«فالنتينو» تودّع بييرباولو بيكيولي وتستقبل أليساندرو ميكيلي في غضون أسبوع

الإرث الذي خلّفه بيكيولي يصعب تجاوز إنسانيته وشاعريته

لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)
لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)
TT

«فالنتينو» تودّع بييرباولو بيكيولي وتستقبل أليساندرو ميكيلي في غضون أسبوع

لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)
لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)

شهدت ساحة الموضة مؤخراً هزة كراسي قوية شملت تغيير مناصب تنفيذية وإقالات واستقالات. المصمم البلجيكي دريز فان نوتن أعلن منذ أسابيع خبر تنحيه عن إدارة الدار التي أسسها منذ 38 عاماً، تلاه مباشرة إعلان خروج بييرباولو بيكيولي من دار «فالنتينو» بعد 25 عاماً. الأول برر قراره بأنه يريد فتح المجال للشباب لكي يضخوا داره بدماء جديدة ورغبته في خوض مغامرات ومشاريع شخصية أجلها طويلاً، وحان الوقت ليستمتع بها. أما الثاني، فجاء في البيان الذي تم توزيعه على وسائل الإعلام أن قرار المغادرة كان ودياً بينه وبين الشركة الأم. لكن هذه البيانات أصبحت مكررة تفتح أبواب التكهنات. بنفس الحبر تقريباً كُتب بيان مغادرة سارة بيرتون دار «ألكسندر ماكوين» التابعة لمجموعة «كيرينغ» في العام الماضي، وهي التي شغلت منصبها لـ13 عاماً، وأصبحت مصممة أميرة وايلز، كاثرين المفضلة، إن لم نقل الرسمية.

لا مكانتها في البلاط الملكي شفعت لها، ولا الشاعرية والديناميكية التي ميزت تصاميم وعروض «فالنتينو» شفعت لبيكيولي أمام موجة التغيير.

لم يمضِ سوى أيام حتى تم الإعلان عن خليفة له: أليساندرو ميكيلي، مصمم دار «غوتشي» السابق، ما يجعل توقيت الإعلانين مثيراً، لأنه جاء بعد فترة قصيرة من استحواذ مجموعة «كيرينغ» على حصة 30 في المائة من «فالنتينو» مقابل 1.7 مليار يورو، مع إمكانية استحواذها على النسبة المتبقية بحلول عام 2028. المتابعون يعرفون أن هذه الصفقة تأتي في فترة تشهد فيها «كيرينغ» المالكة لـ«غوتشي» و«ألكسندر ماكوين» وغيرها عملية نفض مكثفة تستهدف تغيير كراسي رؤساء تنفيذيين ومصممين على حد سواء.

غني عن القول بأنها تغييرات تأتي كرد فعل للصدمات الاقتصادية التي تلقتها سوق المنتجات المترفة ككل في السنوات الأخيرة، وإن كانت خيوطها بدأت تُحاك منذ عقدين تقريباً لتجريد الموضة من جانبها الإنساني، وخلق ثقافة دخيلة تعطي الأولوية للتسويق، والأرباح. ولو على حساب الإبداع.

لم يتلاعب بإرث الدار لكنه ضخها بديناميكية عصرية وشاعرية في الوقت ذاته (فالنتينو)

