مجموعة «لورو بيانا» الرمضانية تفوح بنكهة استشراق لذيذة

خطوط بسيطة وألوان هادئة مستوحاة من الخزف الإسلامي

حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)
حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)
TT

مجموعة «لورو بيانا» الرمضانية تفوح بنكهة استشراق لذيذة

حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)
حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)

بدأ سباق رمضان لعام 2025 منذ أشهر في تقليد باتت المرأة العربية تنتظره لإثراء خزانتها الرمضانية، كما تنتظره بيوت كثيرة رغبة في اقتطاع قطعة من كعكة هذا الشهر الفضيل. فهي كعكة شهية ومجزية على المستوى التجاري، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت مهمة أيضاً على المستوى الفني. فالمرأة العربية لم تعد تقبل بالاستنساخ السافر لموروثاتها، وفرضت عليهم الاجتهاد لنيل رضاها وكسب ودها. وبينما لا يزال البعض يميل إلى الاستسهال ولا يعرف كيف يتعامل مع المنطقة، والبعض الآخر يقع في مطب الفولكلور، هناك من تشم من بين ثنيات وخطوط التشكيلات الرمضانية التي يقترحونها رائحة استشراق خفيفة تفتح النفس عليها. إلى جانب أنها لا تستثني عراقة وأصالة وعمق الشرق، تبذل جهداً في إرساء مفهوم معاصر لهذا الاستشراق مبني على دراسة السوق لا على المخيلة وحدها.

من بين السمات الكثيرة في هذه التشكيلة احتشامها ومراعاتها للثقافة الإسلامية (لورو بيانا)

تشكيلة «لورو بيانا» لرمضان 2025 واحدة من هؤلاء. جاءت مفعمة بالشاعرية والرومانسية ومتحررة من نفحاتها «التراثية» رغم أن وراء الكثير من القطع تتراءى ملامح جلابية، أو عباءة، أو قفطان بشكل أو بآخر. السبب أنها لم تتعامل مع هذه الموروثات على أنها نموذج يجب التقيد به بقدر ما استعملتها نقطة انطلاق بنت عليها ما يمكن تشبيهه بفن واقعي معاصر.

قراءتها الجيدة للمنطقة ساعدتها على إبداع تشكيلة حصرية، استوحتها من الخزف الإسلامي وحاكتها بخيوط من الذهب. ما يحسب لها أنها رغم إيحاءاتها الشرقية، لم تخرج عن النص الذي كتبته لنفسها بأنها دار إيطالية تسعى لفخامة تحددها خطوط واضحة وبسيطة ودرجات ألوان هادئة تعززها مواد وخامات فريدة يصعب منافستها فيها، لأن الكثير منها لا يتوفر لغيرها.

معطف «أندرسون» Anderson يستوحي خطوطه من العباءة (لورو بيانا)

تصوير هذه التشكيلة بين تلال وقلاع قديمة في المنطقة ساهم في ضخها بجرعة من الأناقة العربية بعيدة كل البعد عن الفولكلور، وإن كنت ستشم فيها رائحة استشراق خفيفة جداً، تظهر في تصميم البنطلون الذي يستحضر تصميم «سروال الحريم» الواسع من أعلى ليضيق عند الكاحل، وفي فستان «كليو» Cleo الذي يستحضر «الجلابية» المغربية، أو معطفي «أندرسون» Anderson و«ويليام» William اللذين يمكن القول بأنهما تطوير للعباءة بجيوبهما وأحزمتهما المطرزة.

تزدان الكثير من القطع بطبعات زهرة الشوك وأنماط الأزهار بحبكة الجاكار والتطريزات الذهبية ونقوش الأرابيسك (لورو بيانا)

كل قطعة هنا تفننت الدار في صياغة أقمشتها، ونسج خيوطها في لوحة من الألوان المريحة للعين، تتراوح بين الأخضر المائل والرمادي والزهري الفاتح مع قليل من الأسود والكثير من التدرجات اللونية الصحراوية. وحتى تؤكد الدار لزبونتها في المنطقة أنها تتوجه إليها بكل تفاصيلها، استعملت زخارف الجاكار وطبعات الأزهار والأزرار في أشكال هندسية مستوحاة من الخزف الإسلامي، كما استعملت التطريزات اليدوية على شكل ورود بخيوط ذهبية تتداخل مع الأنسجة فتتماهى معها.

