عادةً ما تُرمى قشور الفواكه بوصفها موادّ فائضة عن الحاجة، ولا فائدة تُرجى منها. بَيْد أن 3 شابات سعوديات ابتكرن طريقة جديدة لاستخدامها من منطلق أن هذه الفواكه مُشبَّعة بكثير من «الذكريات المتبقية»؛ فاخترن الفاكهة الأكثر شهرة من كل منطقة سعودية، مثل اللومي «نعناعة الأحساء» في الشرقية، واليوسفي «ذهب العلا» في الغربية، والرُّمان «ياقوتة الباحة»، والمانغو «شمس جازان» في الجنوب، وابتكرن حقائبَ صُنعت من الجلد الطبيعي المستخلص من قشورها.
في مشروع حمل اسم «نسيم»، تحاول صاحباته الثلاث تجسيد الارتباط العميق بالثقافة والموروث المحليين في شكل حقيبة عطرية مصنوعة من الجلد الحيوي، تصنعه الشابات من الصفر، لتحمل هذه الحقائب عبق التراث، وفقاً للأسماء التي وضعنها لتعكس تنوّعاً كبيراً مستلهماً من رائحة الأرض وخيراتها.

قصص ممتدة
تتحدث المصممة هيفاء الدهام، لـ«الشرق الأوسط»، قائلة: «كلُّ حقيبةٍ لها قصة ورائحة خاصة، وأحياناً تتضمّن الحقيبة الواحدة أكثر من نوعٍ من قشر الفواكه، ومن ثم أكثر من قصة وأكثر من رائحة في آن واحد».
أما أنوار الصفواني، وهي طالبة تصميم صناعي ومصمّمة الجلد الحيوي في المشروع، فتؤكد أن الدافع انطلق من الوقوف على كمية الهدر الكبيرة من الفواكه بالأسواق ومتاجر الخضراوات، مما ولّد هذه الفكرة.

وتوضح أنوار، التي أشرفت على تصميم مادة الجلد الحيوي المستخدمة في الحقائب وتطويرها، أن بقايا الفواكه المستخدمة هي في مرحلة التّطوير لتتلاءم هذه المادة مع مواصفات الجلد الصِّناعي بقدر المُستطاع. وتضيف أن «تركيب المادة من بقايا الفواكه يمتزج مع مواد طبيعية أخرى، لذا فهو لا يشكّل ضرراً على البيئة، كما أننا حاولنا الاستغناء عن الكهرباء في عملية التصنيع».

الاستدامة والبداية
من جانبها تتحدّث فاطمة النعمي، المعمارية وعضو تدريس سابق في كلية التّصميم بمجال التصميم الصناعي، عن نشأة فريق المشروع، حين اجتمعت الفتيات الثلاث في مسابقة «تنوين»، التي ينظمها «مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي» (إثراء) بالظهران، مضيفة: «تضمّنت المسابقة وقتها تقديم تصميمات مستدامة بيئياً، ومن هنا تناغمنا ثلاثتنا، ودمجنا مهاراتنا من خلال مشروعنا الحالي».
وتشير فاطمة النعمي، خلال حديثها، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنهن جرّبن، حتى الآن، اللومي واللافندر والرّمان واليوسفي واليقطين والمانغو. وتردف: «حاولنا تسليط الضوء على أكثر من منطقة، واستطعنا، إلى الآن، إنتاج مجموعة متنوعة بأسماء لافتة، مثل دفء الجنوب، لومي الأحساء، نسيم الطائف، إشراقة العلا، شمس جازان، وغيرها». وتوضح النعمي أنهن استلهمن كذلك من ممارسات ابتكار الروائح على غرار الطريقة المتبَعة من العطارين، إلى جانب ممارسة التّصميم الصناعي والأزياء.

50 حقيبة سنوياً
تضيف فاطمة: «حاولنا دمج كل ذلك للخروج بمنتَج مستدام، لا يزال قيد التّطوير، كما أن كل ما صنعناه من جلود عطرية لا يزال يحتفظ بسماته حتى الآن».
وأبانت فاطمة أن أقدم جلدٍ عطري أكمل، اليوم، 7 أشهر، والفريق مستمر باختبار قدرته على العيش لمدة أطول. ولأن معظم الخامات الطبيعية هي من فائض الفواكه، فإنهن يدرسن، الآن، مدة صلاحية المواد التي استُخدمت للتعرّف على عمر الخامة. وتتابع قائلة: «نتوقع أن تعيش نحو 5 سنوات، بَيْد أن هذا الأمر ما زال قيد الدراسة».
ويأتي السؤال عن كيفية الحفاظ على هذه الحقائب والجلود العطرية، خصوصاً مع صعوبة تنظيفها بالمواد الصناعية التقليدية، لتُوضِّح أنوار الصفواني أنها جرّبت استخدام مواد طبيعية ومواد مرطّبة مثل الزيوت، وكانت «النتيجة، حتى الآن، جيدة، لكننا نفكر في مستقبل القطع، وإمكانية تطوير سُبل العناية بها للحفاظ على المُنتج بشكله السليم لأطول فترة ممكنة».

وهنا تكشف فاطمة النعمي أن خطتهن تتضمن إنتاج 50 حقيبة سنوياً، حداً أقصى، على أن يُطلقن المتجر الإلكتروني في نهاية العام الحالي، ويعملن على كل قطعة بحجز مسبق. وتختتم حديثها: «بعد توفير هذه الكميات سنحاول التّوسع بشكل أكبر، علماً بأننا نركّز حالياً على المانغو والشّمندر تحديداً، ولدينا خطط وأفكار كثيرة نعتزم تنفيذها».