الموضة والمال... طريق دونالد ترمب لعصره الذهبي

إيفانكا وميلانيا ترمب واختيارات تعكس خطاب الرئيس وأهدافه

دخول أبناء ترمب المنصة في الحفل الراقص الذي تلا تنصيبه رئيساً (أ.ف.ب)
دخول أبناء ترمب المنصة في الحفل الراقص الذي تلا تنصيبه رئيساً (أ.ف.ب)
TT
20

الموضة والمال... طريق دونالد ترمب لعصره الذهبي

دخول أبناء ترمب المنصة في الحفل الراقص الذي تلا تنصيبه رئيساً (أ.ف.ب)
دخول أبناء ترمب المنصة في الحفل الراقص الذي تلا تنصيبه رئيساً (أ.ف.ب)

لم تكن صدفةً أن تختار كل من ميلانيا وإيفانكا ترمب أزياء من دار «ديور» و«جيفنشي» في حفل تنصيب الرئيس دونالد ترمب في مبنى الكابيتول أو في احتفالات وفعاليات جانبية في أماكن أخرى. كما لم يكن صدفة حضور الملياردير الفرنسي برنار أرنو، ضيفاً في الحفل، في سابقة قد تكون الأولى من نوعها. اللافت فيها أيضاً أن دعوته لم تكن فردية. شملت زوجته هيلين، عازفة البيانو، وابنته ديلفين، رئيسة مجلس الإدارة والرئيسة التنفيذية لـ«ديور»، وابنه ألكسندر، نائب الرئيس التنفيذي في دار المجوهرات «تيفاني آند كو». خُصصت لهم أماكن مميزة، قريباً من رؤساء سابقين مثل جورج دبليو بوش وبيل كلينتون وباراك أوباما. كان المشهد جديداً ومثيراً في محفل تكون فيه الأولوية عادةً للسياسيين. وطبعاً إذا عُرف السبب بَطُلَ العجب. فالملياردير أرنو هو أغنى رجل في فرنسا ومالك مجموعة «إل في إم إتش» التي تنضوي تحتها كل من «ديور» و«جيفنشي».

برنار آرنو وأفراد عائلته يظهرون خلف بيل وهيلاري كلينتون وجورج دبليو بوش في حفل تنصيب الرئيس دونالد ترمب (أ.ف.ب)

اختيار ميلانيا وإيفانكا هاتين العلامتين أشارت إلى خيوط صداقة تربط بين ابنة ترمب وابنة أرنو، ديلفين، إضافةً إلى خيوط تربطها بالسياسة، أو بالأحرى سياسة ترمب. في خطابه التاريخي، وعد بـ«عصر ذهبي» و«حقبة جديدة مثيرة» ستجعل الولايات المتحدة «أعظم وأقوى وأكثر استثنائية من أي وقت مضى». كرجل أعمال محنك، يعرف دونالد ترمب أن المال هو الوسيلة لتحقيق غايته، وإلا ما تفسير عدد رجال الأعمال الذين حضروا حفل التنصيب إلى حد يدعو للتساؤل: مَن يسعى لكسب وُدِّ مَن؟

إيفانكا في إطلالة صممتها دار «ديور» خصيصاً لها لحضور حفل تنصيب والدها رئيساً (رويترز)

عاشقتان للموضة

ظهور إيفانكا وميلانيا ترمب في أزياء من «ديور» و«جيفنشي» هذه المرة كانت له نكهة مختلفة. فالاثنتان عاشقتان للموضة وعملتا في فترة من الفترات عارضتَي أزياء. هذا في حد ذاته يجذب الأنظار لكل إطلالة تظهران بها.

يعتقد البعض أن اختيار إيفانكا إطلالة، من القبعة إلى الحذاء والحقيبة من دار فرنسية تتضمن في لونها وبين ثناياها دلالات مفعمة بالتفاؤل والأمل. لونها الأخضر يرمز إلى التجديد، بينما استُلهمت البدلة المكونة من جاكيت منحوت يحدد الخصر وتنورة مستقيمة، من تصميم أبدعه الراحل كريستيان ديور في خمسينات القرن الماضي، وهي فترة ذهبية غيَّرت مشهد الموضة العالمية بعد سنوات من التقشف بسبب الحرب العالمية الثانية. نجح المصمم الراحل في أن يوقظ الجانب الأنثوي للمرأة ورغبتها في الحياة، بأن استغنى عن الأقمشة الخشنة واستعاض عنها بأقمشة مترفة صاغها في أحجام سخية وخطوط محددة عند الكتفين والخصر. ترمب أيضاًً يأمل في تحريك الاقتصاد والدفع به إلى الأمام بشكل سريع يعيد لأميركا مكانتها بوصفها قوة عظمى بعد فترة يرى أنها كانت راكدة.

