لا يزال موسم الأزياء الراقية لربيع وصيف 2025 مستمراً

بين فنية ستيفان رولان وتمسُّك أرماني بجيناته و«سردية» أليساندرو ميكيلي

ستيفان رولان يُحيِّي ضيوفه في آخر العرض مع العارضة كوكو روشا (إ.ب.أ)
ستيفان رولان يُحيِّي ضيوفه في آخر العرض مع العارضة كوكو روشا (إ.ب.أ)
TT
20

لا يزال موسم الأزياء الراقية لربيع وصيف 2025 مستمراً

ستيفان رولان يُحيِّي ضيوفه في آخر العرض مع العارضة كوكو روشا (إ.ب.أ)
ستيفان رولان يُحيِّي ضيوفه في آخر العرض مع العارضة كوكو روشا (إ.ب.أ)

المصمم المخضرم جيورجيو أرماني لخَّص مفهوم الـ«هوت كوتور» عندما قال بعد عرضه الأخير في باريس: «الهوت كوتور هو عالم ترتقي فيه الموضة لتصبح فناً».

كان على حق، ويبدو أن الأغلبية يوافقونه الرأي. في معظم العروض تحوَّلت العارضات إما إلى منحوتات وإما إلى أشكال معمارية متحركة. أما في حالة دار «فالنتينو» فإن الفن المسرحي كان وسيلة المصمم أليساندرو ميكيلي لإثبات قدراته. كان هذا أول عرض من هذا الخط يُقدمه للدار. استعمل فيه تيار الوعي أداةَ سردٍ فلسفية وبصرية، فأصاب حيناً وخاب حيناً.

سيتفان رولان

تصميم جمع فيه ستيفان رولان فنون النحت مع فنون الرقص والحركة (أ.ف.ب)
تصميم جمع فيه ستيفان رولان فنون النحت مع فنون الرقص والحركة (أ.ف.ب)

ستيفان رولان كان واحداً ممن عانقوا الجانب الفني بحرارة. فهذه عادته. صمم كل قطعة كأنها منحوتة أغدق عليها بالريش وتفنن في طياتها المتعددة، ليزيدها إبهاراً مطعَّماً ببعض الشقاوة. مع كل إطلالة تتعالى نظرات الإعجاب والعجب. يبقى الإعجاب ويتبدد العجب عندما يشرح أنه استلهم هذه التشكيلة من جوزيفين بايكر ومن كونستانتان برانكوزي.

الأولى راقصة ومغنية وممثلة وناشطة في مجال الحقوق المدنية الأمريكية، وكانت أول أمريكية من أصل أفريقي تحقق شهرة عالمية في السينما والمسارح العالمية. أقل ما يقال عنها إنها كانت جريئة وسابقة لأوانها. والثاني فنان تشكيلي ومصور روماني استقر في باريس وكان أول مَن بادر بتحديث فن النحت، بحيث تعد أعماله نقطة تحول فاصلة بين النحت الكلاسيكي والمعاصر.

ظهرت العارضات في عرض ستيفان رولان كأنهن منحوتات متحركة (أ.ف.ب)
ظهرت العارضات في عرض ستيفان رولان كأنهن منحوتات متحركة (أ.ف.ب)

وبما أن القاسم المشترك بين بايكر وبرانكوزي كان التحديث والخروج عن المألوف، فإن ستيفان رولان التقط هذا الخيط وقدمه بأسلوبه الخاص من دون أن يخرج عن النص الذي كتبه لنفسه. من مرونة جوزفين استلهم أشكالاً ملتوية بانحناءات وطيّات يسهل على المرأة أن تتحرك فيها، ومن الفنان برانكوزي أشكالاً هندسية هي الأخرى تعانق الجسم. رغم بنائها القوي تتمتع بليونة وطواعية لا تُخطئها العين.

الريش استحضر جوزفين بايكر وكان لافتاً في الفستان الأبيض الذي اختتمت به العارضة الكندية كوكو روشا العرض (أ.ف.ب)
الريش استحضر جوزفين بايكر وكان لافتاً في الفستان الأبيض الذي اختتمت به العارضة الكندية كوكو روشا العرض (أ.ف.ب)

هذا المزج جعل العرض يبدو كأنه استعراض لسلسلة من اللوحات الفنية مرسومة بالحرير والأورغانزا مع تطريزات اعتمد فيها على أحجار الكريستال والعاج وثنيات فنية، تلتوي وتتحرك مع كل خطوة لتُذكِّر بجوزفين بايكر وهي تؤدي رقصاتها الجريئة. حتى الريش الذي كانت تتزين به وأصبح لصيقاً بها ظهر وكان لافتاً في الفستان الأبيض الذي اختتمت به العارضة الكندية كوكو روشا العرض.

