لم تكن صدفةً أن تختار كل من ميلانيا وإيفانكا ترمب أزياء من دار «ديور» و«جيفنشي» في حفل تنصيب الرئيس دونالد ترمب في مبنى الكابيتول أو في احتفالات وفعاليات جانبية في أماكن أخرى. كما لم يكن صدفة حضور الملياردير الفرنسي برنار أرنو، ضيفاً في الحفل، في سابقة قد تكون الأولى من نوعها. اللافت فيها أيضاً أن دعوته لم تكن فردية. شملت زوجته هيلين، عازفة البيانو، وابنته ديلفين، رئيسة مجلس الإدارة والرئيسة التنفيذية لـ«ديور»، وابنه ألكسندر، نائب الرئيس التنفيذي في دار المجوهرات «تيفاني آند كو». خُصصت لهم أماكن مميزة، قريباً من رؤساء سابقين مثل جورج دبليو بوش وبيل كلينتون وباراك أوباما. كان المشهد جديداً ومثيراً في محفل تكون فيه الأولوية عادةً للسياسيين. وطبعاً إذا عُرف السبب بَطُلَ العجب. فالملياردير أرنو هو أغنى رجل في فرنسا ومالك مجموعة «إل في إم إتش» التي تنضوي تحتها كل من «ديور» و«جيفنشي».
اختيار ميلانيا وإيفانكا هاتين العلامتين أشارت إلى خيوط صداقة تربط بين ابنة ترمب وابنة أرنو، ديلفين، إضافةً إلى خيوط تربطها بالسياسة، أو بالأحرى سياسة ترمب. في خطابه التاريخي، وعد بـ«عصر ذهبي» و«حقبة جديدة مثيرة» ستجعل الولايات المتحدة «أعظم وأقوى وأكثر استثنائية من أي وقت مضى». كرجل أعمال محنك، يعرف دونالد ترمب أن المال هو الوسيلة لتحقيق غايته، وإلا ما تفسير عدد رجال الأعمال الذين حضروا حفل التنصيب إلى حد يدعو للتساؤل: مَن يسعى لكسب وُدِّ مَن؟
عاشقتان للموضة
ظهور إيفانكا وميلانيا ترمب في أزياء من «ديور» و«جيفنشي» هذه المرة كانت له نكهة مختلفة. فالاثنتان عاشقتان للموضة وعملتا في فترة من الفترات عارضتَي أزياء. هذا في حد ذاته يجذب الأنظار لكل إطلالة تظهران بها.
يعتقد البعض أن اختيار إيفانكا إطلالة، من القبعة إلى الحذاء والحقيبة من دار فرنسية تتضمن في لونها وبين ثناياها دلالات مفعمة بالتفاؤل والأمل. لونها الأخضر يرمز إلى التجديد، بينما استُلهمت البدلة المكونة من جاكيت منحوت يحدد الخصر وتنورة مستقيمة، من تصميم أبدعه الراحل كريستيان ديور في خمسينات القرن الماضي، وهي فترة ذهبية غيَّرت مشهد الموضة العالمية بعد سنوات من التقشف بسبب الحرب العالمية الثانية. نجح المصمم الراحل في أن يوقظ الجانب الأنثوي للمرأة ورغبتها في الحياة، بأن استغنى عن الأقمشة الخشنة واستعاض عنها بأقمشة مترفة صاغها في أحجام سخية وخطوط محددة عند الكتفين والخصر. ترمب أيضاًً يأمل في تحريك الاقتصاد والدفع به إلى الأمام بشكل سريع يعيد لأميركا مكانتها بوصفها قوة عظمى بعد فترة يرى أنها كانت راكدة.
السيدة الأولى لم تتأخر بدورها عن محاباة «ديور». ظهرت بمعطفين. الأول رمادي واسع، احتمت به من البرد لدى وصولها إلى مطار دالاس الدولي. والآخر من الكشمير الأسود بتصميم على شكل «كاب» مزدوج الصدر في حفل وضع إكليل الزهور على مقبرة أرلينغتون الوطنية.