ميلاني في معطف من الكشمير الأسود بتصميم على شكل «كاب» في حفل وضع إكليل الزهور على مقبرة أرلينغتون الوطنية (رويترز)

السيدة الأولى لم تتأخر بدورها عن محاباة «ديور». ظهرت بمعطفين. الأول رمادي واسع، احتمت به من البرد لدى وصولها إلى مطار دالاس الدولي. والآخر من الكشمير الأسود بتصميم على شكل «كاب» مزدوج الصدر في حفل وضع إكليل الزهور على مقبرة أرلينغتون الوطنية.

أما فستان إيفانكا من «جيفنشي» فقصة أخرى. الدار التي يرتبط اسمها بالنجمة الراحلة أودري هيبورن، تنضوي هي الأخرى تحت أجنحة مجموعة «إل في إم إتش» وتشتهر برومانسيتها وفخامتها الناعمة.

أودري هيبورن في لقطة من فيلم «سابرينا» بالفستان الذي صمَّمه هوبير دي جيفنشي خصيصاً لها (غيتي)

في الحفل المسائي الذي يقام تقليدياً بعد حفل التنصيب، كان فستان إيفانكا نسخة طبق الأصل تقريباً من فستان ظهرت به النجمة الراحلة في فيلم «سابرينا» عام 1954. صممه لها آنذاك الراحل هوبير دي جيفنشي بنفسه في أول تعامل بينهما. أصبحا بعدها صديقين لم يفرِّق بينهما سوى الموت.

بعد 71 عاماً، أعاد فريق الإبداع في دار «جيفنشي» تصميمه بنفس اللون والخطوط مع فارق بسيط يظهر في التطريزات التي كانت أخف من التطريزات الأصلية وتغيير إيفانكا لون القفازين من الأبيض إلى الأسود. كان مجرد فكرة التشبه بأودري هيبورن مجازفة في حد ذاتها قد تُعرِّض أياً كان لمقارنات صعبة، نظراً إلى جمالها الفريد ومسيرتها الإنسانية.

إيفانكا ترمب وزوجها جاريد كوشنر في الحفل المسائي لتنصيب والدها (رويترز)

لكنها إيفانكا ترمب. تعرف كيف تتألق وتتجنب المطبات. فقد شاركت في عروض أزياء في صباها وعملت في مجال الموضة مصممة، فضلاً أن والدتها كانت عارضة أزياء محترفة عندما قابلت دونالد ترمب، وزوجة أخيها، كارلي كلوس، عارضة أزياء سوبر... أي إنها ليست غريبة عن الموضة وتحلم بأن تحتذي بهيبورن في مجال الأعمال الخيرية.

يقول متحدث من دار «جيفنشي» إن إيفانكا حضرت شخصياً لباريس لأخذ المقاسات وإجراء بروفات. فالمناسبة لا تحتمل أي خطأ، لأن الملايين من كل أنحاء العالم سيتابعون الحدث.

هيبورن ظهرت في الفستان كأنها منحوتة فنية من البورسلين الأبيض والأسود، فيما ظهرت فيه إيفانكا امرأة صارخة الجمال وممشوقة القوام. لا يمكن تسجيل أي غلطة في حقها، لكن غاب السحر الأثيري الذي كانت تتمتع به النجمة الراحلة.

صداقات ومصالح

مَن يعرف برنار أرنو يعرف أنه لا يقل حنكة عن ترمب في مجال المال ولا دهاءً في التعامل مع الأمور. يعرف أن تسيير الأعمال يحتاج إلى مرونة دبلوماسية وعلاقات قوية. والأهم عدم موالاة جهة على حساب أخرى.

في عام 2017 التقى وابنه ألكسندر ترمب في برج ترمب قبل أن يبدأ إدارته الأولى. فهمه سريعاً وتجاوب معه. وبعد مرور عامين على تولي ترمب الرئاسة، دعاه لجولة في معمل «إل في إم إتش» للسلع الجلدية في ريف ألفارادو بولاية تكساس. كانت رسالته واضحة بأنه يسهم في خلق فرص عمل للأميركيين، وبالتالي فإن المصلحة متبادلة.

