«فالنتينو» تودّع بييرباولو بيكيولي وتستقبل أليساندرو ميكيلي في غضون أسبوع

الإرث الذي خلّفه بيكيولي يصعب تجاوز إنسانيته وشاعريته

لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)
لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)
TT

«فالنتينو» تودّع بييرباولو بيكيولي وتستقبل أليساندرو ميكيلي في غضون أسبوع

لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)
لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)

شهدت ساحة الموضة مؤخراً هزة كراسي قوية شملت تغيير مناصب تنفيذية وإقالات واستقالات. المصمم البلجيكي دريز فان نوتن أعلن منذ أسابيع خبر تنحيه عن إدارة الدار التي أسسها منذ 38 عاماً، تلاه مباشرة إعلان خروج بييرباولو بيكيولي من دار «فالنتينو» بعد 25 عاماً. الأول برر قراره بأنه يريد فتح المجال للشباب لكي يضخوا داره بدماء جديدة ورغبته في خوض مغامرات ومشاريع شخصية أجلها طويلاً، وحان الوقت ليستمتع بها. أما الثاني، فجاء في البيان الذي تم توزيعه على وسائل الإعلام أن قرار المغادرة كان ودياً بينه وبين الشركة الأم. لكن هذه البيانات أصبحت مكررة تفتح أبواب التكهنات. بنفس الحبر تقريباً كُتب بيان مغادرة سارة بيرتون دار «ألكسندر ماكوين» التابعة لمجموعة «كيرينغ» في العام الماضي، وهي التي شغلت منصبها لـ13 عاماً، وأصبحت مصممة أميرة وايلز، كاثرين المفضلة، إن لم نقل الرسمية.

لا مكانتها في البلاط الملكي شفعت لها، ولا الشاعرية والديناميكية التي ميزت تصاميم وعروض «فالنتينو» شفعت لبيكيولي أمام موجة التغيير.

لم يمضِ سوى أيام حتى تم الإعلان عن خليفة له: أليساندرو ميكيلي، مصمم دار «غوتشي» السابق، ما يجعل توقيت الإعلانين مثيراً، لأنه جاء بعد فترة قصيرة من استحواذ مجموعة «كيرينغ» على حصة 30 في المائة من «فالنتينو» مقابل 1.7 مليار يورو، مع إمكانية استحواذها على النسبة المتبقية بحلول عام 2028. المتابعون يعرفون أن هذه الصفقة تأتي في فترة تشهد فيها «كيرينغ» المالكة لـ«غوتشي» و«ألكسندر ماكوين» وغيرها عملية نفض مكثفة تستهدف تغيير كراسي رؤساء تنفيذيين ومصممين على حد سواء.

غني عن القول بأنها تغييرات تأتي كرد فعل للصدمات الاقتصادية التي تلقتها سوق المنتجات المترفة ككل في السنوات الأخيرة، وإن كانت خيوطها بدأت تُحاك منذ عقدين تقريباً لتجريد الموضة من جانبها الإنساني، وخلق ثقافة دخيلة تعطي الأولوية للتسويق، والأرباح. ولو على حساب الإبداع.

لم يتلاعب بإرث الدار لكنه ضخها بديناميكية عصرية وشاعرية في الوقت ذاته (فالنتينو)

بييرباولو بيكيولي صَرح في لقاء صحافي سابق بأن مشهد الموضة تغيّر بشكل صادم، قال وكأنه كان يعرف ما يُخبئ له المستقبل القريب: «بغض النظر عن شكل التعبير الفني، أصبح المنتجون أقوى من الموسيقيين، وأصحاب المعارض أقوى من الفنانين، والمجموعات الكبيرة أقوى من المصممين». علَق أيضاً أن قواعد اللعبة تغيرت حين أصبح للرؤساء التنفيذيين الكلمة المسموعة بحجة تسهيل عمليات التسويق. بييرباولو بيكيولي من الجيل الذي يؤمن بالإبداع، والروح الإنسانية أولاً. كان من الممكن أن يجاري متطلبات السوق، لكنه فضل التمسك بقناعاته «كان واضحاً بالنسبة لي ما سيؤدي إليه التوجه الجديد. لا يهمني كل ما يقال، فأنا أعرف ما أريد، ولا يمكنني التنازل عن قناعاتي مهما كانت متطلبات الأسواق، وتغير الأذواق. فهذا النظام الجديد لا يمكن أن يستمر». بحسب رأيه هو نظام يتنافى مع الإبداع، و«بلا مستقبل، لأن من يفتقد القدرة على الخيال، فلن يقدر على الإبداع بأي شكل من الأشكال».