أليساندرو ميكيلي لـ«فالنتينو»

عاد ميكيلي بمخيلته إلى حقب زمنية تاريخية وفنية مختلفة بوصفها مصدر إلهام (فالنتينو)
عاد ميكيلي بمخيلته إلى حقب زمنية تاريخية وفنية مختلفة بوصفها مصدر إلهام (فالنتينو)

كان الكل يترقب عرض أليساندرو ميكيلي لدار «فالنتينو». فعدا أنه أول عرض سيقدمه للدار من هذا الخط، فإن المصمم معروف بجنوحه إلى المبالغة في التطريز ومزج المتناقضات وشغفه بجمع الفينتاج بالحداثي. من هذا المنظور فإن موسم الـ«هوت كوتور» فُرصته ليصول ويجول كما يريد. وهذا ما فعله من خلال تشكيلة «Vertigineux» ومعناها «دوار». عنوان أراده أن يعكس دورة الحياة وكيف أن الماضي جزء من الحاضر ترسخه الذكريات والكتب والصور والفهارس والمتاحف والأفلام السينمائية. وإذا انتابك أي التباس حول فكرته هذه، شرح أن «الموضة، أو على الأصح كل قطعة هنا، ترتقي إلى مستوى الشِّعر لتصبح أداة بصرية وجمالية وسردية».

تصميم يستحضر ماري أنطوانيت في عرض أليساندرو ميكيلي لدار «فالنتينو» (فالنتينو)
تصميم يستحضر ماري أنطوانيت في عرض أليساندرو ميكيلي لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

ويتابع أن أي فستان يتعدى دوره المادي ليصبح مع الزمن «بمنزلة قاموس يحفظ الذكريات أو أرشيف سردي، يتضمن تركيبات مستوحاة من ثقافات بعيدة وأجواء مختلفة وحكايات من الماضي لا تزال تتردد أصداؤها في الحاضر».

ولأن دوران الزمن كان محوراً أساسياً في تشكيلة المصمم الإيطالي، فقد استعان بعارضات فوق الخمسين والستين من العمر، في إشارةٍ إلى أن الزمن جزء من دورة الحياة «لا يؤثر بل يزيد قوة وجمالاً».

استعان أليساندرو ميكيلي في عرضه لدار «فالنتينو» بعارضات فوق الخمسين والستين (فالنتينو)
استعان أليساندرو ميكيلي في عرضه لدار «فالنتينو» بعارضات فوق الخمسين والستين (فالنتينو)

ثمانية وأربعون فستاناً، كل واحد منها يمثّل شخصية وحقبة زمنية وحكاية، لكن المشكلة أن انتقاله من حقب زمنية تاريخية مختلفة، ورغبته في احتضان الكل، سواء كان مهرجاً في سيرك أو إمبراطورة من حقبة ماري أنطوانيت، يصيبان الناظر بالدوران ودوامة من الحيرة. نعم كان غنياً بالأفكار الفلسفية والألوان الغنية والتصاميم المعقدة، إلا أنه بالنسبة لامرأة ترغب في قطعة فنية تتباهى بها وتتحرك فيها بسهولة، يحتاج إلى وقفة تفكير تتعدى الفلسفي والسردي. ولا بأس من جلسة مع المصمم نفسه لإجراء تغييرات طفيفة. فهذا أولاً وأخيراً الموسم الذي يوفر لزبونة الـ«هوت كوتور» قطعة فريدة من نوعها، لا يُفترض فيها أن تُغير أساسها أو المساس برؤية مصممها، لكن لا بأس أن تناسب مقاسها وذوقها.