للمساء والسهرة هناك اقتراحات تتلون بالذهب والجاكار (لورو بيانا)

هذا المزيج بين الشرقي والإيطالي المتمثل في أسلوب الدار أثبت أن الدار نجحت في تحقيق المعادلة الصعبة بين الراحة والأناقة الفاخرة. الراحة تظهر في القصات التي تلف الجسم وفي الوقت ذاته تنساب من دون درزات لتتيح الحركة وتناسب طقس المنطقة، إلى جانب التفصيل الدقيق والواضح في الأكتاف وطريقة بناء بعض القطع، لا سيما المعاطف. كل واحد من هذه المعاطف الطويلة مصنوع إما من الحرير المخلوط بالكتان أو الصوف. الفكرة منه أن يتعدى استعماله شهر رمضان إلى مناسبات كثيرة قادمة من دون أن يفقد رونقه وفخامته. هذه الفكرة تكررت في معظم القطع المقترحة من خلال طرق تنسيقها التي يغلب عليها أسلوب الطبقات المتعددة.

إلى جانب الألوان الفاتحة بدرجاتها الهادئة استعملت الدار الأسود أيضاً (لورو بيانا)

ما يحسب لـ«لورو بيانا» أيضاً أنها رغم أنها استلهمت من العباءات والقفاطين خطوطها وتطريزاتها، فإنها لم تقع في مطب الفولكلور، كما لم تلجأ إلى الاستنساخ والاستسهال. اكتفت بالتقاط فكرتها ثم ترجمتها بلغتها الخاصة، لأنها كما تحرص على احترام ثقافة المنطقة فإنها تحرص على البقاء وفية لأسلوبها الذي لا يعترف بزمان أو مكان.

اللافت فيها ربما يكون جرعة الحشمة التي زادت قليلاً وساعد على تحقيقها أنه يمكن تنسيق قطع متعددة مع بعض بسهولة، بفضل تناغم ألوانها وخاماتها التي تسمح للجسم بالتنفس ولا تُثقله، مهما تعددت القطع المستعملة في الإطلالة الواحدة.

تشم بين ثنايا الكثير من القطع تفاصيل نكهة شرقية تداعب مخيلة فناني الغرب مثل سروال الحريم هنا (لورو بيانا)

تضم التشكيلة مجموعة من القطع المنفصلة مثل البناطيل الواسعة والتنورات التي تحاكي شكل البنطال، فيما جاءت الفساتين منسابة وبأكمام طويلة. ورغم أن الدار تشتهر بصوفها «الملوكي» فإنها تعرف أن «للطقس أحكامه». لهذا استخدمت هنا أقمشة لا تقل ترفاً تتمتع بالخفة والنعومة مثل الحرير والكتان، وأحياناً الساتان، مع العلم أن هذا الكتان غير عادي. نسجته الدار واختارته خصيصاً لملمسه المريح وخفته، ولتأكدها من قدرته على إنعاش الجسم.

لا يختلف الأمر بالنسبة للحرير. فهو أيضاً ناعم يساعد على تطويعه بأشكال منسابة، إضافة إلى أن حرفييها لم يكتفوا بمزجه بالصوف والكتان، بل ذهبوا إلى درجة إبداع توليفة من التطريزات تتداخل معه لتصبح جزءاً منه، مثل إدخالهم زخرفة fiore di cardo، أو «زهرة الشوك» التي تعتبر رمزاً وشعاراً للدار.