الوردي لا يزال حاضرات لكن بدرجات اقل توهجا من "بي.بي.بينك" (فالنتينو)

بييرباولو بيكيولي ليس وحده من عبّر عن قلقه من ترجيح كفة الجانب التجاري والتسويقي على الجانب الإبداعي. كل من المصمم راف سيمونز والراحل ألبير إلبيز أعربا في وقت من الأوقات عن قلقهما من أن تفقد الموضة شيئاً أساسياً تصعب استعادته. بل يمكن القول بأن أول من دق أجراس الخطر كان الراحل إيف سان لوران عندما أعلن تقاعده وهو يرمي جام غضبه على سطوة المجموعات الكبيرة، ولهفتها على تحقيق الربح بأي ثمن.

بغض النظر عن كل التكهنات عن الأسباب والمسببات، وما إذا كان غياب بييرباولو بيكيولي سيُخلف ثغرة في ساحة الموضة، أو أن الوقت حان لبعض التغيير بعد 25 عاماً قضاها فيها، فإن المتابعين لتاريخ الموضة يُدركون أن «العرض سيستمر». بتنصيب أليساندرو ميكيلي، الذي سبق وحقق لدار «غوتشي» نجاحات مهمة قبل أن يصيب أسلوبه المبالغ فيه بالتخمة، فإن المجموعة تطمح أن يكرر لها نفس النجاحات التجارية في داره الجديدة.

غير أن خروج بيكيولي لن يُنسينا ما خلّفه من إرث إنساني، وصور شاعرية ستبقى في الذاكرة، بدءاً من درجة الوردي الذي أصبح لصيقاً باسمه إلى الجانب الإنساني الذي تبناه طوال فترته كمصمم.

من عرضه لخريف وشتاء 2024 (فالنتينو)

في كل لقاءاته كان بييرباولو يؤكد على ضرورة أن تحافظ الموضة على العنصر الإنساني بأن تبقى واقعية. من جهته، جعلها تتعدى الألوان والأزياء والإكسسوارات، ووظفها لتعانق الاختلاف، وتفسح المجال للآخر. كان أكثر مصمم استعان بعارضات أفريقيات في عروضه.

في عام 2022، أقام عرضاً ضخماً في روما كانت خلفيته المدرج الإسباني، وافتتحته عارضة سودانية. أطلق عليه عنوان البداية «The Beginning»، وطرز الكثير من اقتراحاته بالورود، والأزهار، ليذكرنا ببدايات تأسيس الدار في روما على يد غارافاني فالنتينو. كان أيضاً رسالة حب للعالم، شارك في كتابتها عارضون وعارضات من كل الأجناس، والألوان، والأحجام أيضاً.

مشهود له بقدرته على مزج الألوان واختيار العارضات (فالنتينو)

دعا لحضوره 120 طالباً من معاهد موضة إيطالية في لفتة لبداياته كطالب كان يتابع عروض الأزياء من بعيد، ولا يتصور أنه سيكون جزءاً منها في يوم من الأيام. في آخر العرض، لم ينس الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة في هذه التشكيلة، وغيرها. خرج معهم جميعاً وهو يحفز ضيوفه للتصفيق لهم.

لكن ستبقى مهارته في مزج الألوان بشاعرية وفنية هي أكثر ما ستذكره كتب الموضة عنه. لم تضاهه مهارة فيها سوى إيف سان لوران وكريستيان لاكروا، وإيمليو بوتشي، وجون باتو. كانت الألوان بالنسبة له «الأداة الأكثر مباشرة لتغيير وجهات النظر، وتكسير الأفكار المسبقة» وفق قوله.