«أرماني بريفيه»

جيورجيو أرماني في آخر العرض (جيورجيو أرماني)
جيورجيو أرماني في آخر العرض (جيورجيو أرماني)

أمر يعرفه المخضرم جيورجيو أرماني، الذي يحتفل بمرور 20 عاماً على إطلاق خطه الخاص بالـ«هوت كوتور»، ولم يُغير فيها المصمم جلده أو قناعته بأهمية الحرفية وأن الأساس هو التفصيل الذي لا يُعلى عليه. وصفته أيضاً تطويع الأقمشة لتشكيل تصاميم مبتكرة تحتفي دائماً بأنوثة المرأة برقيّ.

أطلق على هذه المجموعة اسم «Lumières»، أي «أضواء»، وسلَّط فيها الأضواء على مسيرة عمرها 20 عاماً، من خلال نحو 93 إطلالة تستكشف أسرارها. تأخذنا في رحلة ممتعة تُذكِّرنا بأن منابع استلهامه كثيرة، منها: الصين والطبيعة البولينزية، والهند بأبَّهتها وفخامتها، واليابان بحداثة خطوطها، وشمال أفريقيا بدفئها ونخيلها.

تشكيلة «أرماني بريفيه» كانت غنية بالتطريز والتفاصيل الأنيقة (جيورجيو أرماني)
تشكيلة «أرماني بريفيه» كانت غنية بالتطريز والتفاصيل الأنيقة (جيورجيو أرماني)

إلى جانب التطريزات وتطويع الأقمشة لتتماهى مع الجسم، أتقن المصمم لعبة الألوان. في مجموعة ربيع-صيف 2020، مثلاً شكلت ألوان الأخضر اللامع والأزرق النيلي والفوشيا والأحمر، أنماطاً خيالية من نقشات الـ«إيكات»، ولربيع-صيف 2023، استلهم من فينسيا تشكيلة تراقصت فيها الأضواء لتشكل خطوطاً وألواناً متلألئة تتماوج مع كل حركة.

من عرض «أرماني» الأخير الذي احتفل فيه بمسيرة 20 عاماً على إطلاقه خطه «بريفيه» (جيورجيو أرماني)
من عرض «أرماني» الأخير الذي احتفل فيه بمسيرة 20 عاماً على إطلاقه خطه «بريفيه» (جيورجيو أرماني)

أما في مجموعة ربيع-صيف 2024، فأخذنا في رحلة من الغرب إلى الشرق: فساتين مستوحاة من الكيمونو، وجاكيتات طويلة، وسراويل ضيقة عند الكاحل، وفساتين فضفاضة خفيفة الوزن، الكثير منها مطرز باللؤلؤ.

لكن في كل هذه المجموعات ظل أسلوبه واحداً لم يتغير. لسان حاله يقول إن ما بُني على جينات «أصيلة» لا يحتاج إلى تغيير.


مقالات ذات صلة

«أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025»... يتخبط بين الواقعية التجارية وشخصيته الجانحة إلى الابتكار

لمسات الموضة «أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025»... يتخبط بين الواقعية التجارية وشخصيته الجانحة إلى الابتكار

«أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025»... يتخبط بين الواقعية التجارية وشخصيته الجانحة إلى الابتكار

بين طقس متقلب ورغبة في بثّ طاقة إيجابية، انطلق «أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025». رغم محاولاته، فإنه جاء هزيلاً وهو يقاوم وعكة ألمّت به منذ بضعة مواسم، ولم يتعافَ…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ميسيكا فاليري (تصوير أليكس روسو)

فاليري ميسيكا تتوج نجاحها بانضمامها إلى لجنة «كولبير»

ليس كل من هب ودب يمكنه الانضمام إلى «لجنة كولبير» (Comité Colbert)؛ فهي تنتقي أعضاءها بدقة وبشروط كثيرة ما يجعل كل من يسعفه الحظ ويتم قبوله فيها يشعر بالفخر…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة من اقتراحات شركة «بوس» الألمانية لموسم هذا العام (بوس)

ملابس التزلج... خط «يفتح النفس» على هوايات شتوية ومنتجعات جديدة

تنمو الأزياء والإكسسوارات الخاصة بالتزلج بشكل يشجع الشركات التقليدية وبيوت الأزياء على المزيد من الابتكار في الشكل والتقنيات

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اصبح المعطف الممطر أيقونة لكل المواسم والفصول (بيربري)

