«سوق ذي المجاز التاريخي» تحت مجهر هيئة التراث السعودية

لاستكشاف كنوزه الأثرية

تسلّط هيئة التراث في السعودية الضوء على الموقع التاريخي لسوق ذي المجاز (هيئة التراث)
تسلّط هيئة التراث في السعودية الضوء على الموقع التاريخي لسوق ذي المجاز (هيئة التراث)
TT

«سوق ذي المجاز التاريخي» تحت مجهر هيئة التراث السعودية

تسلّط هيئة التراث في السعودية الضوء على الموقع التاريخي لسوق ذي المجاز (هيئة التراث)
تسلّط هيئة التراث في السعودية الضوء على الموقع التاريخي لسوق ذي المجاز (هيئة التراث)

تسلّط هيئة التراث في السعودية الضوء على الموقع التاريخي لسوق ذي المجاز، أحد أشهر أسواق العرب قبل الإسلام. وقد أتمّ فريق المسح والتنقيب بالهيئة الموسم الأول من أعماله، للبحث عن كنوزه الأثرية، والتنقيب عن لُقى ومعثورات وآثار عمرانية تشهد على البُعدين التاريخي والثقافي للسوق التي كان يِفِد إليها العرب والمسلمون في صدر الإسلام قبل أن يشهدوا موسم الحج من كل عام.

وأنهت الهيئة الموسم الأول من أعمال المسح والتنقيب الأثري في موقع السوق بمكة المكرمة، بمشاركة مجموعة من الخبراء السعوديين، للكشف عن الأدلة والمعطيات العلمية والتاريخية المرتبطة بالموقع، وذلك في إطار جهودها في التنقيب في مواقع التراث الوطني وصَونها والحفاظ على المواقع التاريخية والتعريف بها، والاستفادة منها بوصفها مورداً ثقافياً واقتصادياً مهماً يسهم في إثراء تجربة الزائرين من المواطنين وضيوف الرحمن.

تتولى الهيئة دوراً حيوياً لإعادة الاتصال بالتراث الزاخر للسعودية عبر تاريخها وأراضيها (هيئة التراث)

أسواق العرب التاريخية... حضارة وتجارة

تحتفظ السعودية، بمساحتها الجغرافية الواسعة ومحوريتها في تاريخية المنطقة، بالكثير من المواقع التاريخية التي احتضنت تراث وملاحم العرب والقوميات والثقافات المجاورة التي احتكّت معها واتصلت بها خلال العصور، ومنها تلك الأسواق المشهورة منذ ما قبل الإسلام، مروراً بالحقب الإسلامية المبكرة، حيث كانت المجتمعات تلتئم في حوانيتها وتجتمع في دكاكينها. ومن أبرزها أسواق عكاظ ومجنة وذي المجاز، التي كانت تُعرف باسم أسواق الحج لأنها تقام في أشهر الحج، وكان الموسم يبدأ في سوق عكاظ، أول ذي القعدة من كل عام، ويتدفق إليه الناس طوال 20 يوماً، من بيع السلع والتجارة وتداول الشعر والأدب وصنوف الفكر. وبانتهاء السوق يرتحل الناس منها إلى سوق مجنة، إحدى أسواق العرب الثلاث المشهورة، على طريق الحج الشامي قديماً، وتستمر لعشرة أيام حتى ظهور هلال ذي الحجة، ويجري فيه ما يجري في الأسواق العربية التاريخية، من مبايعات وقضاء، وشعر، وتفاخر، وخطب أدبية.

وما إنْ يهلّ شهر ذي الحجة، حتى تنهض سوق ذي المجاز بالوافدين إليها والمتداولين للبضاعة فيها، ويستمر ذلك حتى اليوم الثامن من ذي الحجة، ويحين موعد الذهاب لأداء فريضة الحج، كما تشهد السوق خلال أيام الحج الحجاج والتجار من جموع العرب.

أحيت السعودية سوق عكاظ وأطلقت مهرجاناً دولياً يحتفي بالقيمة التاريخية والثقافية لها (واس)

وأعادت السعودية إحياء سوق عكاظ التاريخية، وأطلقت مهرجاناً دولياً يحتفي بالقيمة التاريخية والثقافية للسوق التي ارتبطت بالتراث العربي، وقد جسدت فعاليات المهرجان ما كانت تحظى به السوق من مساجلات أدبية ولقاءات اجتماعية، ودور بارز في عصور الجاهلية وصدر الإسلام وبني أمية، حيث استمرت حتى عام 129 للهجرة، فيما تحظى سوق ذي المجاز اليوم، بفرصة مهمة لاستعادة آثارها وتراثها العريق الضارب بجذوره في التاريخ.