يبدو أن جميع أفراد عائلة أرنو يؤمنون بمقولة إن اختلاف وجهات النظر، أو مصالح العمل، لا يفسد للود قضية. خيوط الود بينهم وبين باقي المرشحين، جمهوريين كانوا أم ديمقراطيين، متصلة لم تُقطع في أي مرحلة من المراحل. ألكسندر، البالغ من العمر 32 عاماً، مثلاً، أثار بعض التساؤلات عندما حضر تجمعاً مؤيداً لترمب في ماديسون سكوير غاردن في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلا أنه حضر أيضاً تجمعات لدعم جو بايدن وجمع التبرعات لنائبته آنذاك كامالا هاريس. هذه الأخيرة ارتدت في حملتها ضد ترمب، مجوهرات من «تيفاني آند كو» كما ظهرت بفستان سهرة فصَّلته مصممة دار «ديور» ماريا غراتزيا تشيوري، خصيصاً لها.


مقالات ذات صلة

لا يزال موسم الأزياء الراقية لربيع وصيف 2025 مستمراً

لمسات الموضة ستيفان رولان يُحيِّي ضيوفه في آخر العرض مع العارضة كوكو روشا (إ.ب.أ)

لا يزال موسم الأزياء الراقية لربيع وصيف 2025 مستمراً

في معظم العروض تحوَّلت العارضات إما إلى منحوتات وإما إلى أشكال معمارية متحركة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة حتى الفساتين الفخمة اتسمت بالحيوية والديناميكية في عرض «شانيل» (رويترز)

أسبوع الأزياء الراقية لربيع وصيف 2025 وتصاميم تسعى لاختراق حدود الإبداع

المتابع العادي لموسم الأزياء الراقية، المعروف بالـ«هوت كوتور»، قد يرى الاقتراحات التي تطرح خلاله سريالية لا تمتّ إلى الواقع بصلة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة زياد نكد يستلهم من الورود مجموعته الجديدة لربيع وصيف 2025

زياد نكد يستلهم من الورود مجموعته الجديدة لربيع وصيف 2025

في عرضه الأخير خلال موسم باريس للأزياء الراقية، قدم المصمم اللبناني زياد نكد تشكيلة «تحاكي الخيال» حسب قوله.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حقيبة مصنوعة من قشور الفواكه (الشرق الأوسط)

في السعودية... حقائب بنكهات اللومي واللافندر والرّمان واليوسفي

اختارت الشابات الفاكهة الشهيرة من مناطق سعودية، مثل اللومي في الشرقية، واليوسفي في الغربية، والرُّمان، والمانغو في الجنوب، وابتكرن حقائبَ صُنعت من جِلدها.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة كريستينا أغيليرا تضيء مسرح «جوي أووردز» بفستان من إيلي صعب (موسم الرياض)

«جوي أووردز» يمنح المصممين العرب منصة عالمية

لا تتعدى سنواته الخمس، ومع ذلك فرد «جوي أووردز» عضلاته عالمياً. أكد في دورته الخامسة أنه لا يقل إبهاراً وقوة عن حفل جوائز الأوسكار الأميركي، الذي بلغ من العمر…

«الشرق الأوسط» (لندن)

لا يزال موسم الأزياء الراقية لربيع وصيف 2025 مستمراً

ستيفان رولان يُحيِّي ضيوفه في آخر العرض مع العارضة كوكو روشا (إ.ب.أ)
ستيفان رولان يُحيِّي ضيوفه في آخر العرض مع العارضة كوكو روشا (إ.ب.أ)
TT
20

لا يزال موسم الأزياء الراقية لربيع وصيف 2025 مستمراً

ستيفان رولان يُحيِّي ضيوفه في آخر العرض مع العارضة كوكو روشا (إ.ب.أ)
ستيفان رولان يُحيِّي ضيوفه في آخر العرض مع العارضة كوكو روشا (إ.ب.أ)

المصمم المخضرم جيورجيو أرماني لخَّص مفهوم الـ«هوت كوتور» عندما قال بعد عرضه الأخير في باريس: «الهوت كوتور هو عالم ترتقي فيه الموضة لتصبح فناً».

