تستعد مدينة لندن لاستضافة أكبر معرض للفن العربي الحديث والمعاصر تقيمه دار «كريستيز» للمزادات بمقرها في حي سانت جيمس وسط العاصمة البريطانية وتصفه بـ«لحظة استثنائية لفنون وثقافة العالم العربي في لندن هذا الصيف».
يعرب د.رضا المومني، نائب رئيس مكتب «كريستيز» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عن حماسة كبيرة مغلّفة بابتسامة في أن يجذب العرض أكبر عدد ممكن من زوار العاصمة والمقيمين فيها، قائلاً في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» إنها أول مرة يقام فيها معرض بهذا الحجم وهذه الأهمية في لندن لا سيما أنه مفتوح للجمهور مجاناً لمدة 6 أسابيع انطلاقاً من 20 يوليو (تموز) الحالي». سيضم العرض نخبة من الأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة التي تعكس إبداع وتنوع وتاريخ الفن العربي. ويتكون المعرض من قسمين رئيسين: «كوكبة: مختارات من مؤسسة بارجيل للفنون»، و«تصور جديد للفن الإماراتي: حسن شريف والأصوات المعاصرة».
بالنسبة للمومني، الأمر بدأ بفكرة طرحها على إدارة الدار باستضافة معرض شامل للفن العربي الحديث والمعاصر في لندن للاستفادة من الزخم العربي من السياح والزوار في فترة الصيف، وكانت الموافقة فورية، وهكذا بدأت محادثاته مع نورة الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة في دولة الإمارات العربية، لإقامة عرض لأعمال فنانين من الإمارات مستعارة من الدولة. يؤكد أن المعرض ليس مخصصاً للبيع، وإنما للعرض فقط، وهو أمر لافت خصوصاً أن الدار تقدم معارضها المجانية قبيل بيع القطع في المزاد العلني، فهل هذا أمر جديد على الدار؟ ليس كذلك، فالدار قدمت في الصيف الماضي معرضاً مماثلاً. ليخلّصني من حيرتي يشرح المومني أن عرض القطع الإماراتية هو جزء من الحدث الضخم، وأن الفعالية ستضم أيضاً معرضاً لأعمال الفنان الإماراتي حسن شريف وهو من مجموعة خاصة والأعمال فيه ستُعرض للبيع على نحو خاص، ولن تكون عبر المزاد العلني. الجزء الثاني من الفعالية هو عرض أكثر من 100 عمل فني مستعارة من مؤسسة «بارجيل» الفنية، «الإطار العام للفعالية هو الفن العربي الحديث والمعاصر، ويتفرع من ذلك معرض حسن شريف ومعرض مجموعة بارجيل التي ستضم مقتنيات حديثة من المؤسسة تمثل نخبة من الفنانين العرب».
تحت عنوان «كوكبة: مختارات من مؤسسة بارجيل للفنون» يقدم المعرض 100 عمل فني استعيرت من مؤسسة «بارجيل للفنون» التي أنشأها سلطان سعود القاسمي في عام 2010. يزخر هذا المعرض بأعمالٍ فنية جُمعت من أنحاء المنطقة كافة، ليحتفي بالتنوع الفنيّ الغنيّ الذي يعكس ثراء الوطن العربي ومرونته وإبداعه اللامحدود عبر بلاد الشام وشمال أفريقيا ودول الخليج. ويضيف أن المعرض يحقق التوازن بين الجنسين، ويجسد في مضمونه النسيج النابض للفنّ العربي الحديث مع أعمال نخبة من الفنانين المتمرسين والواعدين على حد سواء.
إذن نحن أمام أكثر من معرض تختلف في محتوياتها وتتفق في عرض الفن الإماراتي والعربي للجمهور في لندن عبر قاعات الدار المختلفة. بالنسبة إلى مجموعة الفنان حسن شريف يقول: «ما نقوم به هنا هو عرض لمراحل عمل الفنان الإماراتي الراحل والمعرف في الإمارات والخليج إلى حد بعيد». العرض يحمل عنوان «تأملات في الفن الإماراتي: حسن شريف والأصوات المعاصرة».
