عرس للفن العربي في وسط لندن وكوكبة من مقتنيات مؤسسة «بارجيل»

سلطان القاسمي: أرى نفسي حارساً على المقتنيات وليس مالكها

لوحة للفنانة المغربية فاطمة حسن الفروج بعنوان «يوم العيد» (الشرق الأوسط)
لوحة للفنانة المغربية فاطمة حسن الفروج بعنوان «يوم العيد» (الشرق الأوسط)
TT

عرس للفن العربي في وسط لندن وكوكبة من مقتنيات مؤسسة «بارجيل»

لوحة للفنانة المغربية فاطمة حسن الفروج بعنوان «يوم العيد» (الشرق الأوسط)
لوحة للفنانة المغربية فاطمة حسن الفروج بعنوان «يوم العيد» (الشرق الأوسط)

في حي سانت جيمس الراقي بوسط لندن وخلف أبواب دار كريستيز للمزادات يتفتح أمامنا عالم ثري ومبهر يضم نماذج بارعة من أشكال الفن العربي. تختلط هنا الأصوات القادمة من مختلف أنحاء العالم العربي، نرى وننغمس في عوالم فنانين عبروا عن الحب والغربة والظلم والثورة والحماسة، نرى جوانب من حياتهم أمامنا تتحدث معنا وتعيدنا لهموم وآمال وأحلام عاشت معهم وانتقلت من مخيلتهم لتلهم أجيالاً قادمة بعدهم.

أعلنت «كريستيز» عن المعرض بأنه أضخم معرض للفن العربي في لندن، وحشدت له برنامجاً كاملاً من الفعاليات، وأثبتت أن مؤسسة تجارية في المقام الأول تستطيع أن تحول قاعاتها للاستمتاع الخالص بالفن.

عبر قاعات العرض في الدار وحتى على عتبات الدرج المؤدي للدور الأول تتناثر الأعمال الفنية التي تنتظم في تعبيرها عن العالم العربي.

ويتكون المعرض من قسمين رئيسيين: «كوكبة: مختارات من مؤسسة بارجيل للفنون»، و«تصور جديد للفن الإماراتي: حسن شريف والأصوات المعاصرة». وتؤكد الدار على أنها المرة الأولى، التي يتم فيها عرض هذا الكم الغني والمتنوع من الأعمال الفنية العربية في لندن، وهو ما تحقق عبر شراكة مع مؤسسة بارجيل للفنون في الشارقة، ووزارة الثقافة والشباب بدولة الإمارات العربية المتحدة.

الوطن والآمال العظيمة

في معرض «كوكبة: مختارات من مؤسسة بارجيل للفنون» وعبر القاعات المختلفة تسحرنا التعبيرات المختلفة عن الوطن والحنين والآمال العظيمة والإحباطات أيضاً. جمع سلطان القاسمي 1200 عمل من الفن الحديث والمعاصر، نرى منها 100 في «كريستيز» تعبر مثل بقية المجموعة عن الثقافة والفكر العربي، تبرز العناصر التراثية والفلكلورية عبر الأعمال المختلفة، تتضافر مع تعبيرات عن الحرية والاستقلال والشوق والهوية. كلها تعبيرات تغوص في أعماق الناظر وتحملنا إلى أعماق ثقافتنا العربية.

أعمال متفردة:

في قاعة صغيرة في الطابق الأول يلقي لنا المعرض طعماً ليجذبنا لمشاهدة المجموعة كلها. تفاجئنا لوحة ضخمة تحتل جداراً بأكمله، تحفل بأبطال الأساطير والحكايات الشعبية، تداعب ذكريات الطفولة لدينا وتشغل البصر بألوانها الحية والحركة المنبثقة منها، اللوحة للفنانة المغربية فاطمة حسن الفروج بعنوان «يوم العيد». على الجدار المقابل لوحة تحمل من عناصر الثقافة الشعبية الكثير، هنا الطفل الذي يصعد على سلم للسماء ليمتطي سحابة بيضاء لتحمله للقمر، يبدو في اللوحة تأثير من الفنان الروسي مارك شاغال، ولكن بلمسة عربية أصيلة، هي للفنان اللبناني عبد الحميد بعلبكي وتحمل اسم «حلم الطفولة»... وما أبدعه من حلم!