بييرباولو بيكيولي صَرح في لقاء صحافي سابق بأن مشهد الموضة تغيّر بشكل صادم، قال وكأنه كان يعرف ما يُخبئ له المستقبل القريب: «بغض النظر عن شكل التعبير الفني، أصبح المنتجون أقوى من الموسيقيين، وأصحاب المعارض أقوى من الفنانين، والمجموعات الكبيرة أقوى من المصممين». علَق أيضاً أن قواعد اللعبة تغيرت حين أصبح للرؤساء التنفيذيين الكلمة المسموعة بحجة تسهيل عمليات التسويق. بييرباولو بيكيولي من الجيل الذي يؤمن بالإبداع، والروح الإنسانية أولاً. كان من الممكن أن يجاري متطلبات السوق، لكنه فضل التمسك بقناعاته «كان واضحاً بالنسبة لي ما سيؤدي إليه التوجه الجديد. لا يهمني كل ما يقال، فأنا أعرف ما أريد، ولا يمكنني التنازل عن قناعاتي مهما كانت متطلبات الأسواق، وتغير الأذواق. فهذا النظام الجديد لا يمكن أن يستمر». بحسب رأيه هو نظام يتنافى مع الإبداع، و«بلا مستقبل، لأن من يفتقد القدرة على الخيال، فلن يقدر على الإبداع بأي شكل من الأشكال».

الوردي لا يزال حاضرات لكن بدرجات اقل توهجا من "بي.بي.بينك" (فالنتينو)

بييرباولو بيكيولي ليس وحده من عبّر عن قلقه من ترجيح كفة الجانب التجاري والتسويقي على الجانب الإبداعي. كل من المصمم راف سيمونز والراحل ألبير إلبيز أعربا في وقت من الأوقات عن قلقهما من أن تفقد الموضة شيئاً أساسياً تصعب استعادته. بل يمكن القول بأن أول من دق أجراس الخطر كان الراحل إيف سان لوران عندما أعلن تقاعده وهو يرمي جام غضبه على سطوة المجموعات الكبيرة، ولهفتها على تحقيق الربح بأي ثمن.

بغض النظر عن كل التكهنات عن الأسباب والمسببات، وما إذا كان غياب بييرباولو بيكيولي سيُخلف ثغرة في ساحة الموضة، أو أن الوقت حان لبعض التغيير بعد 25 عاماً قضاها فيها، فإن المتابعين لتاريخ الموضة يُدركون أن «العرض سيستمر». بتنصيب أليساندرو ميكيلي، الذي سبق وحقق لدار «غوتشي» نجاحات مهمة قبل أن يصيب أسلوبه المبالغ فيه بالتخمة، فإن المجموعة تطمح أن يكرر لها نفس النجاحات التجارية في داره الجديدة.

غير أن خروج بيكيولي لن يُنسينا ما خلّفه من إرث إنساني، وصور شاعرية ستبقى في الذاكرة، بدءاً من درجة الوردي الذي أصبح لصيقاً باسمه إلى الجانب الإنساني الذي تبناه طوال فترته كمصمم.

من عرضه لخريف وشتاء 2024 (فالنتينو)

في كل لقاءاته كان بييرباولو يؤكد على ضرورة أن تحافظ الموضة على العنصر الإنساني بأن تبقى واقعية. من جهته، جعلها تتعدى الألوان والأزياء والإكسسوارات، ووظفها لتعانق الاختلاف، وتفسح المجال للآخر. كان أكثر مصمم استعان بعارضات أفريقيات في عروضه.

في عام 2022، أقام عرضاً ضخماً في روما كانت خلفيته المدرج الإسباني، وافتتحته عارضة سودانية. أطلق عليه عنوان البداية «The Beginning»، وطرز الكثير من اقتراحاته بالورود، والأزهار، ليذكرنا ببدايات تأسيس الدار في روما على يد غارافاني فالنتينو. كان أيضاً رسالة حب للعالم، شارك في كتابتها عارضون وعارضات من كل الأجناس، والألوان، والأحجام أيضاً.

مشهود له بقدرته على مزج الألوان واختيار العارضات (فالنتينو)

دعا لحضوره 120 طالباً من معاهد موضة إيطالية في لفتة لبداياته كطالب كان يتابع عروض الأزياء من بعيد، ولا يتصور أنه سيكون جزءاً منها في يوم من الأيام. في آخر العرض، لم ينس الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة في هذه التشكيلة، وغيرها. خرج معهم جميعاً وهو يحفز ضيوفه للتصفيق لهم.