بدأ المشروع العلمي بمسح جميع المنشآت المعمارية الظاهرة (هيئة التراث)

إعادة اكتشاف سوق ذي المجاز

تقع سوق ذي المجاز في وادي المغمس، وتبعد عن مدينة مكة المكرمة نحو 20 كيلومتراً إلى جهة الشرق، وتنطوي هذه السوق على أهمية تاريخية وحضارية وأثرية، وهي واحدة من أسواق العرب الشهيرة في الجزيرة العربية منذ عصر ما قبل الإسلام حتى بداية العصر الإسلامي.

وكانت سوق ذي المجاز مرتبطة بطرق التجارة البرية التي يصل من خلالها العرب والتجار إلى مكة من كل الأصقاع، وترتبط من جهة أخرى بميناء الشعيبة التاريخي على شاطئ البحر الأحمر جنوب جدة، وكان ميناءً لمكة قبل الإسلام حتى عصر الخليفة عثمان بن عفان، الذي اتخذ جدة بديلاً عنها في سنة 26 للهجرة، وفي الشعيبة كانت سفن التجارة ترسو من الهند والروم والحبشة لبيع تجارتها إلى أسواق مكة، وقد ظلت سوق ذي المجاز قائمة ومستمرة إلى ما بعد سنة 129هـ.

وبدأ المشروع العلمي الذي أطلقته هيئة التراث السعودية أعمال موسمه الأول، في سوق ذي المجاز بمسح جميع المنشآت المعمارية الظاهرة ضمن نطاق الموقع، وتوثيقها لفهم وتحديد وظائف تلك المباني وطبيعتها، حيث كشفت النتائج عن مجموعة من الوحدات المعمارية التي تختلف في أحجامها وخصائصها، ورجّحت الهيئة أنها تُمثّل محلات تجارية ملحقاً بها مرافق خدمية، ويتكون أغلب الوحدات المكتشفة من مبنى رئيسي بمدخلَين متقابلَين، بُنيت جدرانه من الحجارة الكبيرة، تتخلّلها حجارة صغيرة ورمل وجص استخدم مونة للبناء، كما يحيط بالوحدة الرئيسية بعض الغرف الخارجية. ويتّضح من تخطيط الموقع أن المباني تقع على امتدادٍ واحد قد يكون ممراً رئيساً يمتد على طول تلك المباني التي تمثل ربما سوقاً تجارية، وقد عُثر على مجموعة من النقوش الإسلامية والملتقطات السطحية، التي تُمثّل مجموعة من الكِسر الفخارية الخزفية لأوانٍ مختلفة، وستستكمل الهيئة التنقيب الأثري في الموقع ضمن مشاريع التنقيب المنتظمة في المواسم المقبلة لتقديم المزيد من المعطيات والمعلومات عن الموقع.

تحتفظ السعودية بالكثير من المواقع التاريخية التي احتضنت تراث العرب وملاحمهم (هيئة التراث)

أرض السعودية مرآة الحضارات

وتتولى هيئة التراث في السعودية دوراً حيوياً لإعادة الاتصال بالتراث الزاخر الذي تتمتع به السعودية عبر تاريخها وعلى أراضيها التي كانت مرآة للحضارات التي ازدهرت على أراضيها وانعكاساً لمسيرة الإنسان في اكتشاف هويته المميزة.

وتتولى الهيئة مسؤولية تطوير قطاع التراث والحفاظ عليه، وتنمية الجهود المتعلقة بالتراث الوطني وتعزيز أساليب حمايته، ورفع مستوى الوعي والاهتمام به، وتطوير القطاع ودعم ممارسيه، انطلاقاً مما تزخر به المملكة وأرضها الشاسعة من تراثٍ غني ومتنوع، والاحتفاء بهذا الإرث الثري.