لوحة «عيون الليل» للفنانة العراقية مديحة عمر

في القاعة المجاورة تحتار العين بين اللوحات والمنحوتات المنسقة بشكل بديع. من اللوحات تجذبنا لوحة «عيون الليل» للفنانة العراقية مديحة عمر، تغزل من أحرف اللغة العربية تشكيلات رشيقة، تفاجئنا الحروف في اللوحة، تتقافز أمامنا كأنما تختبر قدرتنا على التعرف عليها إذ إنها غير منتظمة في كلمات بحسب تيار «الحروفية» الفني، التي اتبعته الفنانة.

في القاعة التالية مجموعة مبهرة أخرى من الأعمال يتصدرها باب خشبي محفور للفنان العراقي محمد غني حكمت تعرف عنه بطاقة العمل باسم «بوابة الغرب» وإن كانت هناك مواقع تشير له باسم «بوابة الغرباء»، شخصياً أميل للتعريف الثاني، يحمل الكثير من المعنى، البوابة الخشبية الجميلة هل هي مدخل أم مخرج؟ ربما يكون جمالها إشارة لجمال وعد الهجرة، الذي يحولنا لغرباء، أم هل هي مجملة بأحلام الوطن؟ عموماً هي قطعة متفوقة الجمال تشد البصر والقلب وربما يكون ذلك فيه الكفاية.

«باب الغرب» لمحمد غني حكمت (الشرق الأوسط)

تبرز لوحات من الفن السعودي في هذه القاعة أيضاً، منها لوحة للفنان عبد الرحمن السليمان «المصلون يغادرون الجامع» متأثرة بالمذهب التكعيبي، تتميز بألوانها الهادئة والمريحة، ربما يكون ذلك بتأثير الموضوع، ولكن مع متابعة البصر للأشخاص في اللوحة نرى صورة من الحياة البسيطة، الرجل المتكئ على عصاته والطفل الذي يقف واضعاً يده في جيب جلبابه، في يمين اللوحة ما يبدو وكأنه متسول ينتظر إحسان شخص يمد يده بقطعة من النقود.

لوحة للفنان عبد الرحمن السليمان «المصلون يغادرون الجامع» (الشرق الأوسط)

هنا أيضاً لوحة للمبدع جواد سليم «امرأة تبيع أقمشة» ولوحة «مشهد السوق» للسوداني عمر خيري، أما لوحة المصرية تحية حليم «رحلة بالقارب» فتأخذنا لما يبدو وكأنه نزهة عائلية على النيل ويبدو فيها افتتان حليم بالنوبة وأهلها.

الفنانة إنجي أفلاطون حضرت بلوحتها البديعة «القرية» المتميزة بالحركة الدائمة، تعبر عنها بخطوط قصيرة منتظمة وكأن النخلات تتمايل أمامنا وتتحرك الحواجز المصنوعة من الخصف بتأثير الهواء. إنجي أفلاطون لم تعرف فقط بلوحاتها المعبرة عن حياة الفلاحين، بل أيضاً عبرت عن السجن والاعتقال متأثرة بفترات حبسها في سجن النساء بالقناطر في مصر، ونالت لوحاتها التي نفذتها في السجن الثناء من كبار النقاد في مصر ومنها هنا نرى لوحة «أحلام المعتقلة».