لكن ستبقى مهارته في مزج الألوان بشاعرية وفنية هي أكثر ما ستذكره كتب الموضة عنه. لم تضاهه مهارة فيها سوى إيف سان لوران وكريستيان لاكروا، وإيمليو بوتشي، وجون باتو. كانت الألوان بالنسبة له «الأداة الأكثر مباشرة لتغيير وجهات النظر، وتكسير الأفكار المسبقة» وفق قوله.

المملة نينا دوبريف في زي من مجموعة "بي.بي. بينك" التي رغم كل المخاوف التي اثارتها "بي.بي. بينك" حققت النجاح (فالنتينو)

في تشكيلته لخريف وشتاء 2023 قدم لـ«بي بي بينك» اللون الوردي الذي اجتاح ساحة الموضة حتى قبل أن يصدر فيلم «باربي». ابتكره بمساعدة «مؤسسة بانتون للألوان». أثار مخاوف شريحة لا يستهان بها من النساء عندما أطل علينا بجرعات قوية، إلا أن مفعوله كان قوياً. ارتفعت المبيعات بنسبة 15 في المائة في ذلك العام لتصل إلى 1.5 مليار دولار. ظهر بعده الأزرق، والأبيض، والذهبي، وألوان أخرى خلقت نوعاً من الدراما الشاعرية، وجعلت البعض يقارنه بفنانين كبار رغم رفضه لهذه الصفة. «بالنسبة لي الموضة ليست فناً، لأنها تحتاج لأن تتعامل مع الجسد بشكل عملي، وواقعي، بينما لا يتقيد الفن بهذا الأمر» وفق ما قاله لـ«الشرق الأوسط» في لقاء سابق، مضيفاً: «أعتقد أن الفن والموضة شيئان مختلفان. فالفن بالنسبة لي لا يلبي احتياجات ملموسة في أرض الواقع، على العكس من الموضة. فهي مفيدة، وتستهدف أموراً محددة، وعملية في الحياة. لكن بالتأكيد هناك قواسم مشتركة كثيرة بينهما، مثل بحثهما الدائم عن الجمال، والرغبة في تحرير الخيال».

كان الأسود هو اللون الأوحد في عرضه الأخير لخريف 2024 وشتاء 2025 (فالنتينو)

بيد أن حبه للألوان، ومهارته في جعلها تتناغم حتى في أقصى تناقضاتها تجعل تشكيلته الأخيرة لخريف وشتاء 2024 - 2025 مثيرة للتساؤل. لون 63 قطعة بالأسود. كان جريئاً في جعله اللون الأوحد. تجريده للوحاته من ألوانها مُبقياً على لونٍ واحدٍ يتيح له القيام بالكثير باستخدام القليل، مضاعفاً الاحتمالات التعبيريّة. من هذا المنظور، وبعد إعلان خبر خروجه من «فالنتينو» فهي تُعبّر هنا أيضاً عن مشاعر «الفقد»، وأنه كان يشعر باقتراب ساعات الفراق. وهذا ما يجعلها أيضاً نقطة النهاية لفصل مهم في تاريخ دار إيطالية، ومسيرة مصمم رفض أن يساير الموجة السائدة، مفضلاً أن يحتفظ بقناعاته، ومبادئه. فالنتينو غارافاني، مؤسس الدار، نشر على صفحته الخاصة مُعلقاً على خبر مغادرته: «شكراً بييرباولو، أنت المصمم الوحيد الذي لم يحاول تشويه رموز علامة كبيرة بسبب جنون العظمة، وتضخم الأنا».