أما فستان إيفانكا من «جيفنشي» فقصة أخرى. الدار التي يرتبط اسمها بالنجمة الراحلة أودري هيبورن، تنضوي هي الأخرى تحت أجنحة مجموعة «إل في إم إتش» وتشتهر برومانسيتها وفخامتها الناعمة.
في الحفل المسائي الذي يقام تقليدياً بعد حفل التنصيب، كان فستان إيفانكا نسخة طبق الأصل تقريباً من فستان ظهرت به النجمة الراحلة في فيلم «سابرينا» عام 1954. صممه لها آنذاك الراحل هوبير دي جيفنشي بنفسه في أول تعامل بينهما. أصبحا بعدها صديقين لم يفرِّق بينهما سوى الموت.
بعد 71 عاماً، أعاد فريق الإبداع في دار «جيفنشي» تصميمه بنفس اللون والخطوط مع فارق بسيط يظهر في التطريزات التي كانت أخف من التطريزات الأصلية وتغيير إيفانكا لون القفازين من الأبيض إلى الأسود. كان مجرد فكرة التشبه بأودري هيبورن مجازفة في حد ذاتها قد تُعرِّض أياً كان لمقارنات صعبة، نظراً إلى جمالها الفريد ومسيرتها الإنسانية.
لكنها إيفانكا ترمب. تعرف كيف تتألق وتتجنب المطبات. فقد شاركت في عروض أزياء في صباها وعملت في مجال الموضة مصممة، فضلاً أن والدتها كانت عارضة أزياء محترفة عندما قابلت دونالد ترمب، وزوجة أخيها، كارلي كلوس، عارضة أزياء سوبر... أي إنها ليست غريبة عن الموضة وتحلم بأن تحتذي بهيبورن في مجال الأعمال الخيرية.
يقول متحدث من دار «جيفنشي» إن إيفانكا حضرت شخصياً لباريس لأخذ المقاسات وإجراء بروفات. فالمناسبة لا تحتمل أي خطأ، لأن الملايين من كل أنحاء العالم سيتابعون الحدث.
هيبورن ظهرت في الفستان كأنها منحوتة فنية من البورسلين الأبيض والأسود، فيما ظهرت فيه إيفانكا امرأة صارخة الجمال وممشوقة القوام. لا يمكن تسجيل أي غلطة في حقها، لكن غاب السحر الأثيري الذي كانت تتمتع به النجمة الراحلة.
صداقات ومصالح
مَن يعرف برنار أرنو يعرف أنه لا يقل حنكة عن ترمب في مجال المال ولا دهاءً في التعامل مع الأمور. يعرف أن تسيير الأعمال يحتاج إلى مرونة دبلوماسية وعلاقات قوية. والأهم عدم موالاة جهة على حساب أخرى.
في عام 2017 التقى وابنه ألكسندر ترمب في برج ترمب قبل أن يبدأ إدارته الأولى. فهمه سريعاً وتجاوب معه. وبعد مرور عامين على تولي ترمب الرئاسة، دعاه لجولة في معمل «إل في إم إتش» للسلع الجلدية في ريف ألفارادو بولاية تكساس. كانت رسالته واضحة بأنه يسهم في خلق فرص عمل للأميركيين، وبالتالي فإن المصلحة متبادلة.
يبدو أن جميع أفراد عائلة أرنو يؤمنون بمقولة إن اختلاف وجهات النظر، أو مصالح العمل، لا يفسد للود قضية. خيوط الود بينهم وبين باقي المرشحين، جمهوريين كانوا أم ديمقراطيين، متصلة لم تُقطع في أي مرحلة من المراحل. ألكسندر، البالغ من العمر 32 عاماً، مثلاً، أثار بعض التساؤلات عندما حضر تجمعاً مؤيداً لترمب في ماديسون سكوير غاردن في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلا أنه حضر أيضاً تجمعات لدعم جو بايدن وجمع التبرعات لنائبته آنذاك كامالا هاريس. هذه الأخيرة ارتدت في حملتها ضد ترمب، مجوهرات من «تيفاني آند كو» كما ظهرت بفستان سهرة فصَّلته مصممة دار «ديور» ماريا غراتزيا تشيوري، خصيصاً لها.