«رحلة بالقارب» للفنانة تحية حليم (الشرق الأوسط)

من الأعمال البارزة في العرض لوحة «الصوت الأخير» للفنان السوداني إبراهيم الصلحي، يقول عنه سلطان القاسمي «هو عمل عملاق للفنان وله مكانة عالية، أذكر أني قمت بزيارة نيويورك منذ عدة سنوات وقابلت مدير أحد المتاحف الضخمة، قلت له: لقد اشترينا (الصوت الأخير)، من دون ذكر اسم الفنان، ولكنه عرف على الفور اللوحة، بسبب مكانتها وأهميتها التي تجعلها تتخطى كونها لوحة مرسومة، أعتقد أنها شهادة على الفن الأفريقي، لوحة تعبر عن قارة وثقافة كاملة، برأيي أنها من أهم اللوحات الأفريقية والعربية في القرن الماضي. وهو في تقديري من أهم أعمال إبراهيم الصلحي وأحد أكثر أعماله (حميمية) تعبيراً عن حياة الفنان».

لوحة «الصوت الأخير» للفنان السوداني إبراهيم الصلحي (مؤسسة بارجيل للفنون)

المعرض حافل باللوحات العظيمة فعلاً ويستحق أكثر من زيارة وهو أمر متاح حتى 23 من شهر أغسطس (آب) المقبل.

------------------------------------------------------------------------------------

-----------------------------------------------------------------------------------

سلطان القاسمي وتقاسم الشغف

خلال هذا الشهر أقامت الدار لقاءين مع سلطان سعود القاسمي مؤسس مؤسسة بارجيل تحدث خلال اللقاء الأول عن المؤسسة وعن اللوحات الأثيرة له، وفي الندوة الثانية تحدث بتوسع عن أسباب اتجاهه لجمع اللوحات الفنية وعشقه للثقافة العربية.

وفي حديثه مع دكتور رضا المومني، نائب رئيس مكتب كريستيز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقيم على المعرض، دار النقاش حول ما دفع بالقاسمي لأن يصبح مقتناً للوحات، وعن بدايات جمعه للأعمال الفنية والدافع خلف شغفه بالفن العربي.

يعود المومني بالأسئلة للبدايات، لفترة الدراسة الجامعية وبداية الحياة العملية ثم يسأله عن الشغف، عن الفن وما جذبه له؟ يبدأ القاسمي بالتعبير عن سعادته بوجود هذه «الكوكبة» من الأعمال الأثيرة على قلبه في وسط لندن وفي دار كريستيز العريقة. السبب وراء الشغف هو «حب المشاركة»: «أحب مشاركة الآخرين معي في الشغف بالفن». يذكر لقاءً مع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وجملة ظلت معه بعد اللقاء: «قال لي: إذا كنت تحب شيئاً فيجب عليك مشاركة الآخرين فيه، وإذا أردت الحفاظ على شيء فتشارك مع الآخرين فيه».

«القرية» لإنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

يعود القاسمي أكثر من مرة ليعبر عن عشقه للثقافة العربية وفخره بالمنطقة، تحدث عن اهتمامه بالمرأة العربية وحقوقها (المجموعة المعروضة تعطي للفنانات مكانة مساوية للرجال) وتعدى في أهدافه ليشمل الأقليات «أتمنى أن نستطيع عبر الثقافة احتضان الأقليات والنساء وتيارات مختلفة في ثقافتنا».

عن بداية مؤسسة بارجيل في 2010 يعود بالذاكرة لنهاية التسعينات لدى عودته من فرنسا حيث درس، وقيامه مع والديه بزيارة أحد المعارض الفنية. بدأ والده في شرح الأعمال المعروضة وكانت تلك بداية شغف الاقتناء «في العام نفسه 2002 ابتعت أول عمل فني في حياتي».

تطورت بارجيل مع كل لوحة كانت يبتاعها القاسمي، واتباعاً لنصائح أصدقاء تقدم بطلب لحكومة الشارقة للحصول على مكان يضم مجموعته، «بعد الحصول على مكان للعرض في 2009 أقمنا أول معرض لبارجيل في 2010» يعتبر مؤسسته ومجموعتها أنها «نموذج مصغر من العالم العربي».

يعبر عن فخره بمجموعة الأعمال الفنية في المؤسسة «بارجيل مجموعة ديناميكية، متطورة ومتغيره، أعتقد أن المجموعة أصبحت تحكمني أكثر مما أحكمها، كثير من الجامعات والمؤسسات ترسل دعوات لبارجيل أكثر ما ترسل لي، لها هويتها الخاصة، على سبيل المثال على (إنستغرام) عدد متابعي صفحة بارجيل يفوق عدد من يتابعوني، أجد أن ذلك أمراً مفرحاً لي».