ومن ذلك، عمل هيئة التراث على التوسع في تنفيذ عدد من مشاريع التنقيب الأثري النوعية في نطاق مواقع الأسواق التاريخية خلال فترة ما قبل الإسلام، والفترة الإسلامية، وتطوير نتائج تلك الجهود وتوثيق المعطيات العلمية حول تلك الأسواق، ودورها الفكري والاقتصادي والاجتماعي تمهيداً لتأهيلها وتزويدها بالمرافق والخدمات وتحويلها إلى وجهة سياحية وثقافية، بالإضافة إلى القيمة العلمية والتاريخية المهمة لهذه المواقع وتراثها الغنيّ.


مقالات ذات صلة

«الاستثمارات العامة» و«جونز لانغ لاسال» يستثمران في «إف إم تك» لتعزيز إدارة المرافق

الاقتصاد سعد الكرود رئيس الاستثمارات العقارية المحلية في صندوق الاستثمارات العامة ونيل موراي رئيس خدمات إدارة العقارات في «جونز لانغ لاسال» (الشرق الأوسط)

«الاستثمارات العامة» و«جونز لانغ لاسال» يستثمران في «إف إم تك» لتعزيز إدارة المرافق

أعلن صندوق الاستثمارات العامة توقيع اتفاقية تتيح لشركة «جونز لانغ لاسال» الاستحواذ على حصة مؤثرة في الشركة السعودية لإدارة المرافق «إف إم تك».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق كثير من الفعاليات والندوات كانت حاضرة لمختلف الأعمال

«معرض جدة للكتاب» حراك ثقافي متجدد يجمع الأجيال ويعيد للكتاب مكانه

على مهل... كبار السن يعبرون ممرات معرض جدة للكتاب، لا يركضون خلف العناوين، ولا تستفزهم الألوان الصارخة، بل يقفون حيث يقف المعنى.

سعيد الأبيض
الاقتصاد مقر «أكوا باور» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

«أكوا باور» السعودية تستحوذ على أصول توليد طاقة وتحلية مياه في الكويت والبحرين

أعلنت شركة «أكوا باور» استكمال استحواذها الاستراتيجي على حصة شركة «إنجي» في أصول لتوليد الطاقة باستخدام الغاز، وأصول لتحلية المياه في البحرين والكويت.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تفاعل الجماهير في مسرح «ساوندستورم 2025» (ميدل بيست)

ختام «ساوندستورم 2025» يرسخ مفهوم المدينة الموسيقية في الرياض

أسدل مهرجان «ساوندستورم 2025» الذي تنظمه شركة «ميدل بيست» الستار على نسخة استثنائية حوَّلت أرض المهرجان في الرياض إلى مدينة موسيقية.

فاطمة القحطاني (الرياض)
العالم العربي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في زيارة أجراها الأخير للسعودية في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)

السعودية ومصر لاستكمال ترتيبات الاجتماع الأول لـ«مجلس التنسيق الأعلى»

تعمل السعودية ومصر على استكمال ترتيبات عقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الأعلى بين البلدين، والذي يُعد إطاراً مؤسسياً شاملاً للتعاون بين القاهرة والرياض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

آثاريون مصريون يطالبون بإعادة النظر في ترميم تماثيل بالأقصر

ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)
ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)
TT

آثاريون مصريون يطالبون بإعادة النظر في ترميم تماثيل بالأقصر

ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)
ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)

جددت أعمال الترميم الأحدث في معبد «ملايين السنين» بالأقصر، وما حظيت به من إشادات من الأوساط الآثارية، الحديث عن أعمال ترميم قديمة لتمثال رمسيس الثاني وتماثيل أخرى أثرية بالأقصر تعرضت للتشويه بسبب الترميم، مع مطالبات بإعادة النظر في هذا الملف، سواء بترميمها بطريقة احترافية.

كان وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، شهد إزاحة الستار عن تمثالين ضخمين من الألبستر للملك أمنحتب الثالث بعد ترميمهما وإعادة تركيبهما ورفعهما بموقعهما الأصلي بالصرح الثالث بالمعبد الجنائزي للملك بالبر الغربي بالأقصر.

ووصف الوزير في بيان، الأحد، هذا العمل، بالإنجاز الكبير الذي يستهدف الحفاظ على وإحياء أحد أهم معالم الحضارة المصرية العريقة، بما يليق بقيمته التاريخية، وبما يسهم في تعزيز مكانة الأقصر أحد أهم المقاصد السياحية والثقافية على مستوى العالم.