كان على حق، ويبدو أن الأغلبية يوافقونه الرأي. في معظم العروض تحوَّلت العارضات إما إلى منحوتات وإما إلى أشكال معمارية متحركة. أما في حالة دار «فالنتينو» فإن الفن المسرحي كان وسيلة المصمم أليساندرو ميكيلي لإثبات قدراته. كان هذا أول عرض من هذا الخط يُقدمه للدار. استعمل فيه تيار الوعي أداةَ سردٍ فلسفية وبصرية، فأصاب حيناً وخاب حيناً.

سيتفان رولان

تصميم جمع فيه ستيفان رولان فنون النحت مع فنون الرقص والحركة (أ.ف.ب)

ستيفان رولان كان واحداً ممن عانقوا الجانب الفني بحرارة. فهذه عادته. صمم كل قطعة كأنها منحوتة أغدق عليها بالريش وتفنن في طياتها المتعددة، ليزيدها إبهاراً مطعَّماً ببعض الشقاوة. مع كل إطلالة تتعالى نظرات الإعجاب والعجب. يبقى الإعجاب ويتبدد العجب عندما يشرح أنه استلهم هذه التشكيلة من جوزيفين بايكر ومن كونستانتان برانكوزي.

الأولى راقصة ومغنية وممثلة وناشطة في مجال الحقوق المدنية الأمريكية، وكانت أول أمريكية من أصل أفريقي تحقق شهرة عالمية في السينما والمسارح العالمية. أقل ما يقال عنها إنها كانت جريئة وسابقة لأوانها. والثاني فنان تشكيلي ومصور روماني استقر في باريس وكان أول مَن بادر بتحديث فن النحت، بحيث تعد أعماله نقطة تحول فاصلة بين النحت الكلاسيكي والمعاصر.

ظهرت العارضات في عرض ستيفان رولان كأنهن منحوتات متحركة (أ.ف.ب)

وبما أن القاسم المشترك بين بايكر وبرانكوزي كان التحديث والخروج عن المألوف، فإن ستيفان رولان التقط هذا الخيط وقدمه بأسلوبه الخاص من دون أن يخرج عن النص الذي كتبه لنفسه. من مرونة جوزفين استلهم أشكالاً ملتوية بانحناءات وطيّات يسهل على المرأة أن تتحرك فيها، ومن الفنان برانكوزي أشكالاً هندسية هي الأخرى تعانق الجسم. رغم بنائها القوي تتمتع بليونة وطواعية لا تُخطئها العين.

الريش استحضر جوزفين بايكر وكان لافتاً في الفستان الأبيض الذي اختتمت به العارضة الكندية كوكو روشا العرض (أ.ف.ب)

هذا المزج جعل العرض يبدو كأنه استعراض لسلسلة من اللوحات الفنية مرسومة بالحرير والأورغانزا مع تطريزات اعتمد فيها على أحجار الكريستال والعاج وثنيات فنية، تلتوي وتتحرك مع كل خطوة لتُذكِّر بجوزفين بايكر وهي تؤدي رقصاتها الجريئة. حتى الريش الذي كانت تتزين به وأصبح لصيقاً بها ظهر وكان لافتاً في الفستان الأبيض الذي اختتمت به العارضة الكندية كوكو روشا العرض.

أليساندرو ميكيلي لـ«فالنتينو»

عاد ميكيلي بمخيلته إلى حقب زمنية تاريخية وفنية مختلفة بوصفها مصدر إلهام (فالنتينو)

كان الكل يترقب عرض أليساندرو ميكيلي لدار «فالنتينو». فعدا أنه أول عرض سيقدمه للدار من هذا الخط، فإن المصمم معروف بجنوحه إلى المبالغة في التطريز ومزج المتناقضات وشغفه بجمع الفينتاج بالحداثي. من هذا المنظور فإن موسم الـ«هوت كوتور» فُرصته ليصول ويجول كما يريد. وهذا ما فعله من خلال تشكيلة «Vertigineux» ومعناها «دوار». عنوان أراده أن يعكس دورة الحياة وكيف أن الماضي جزء من الحاضر ترسخه الذكريات والكتب والصور والفهارس والمتاحف والأفلام السينمائية. وإذا انتابك أي التباس حول فكرته هذه، شرح أن «الموضة، أو على الأصح كل قطعة هنا، ترتقي إلى مستوى الشِّعر لتصبح أداة بصرية وجمالية وسردية».