وداعا بييرباولو بيكيولي (فالنتينو)

أهم المحطات في مسيرته

ولد بيكيولي في عام 1967 في «نيتونو»، مدينة ساحلية صغيرة تبعد عن روما بنحو 35 ميلاً جنوباً. لا يزال يعيش فيها مع زوجته، وأبنائه الثلاثة. بدأ العمل مع دار «فالنتينو» في عام 1999 في قسم الإكسسوارات. في عام 2008 أصبح المدير الإبداعي لقسم الأزياء مع زميلته ماريا غراتزيا تشيوري التي سبق وعمل معها في دار «فندي» لعشر سنوات. في عام 2016، انتقلت تشيوري إلى «ديور» كأول امرأة تتسلم هذه المهمة كمصممة. بقي هو المصمم الوحيد في «فالنتينو»، ومنذ أول عرض له من خط الـ«هوت كوتور» تحديداً كشف عن عبقرية، وخصوبة خيال. كان كل عرض يقدمه من هذا الخط يثير العواطف إلى حد انتزاع الدموع من الحضور، مثلما حدث مع المغنية سيلين ديون في عام 2019.

على العكس من المصممين الشباب الذين تسلموا مقاليد بيوت أزياء لمؤسسين إما تقاعدوا أو غيبهم الموت، وحاولوا وضع لمساتهم الشخصية عليها، بقي هو وفياً لرموزها الأساسية. فالنتينو غارافاني، مؤسس الدار، أشاد به في كل المناسبات، وهو ما يعتبر سابقة بحد ذاتها. فمعظم المؤسسين لم يكونوا راضين عن خلفائهم، أشهرهم كان إيف سان لوران ومشكلاته مع توم فورد.

حتى عندما يتعامل مع لون واحد فإنه يُبدعه بشكل يجعله ملوَنا (فالنتينو)

ما يحسب له أنه رغم احترامه رموز الدار وجيناتها، لم يبق أسيراً لهذا الإرث. أمر قال إنه تعلمه من الراحل كارل لاغرفيلد الذي عمل معه في دار «فندي» في بدايته «كان كارل مهووسا بفكرة عدم العودة إلى الماضي، وهو ما كان درساً مهماً لي». ومع ذلك احترم ماضي الدار، ومؤسسها. كان يعود إليه فقط لكي يضخه بحداثة تواكب العصر.


مقالات ذات صلة

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

لمسات الموضة من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

في ظل التخبط، بين شح الإمكانات ومتطلبات الأسواق العالمية الجديدة وتغير سلوكيات تسوُّق جيل شاب من الزبائن، يأتي تعيين لورا مثيراً ومشوقاً.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أساور من مجموعة «إيسانسييلي بولاري» مزيَّن بتعويذات (أتولييه في إم)

«أتولييه في إم» تحتفل بسنواتها الـ25 بعنوان مستقل

«أتولييه في إم» Atelier VM واحدة من علامات المجوهرات التي تأسست من أجل تلبية جوانب شخصية ونفسية وفنية في الوقت ذاته.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
TT

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

إذا اتفقنا على أن مجلس الموضة البريطاني هو الربان الذي يقود دفة هذا القطاع بتقديم وسائل الدعم والأمان لصناعها والمبدعين فيها، فإن تعيين لورا وير رئيساً له، ذو أهمية قصوى. ربما الآن قبل أي وقت مضى. فهذا القطاع يعاني منذ عدة مواسم. محلات كبيرة أغلقت أبوابها واكتفت بتوفير منتجاتها عبر التسوق الإلكتروني، ومصممون شباب اختفوا من الساحة، أو على الأصح من الواجهة بسبب شح الموارد والإمكانات وغيرها من المشكلات التي لا تزال تبحث عن حلول.

شح الموارد والتغيرات الخارجية

حتى دار «بيربري» التي كانت أكبر قوة جذب لأسبوع لندن تعرضت لمشكلات كثيرة (بيربري)

لهذه الأسباب، كان من البدهي أن يفقد أسبوع لندن وهجه، إلى حد أنه بات يمر مرور الكرام من دون تهليل أو حماس في الآونة الأخيرة. المقياس هنا لا يقتصر على تراجع حجم التغطيات الإعلامية فحسب، بل أيضاً على عدد الحضور العالمي، الذي تقلص بشكل ملحوظ، بسبب الحجر أيام جائحة كورونا ومنع السفر بدايةً، ثم بسبب خفض الميزانيات المخصصة لمجلات الموضة، التي لم تسلم هي الأخرى من تبعات الأزمة الاقتصادية.