وأشار إلى التعاون المصري الألماني الممتد لسنوات طويلة، مؤكداً أنه يمثل نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي المثمر، ومعرباً عن تطلعه إلى استمرار هذا التعاون لسنوات عديدة قادمة بما يخدم أهداف الحفاظ على التراث الإنساني، وكرّم الدكتورة هوريج سوروزيان مديرة المشروع، والدكتورة نايري هابيكيان مهندسة الموقع.

ولم تتوقف الإشادة بمستوى الترميم والتعاون الدولي عند المستويات الرسمية، بل أشاد آثاريون ومهتمون بشؤون الآثار بالترميم الذي حدث بمعبد ملايين السنين، وقال الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، إن «البعثة الأوروبية التي تعمل بالموقع، والتابعة للمعهد الألماني، نجحت في جمع الأجزاء المتفرقة لتمثال أمنحتب الثالث بطريقة علمية سليمة، بل قاموا بإعجاز بكل المقاييس»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «قبل عشر سنوات اكتشفوا هذا التمثال وبدأوا في تجميع قطعه ليقدموا نموذجاً مهماً في الترميم، فهو ليس استكمالاً للتماثيل بما يؤدي لتحولها إلى تماثيل مسخ كما حدث في أماكن أخرى»، وطالب عبد المقصود بإعطاء مديرة المشروع وساماً على الجهود التي قامت بها، في الوقت نفسه أشار إلى نماذج أخرى لتماثيل تم تشويهها قائلاً: «هناك من يأتي بأسياخ حديد وخرسانة ليستكلموا التمثال وقواعد الترميم الصحيحة لم تقل هذا الأمر»، مضيفاً: «وجود بعض التماثيل المرممة بشكل خاطئ أمام معبد الأقصر وأمام معبد الكرنك فيه إساءة»، وأشار إلى أنه تم تشكيل لجنة لبحث هذا الأمر من قبل ثم توقف عملها.

وكان مشروع الحفاظ على تمثالي ميمنون ومعبد الملك أمنحتب الثالث شمل العديد من الأعمال، من أبرزها ترميم وإعادة تركيب ورفع زوج من التماثيل الجالسة المصنوعة من الكوارتزيت عند مدخل الصرح الثاني، كما تم رفع تمثالين ملكيين واقفين من الكوارتزيت عند البوابة الشمالية لحرم المعبد. وقد أُتيحت عملية إنقاذ هذه الآثار المفككة وإخراجها من الطمي والمياه المالحة وإعادتها إلى مواقعها الأصلية.

وقال الخبير الآثاري والمتخصص في علم المصريات، الدكتور أحمد عامر، إن ترميم تمثالي الملك أمنحتب الثالث كان بمثابة مرحلة مهمة في عمليات الترميم، حيث تم ترميمهما بأعلى دقة وكفاءة.

وأضاف عامر لـ«الشرق الأوسط» أنها «ليست المرة الأولى في إظهار المهارة والدقة في أعمال الترميم، فقد تم ترميم طريق الكباش بشكل عالمي، وأيضاً صالة الأعمدة بمعبد الكرنك، لذلك لا بد من تشكيل لجنة مختصة لمراجعة التماثيل التي أثارت جدلاً في الفترات الماضية بمدينة الأقصر، منها على سبيل المثال تمثال الملك رمسيس الثاني والموجود أمام واجهة معبد الأقصر حتى الآن».

وسبق أن أعلن المجلس الأعلى للآثار قبل سنتين عن تشكيل لجنة لبحث ما أثير حول ترميم تمثال رمسيس الثاني بطريقة وصفها البعض بأنها لا تتوافق مع المبادئ والقواعد التقاليد المرعية في ترميم القطع الأثرية.

وأشاد الكاتب والباحث المهتم بالآثار المصرية، محمود مرزوق، بأعمال الترميم التي تمت بـ«معبد ملايين السنين»، وكتب عبر صفحته على «فيسبوك» إن فريق العمل استمر لسبع سنوات حتى خرج بنتيجة رائعة في ترميم تمثال أمنحتب الثالث، لافتاً إلى أن الخطأ في عمليات الترميم خصوصاً في الآثار المصرية القديمة يصعب تصحيحه، مؤكداً أن سر النجاح في ترميم التمثال الخاص بأمنحتب الثالث هو عدم التدخل في عمل المتخصصين.