«بيربري» تحتفل بتقلبات الطقس البريطاني بحملة تجمع البريق وروح الفكاهة

كشفت دار «بيربري» حديثاً عن حملتها الترويجية لصيف 2025. اختارت لها عنواناً معبراً: «إنه دائماً طقس (بيربري). لندن في حالة عشق»، لأنه يُلخّص الكثير من جوانب…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة جانب من المعرض الذي يحتضنه متحف الشندغة (كارتييه)

رحلة عجائب بدأتها «كارتييه» رسمياً منذ 25 عاماً وتتجسد حالياً في معرض

دار «كارتييه» أصبحت ضليعة في تنظيم المعارض. فبين كل فترة وأخرى تُتحفنا بمعرض جديد يحتفل بإبداعاتها ويُغذي الحواس بكل ما لذ وطاب من مجوهرات فريدة. ويبدو أنها…

«الشرق الأوسط» (لندن)

«أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025»... يتخبط بين الواقعية التجارية وشخصيته الجانحة إلى الابتكار

«أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025»... يتخبط بين الواقعية التجارية وشخصيته الجانحة إلى الابتكار
TT
20

«أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025»... يتخبط بين الواقعية التجارية وشخصيته الجانحة إلى الابتكار

«أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025»... يتخبط بين الواقعية التجارية وشخصيته الجانحة إلى الابتكار

بين طقس متقلب ورغبة في بثّ طاقة إيجابية، انطلق «أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025». رغم محاولاته، فإنه جاء هزيلاً وهو يقاوم وعكة ألمّت به منذ بضعة مواسم، ولم يتعافَ منها بعد. تقلّصت أيامه إلى 4 فقط بسب عزوف بعض المصممين عن المشاركة فيه. ما زاد الطين بلة أن توقيته، ولأول مرة، جاء بعد «أسبوع نيويورك» بنحو أسبوع. فلسنوات طويلة، كان ينظَّم مباشرة بعد «أسبوع نيويورك»؛ الأمر الذي يجعل صناع الموضة ووسائل الإعلام في سباق مع الزمن، حيث يضطرون إلى التوقف عنده قبل توجههم إلى ميلانو وبعدها باريس. هذه الاستراحة الطويلة، في عُرف دورة الموضة، جعلت كثيراً منهم يفضلون عدم حضوره تماماً، وفي أحسن الأحوال، الاكتفاء بيومه الأخير، لما تتمتع به دار «بيربري»، من سمعة وقوة إعلانية.

من عرض المصمم الجورجي الأصل جورج كبيورا (إ.ب.أ)
من عرض المصمم الجورجي الأصل جورج كبيورا (إ.ب.أ)

كل هذا، يجعل «الأسبوع» كلما تقدم خطوة إلى الأمام يعود خطوتين إلى الوراء. السبب دائماً كان، ولا يزال، شح إمكاناته المادية، الذي يجعله الحلقة الأضعف. فأغلب مصمميه الشباب لا يستطيعون تقديم عروض ضخمة لتكُلفتها، كما يفتقدون أي قوة إعلانية تفرض على المؤثرين ووسائل الإعلام والمشترين حضور عروضهم. تقرير صدر مؤخراً عن شركة «ليفتي»، التي تراقب تأثير التغطيات المؤثرة على العلامات التجارية، أفاد بأن القيمة الإعلامية المكتسبة لـ«أسبوع الموضة» في لندن خلال سبتمبر (أيلول) الماضي بلغت 20.9 مليون دولار فقط، مقارنة بـ132 مليون دولار في «نيويورك»، و250 مليون دولار في «ميلانو»، و437 مليون دولار في «باريس».

صحيح أن «الأسبوع» مر بأزمات عدة وتجاوزها بنجاح بفضل موهبة شبابه وروحهم التواقة إلى التحدي، إلا إن هذه من كبرى الأزمات التي تعرض لها منذ تأسيسه وأكبر زعزعة لكيانه؛ لأن أسبابها خارجة عن إرادته وسيطرته... هي سياسية وتجارية عالمية.