الهوية الخاصة للمجموعة أصبحت هي العامل الأساسي عند التفكير بإضافة أعمال جديدة «أحياناً أدخل لغاليري تجاري وأرى أعمالاً وأفكر مع نفسي، أحب هذا العمل ولكني أيضاً أرى أنه لا يتفق مع DNA الخاص بالمجموعة.» كيف يفسر ذلك «DNA»؟ يقول إن «الحمض النووي للمجموعة» متجذر في العالم العربي الحديث وتكوين الهوية العربية.

«ملحمة الشهيد» للفنان كاظم حيدر (الشرق الأوسط)

رغم توسع عملية اقتناء الأعمال الفنية (وصل عددها لـ1200) لا يرى القاسمي أنه يملك تلك الأعمال «أكره كلمة مالك العمل، أعتقد أن علي مسئولية الحفاظ على العمل، أرى نفسي حارساً للأعمال الفنية في المجموعة».

«أكره كلمة مالك العمل، أعتقد أن علي مسئولية الحفاظ على العمل، أرى نفسي حارساً للأعمال الفنية في المجموعة».

سلطان سعود القاسمي

حقائق

1200

جمع سلطان القاسمي 1200 عمل من الفن الحديث والمعاصر في مؤسسة بارجيل للفنون نرى منها 100 في كريستيز.


مقالات ذات صلة

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

يوميات الشرق رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

المعرض يهدف إلى تعزيز الوعي بالهوية المصرية وبقيمة المتاحف، ويقدّم أعمالاً متنوعة تمزج بين السخرية والطرح الإنساني لإيصال رسائل ثقافية وفنية قريبة من الجمهور.

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق إحدى لوحات المعرض (المتحف المصري بالتحرير)

المتحف المصري يحتضن لوحات «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»

تحت عنوان «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»، استضاف المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً فنياً يضم لوحات وأعمالاً تستلهم الحضارة المصرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
TT

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتزامن مع ليلة «رأس السنة»، بعدما رفضت محكمة القضاء الإداري جميع الدعاوى التي طالبت بمنعه، واستند الحكم إلى حصول الفيلم على التراخيص المطلوبة من الرقابة على المصنفات الفنية، وفق منتجه.

الفيلم الذي كان مقرراً عرضه في شهر أغسطس (آب) 2024، تأجّل طرحه أكثر من مرة بسبب تجدد الدعاوى القضائية، من بينها دعوى المحامي مرتضى منصور، بالإضافة إلى الجدل الذي أُثير حوله عقب عرض «البرومو الترويجي»، واعتبار البعض أنه عمل مسيء من الناحية الدينية، إلى جانب تعرّضه لأزمات أخرى، من بينها التحفّظات الرقابية، وانسحاب الفنان الراحل مصطفى درويش من العمل احتجاجاً على آراء مؤلفه.

لقطة من البرومو الترويجي لفيلم «الملحد» (الشركة المنتجة)

وانتقد عدد من الفنانين والنقاد والجمهور، وبعض صنّاعه، منع الفيلم عبر منشورات «سوشيالية»، مؤكدين أن المنع ليس حلاً، وأن حرية الإبداع حق للجميع، ولا بدّ من المشاهدة قبل الاعتراض لوضع تصوّر كامل عن فكرة أي عمل فني.

من جانبه أكّد المنتج أحمد السبكي أن الفيلم حصل على جميع التراخيص والموافقات الرقابية اللازمة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تأجيل العرض كان بسبب المناوشات (السوشيالية) من بعض المحامين، التي حصلت بالتزامن مع طرح البرومو الترويجي، وليس لأسباب أخرى».