«بهجة»... معرض فني مصري يستعيد شغف الطفولة

اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
TT

«بهجة»... معرض فني مصري يستعيد شغف الطفولة

اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)

«بداخلي طفل صغير... كثيراً ما يبكي، قليلاً ما يفرح، فقد كثر بكاؤه بفعل ما يحدث بعالمنا المعاصر من تمزق وحروب وضحايا من الأطفال والكبار، وأحاول استعادة هذا الطفل مع طاقة من التفاؤل والفرح».

بهذه الكلمات وصف الفنان التشكيلي المصري، صلاح بيصار، معرضه «بهجة» المقام حالياً في غاليري «أوبتنو» بالزمالك (وسط القاهرة)، معتبراً أنه بهذه الأعمال التي يتداخل فيها الحس الشعبي مع الروح السريالية مع الألوان الساخنة المبهجة يستطيع أن يستعيد تلك الروح الطفولية المليئة بالبراءة والفرح والبهجة.

وفي هذا المعرض الذي يضم أكثر من 50 لوحة بأحجام مختلفة، يعود بيصار للرسم بعد فترة انقطاع، ويؤكد أن سبب انقطاعه عن الرسم كان الالتزام بالكتابة، فهو أيضاً واحد من أبرز النقاد التشكيليين في مصر.

الألوان المبهجة وألعاب السيرك في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

ويضم المعرض لوحات تبث البهجة في نفس المتلقي بألوانها المبهجة الساخنة في معظمها، ويصور الفنان من خلال أعماله السيرك وما به من مفارقات مضحكة أو عجيبة وغريبة، والقرية بمفرداتها وتفاصيلها المتنوعة، وكذلك البيوت والقصص الشعبية تجد مكاناً داخل لوحاته.

ويقول بيصار إنه يقدم «عالماً ينتمي للفانتازيا الشعبية بروح الخيال وحس سيريالي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن هذا العالم «تتصالح فيه كل الكائنات فى البر والبحر الطبيعة المفتوحة وتحت الماء»، فهو عالم يتسع للبشر والحيوانات والطيور والأسماك وحتى الفراش والنمل.

كل هذه العناصر تتحاور في لوحات بيصار محفوفة بالزينات والبيارق والأعلام، كأنه يقدم من خلالها دعوة للسلام، «لتعود الحياة بعالمنا إلى مرافئ المحبة والحلم والصفاء»، على حد تعبيره.

ومن تفاصيل البيئة الشعبية بكل مفرداتها يعيد بيصار تشكيل العالم بعيون طفل لم تفارقه الدهشة، وربما لهذا السبب بدت الألوان الزاهية هي المسيطرة في كل اللوحات، حتى تلك التي ترصد الطبيعة والبيوت الريفية البسيطة.

الفنان يرى في العالم مساحة رحبة للبشر والحيوانات وكل الكائنات (الشرق الأوسط)

صلاح بيصار المولود في المنوفية (دلتا مصر) عام 1952، تخرج في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، وتخصص في الديكور، إلا أنه اتجه أكثر للعمل الصحافي وحاز جائزة نقابة الصحافيين في الإخراج الصحافي في ثمانينات القرن الماضي، كما اهتم بالكتابة والنقد، وربما لهذا توقف عن تنظيم معارض فردية لأعماله منذ عام 1994، وإن كان شارك من بعده في العديد من المعارض الجماعية والفعاليات التشكيلية.

ويعتمد الفنان على الحس التعبيري في تقديم نماذج من القرية والشارع المصري، ولكن يبدو الاهتمام الكبر منصباً على لاعبي السيرك، لما يتضمنه عالمهم من تنوع في ألوان البهجة وتفاصيلها بالألعاب المختلفة، بينما تبدو المدرسة السريالية بتقنياتها الغرائبية الأقرب للحلم واضحة في اللوحات، ولكنها سريالية شعبية بالطريقة والأسلوب الخاص بالفنان.

وتبرز اللوحات الكبيرة مشاهد بانورامية للقرية أو للسيرك أو الشارع أو يمكن أن يخصصها للبورتريه، بينما تركز اللوحات الصغيرة الحجم على التفاصيل البسيطة التي تقترب من رموز وتيمات الحكايات الشعبية، في قالب فني يمنحها بعداً جديداً مشحوناً بطاقة من الفرح.


