأشار إلى جهود المملكة في تسجيل واحة الأحساء بصفتها موقعاً تراثياً عالمياً في منظمة اليونسكو.

الحرفي شاعر صامت

وفي كلمته ذكر مدير مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» عبد الله الراشد أن مدرسة الفنون الإسلامية يكاد يغيب عنها الصانع، قائلاً: «القطع الإسلامية لا تعرف من صنعها، أما القطع المعاصرة فيُحتفى بالصانع، وكأن الحرفي في الفنون الإسلامية يود أن يبقى في الظل والخفاء»، مشيراً إلى أن «الحرفي شاعر صامت»، فمن هذا المنطلق حرص «إثراء» على إقامة هذا المؤتمر «في مديح الفنان الحرفي»، والذي «يحوي أوراقاً بحثية وجلسات حوارية ومعارض مصاحبة من أنحاء العالم؛ لنستكشف جمال الحرف الإسلامية وتأثيرها العميق على الثقافة الإنسانية، ولنعبر بتقدير عالٍ لمن يبدعون بأيديهم تراثنا وهويتنا ويصنعونها في زمن جل ما يلمس ويستخدم يصنع بالآلة، لذا أتينا بهذه المعارض لنحتفي باليد البشرية».

ولفت الراشد إلى إطلاق ثلاثة معارض متزامنة مع أعمال المؤتمر في القطع الأثرية والفنون الإسلامية والأزياء التراثية من حول العالم، في حين يتزامن إطلاق المؤتمر مع تسمية عام 2025 عام الحرف اليدوية الذي أطلقته وزارة الثقافة، مما يضيف بعداً خاصاً لهذه المناسبة.

وأضاف: «جهودنا في (إثراء) للعام المقبل تتضمن تقديم عشرات البرامج الكبرى والمعارض والورش؛ كلها حول الحرف اليدوية نستهدف فيها آلاف الزوار».

كود المساجد

بدوره، أعلن رئيس مجلس أمناء الفوزان لخدمة المجتمع عبد الله بن عبد اللطيف الفوزان، اعتماد كود المساجد في المملكة، والذي عملت عليه الجائزة بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية واللجنة الوطنية لكود البناء، مشيراً إلى أنه سيجري تدشينه في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.

وأشار إلى أن المؤتمر ملهم لإحياء الإرث الحضاري والتاريخي للأجيال القادمة، منوهاً، في الوقت نفسه، بالمكانة التي يتمتع بها الفنان الحرفي عبر العصور، لذا جاءت الجائزة بوصفها مرجعاً ثقافياً وفكرياً ومظلة حاضنة للمبادرات، والتي تحافظ على الموروث بوصفه رؤية مستقبلية.