المملة نينا دوبريف في زي من مجموعة "بي.بي. بينك" التي رغم كل المخاوف التي اثارتها "بي.بي. بينك" حققت النجاح (فالنتينو)

في تشكيلته لخريف وشتاء 2023 قدم لـ«بي بي بينك» اللون الوردي الذي اجتاح ساحة الموضة حتى قبل أن يصدر فيلم «باربي». ابتكره بمساعدة «مؤسسة بانتون للألوان». أثار مخاوف شريحة لا يستهان بها من النساء عندما أطل علينا بجرعات قوية، إلا أن مفعوله كان قوياً. ارتفعت المبيعات بنسبة 15 في المائة في ذلك العام لتصل إلى 1.5 مليار دولار. ظهر بعده الأزرق، والأبيض، والذهبي، وألوان أخرى خلقت نوعاً من الدراما الشاعرية، وجعلت البعض يقارنه بفنانين كبار رغم رفضه لهذه الصفة. «بالنسبة لي الموضة ليست فناً، لأنها تحتاج لأن تتعامل مع الجسد بشكل عملي، وواقعي، بينما لا يتقيد الفن بهذا الأمر» وفق ما قاله لـ«الشرق الأوسط» في لقاء سابق، مضيفاً: «أعتقد أن الفن والموضة شيئان مختلفان. فالفن بالنسبة لي لا يلبي احتياجات ملموسة في أرض الواقع، على العكس من الموضة. فهي مفيدة، وتستهدف أموراً محددة، وعملية في الحياة. لكن بالتأكيد هناك قواسم مشتركة كثيرة بينهما، مثل بحثهما الدائم عن الجمال، والرغبة في تحرير الخيال».

كان الأسود هو اللون الأوحد في عرضه الأخير لخريف 2024 وشتاء 2025 (فالنتينو)

بيد أن حبه للألوان، ومهارته في جعلها تتناغم حتى في أقصى تناقضاتها تجعل تشكيلته الأخيرة لخريف وشتاء 2024 - 2025 مثيرة للتساؤل. لون 63 قطعة بالأسود. كان جريئاً في جعله اللون الأوحد. تجريده للوحاته من ألوانها مُبقياً على لونٍ واحدٍ يتيح له القيام بالكثير باستخدام القليل، مضاعفاً الاحتمالات التعبيريّة. من هذا المنظور، وبعد إعلان خبر خروجه من «فالنتينو» فهي تُعبّر هنا أيضاً عن مشاعر «الفقد»، وأنه كان يشعر باقتراب ساعات الفراق. وهذا ما يجعلها أيضاً نقطة النهاية لفصل مهم في تاريخ دار إيطالية، ومسيرة مصمم رفض أن يساير الموجة السائدة، مفضلاً أن يحتفظ بقناعاته، ومبادئه. فالنتينو غارافاني، مؤسس الدار، نشر على صفحته الخاصة مُعلقاً على خبر مغادرته: «شكراً بييرباولو، أنت المصمم الوحيد الذي لم يحاول تشويه رموز علامة كبيرة بسبب جنون العظمة، وتضخم الأنا».

وداعا بييرباولو بيكيولي (فالنتينو)

أهم المحطات في مسيرته

ولد بيكيولي في عام 1967 في «نيتونو»، مدينة ساحلية صغيرة تبعد عن روما بنحو 35 ميلاً جنوباً. لا يزال يعيش فيها مع زوجته، وأبنائه الثلاثة. بدأ العمل مع دار «فالنتينو» في عام 1999 في قسم الإكسسوارات. في عام 2008 أصبح المدير الإبداعي لقسم الأزياء مع زميلته ماريا غراتزيا تشيوري التي سبق وعمل معها في دار «فندي» لعشر سنوات. في عام 2016، انتقلت تشيوري إلى «ديور» كأول امرأة تتسلم هذه المهمة كمصممة. بقي هو المصمم الوحيد في «فالنتينو»، ومنذ أول عرض له من خط الـ«هوت كوتور» تحديداً كشف عن عبقرية، وخصوبة خيال. كان كل عرض يقدمه من هذا الخط يثير العواطف إلى حد انتزاع الدموع من الحضور، مثلما حدث مع المغنية سيلين ديون في عام 2019.