ساعة ذكية لتقليل نوبات غضب الأطفال

الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
TT

ساعة ذكية لتقليل نوبات غضب الأطفال

الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)

طوّر باحثون في مجموعة «مايو كلينك» الطبية الأميركية نظاماً مبتكراً يعتمد على الساعة الذكية لتنبيه الآباء عند أولى مؤشرات نوبات الغضب الشديدة لدى الأطفال المصابين باضطرابات عاطفية وسلوكية، ما يتيح التدخل السريع قبل تفاقم النوبة.

وأوضح الباحثون أن هذا النظام يُقلّص مدة وحدّة نوبات الغضب، ما يخفف الضغط النفسي على الطفل ووالديه، ويُحسّن الأجواء الأسرية، ويُقلّل من الصراعات اليومية. ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية «JAMA Network Open».

ونوبات غضب الأطفال هي انفعالات مفاجئة وشديدة، تظهر في صورة بكاء حاد أو صراخ أو رفض للأوامر أو سلوك عدواني أحياناً. وغالباً ما تنتج هذه النوبات عن عجز الطفل عن التعبير عن مشاعره أو السيطرة عليها، وقد تكون أكثر حدّة وتكراراً لدى الأطفال المصابين باضطرابات عاطفية وسلوكية.

ورغم أن نوبات الغضب تُعد جزءاً طبيعياً من نمو بعض الأطفال، فإن استمرارها لفترات طويلة أو شدتها الزائدة قد يؤثر سلباً في الصحة النفسية للطفل والعلاقات الأسرية، ما يستدعي تدخلاً تربوياً أو علاجياً مبكراً للحد من آثارها.

ويعتمد النظام على ساعة ذكية يرتديها الطفل، ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية، مثل ارتفاع معدل ضربات القلب أو التغيرات في الحركة أو النوم. وتُنقل هذه البيانات إلى تطبيق على هاتف الوالدين مزوّد بتقنيات الذكاء الاصطناعي، يُحلِّلها لحظياً ويُرسل تنبيهاً فورياً يحثّ الوالدين على التواصل مع الطفل وتهدئته في الوقت المناسب.

وأُجريت التجربة السريرية على 50 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 3 و7 سنوات، كانوا يعانون اضطرابات عاطفية وسلوكية. واستُخدم نظام الساعة الذكية لدى نصف المشاركين على مدى 16 أسبوعاً، في حين واصل النصف الآخر العلاج القياسي. وقيَّمت الدراسة مدى التزام العائلات باستخدام التقنية، وقدرة التنبيهات الفورية على تغيير سرعة استجابة الوالدين وسلوك الأطفال.

وأظهرت النتائج أن التنبيهات الفورية ساعدت الآباء على التدخل خلال 4 ثوانٍ فقط، وأسهمت في تقليص مدة نوبات الغضب الشديدة بمعدل 11 دقيقة، أي نحو نصف المدة المسجّلة لدى الأطفال الذين تلقوا العلاج التقليدي فقط.

كما بيّنت النتائج أن الأطفال ارتدوا الساعة الذكية لنحو 75 في المائة من فترة الدراسة، ما يعكس قابلية التطبيق وارتفاع مستوى تفاعل العائلات مع هذه التقنية.

وقال الباحثون إن «هذه الدراسة تُظهر أن تدخلات صغيرة، إذا جاءت في التوقيت المناسب، يمكن أن تغيّر مسار نوبة الاضطراب العاطفي لدى الطفل؛ إذ تمنح الوالدين فرصة للتدخل الداعم، مثل الاقتراب من الطفل، وتقديم الطمأنة، وتعزيز المشاعر الإيجابية، وإعادة توجيه الانتباه، قبل أن تتصاعد النوبة».

وأضافوا أن هذا النظام يُثبت أن بيانات الأجهزة الذكية اليومية يمكن أن تساعد الأسر في الوقت الحقيقي؛ فقد تبدو الساعة الذكية جهازاً بسيطاً، لكنها عندما تُدعَم بعلاجات قائمة على الدليل وتحليلات متقدمة، تتحول إلى بارقة أمل للأسر التي تواجه أعراضاً سلوكية شديدة في المنزل.