وأوضح السبكي أن العرض سيتم دون أي تعديل أو حذف، بعدما أصدر القضاء الإداري حكماً يقضي برفض جميع الدعاوى المقامة لمنع عرضه. وقال: «لا توجد أي إشارة تمنع عرضه، وبحوزتي النصّ القانوني الذي يؤكد أن العمل لا يتضمّن أي إساءة كما اعتقد بعضهم، وقد صدر الحكم قبل المشاهدة».

وأشار السبكي إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على آراء الجمهور قبل مشاهدة العمل، قائلاً: «في عصر (السوشيال ميديا)، يتشكّل رأي الناس بسرعة من خلال البرومو، وهذا أمر طبيعي، لكننا نؤكد أن الحكم النهائي يعود للمشاهد بعد مشاهدة الفيلم كاملاً».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

واتّفق نقاد على أن المنع يحدّ من حرية الإبداع؛ إذ أكدت الكاتبة والناقدة المصرية صفاء الليثي رفضها لفكرة المنع، خصوصاً بعد حصول الفيلم على الموافقات الرقابية وتصويره بالفعل. وأشارت إلى أن «المنع بعد إنجاز الفيلم مشكلة كبيرة وكارثة على الصناعة، كما أنه أسلوب غير واقعي؛ فالجمهور اليوم يستطيع الوصول إلى كل الأفكار بسهولة، ولم يعد الاطلاع على أي موضوع أمراً صعباً».

وقالت صفاء الليثي في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة المنع لا بدّ من التراجع عنها؛ فمن غير المعقول الحكم على عمل من اسمه أو من لقطاته الترويجية. فالأسماء أحياناً تكون وسيلة للجذب التجاري، وكذلك الأمر بالنسبة للبرومو، الذي لا يُفترض أن يكون ملخصاً للفيلم، بل قد يُستخدم فقط لجذب الجمهور. والحكم من خلاله غير صائب، فهو دافع للمشاهدة لا سبب للرفض والمنع».

ويتناول فيلم «الملحد» قضية فكرية واجتماعية بطريقة درامية، من خلال قصة رجل دين متشدّد وابنه الذي يتمرّد على أفكاره ويعلن إلحاده. والفيلم من بطولة أحمد حاتم، وحسين فهمي، ومحمود حميدة، وصابرين، وتارا عماد، ونخبة من الفنانين، وهو من إخراج محمد العدل، وتأليف إبراهيم عيسى، وإنتاج أحمد السبكي.

من جهتها أكدت الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن «حرية الإبداع مكفولة للجميع، وأنها ضدّ المنع مطلقاً»، لافتةً في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عرض (الملحد) بعد رفض كبير يُعد مؤشراً جيداً إلى أن الحرية تبقى أول العناصر الضرورية للإبداع».


معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
TT

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا. فتبرز خصوصيته في قطعٍ مشغولة بتأنٍ، تشبه بتركيبتها لوحاتٍ تشكيلية مطرّزة بزجاج المورانو وأحجار الـ«سواروفسكي» البلّورية، فتصنع لغةَ أناقةٍ راقية بابتكاراتها، تبدأ منذ خمسينات القرن الماضي وصولاً حتى يومنا هذا.

بعض المجوهرات الطريفة التي تلوّن معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

يحطّ هذا المعرض رحاله في بيروت بعد جولات ناجحة في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يقدم رحلة ثقافية فريدة من نوعها، تجمع بين روعة التصميم الإيطالي وإبداعه في عالم المجوهرات عبر التاريخ الحديث. ويقام المعرض برعاية السفارة الإيطالية، بتنظيم من المعهد الثقافي الإيطالي ونادي اليخوت في بيروت.

ومع عرض نحو 200 قطعة مصنوعة يدوياً، يستعرض الزائر سبعين عاماً من المهارة الحرفية الإيطالية. وتشرف على تنسيق المعرض ألبا كابيلييري، أستاذة تصميم المجوهرات في معهد البوليتكنيكو في ميلانو، ومديرة متحف «فيتشنزا» للمجوهرات في إيطاليا.