من عرض علامة «إس إس دالي» للمصمم البريطاني ستيفن دالي (أ.ف.ب)
من عرض علامة «إس إس دالي» للمصمم البريطاني ستيفن دالي (أ.ف.ب)

بعض المصممين الشباب الذين كان من المتوقع مشاركتهم، مثل بريا أهلوباليا، وباتريك ماكدويل، وماركيز ألمايدا، وأنكوتا ساركا، تراجعوا عن المشاركة في آخر لحظة. منهم من فضّل تنظيم حفلات عشاء حميمة، مثل المصمم ماكدويل الذي برّر الأمر بقوله: «فضلنا الابتعاد عن الشكل التقليدي وخلق مساحة تفاعلية في المقابل، نتواصل عبرها معاً للحديث عن تجاربنا المشتركة بشكل إيجابي ومفيد».

دار «16 آرلينغتون» أيضاً ارتأت الاكتفاء بحفل عشاء، بينما اختارت جوانا باري تقديم عرضها عبر البث الرقمي، وأمثالها كُثر. فتنظيم عرض، مدته 20 دقيقة، مهما كان بسيطاً، يستنزف ميزانية ضخمة. وعدم ضمان حضور عالمي من وسائل الإعلام والمشترين من محال كبيرة، ليس مُجدياً بالنسبة إليهم.

من عرض المصمم الصيني الأصل هويشان زانغ (أ.ف.ب)
من عرض المصمم الصيني الأصل هويشان زانغ (أ.ف.ب)

باستثناء بعض الأسماء المهمة، مثل بول كوستيللو، وريتشارد كوين، و«إيرديم»، و«بيربري»، فإن عدداً من الأسماء الأخرى غيّرت استراتيجياتها أو وجهاتها، وذلك إما بتقديم عرض سنوي واحد، وإما بالتوجه إلى «باريس»، مثل فكتوريا بيكام.

ستيفن ستوكي دالي، مصمم علامة «إس إس دالي»، كان ينوي العرض في «أسبوع باريس» خلال الشهر الماضي، لكنه لم يتمكن من ذلك؛ مما جعله يُقرر المشاركة في البرنامج الرسمي لـ«أسبوع لندن» في اللحظة الأخيرة. اعترف بأن هناك بروداً يعتري لندن ينعكس على عدد الحضور وشح التغطيات؛ «فكثير من المشترين لا يأتون إلى لندن؛ مما يجعل باريس وجهة مهمة بالنسبة إلى أي مصمم». لم ينكر المصمم «جمائل» لندن على المصممين الناشئين؛ «فهي تفتح لهم الأبواب، وتحتضنهم بشكل كبير، مما يجعلهم متمسّكين بالمشاركة في (أسبوعها) رغم معرفتهم أن الأمر ميؤوس منه تجارياً».

من عرض البريطاني ريتشارد كوين (أ.ف.ب)
من عرض البريطاني ريتشارد كوين (أ.ف.ب)

وعكة عابرة أم أزمة طويلة؟

بالنسبة إلى المتحمسين، فإن ركودها وبرودها لا يعنيان أنها تحتضر، هي فقط تعاني من وعكة ستقوم منها عاجلاً أم آجلاً، بفضل حماس شبابها للتميز، وجموحهم إلى الابتكار، بجانب لهفتهم للفت الأنظار. فمن بين أهم الميزات التي يتمتع بها «أسبوع لندن» أن جنون الإبداع ليس وحده ما يطبعه. لا يختلف اثنان على أنه حاضنة ولادة للمبدعين، بدليل أن كثيراً من الأسماء التي تخرجت في معاهد العاصمة البريطانية وبدأت أولى خطواتها فيه، تسلمت مقاليد بيوت أزياء كبيرة وتألقت، مثل جون غاليانو في «ديور» سابقاً، والراحل ألكسندر ماكوين في «جيفنشي»، وستيلا ماكارتني في دار «كلوي» ومؤخراً سارة بيرتون في «جيفنشي»، وبيتر كوبينغ في «لانفان»، ولويز تروتر في «بوتيغا فينيتا»، وهاريس ريد في دار «نينا ريتشي».

هذا الأخير لم يتنكر لمعروف «لندن» عليه. قدم مساء يوم الخميس؛ أي قبل يوم من الانطلاقة الرسمية لـ«خريف وشتاء 2025»، عرضه في متحف «تيت مودرن». افتتحته الممثلة البريطانية فلورنس بوغ، بمونولوغ تتغنى فيه بـ«فن ارتداء الملابس» وهي تختال بفستان مبتكر ظهرت فيه كأنها منحوتة.