على العكس من المصممين الشباب الذين تسلموا مقاليد بيوت أزياء لمؤسسين إما تقاعدوا أو غيبهم الموت، وحاولوا وضع لمساتهم الشخصية عليها، بقي هو وفياً لرموزها الأساسية. فالنتينو غارافاني، مؤسس الدار، أشاد به في كل المناسبات، وهو ما يعتبر سابقة بحد ذاتها. فمعظم المؤسسين لم يكونوا راضين عن خلفائهم، أشهرهم كان إيف سان لوران ومشكلاته مع توم فورد.

حتى عندما يتعامل مع لون واحد فإنه يُبدعه بشكل يجعله ملوَنا (فالنتينو)

ما يحسب له أنه رغم احترامه رموز الدار وجيناتها، لم يبق أسيراً لهذا الإرث. أمر قال إنه تعلمه من الراحل كارل لاغرفيلد الذي عمل معه في دار «فندي» في بدايته «كان كارل مهووسا بفكرة عدم العودة إلى الماضي، وهو ما كان درساً مهماً لي». ومع ذلك احترم ماضي الدار، ومؤسسها. كان يعود إليه فقط لكي يضخه بحداثة تواكب العصر.


مقالات ذات صلة

لمسات الموضة اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما

في عام 2019، تغيّر المشهد تماماً بعد زواج ميغان ماركل من الأمير هاري. فجأة، اشتدّت المقارنات بين «السلفتين»، وصبّت كلها في صالح السمراء القادمة من أميركا.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «باجر»... ساعات سويسرية بجنسية كردية

«باجر»... ساعات سويسرية بجنسية كردية

ليلى يوسال، اسم يستوقفك لعدة أسباب، الأول أنها امرأة تنافس الرجال في صناعة الساعات الفاخرة، وثانياً أنها تتعامل مع إرثها الكردي كقضية وجودية لتمكين المرأة.

لمسات الموضة الزائر إلى المعرض سيستمتع بساعات تاريخية مكتوبة بالأحجار الكريمة والمعادن النفيسة (أ.ف.ب)

معرض «كارتييه» في متحف «فيكتوريا وألبرت» يفتح أبوابه للتاريخ

يتتبع المعرض العلاقة الخاصة والتاريخية التي تربط الدار بالعائلة الملكية البريطانية، منذ أن وصفها الملك إدوارد السابع بـ«صائغ الملوك وملك الصاغة».

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق الملك تشارلز وزوجته كاميلا يتجولان في روما (أ.ب)

بالذكرى العشرين لزواجها... الملكة البريطانية تعيد ارتداء فستان زفافها

وصلت الملكة البريطانية كاميلا إلى البرلمان الإيطالي مرتدية فستان زفافها الذي أقيم عام 2005، حيث احتفلت هي والملك تشارلز بالذكرى العشرين لزواجهما في روما.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق دعوة لإعادة تخيُّل البامبو بطرق جريئة وغير متوقَّعة (غوتشي)

البامبو ودار «غوتشي»... تداخُل مُلهم بين الثقافة والتصميم

يستلهم «لقاءات البامبو» فكرته من نهج «غوتشي» المبتكر في الحِرف منذ منتصف حقبة الأربعينات، عندما استخدمت الدار، البامبو، في صناعة أيدي الحقائب.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أميرة ويلز ودوقة ساسيكس تفرّقهما كل التفاصيل... حتى حب الموضة

اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما
اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما
TT

أميرة ويلز ودوقة ساسيكس تفرّقهما كل التفاصيل... حتى حب الموضة

اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما
اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما

تمضي السنوات، وتُثبت الأحداث أن الرابط الوحيد بينهما لا يتعدى انتماءهما إلى العائلة المالكة البريطانية عبر الزواج. كل التفاصيل الأخرى تُفرَقهما بما في ذلك طريقة تعاملهما مع الموضة.

الأولى هي أميرة ويلز، كاثرين ميدلتون، بريطانية من أسرة ميسورة، تتمتع برشاقة العارضات، تميل إلى لغة الهمس، ولا تنوي خضَّ المتعارف عليه. كما تشرَّبت من ثقافة بلادها أن كل ما هو شهي ودائم يُطبخ على نار هادئة. الثانية هي دوقة ساسيكس، ميغان ماركل، أميركية من أسرة مختلطة، تعكسها بشرة تجمع بين بياض والدها وسمار والدتها، تميل إلى لغة تصرخ بالجاه وكسر الثوابت لإثبات الذات.