للمساء والسهرة هناك اقتراحات تتلون بالذهب والجاكار (لورو بيانا)

في فساتين السهرة والمساء، أيضاً عادت «لورو بيانا» إلى أرشيفها لتأخذ منه حرير الجورجيت وتستعمله في فستان باسم «فيرن» Fern يتميز بتصميم طويل تطبعه زخرفات ذهبية ناعمة عند الياقة وأطراف الأكمام، واستعملت فيه الدار تقنية مشبك Lunéville استدعى إنجازها 75 ساعة من العمل المحترف.


مقالات ذات صلة

جيل جديد من النساء الأفغانيات يتخلى عن البرقع

آسيا أفغانية تتسوق في مزار الشريف: البرقع الأزرق الذي يغطي كامل الجسم ويغطي الوجه أصبح رمزاً لقمع «طالبان» للنساء (أ.ف.ب)

جيل جديد من النساء الأفغانيات يتخلى عن البرقع

تتخلى الشابات في المناطق الحضرية بأفغانستان بشكل متزايد عن البرقع الأزرق الذي يغطي كامل الجسم مع شبكة على الوجه، والذي أصبح رمزاً لقمع «طالبان» للنساء.

«الشرق الأوسط» (مزار شريف (أفغانستان) )
الاقتصاد جانب من «أسبوع الأزياء بالرياض» خلال أكتوبر 2024 (المركز الإعلامي للحدث)

الرياض... مركز جديد لتعليم الأزياء مع افتتاح معهد «مارانجوني» في أغسطس

يستعد معهد «مارانجوني» لافتتاح مقره الجديد في الرياض في 24 أغسطس (آب) 2025.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
لمسات الموضة شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

بدايات جديدة في «جيڤنشي» و«دريز فان نوتن» و«توم فورد» تُوقظ الأمل بولادة عهد جديد

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق مجموعة «نفحات رمضانية» تلبي إقبال الكثيرات على أزياء تناسب أجواء شهر الصيام (الشرق الأوسط)

«نفحات رمضانية»... أزياء تجمع بين الأناقة والاحتشام

تصاميم بروح رمضانية، نُفذت بمهارة وابتكار، لتواكب التقاليد الشرقية والموضة العصرية، تقدمها مصممة الأزياء المصرية والفنانة التشكيلية نيها حتة.

محمد عجم (القاهرة )
لمسات الموضة المصمم ديمنا عند تلقيه جائزة أحسن مصمم للأزياء الجاهزة في عام 2016 في لندن (أ.ف.ب)

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

بعد قرابة 10 سنوات، سيغادر المصمم الجورجي ديمنا دار «بالنسياغا» لينضم إلى دار «غوتشي» ابتداءً من شهر يوليو (تموز) المقبل. كان الخبر مفاجئاً إلى حد ما. فرغم أن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
TT

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

تسعة أيام هي المدة التي استغرقها أسبوع باريس لخريف وشتاء 2025-2026. كان مسك ختام لدورة سنوية تبدأ في نيويورك وتمر بلندن وميلانو وتنتهي بباريس. لكنك لو سألت أي شخص حضر فعالياته بالكامل، لجاءك الرد، ومن دون تردد، بأنه طول مدته مبالغ فيها، مقارنة بغيره من أسابيع الموضة العالمية. لندن مثلاً لم يعد يتعدى أسبوعها الأربعة أيام. لكن منذ سنوات وباريس تتعمد وضع برنامج يجعل من الصعب على ضيوفها من عشاق الموضة مغادرتها قبل انتهائه. فـ«ديور» تقدم عرضها في الأيام الأولى و«شانيل» و«لويس فويتون» و«سان لوران» في الأواخر وبينهم إيلي صعب وفالنتينو وهرميس وستيلا ماكارتني وبالمان وآخرون لا يقلون أهمية. الأسباب مكيافيلية. فكلما امتدت إقامتهم، انتعشت الفنادق والمطاعم وتحركت المحلات ووسائل النقل.