من عرض بول كوستيللو (إ.ب.أ)
من عرض بول كوستيللو (إ.ب.أ)

المخضرم بول كوستيللو استهل اليوم الثاني في المكان والزمان نفسيهما: فندق «وولدورف» وسط لندن في الساعة التاسعة صباحاً. فهو لا يحب التغيير على ما يبدو. رغم التوقيت المبكر، فإن ضيفاته لم يتأخرن، وأغلبهن من الطبقات المخملية والمؤثرات العاشقات أسلوبه الذي يتراوح بين التفصيل الكلاسيكي، والتفاصيل المبتكرة التي تظهر تارة في الأكمام، وأخرى في مزجه بين الأقمشة المتناقضة والطبعات المتضاربة. كان لافتاً أنه، رغم «نهفاته» الطريفة، قد اعتمد كلاسيكية عصرية تخاطب كل الأذواق؛ بدءاً من الخامات المترفة، والتصاميم المبتكرة، حتى الأحجام التي جرى تقليصها بشكل ملحوظ. عرضه كان من بين العروض التي تشعر فيها كأنك في «باريس» أو «ميلانو» وليس في «لندن» التي عوّدتنا أن «الجنون فنون».

من عرض البريطاني ريتشارد كوين (أ.ف.ب)
من عرض البريطاني ريتشارد كوين (أ.ف.ب)

المصمم ريتشارد كوين أيضاً لعب على «نغمة باريسية أنيقة». ترك جنون الابتكار جانباً، وكان واضحاً أنه يريد أن يخاطب بها كل نساء العالم؛ تحديداً المقتدرات منهن، بهندسيتها ورومانسيتها التي تحاكي الـ«هوت كوتور». لم ينسَ أن يقدم مجموعة خاصة بالعرائس. ففي لقاء سابق مع «الشرق الأوسط» اعترف بأنه الخط الذي يبيع أكثر. أمر اكتشفه بعد تعامله «مع المرأة العربية»، وفق اعترافه.

بيد أن هذه الواقعية، التي حلّت محل الجنوح للإبداع، لم تطغَ على كل العروض.

هناك فئة من المصممين الشباب، خصوصاً المستقلين، ليس لديهم ما يخافون عليه. وبما أنهم في بداية مشوارهم، فإن ورقتهم الرابحة هي التميز والاختلاف. لم يتأخروا وقدموا تشكيلات؛ إما بلمسات من الـ«بانك»، وإما بثقافة الشارع أو تستقي من التاريخ لوحات رسموها بطرافة.

تأسيس مستقبل مستدام

أما الذين يدعمهم «مجلس الموضة البريطاني»، وهو الجهة المنظمة لـ«الأسبوع»، ضمن برامج «نيوجين» و«فاشن إيست» مثلاً، فتعيّن عليهم الالتزام بمتطلبات الاستدامة. وتُبذل مساعٍ لتوسيع هذه السياسة تدريجياً لتشمل جميع العلامات التجارية التي تعرض منتجاتها في لندن.

من عرض البريطاني ريتشارد كوين (رويترز)
من عرض البريطاني ريتشارد كوين (رويترز)

كما أعلن «مجلس الأزياء البريطاني»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أنه سيحظر استخدام جلود الحيوانات الغريبة، مثل التمساح والثعبان، في نسخة «خريف وشتاء 2025». ومع ذلك، فإن هذا الإعلان رمزي بحت؛ إذ لا تستخدم أي علامة تجارية تشارك في «أسبوع لندن» هذه الجلود؛ نظراً إلى غلائها.

كارولاين راش، الرئيسة التنفيذية لـ«المجلس» لأكثر من عقد من الزمن بسنوات، اعترفت بأن الموضة البريطانية تمر حالياً بـ«فترة صعبة ومليئة بالتحديات». ثم استطردت قائلة: «ومع ذلك، فأنا أومن بأن الإبداع يزيد ويزدهر في الأوقات الصعبة؛ لأن مصممينا يتمتعون بقدرة هائلة على التكيف».

يُذكر أن هذا آخر موسم لكارولاين راش بصفتها رئيسة تنفيذية. ستُسلم المشعل إلى لورا وير ابتداء من الموسم المقبل. كل الآمال معقودة على هذه الأخيرة لتقود السفينة إلى بر الأمان.