صُمّم المشروع على شكل معرض متنقّل يزور السفارات والمعاهد الثقافية الإيطالية حول العالم. ويسلّط الضوء على أبرز نماذج هذه الحرفة اليدوية. وتأتي القطع من توقيع أبرز مصممي دور الأزياء الكبرى، الذين يختبرون مواد وتقنيات جديدة، ما يجعل المعرض تجربة تجمع بين الإبداع والتقنية والابتكار.

ويرى رئيس المعهد الثقافي الإيطالي في بيروت، الدكتور أنجلو جووي، أن العاصمة اللبنانية تشكّل محطة بالغة الأهمية لهذا الحدث، إذ يلتقي بإرثها الحرفي المتأثر بتبادل الثقافات. وبذلك، يصبح حضور المعرض في بيروت خاتمة رمزية لمسيرته، ما يمنحه سياقاً غنياً للاحتفاء بالإبداع والمهارة والتصميم.

أطواق مصنوعة من البلاستيك والجلد في أحد أركان معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

ويشير جووي إلى أن المعرض يقدّم تصاميم المجوهرات بعيداً عن قيمة المعادن والأحجار الكريمة. مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» «أنه ينقل تطور صناعة المجوهرات منذ الخمسينات حتى اليوم. ويعرّفنا على أناقة مختلفة برموزها وأبعادها. فمعظم التصاميم تواكب المرأة العملية. وهناك قسم خاص في أحد أركان المعرض يحمل عنوان (الألفية الجديدة). وتتضمن المجوهرات البديلة المعاصرة. وهي منفذة بأدوات تفاجئ مشاهدها، فترتكز على مواد بلاستيكية ومعدنية وأخرى تدخلها مادة الجلد».

المعرض يقوم برحلته الأخيرة في لبنان قبل أن يعود إلى موطنه الأم إيطاليا. «هناك سيتم إعادة هذه المجوهرات لأصحابها من دور أزياء». ويتابع أنجلو جووي: «إن منسقة المعرض ألبا كابيلييري رغبت في أن تلفت نظر هواة المجوهرات إلى أسلوب فني متقدّم، لا يرتكز على الماس والذهب والأحجار الكريمة والمعادن المشهورة، ولكن على حرفية متوارثة تقوم على أسماء عائلات اشتهرت في هذا المجال، فتم ارتداؤها من قبل الناس على اختلافهم، وفي عروض أزياء كبيرة. ففي هذه الأخيرة عادة ما يبتعد منظموها عن استخدام المعادن الثمينة».

تكمل جولتك في المعرض لتطالعك قطع مجوهرات برّاقة، أساور، وأقراط، وعقود وغيرها. ومن بينها موقّع من قبل دور الأزياء الإيطالية المعروفة عالمياً. فتحضر دار «فيرساتشي» كما «غوتشي» و«فالنتينو» وغيرها.

بدأت جولات هذا المعرض في العالم منذ نحو 5 سنوات. وتكمن أهميته في إبرازه تطور هذه الحرفة من خلال مجوهرات معاصرة. وتعدّ ثمينة بفضل إرثها التاريخي الغني.

مائتا قطعةِ مجوهرات تتوزّع على المعرض في نادي اليخوت وسط بيروت. وتمثّل المرآة الجمالية للمجتمع، من «دولتشي فيتا» في خمسينات القرن الماضي إلى أزياء الـ«بريت-آ-بورتيه» في ثمانيناته، وصولاً إلى البساطة في تسعيناته ضمن تكنولوجيا الموضة في الألفية الجديدة. وتُظهر تحوّل الأنماط والعادات، وطموحات النساء وإنجازاتهن، وتطوّر الأشكال والمواد، وتقنيات الإنتاج الجديدة. ويحتضن المعرض الأطواق المؤلّفة من طبقات عدّة، والأساور المنحوتة، وقطعاً مرحةً تترك البسمة عند ناظرها.