في ظل هذا التخبط، بين شح الإمكانات ومتطلبات الأسواق العالمية الجديدة وتغير سلوكيات تسوق جيل شاب من الزبائن، يأتي تعيين لورا مثيراً للحماس والفضول. فالمطلوب منها هو تحريك المياه الراكدة وقيادة الدفة بالاتجاه الذي تحتاج إليه الموضة البريطانية لتتجاوز العاصفة إلى بر الأمان.

مَن لورا وير؟

لورا وير الرئيس الجديد لمجلس الموضة البريطانية (مجلس الموضة)

السؤال الذي يمكن أن يطرحه البعض :هو كيف وصلت وير إلى هذا المنصب المؤثر؟ وما سيرتها الذاتية؟ والجواب أنها حتى عهد قريب عملت في محلات «سيلفردجز» اللندنية رئيساً في قسم الإبداع والتواصل. قبل ذلك ولعقدين من الزمن، عملت محررة أزياء متخصصة في عدة مجلات، نذكر منها «درايبرز» و«فوغ» النسخة البريطانية، وصحيفة «ذي صانداي تايمز». في عام 2015، عُيِنت رئيسة تحرير للملحق الأسبوعي ES لجريدة «إيفنينغ ستاندرد» الذي أعادت تصميمه بالكامل. بعد أن تركت المجلة ES أنشأت وكالة استراتيجية متخصصة في الاتصالات والتوجيه الإبداعي، وفي عام 2023، انضمت إلى محلات «سيلفردجز» للإشراف على فريق الإبداع والتسويق والاتصالات. هذا فضلاً عن مناصب أخرى شغلتها وكانت لها ذات الأهمية. كانت مثلاً عضواً في مجلس الموضة البريطاني قبل أن تكون رئيساً له. كما كانت مستشارة للأكاديمية البريطانية لفنون الأفلام والتلفزيون (بافتا).

هذه المناصب وغيرها فتحت أمامها أبواب التعامل المباشر مع صناع الموضة الكبار والصغار وأيضاً مع المواهب الصاعدة من شتى الفنون. تعرفت على طموحاتهم ومشكلاتهم. على خبايا الأمور وظاهرها. وهذا ما يجعلها خير خلف لكارولاين راش التي تبوأت هذه الوظيفة لـ16 عاماً، وأعلنت مغادرتها له في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

التحديات

كادت «روكساندا» تُعلن إفلاسها لولا تدخل مستثمرين (روكساندا)

رغم أهمية المنصب الذي ستبدأه بشكل فعلي في شهر أبريل (نيسام) المقبل، فإن التوقيت شائك ويحتاج إلى دراية عالية ونَفَس طويل. فصناعة الموضة البريطانية تعاني من تباطؤ وركود منذ سنوات، وأسبوعها الذي يعد الأوكسجين الذي يتنفس منه مبدعوها ويطلون من خلاله على العالم أصابه الوهن بشكل لم يشهده منذ انطلاقه في عام 1984. صحيح أنه مرَّ بعدة أزمات في السابق، لكنها كانت ماليّة في الغالب، إذ كان يشكو من شح التمويل والإمكانات، فيما هي الآن نفسية أيضاً بسبب التراكمات الاقتصادية والسياسية وما نتج عنها من ضغوط وقلق.