لقطة أرشيفية تجمع أميرة ويلز كاثرين ودوقة ساسيكس ميغان ماركل قبل «ميغسيت»

الأولى تتعامل مع الأزياء والمجوهرات كلغة دبلوماسية بحكم مكانتها بوصفها ملكة مستقبلية، والثانية بعقلية «مؤثرة» ترى فيها وسيلة لتحقيق الربح والطموحات الذاتية. هذه على الأقل الرسالة التي وصلت للمشاهد بعد عرض برنامجها «بالحب مع ميغان» الذي بثته منصة «نتفليكس» في الرابع من شهر مارس (آذار) الماضي. استعرضت فيه حبَّها للموضة والثروة من خلال أزياء قدرت بنحو 130 ألف جنيه إسترليني ومجوهرات بقيمة 337 ألف جنيه إسترليني. المشكلة، وفق المنتقدين، أنها لم تأخذ بعين الاعتبار أنها لا تتناسب مع برنامج عن الطبخ. لم تشفع لديهم محاولاتها الدمج بين الرخيص والنفيس في بعض اللقطات.

في المقابل، حققت أميرة ويلز، كاثرين ميدلتون، المعادلة الصعبة بين الأناقة الراقية وعدم خلق أي جدل. ربما يفتقد أسلوبها للإثارة أو الجرأة، إلا أنها تنجح دائماً في إيصال رسائل هادفة. هذا الاختلاف نابع من شخصية رياضية بطبعها؛ فهي تفضل المشي وممارسة النشاطات التنافسية في الهواء الطلق على متابعة توجهات الموضة. في بداية ظهورها، لم تولِها اهتماماً سوى في المناسبات الرسمية، أو إذا استدعى الأمر تأدية واجب وطني لدعم صناعة الموضة البريطانية أو ما شابه، إلى حد أن عشاق الموضة تنمّروا عليها آنذاك.

كانت ميغان ماركل في بداياتها هي الغالبة في سباق الأناقة بجرأتها واختياراتها (أ.ف.ب)

في عام 2017، تغيّر المشهد تماماً بعد دخول ميغان ماركل على الخط بزواجها من الأمير هاري. فجأة، اشتدّت المقارنات بينهما، وصبّت كلها في صالح السمراء القادمة من أميركا. كانت في أول ظهورها بمثابة نسمة صيف منعشة بجرأتها، مقارنةً بالإطلالات الكلاسيكية والمتحفّظة التي اعتادتها نساء الأسرة المالكة عموماً، وكاثرين ميدلتون تحديداً. توسم صنّاع الموضة خيراً فيها.

خلال زيارة لجامعة «نوتينغهام ترانت» لدعم الصحة العقلية والنفسية للطلاب (رويترز)

لكن ذلك العام شكّل أيضاً نقطة تحوّل واضحة في إطلالات كاثرين؛ لأنها دخلت فيه سباق الأناقة وهي متسلّحة بروحها الرياضية. بين ليلة وضحاها، أصبحت ندّاً لا يُستهان به. لم تنس أنها، أولاً وأخيراً، ملكة بريطانيا المستقبلية، وأن ما يناسب غيرها من صراعات موسمية لا يناسب مكانتها بالضرورة. ركّزت على رسم صورة كلاسيكية تعكس روح العصر، ببقائها قريبة من شريحة واسعة من بنات الشعب، ومن دون الخروج عن بروتوكول العائلة المالكة، القائم على عدم استفزاز الذوق العام أو استعراض الجاه. أما في المناسبات الرسمية التي تمثل فيها التاج البريطاني، فالأمر مختلف تماماً؛ تظهر دائماً بأبهى صورة، باعتمادها أزياء بتوقيع مصمّمين مشهود لهم بالموهبة والابتكار، وغالباً ما تُفصَّل خصيصاً على مقاسها من دون الإعلان عن أسعارها.