اختتمت دار «سان لوران» الأسبوع ودورة الموضة العالمية في باريس (أ.ف.ب)

ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن هناك إجماعاً على أن باريس ليست مثل غيرها وتستحق العناء والجهد. لا تزال عاصمة الموضة بلا منازع، إبداعاً وعروضاً، بفضل بيوت الأزياء ذات الإمكانات الضخمة التي تمدَها بكل ما يعزز سحرها ويرسخ مكانتها.

أسبوعها الأخير اختتم بعروض كل من «ميو ميو» و«سان لوران» و«شانيل». كان حافلاً بالأحداث، كما كان مثيراً ما بين انتظار بدايات مصممين تم تعيينهم مؤخراً ولم يسعفهم الوقت لكي يباشروا العمل ويتحفونا بما جادت به مخيلتهم، وبين متابعة عروض مصممين سجلوا بداياتهم فعلياً هذا الموسم لأول مرة بعد التحاقهم ببيوت عريقة.

اعتمدت «شانيل» مرة أخرى على فريق قسمها الإبداعي في انتظار أول تشكيلة لمصممها الجديد ماثيو بلايزي (شانيل)

«شانيل» مثلاً، ومعها أوساط الموضة، لا تزال تنتظر ما سيقدمه المصمم ماثيو بلايزي في الموسم المقبل. اعتمدت مرة أخرى على فريقها الإبداعي لتقديم تشكيلة تلعب على أيقوناتها، بينما اكتفت «لويفي» بتقديم عرض أصغر مما عوّدتنا عليه بسبب انتقال مصممها جوناثان أندرسون إلى «ديور».

لكن بالنسبة لـ«جيڤنشي» و«توم فورد» و«دريز فان نوتن» فإن الانتظار انتهى. «جيڤنشي» قدمت أول تشكيلة لها من إبداع سارة بيرتون، و«توم فورد» أول تجربة لحيدر أكرمان و«دريز فان نوتن» أول عرض لجوليان كلوسنر. ثلاثة أسماء لم تخيب الآمال بقدر ما أيقظت الأمل بولادة عهد جديد.

سارة بيرتون

من عرض سارة بيرتون لدار جيڤنشي (جيڤنشي)

المصممة التي التحقت بدار «جيڤنشي» مؤخراً، جاءت بعد تجربة عقود مع المصمم الراحل ألكسندر ماكوين. خلفته في الدار التي أسسها ولا تزال تحمل اسمه حتى الآن، والطريف في التعيين الأخير أن بداية رفيق دربها الراحل ماكوين، كانت أيضاً في «جيڤنشي». سارة بيرتون برهنت على مدى عقود أنها تحترم إرث المؤسسين. لا تحاول أن «تتشاطر» عليهم بقدر ما توظف بصمتها للإبقاء على إرثهم حياً. وهذا تحديداً ما قامت به في هذه التشكيلة التي قالت إنها عادت فيها إلى الجذور. برَرت ذلك قائلة: «للمضي قدماً، لا بدّ من العودة إلى الجذور. وبالنسبة لي، تبدأ الحكاية دائماً من المشغل. هو القلب النابض والملهم».

من إبداعات سارة بيرتون (جيڤنشي)

حاولت استكشاف شخصية الدار من خلال قراءة شخصية صاحبها الراحل هيبار دي جيڤنشي. كان يحب الخطوط الواضحة التي تبرز تضاريس الجسم وجمالياتها من دون مبالغات أو تفاصيل لا داعي لها. أثارها هذا الأمر وخلال بحثها في الأرشيف قالت إنها اكتشفت طروداً مغلَّفة بورق بني، تضم قصّات من قماش الكاليكو من مجموعته الأولى لعام 1952.

درستها وسرعان ما اكتشفت أنها، مثل هيبار دي جيڤنشي، تعشق التفصيل وتقدر العلاقة بين عملية الابتكار التي تولد في الاستوديو، والحرفية التي تُنفذ في المشغل.