من تشكيلة إيرديم الأخيرة (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

ما لا يختلف عليه اثنان أن أسبوع لندن لا يزال يتمتع بروح الابتكار، وأنه لا يزال أكثر واحد من بين العواصم العالمية الأخرى، نيويورك وميلانو وباريس، احتضاناً للآخر. يفتح الأبواب على مصراعيها لكل الجنسيات، ويمنح فرصاً لكل من توسّم فيه الإبداع، إلا أنه يتعثَّر منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فنسبة عالية من العاملين في صناعة الموضة من جنسيات مختلفة. كأن هذا لا يكفي، جاءت جائحة كورونا ثم حرب أوكرانيا وغيرها من الأحداث التي كان لها أثر مباشر على كثير من المصممين وبيوت الأزياء. روكساندا إلينشيك، مثلاً، وهي مصممة صربية الأصل ومن أهم المشاركين في أسبوع لندن، كادت تتعرض للإفلاس العام الماضي، لولا تدخل أحد المستثمرين. وإذا كانت «روكساندا» محظوظة في هذا الجانب، فإن غيرها تواروا عن الأنظار بصمتٍ لأنه لا أحد أمدَّهم بطوق نجاة.

دار «بيربري» لم تنجُ من تبعات الأزمة الاقتصادية وتغيرات السوق (بيربري)

بل حتى دار «بيربري» التي كانت تتمتع بأكبر قوة إعلانية في بريطانيا، الأمر الذي يجعلها عنصر جذب مهماً لوسائل إعلام وشخصيات عالمية تحرص على حضور الأسبوع من أجلها، تشهد تراجعاً كبيراً في المبيعات والإيرادات. بدأت مؤخراً تراجع استراتيجياتها وتُعيد النظر في حساباتها.

استثمار في المواهب

ومع ذلك فإن قوة الموضة البريطانية تكمن في شبابها. هم الورقة الرابحة التي تُعوِّل عليها للإبقاء على شعلة الإبداع من جهة، وعلى سمعة أسبوعها العالمي منبعاً للابتكار وتفريخ المصممين من جهة ثانية. قد يجنحون إلى الغرابة أو حتى إلى الجنون أحياناً لكنه جنون يغذّي الخيال ويحرِّك الأفكار الراكدة، وهذا ما تعرفه لورا جيداً بحكم تعاملها الطويل معهم.

من عرض «روكساندا» لربيع وصيف 2025 (روكساندا)

والدليل أن لورا لا تقبل التحدي فحسب، بل تعده مثيراً. في بيان صحفي وزَّعه مجلس الموضة البريطاني قالت: «يشرفني أن أقود الفصل الجديد في وقت مثير ومحوري لصناعة الأزياء البريطانية... إني أتطلع إلى العمل مع فريق المجلس لدعم الثقافة والإبداع، وتحفيز نمو الأزياء البريطانية، محلياً وعالمياً، وكذلك دعم المصممين الناشئين والمخضرمين على حد سواء».

ما مهمات الرئيس؟

رغم موهبة «روكساندا» وبراعتها الفنية تعثّرت مؤخراً وتدخُّل مستثمرين أعاد لها قوتها (روكساندا)

ما خفيَ من مسؤوليات منصب رئيس مجلس الموضة البريطانية أكبر من مجرد دعم الشباب وتحريك السوق. من بين ما على لورا وير فعله، عقد شراكات مجدية مع صناع الموضة، من رجال أعمال وأصحاب مصانع وحرفيين من شتى المجالات، إلى جانب التواصل مع جهات حكومية. فقطاع الموضة من أهم القطاعات الصناعية في بريطانيا، ويعد الثاني بعد صناعة السيارات، وهو ما يجعله من أعمدة الاقتصاد الأساسية.

في دورها الجديد أيضاً، ستشرف لورا على المعاهد الدراسية والأكاديميات المتخصصة، بتوفير منح للمتفوقين أو من ليست لديهم الإمكانات لدفع رسوم الدراسات العليا من خلال برامج عدة جرى إنشاؤها منذ سنوات، وكل ما عليها الآن هو إمدادها بطاقة جديدة تُعيد لها حيويتها وديناميكيتها.