ويعد شريف شخصية محورية في فضاءات الفن المعاصر والمفاهيمي في المنطقة. وتعرض المجموعة أبعاد ممارسته العميقة التي تظهر جلياً في أعماله المختلفة من لوحات ومجسمات ومنسوجات أنجزها من ثمانينات القرن الماضي إلى عام 2015، أي قبل عامٍ واحد من وفاته.
عاش شريف معظم حياته في دبي فناناً ومعلّماً ومستشاراً لكثير من الفنانين المعاصرين في الإمارات العربية المتحدة، وكان مصدر إلهامٍ للكثير من المواهب الحديثة والناشئة في جميع أنحاء الخليج، ولا يزال تأثيره ملموساً ومستمراً على المشهد الفني الإماراتي. سيتم عرض هذه الأعمال إلى جانب مجموعة أخرى من الأعمال لفنانين إماراتيين معاصرين أمثال محمد كاظم ومحمد إبراهيم تضاف إليهم أصوات حديثة من الفنانين الشباب الذين تأثروا بفن حسن شريف، وهي أعمال ليست للبيع. لماذا لندن؟ يبدو السؤال بدهياً، وإن كانت إجابته منطقية. يقول: «لأن لندن تستضيف خلال موسم الصيف زواراً من الشرق الأوسط، فهي فرصة لهم لمعاينة أعمال من المنطقة ربما لم تكن معروفة لهم».
يقول: «بداية الأمر محادثة مع نورة الكعبي لتمثيل الفن الإماراتي في معرض ضخم في لندن، في ذلك الوقت تواصل معي مقتنٍ لأعمال حسن شريف، وهو يملك أكبر مجموعة من أعمال الفنان، قرر أن يبيع مجموعته». بدأت الصورة في التشكل أمام المومني؛ من معرض عن الفن الإماراتي المعاصر، توسعت الرؤية للعرض بعد محادثة مع مؤسسة «بارجيل للفنون» لاستعارة بعض الأعمال الإماراتية... وجد نفسه أمام عرض أكثر شمولية؛ توسع من الإمارات ليضم الخليج ثم العالم العربي وصولاً إلى تركيا: «يقام المعرض بغرض التواصل مع جمهور مهتم بالفن العربي ولمد الجسور إلى غير العرب أيضاً». وعند معرفة بعض الأسماء المعروضة أعمالها يتضح لنا مدى رحابة مفهوم العرض وتنوعه، إذ سيتمكن الزائر من رؤية أعمال لفنانين كبار أمثال إبراهيم الصلحي من السودان، وإنجي أفلاطون من مصر، ومروان ومحمد مليحي، وغيرهم.
من جهته، قال سلطان سعود القاسمي، مؤسس مؤسسة «بارجيل للفنون»: «يعدّ هذا المعرض فرصة نادرة لمشاهدة أعمال فنية مختارة لعدد من أبرز فناني غرب آسيا وشمال أفريقيا التي جُمعت على مدار 20 عاماً. وفي الحقيقة إنّ الغالبية العظمى من الأعمال الفنية في هذا المعرض لم يشاهدها أحدٌ في المملكة المتحدة من قبل. وتشمل الأعمال اختياراتٍ متكافئة بين الجنسين، مما يتيح للزوار تقدير الدور الذي لعبته الفنانات المعاصرات في إنشاء حركة فنية حديثة مزدهرة في المنطقة».
على هامش العرض ستقيم الدار أيضاً عدداً من الفعاليات تشمل جلسات حوارية ودورات لتقديم الفن العربي وغيرها، مما سيجعل «كريستيز» محطة مهمة لمتابعي الفن العربي في لندن يضاف إلى مجموعة ضخمة من الفعاليات التي تستضيفها العاصمة البريطانية هذا الصيف التي تهتم بالفنون العربية المختلفة.