يتناول «ديفا» تاريخ حرفة صناعة المجوهرات الايطالية الحديثة (الشرق الأوسط)

وتحمل بعضها اللمحة الشرقية من خلال تقنية الـ«فيلي غرانا»، القائمة تصاميمُها على تجديلاتٍ دقيقة أو على تطعيم القطعة بالزجاج المنفوخ. وهو ما يجسّده تاجٌ ذهبي من توقيع «دولتشي أند غابانا» نلحظه في المعرض. ويذكر رئيس المعهد الثقافي الإيطالي جووي أن نقاط التشابه هذه ولّدت مساحة التقاء بين المعرض ومنطقة الشرق الأوسط.

وعن سبب تسمية الحدث بـ«الديفا» يشرح لـ«الشرق الأوسط»: «إنها إشارة إلى إمكانية أن تتحوّل كلّ امرأة إلى نجمة من خلال أسلوبها في انتقاء المجوهرات والأزياء. فليس من الضروري أن تشعر بذلك من خلال ارتداء الجواهر الثمينة فقط. فيحضر عندها الإحساس بهذا البريق ما دامت منسجمةً مع ما ترتديه، سواء أكان ثميناً أم بسيطاً».


المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)
المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)
TT

المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)
المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)

أعلنت مجلة «فارايتي» الأميركية اختيار المخرجة المصرية سارة جوهر ضمن قائمة «أفضل 10 مخرجين واعدين»، وهي أبرز قائمة سنوية تُسلَّط فيها الأضواء على المواهب الإخراجية الجديدة. ويأتي هذا الاختيار في ظل النجاح الذي يحقّقه فيلمها الروائي الطويل الأول «عيد ميلاد سعيد»، الممثّل لمصر في منافسات الأوسكار.

وذكرت «فارايتي» أن المخرجين العشرة الواعدين سينضمون بذلك إلى أسماء لامعة سبق أن اختارتهم المجلة بوصفهم مواهب جديرة بالمتابعة، مثل كريستوفر نولان، وروبن أوستلوند، وويس أندرسون، وألفونسو كوارون، وستيف ماكوين، وبين زيتلين، وذلك قبل سنوات من حصولهم على ترشيحات لجائزة أفضل مخرج في جوائز «الأوسكار».

وضمّت القائمة كلاً من: أكينولا ديفز عن فيلم «ظلّ أبي»، وبث دي أراجو عن فيلم «جوزفين»، وجان-أولي جيرستر عن فيلم «آيسلندا»، وسارة جوهر عن فيلم «Happy Birthday»، وديف غرين عن فيلم «Coyote vs. Acme»، وشاندلر ليفاك عن فيلم «Mile End Kicks»، وهاري لايتون عن فيلم «Pillion»، وإن. بي. ماجر عن فيلم «Run Amok»، وكريستين ستيوارت عن فيلم «The Chronology of Water»، وولتر سيمبسون هيرنانديز عن فيلم «If I Go Will They Miss Me».

وأعربت سارة جوهر عن سعادتها الكبيرة بهذا الاختيار غير المتوقع، لتكون المخرجة العربية الوحيدة ضمن قائمة أفضل 10 مخرجين واعدين خلال العام الحالي. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «تفاجأت بهذا الاختيار المذهل، فقد كنت أدرك منذ دراستي للسينما في الولايات المتحدة أهمية هذه القائمة. بعض المخرجين الذين حصدوا جوائز (الأوسكار)، مثل روبن أوستلوند، كانوا ضمنها قبل سنوات. لذلك لا أزال غير مستوعبة تماماً هذا التكريم، وأنا ممتنّة وفخورة بما يحقّقه فيلمي الأول».

سارة جوهر هي رابع مخرجة عربية تُدرج في هذه القائمة، بعد 3 مخرجات سبقتها إليها، وهنّ السعودية هيفاء المنصور، واللبنانية نادين لبكي، والفلسطينية شيرين دعيبس.

وأضافت سارة، الموجودة حالياً في لوس أنجليس لمتابعة عروض «الأوسكار» الخاصة بفيلمها، أنها دعت أعضاء الأكاديمية لمشاهدته في سانتا باربارا ونيويورك وكاليفورنيا، معربةً عن سعادتها بردود فعلهم الإيجابية وتأثرهم أثناء مشاهدة الفيلم.