عادت بيرتون لأرشيف الدار لتستلهم منه خطوطاً أنثوية واضحة وسلسة (جيفنشي)

أما كيف جسَّدت القواسم المشتركة بينها وبين المؤسس، فمن خلال أساليب تقليدية وكلاسيكية قامت بتفكيكها بتنعيمها، وإضافة تفاصيل أنثوية. والنتيجة أن المرأة تبدو في الظاهر ناعمة إلا أن خلفها تكمن قوة لا تظهر إلا عند الحاجة، وهو ما جسّدته أيضاً في مزجها بين الكلاسيكي والانسيابي، من خلال الأكتاف البارزة بشكل مبالغ فيه أحياناً، والخصور المحددة، والفساتين المكونة من أمتار من القماش، ومع ذلك تكشف عن الظهر، بحيث تبدو من الأمام محتشمة ومن الظهر بلمسات أنثوية مثيرة. الفكرة هنا مرة أخرى كانت اللعب على القوة الكامنة بداخل كل أنثى.

عادت سارة بيرتون إلى أرشيف الدار وأخذت منه عدة عناصر لعبت عليها مثل القميص الأبيض (جيڤنشي)

أسلوب هيبار دو جيڤنشي يُطِل في الكثير من الإطلالات، مثل فساتين قصيرة مصنوعة من دانتيل شانتيلي وأخرى مستلهمة من الملابس الداخلية تطبعها حسِية الخمسينيات من دون أن ننسى القميص الأبيض، الذي أخذ عدة أشكال. كل هذا ترجمته سارة بيرتون برؤية معاصرة ذكرتنا إلى حد ما بعهدها في دار «إلكسندر ماكوين».

توم فورد:

جمع حيدر أكرمان في تشكيلته الأولى بين جرأة توم فورد وبين أسلوبه الخاص لدار (توم فورد)

كان كل ما في العرض أشبه بلقاء دافئ بين جرأة المصمم المتقاعد توم فورد ورومانسية خليفته الحالي حيدر أكرمان. يشرح هذا الأخير بعد عرضه هذه العلاقة قائلاً: «عند دخولي عالم السيد توم فورد، شدّني أن شخصيته تنعكس في كل شيء. ثم انتبهت أنه يمثل حياة الليل والسّهر، بينما أنا أمثّل صباح اليوم القادم، وهو ما كان بداية رقصتنا مع بعض». من هذا المنظور لم يُغيِب أسلوب سلفه المثير، بالعكس أعاده إلى الواجهة بعد أن ضخه بجرعة ديناميكية من الرومانسية والأنوثة المفصلة. هذا التفصيل ساهم في التخفيف من جرعة الإثارة الحسية التي برع توم فورد فيها والتصقت به منذ أن كان في دار «غوتشي».

من أول عرض يقدمه حيدر أكرمان لدار «توم فورد» (توم فورد)

هذه العلاقة بين الأمس الذي يمثله توم فورد والحاضر الذي يمثله أكرمان «مبنية على الحب. فأنا أرى أن الحب جوهر كل شيء» وفق ما قاله هذا الأخير. تخيل هذه التشكيلة كقصة حب، تبدأ بنظرة وابتسامة، ثم التعرّف على الاختلافات بهدف استكشاف القواسم المشتركة للبناء عليها.

وهذا ما كان. فرغم شخصيته الجادة، لم يرفض أكرمان أن الحواس تلعب دورها في التقريب بين الأشخاص، كما على اختياراتنا فيما يخص الأزياء. كلاهما يبدأ بحاسة النظر ويتطور إلى رغبة ملحة في الحصول على الشيء والحفاظ عليه.

إيحاءات رجالية ظهرت في عرض «توم فورد» عبارة عن بدلات وتوكسيدو (توم فورد)

صبَ كل هذه الأفكار والأحاسيس في تشكيلة غلبت عليها تصاميم مستوحاة من عالم الليل بإيحاءات رجالية، مثل سترة توكسيدو اكتسبت طولاً يصل إلى الكاحل وبدلات ناعمة بألوان فاتحة، وفساتين مفصلة بأسلوب سهل لكن ممتنع. خلا أغلبها تقريباً من أي تفاصيل لا داعي لها، واعتمد فيها فقط على التفصيل والأقمشة لإبراز قدراته.