لكل مقام مقال

باتت أميرة ويلز تُتقن لعبة الغالي والرخيص فمرة تظهر بتايور من «ألكسندر ماكوين» ومرات من «زارا»

باتت أميرة ويلز تُتقن لعبة الغالي والرخيص. فمرة تظهر بتايور من «ألكسندر ماكوين» ومرات من «زارا».

أما في المناسبات غير الرسمية فهي تحرص على اختيار قطع بسيطة من محلات شعبية مثل «زارا» و«إيل كي بنيت» و«ريس» وغيرها. ليس هذا فحسب، بل تعيد ارتداء نفس القطع في مناسبات متعددة. أحياناً تجددها بإضافة فيونكة على الياقة أو بتنسيقها مع قطعة من مصممها المفضل. مثلاً ظهرت في ثلاث مناسبات مختلفة بفستان متوسط الطول من «زارا» بمربعات صغيرة بالأبيض والأسود تشبه نقشة «البايزيلي». كانت قد ظهرت به أول مرة في 2020 وأعادته للصورة منذ أشهر قليلة خلال زيارة لدار رعاية أطفال.

هذا الذكاء في اختيار أزياء تراعي الزمان والمكان وراءه خبراء متخصصون يتابعون نبض الموضة والشارع على حد سواء، الأمر الذي جنَّبها ما تتعرض له ميغان ماركل من انتقادات بسبب اختياراتها الشخصية واندفاعها لفرض أسلوبها.

تظهر ميغان في البرنامج بكامل أناقتها وهو ما رآه البعض مبالغاً فيه واستعراضاً للجاه (نتفليكس)

المشكلة في إطلالات ميغان ماركل أنها رغم أناقتها العالية وأسعارها الباهظة، لا تراعي خصوصية المكان والزمان. وليس أدل على ذلك من الميزانية التي تطلّبتها أزياؤها ومجوهراتها في برنامجها «بالحب، مع ميغان»، وكذلك الأسعار المرتفعة للمنتجات المعروضة على موقع التسوق الإلكتروني الذي أطلقته مؤخراً تحت اسم As Ever. هذه الأسعار، مقرونةً برغبتها الواضحة في الانتماء إلى نادٍ نخبوي، تجعلها تبدو منفصلة عن الواقع، خصوصاً أن أغلب متابعاتها من ذوات الإمكانيات المحدودة أو المتوسطة في أفضل الأحوال.

على العكس منها، تنجح كاثرين في احتضان فئات متنوعة من المجتمع، حيث تتنقل بين الرسمي وغير الرسمي، وبين الراقي والبسيط كفراشة. في كليهما تُجيد تقديم نموذج يُحتذى به في خيارات الموضة المستدامة. ليس فقط لأنها تُكرِّر القطع نفسها أكثر من مرة، وتدعم مصممين يرفعون شعار الاستدامة؛ بل لأنها لم تتردد في حفل جوائز إيرث شوت في عام 2022 أن تعتمد فستاناً مستعملاً، أي من «البالة» في خطوة غير مسبوقة من قبل. بقدر ما كانت هذه الخطوة صادمة، كانت أيضاً رسالة قوية استقبلتها أوساط الموضة البريطانية تحديداً بالتهليل، بحكم أنهم يسعون لترسيخ مكانة لندن بوصفها عاصمة عالمية للموضة المستدامة منذ فترة غير قصيرة.

ظهرت كاثرين ميدلتون بهذا الفستان من «زارا» 3 مرات منذ عام 2020 إلى اليوم (أ.ف.ب)

بهذا الأسلوب والحرص على قراءة تغيرات العصر، كسبت لحد الآن الكثير من القلوب، بما في ذلك قلب حميها الملك تشارلز الثالث، الذي يقال إنه لا يبخل عليها بشيء، ويوفر لها ميزانية لا يستهان بها. السبب أنها إلى جانب مكانتها في السلم الملكي، أكدت له أنها مثله «حريصة» ولا تبالغ. هذه المعاملة الخاصة لم تحظ بها «سلفتها» ميغان، الأمر الذي أثار حفيظة الأمير هاري وأشار إليه في إحدى المقابلات قائلاً إن والده رفض تمويل زوجته. وحسب مزاعم البعض، فإن رد الملك بعد إلحاح الابن كان أنه ليس «بنكاً» مفتوحاً.