تدور أحداث الفيلم حول الطفلة «توحة»، التي تعمل خادمة في منزل أسرة ثرية وترتبط بصداقة مع ابنة صاحبة المنزل، حيث تسعى إلى إعداد حفل عيد ميلاد استثنائي لصديقتها، وهي تُخفي في داخلها أمنية بأن تختبر هي أيضاً الاحتفال بعيد ميلادها.

الفيلم من بطولة نيللي كريم، وشريف سلامة، والطفلة ضحى رمضان. وقد عُرض للمرة الأولى في مهرجان «تريبيكا السينمائي» في الولايات المتحدة، وحصد 3 جوائز: أفضل فيلم دولي، وأفضل سيناريو، وجائزة «نورا إيفرون» لأفضل مخرجة.

كتبت سارة جوهر قصة الفيلم بالاشتراك مع زوجها المخرج محمد دياب، في حين شارك في إنتاجه الممثل والمنتج الأميركي جيمي فوكس.

فريق عمل الفيلم في مهرجان تريبيكا (الشرق الأوسط)

وتقول سارة: «حين كنت أعمل على الفيلم لم أفكّر إلى أين سيصل، بل ركّزت على إيجاد أفضل طريقة للتعبير عن مشاعر أبطاله. كان كلّ تركيزي على الأداء وعناصر الفيلم ليترك أثراً قوياً في كل من يشاهده. فالفيلم الجيد، في رأيي، يكمن في قدرته على التأثير وإحداث التغيير لدى المتلقي. وقد أسعدني أن من شاهدوا الفيلم في (صندانس) أو (الجونة) أو في أميركا خرجوا بانطباعات تؤكد هذا التأثير».

ولفتت سارة إلى أن الأيام العشرة المتبقية قبل إعلان نتائج التصفية الأولية لمسابقة «أفضل فيلم دولي غير ناطق بالإنجليزية»، في 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تُعدّ الأكثر أهمية، إذ تشهد حضور معظم أعضاء الأكاديمية لعروض الأفلام المرشّحة. ولذلك تُكثّف جهودها في دعوتهم لمشاهدة الفيلم، الذي تُقام له في الوقت نفسه عروض في مدن أوروبية عدّة، من بينها باريس وبرشلونة وبرلين، لوجود أعضاء للأوسكار فيها. بيد أنها تشير إلى أن الجزء الأكبر من الحملة يجري في الولايات المتحدة، حيث تعقب العروض جلسات نقاش يطرح خلالها أعضاء الأكاديمية أسئلتهم على المخرجة حول الفيلم.

وتشير سارة إلى أن فيلم «عيد ميلاد سعيد» تم اختياره في مهرجان «بالم سبرينغز» ضمن قسم الأوسكار، لافتةً إلى أن أكثر من 90 في المائة من الأفلام التي تُرشَّح للجائزة تكون ضمن برمجة هذا المهرجان، وهو ما تعدّه إنجازاً كبيراً، رغم أن رحلة الفيلم لم تبدأ من المهرجانات الكبرى مثل «كان» و«برلين» و«فينيسيا»، بحسب تعبيرها.

وتشهد مسابقة أفضل فيلم دولي في النسخة الـ98 من جوائز «الأوسكار» منافسة قوية مع مشاركة 86 فيلماً، إضافة إلى حضور عربي لافت تسيطر عليه المخرجات بشكل ملحوظ. إذ تشارك 8 دول عربية هي: السعودية بفيلم «هجرة» لشهد أمين، وتونس بفيلم «صوت هند رجب» لكوثر بن هنية، والمغرب بفيلم «شارع مالقة» لمريم توزاني، ولبنان بفيلم «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، وفلسطين بفيلم «فلسطين 36» لآن ماري جاسر، والعراق بفيلم «مملكة القصب» لحسن هادي، والأردن بفيلم «اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، إضافة إلى الفيلم المصري «عيد ميلاد سعيد» لسارة جوهر.