جوليان كلوسنر

جوليان كلوسنر احترم جينات «دريز فان نوتن» في تشكيلته الأولية (أ.ب)

مصمم آخر شهدت باريس بدايته هذا الموسم. عمل مع المصمم البلجيكي الأصل دريز فان نوتن لست سنوات. تعلم فيها أسلوبه وحرفته، قبل أن يتسلم منه المشعل إثر تقاعده المُبكِر. تُطل أول عارضة على المنصة، فتشعر بأن جينات الدار في مأمن من أي تغييرات جذرية. أسلوب دريز حضر في النقشات الغنية والتفاصيل الباروكية وتضارب الأقمشة التي تحمل لمسات «فينتاج». تنتابك طوال العرض مشاعر متضاربة ما بين إطلالات تُنسي بأن دريز فان نوتن ترك الدار، وبين أخرى دمج فيها الكلاسيكي بالرياضي تُذكر بأن فصلاً جديداً بدأ يُكتب بهدوء. فالمصمم الجديد اجتهد في وضع لمسات تترجم رؤية خاصة به. كل ما في الأمر أنها لا تزال خجولة بعض الشيء.

من عرض «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

في لقاء جانبي له، شرح كلاوسنر رؤيته قائلاً: «أردت أن أطلق العنان لخيالي قليلاً، بأن أجعل بعض القطع أكثر قوة وتأثيراً، لكن كان لدي دائماً ما يُذكِرني أن الأمر يتعلق بخزانة متكاملة يجب أن تضم قطعاً تناسب حياة المرأة في الواقع، وهذا يعني أنها يجب أن تكون مرنة».

اختيار «أوبرا غارنييه» مسرحاً لعرضه، لم يكن فقط ملائماً لتشكيلة غنية بالتفاصيل. كان يشي بالعهد الجديد، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عروض الدار كانت تقام سابقاً في أماكن أكثر وظيفية ذات أرضيات أسمنتية. طبعاً لا يمكن أن نتجاهل أنه يعكس أيضاً شغف المصمم الجديد بالمسرح، وهو ما ظهر حيناً في أقمشة تستحضر ستائر المسارح وحيناً آخر في شراشيب زينت جاكيتات بوليرو وأكمام فساتين. لكن هل كانت التصاميم مسرحية؟ أبداً. كل ما فيها كان واقعياً حتى في أقصى حالاته الفنية.

أقمشة متنوعة في الإطلالة الواحدة مع نقشات متضاربة في عرض «دريز فان نوتن» (أ.ب)

إذا كان لا بد من المقارنة بين جوليان وبيرتون وأكرمان، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أنه أفضل حظاً منهما، لأنه تسلم الدار من دريز فان نوتن، وهي في وضع جيد. فتقاعُد دريز وهو في عز تألقه، كان باختياره لكي يعيش «حياة ويمارس هوايات أجَّلَها طويلاً بسبب استنزاف العمل لوقتي وجهدي» وفق تصريح سابق له، وبالتالي لم يكن مفروضاً على جوليان أن يعود إلى منتصف القرن الماضي لرسم بداية جديدة كما هو الحال بالنسبة لسارة بيرتون، ولا أن يصحح ما خلَفه مصممون سبقوه على الدار من آثار لم تحقق المطلوب كما هو الحال بالنسبة لأكرمان.

تضارب الألوان والنقشات في تشكيلة «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

من جهة أخرى، يمكن أن نرى أن مهمة جوليان التي تبدو أسهل ولا تتطلب منه سوى ضمان استمرارية ما بناه سلفه، هي في الحقيقة صعبة، لا سيما في حال لم يُتقن توجيه الدفة في الاتجاه الصحيح، ومن ثم الإخلال بالتوازن العجيب الذي خلقه دريز فان نوتن وأغوى به عالم الموضة.