تصميم يستحضر ماري أنطوانيت في عرض أليساندرو ميكيلي لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

ويتابع أن أي فستان يتعدى دوره المادي ليصبح مع الزمن «بمنزلة قاموس يحفظ الذكريات أو أرشيف سردي، يتضمن تركيبات مستوحاة من ثقافات بعيدة وأجواء مختلفة وحكايات من الماضي لا تزال تتردد أصداؤها في الحاضر».

ولأن دوران الزمن كان محوراً أساسياً في تشكيلة المصمم الإيطالي، فقد استعان بعارضات فوق الخمسين والستين من العمر، في إشارةٍ إلى أن الزمن جزء من دورة الحياة «لا يؤثر بل يزيد قوة وجمالاً».

استعان أليساندرو ميكيلي في عرضه لدار «فالنتينو» بعارضات فوق الخمسين والستين (فالنتينو)

ثمانية وأربعون فستاناً، كل واحد منها يمثّل شخصية وحقبة زمنية وحكاية، لكن المشكلة أن انتقاله من حقب زمنية تاريخية مختلفة، ورغبته في احتضان الكل، سواء كان مهرجاً في سيرك أو إمبراطورة من حقبة ماري أنطوانيت، يصيبان الناظر بالدوران ودوامة من الحيرة. نعم كان غنياً بالأفكار الفلسفية والألوان الغنية والتصاميم المعقدة، إلا أنه بالنسبة لامرأة ترغب في قطعة فنية تتباهى بها وتتحرك فيها بسهولة، يحتاج إلى وقفة تفكير تتعدى الفلسفي والسردي. ولا بأس من جلسة مع المصمم نفسه لإجراء تغييرات طفيفة. فهذا أولاً وأخيراً الموسم الذي يوفر لزبونة الـ«هوت كوتور» قطعة فريدة من نوعها، لا يُفترض فيها أن تُغير أساسها أو المساس برؤية مصممها، لكن لا بأس أن تناسب مقاسها وذوقها.

«أرماني بريفيه»

جيورجيو أرماني في آخر العرض (جيورجيو أرماني)

أمر يعرفه المخضرم جيورجيو أرماني، الذي يحتفل بمرور 20 عاماً على إطلاق خطه الخاص بالـ«هوت كوتور»، ولم يُغير فيها المصمم جلده أو قناعته بأهمية الحرفية وأن الأساس هو التفصيل الذي لا يُعلى عليه. وصفته أيضاً تطويع الأقمشة لتشكيل تصاميم مبتكرة تحتفي دائماً بأنوثة المرأة برقيّ.

أطلق على هذه المجموعة اسم «Lumières»، أي «أضواء»، وسلَّط فيها الأضواء على مسيرة عمرها 20 عاماً، من خلال نحو 93 إطلالة تستكشف أسرارها. تأخذنا في رحلة ممتعة تُذكِّرنا بأن منابع استلهامه كثيرة، منها: الصين والطبيعة البولينزية، والهند بأبَّهتها وفخامتها، واليابان بحداثة خطوطها، وشمال أفريقيا بدفئها ونخيلها.

تشكيلة «أرماني بريفيه» كانت غنية بالتطريز والتفاصيل الأنيقة (جيورجيو أرماني)

إلى جانب التطريزات وتطويع الأقمشة لتتماهى مع الجسم، أتقن المصمم لعبة الألوان. في مجموعة ربيع-صيف 2020، مثلاً شكلت ألوان الأخضر اللامع والأزرق النيلي والفوشيا والأحمر، أنماطاً خيالية من نقشات الـ«إيكات»، ولربيع-صيف 2023، استلهم من فينسيا تشكيلة تراقصت فيها الأضواء لتشكل خطوطاً وألواناً متلألئة تتماوج مع كل حركة.

من عرض «أرماني» الأخير الذي احتفل فيه بمسيرة 20 عاماً على إطلاقه خطه «بريفيه» (جيورجيو أرماني)

أما في مجموعة ربيع-صيف 2024، فأخذنا في رحلة من الغرب إلى الشرق: فساتين مستوحاة من الكيمونو، وجاكيتات طويلة، وسراويل ضيقة عند الكاحل، وفساتين فضفاضة خفيفة الوزن، الكثير منها مطرز باللؤلؤ.

لكن في كل هذه المجموعات ظل أسلوبه واحداً لم يتغير. لسان حاله يقول إن ما بُني على جينات «أصيلة» لا يحتاج إلى تغيير.