«فالنتينو» تودّع بييرباولو بيكيولي وتستقبل أليساندرو ميكيلي في غضون أسبوع

الإرث الذي خلّفه بيكيولي يصعب تجاوز إنسانيته وشاعريته

لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)
لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)
TT

«فالنتينو» تودّع بييرباولو بيكيولي وتستقبل أليساندرو ميكيلي في غضون أسبوع

لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)
لا ينسى المصمم أن يعيد الفضل إلى الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة (فالنتينو)

شهدت ساحة الموضة مؤخراً هزة كراسي قوية شملت تغيير مناصب تنفيذية وإقالات واستقالات. المصمم البلجيكي دريز فان نوتن أعلن منذ أسابيع خبر تنحيه عن إدارة الدار التي أسسها منذ 38 عاماً، تلاه مباشرة إعلان خروج بييرباولو بيكيولي من دار «فالنتينو» بعد 25 عاماً. الأول برر قراره بأنه يريد فتح المجال للشباب لكي يضخوا داره بدماء جديدة ورغبته في خوض مغامرات ومشاريع شخصية أجلها طويلاً، وحان الوقت ليستمتع بها. أما الثاني، فجاء في البيان الذي تم توزيعه على وسائل الإعلام أن قرار المغادرة كان ودياً بينه وبين الشركة الأم. لكن هذه البيانات أصبحت مكررة تفتح أبواب التكهنات. بنفس الحبر تقريباً كُتب بيان مغادرة سارة بيرتون دار «ألكسندر ماكوين» التابعة لمجموعة «كيرينغ» في العام الماضي، وهي التي شغلت منصبها لـ13 عاماً، وأصبحت مصممة أميرة وايلز، كاثرين المفضلة، إن لم نقل الرسمية.

لا مكانتها في البلاط الملكي شفعت لها، ولا الشاعرية والديناميكية التي ميزت تصاميم وعروض «فالنتينو» شفعت لبيكيولي أمام موجة التغيير.

لم يمضِ سوى أيام حتى تم الإعلان عن خليفة له: أليساندرو ميكيلي، مصمم دار «غوتشي» السابق، ما يجعل توقيت الإعلانين مثيراً، لأنه جاء بعد فترة قصيرة من استحواذ مجموعة «كيرينغ» على حصة 30 في المائة من «فالنتينو» مقابل 1.7 مليار يورو، مع إمكانية استحواذها على النسبة المتبقية بحلول عام 2028. المتابعون يعرفون أن هذه الصفقة تأتي في فترة تشهد فيها «كيرينغ» المالكة لـ«غوتشي» و«ألكسندر ماكوين» وغيرها عملية نفض مكثفة تستهدف تغيير كراسي رؤساء تنفيذيين ومصممين على حد سواء.

غني عن القول بأنها تغييرات تأتي كرد فعل للصدمات الاقتصادية التي تلقتها سوق المنتجات المترفة ككل في السنوات الأخيرة، وإن كانت خيوطها بدأت تُحاك منذ عقدين تقريباً لتجريد الموضة من جانبها الإنساني، وخلق ثقافة دخيلة تعطي الأولوية للتسويق، والأرباح. ولو على حساب الإبداع.

لم يتلاعب بإرث الدار لكنه ضخها بديناميكية عصرية وشاعرية في الوقت ذاته (فالنتينو)

بييرباولو بيكيولي صَرح في لقاء صحافي سابق بأن مشهد الموضة تغيّر بشكل صادم، قال وكأنه كان يعرف ما يُخبئ له المستقبل القريب: «بغض النظر عن شكل التعبير الفني، أصبح المنتجون أقوى من الموسيقيين، وأصحاب المعارض أقوى من الفنانين، والمجموعات الكبيرة أقوى من المصممين». علَق أيضاً أن قواعد اللعبة تغيرت حين أصبح للرؤساء التنفيذيين الكلمة المسموعة بحجة تسهيل عمليات التسويق. بييرباولو بيكيولي من الجيل الذي يؤمن بالإبداع، والروح الإنسانية أولاً. كان من الممكن أن يجاري متطلبات السوق، لكنه فضل التمسك بقناعاته «كان واضحاً بالنسبة لي ما سيؤدي إليه التوجه الجديد. لا يهمني كل ما يقال، فأنا أعرف ما أريد، ولا يمكنني التنازل عن قناعاتي مهما كانت متطلبات الأسواق، وتغير الأذواق. فهذا النظام الجديد لا يمكن أن يستمر». بحسب رأيه هو نظام يتنافى مع الإبداع، و«بلا مستقبل، لأن من يفتقد القدرة على الخيال، فلن يقدر على الإبداع بأي شكل من الأشكال».

الوردي لا يزال حاضرات لكن بدرجات اقل توهجا من "بي.بي.بينك" (فالنتينو)

بييرباولو بيكيولي ليس وحده من عبّر عن قلقه من ترجيح كفة الجانب التجاري والتسويقي على الجانب الإبداعي. كل من المصمم راف سيمونز والراحل ألبير إلبيز أعربا في وقت من الأوقات عن قلقهما من أن تفقد الموضة شيئاً أساسياً تصعب استعادته. بل يمكن القول بأن أول من دق أجراس الخطر كان الراحل إيف سان لوران عندما أعلن تقاعده وهو يرمي جام غضبه على سطوة المجموعات الكبيرة، ولهفتها على تحقيق الربح بأي ثمن.

بغض النظر عن كل التكهنات عن الأسباب والمسببات، وما إذا كان غياب بييرباولو بيكيولي سيُخلف ثغرة في ساحة الموضة، أو أن الوقت حان لبعض التغيير بعد 25 عاماً قضاها فيها، فإن المتابعين لتاريخ الموضة يُدركون أن «العرض سيستمر». بتنصيب أليساندرو ميكيلي، الذي سبق وحقق لدار «غوتشي» نجاحات مهمة قبل أن يصيب أسلوبه المبالغ فيه بالتخمة، فإن المجموعة تطمح أن يكرر لها نفس النجاحات التجارية في داره الجديدة.

غير أن خروج بيكيولي لن يُنسينا ما خلّفه من إرث إنساني، وصور شاعرية ستبقى في الذاكرة، بدءاً من درجة الوردي الذي أصبح لصيقاً باسمه إلى الجانب الإنساني الذي تبناه طوال فترته كمصمم.

من عرضه لخريف وشتاء 2024 (فالنتينو)

في كل لقاءاته كان بييرباولو يؤكد على ضرورة أن تحافظ الموضة على العنصر الإنساني بأن تبقى واقعية. من جهته، جعلها تتعدى الألوان والأزياء والإكسسوارات، ووظفها لتعانق الاختلاف، وتفسح المجال للآخر. كان أكثر مصمم استعان بعارضات أفريقيات في عروضه.

في عام 2022، أقام عرضاً ضخماً في روما كانت خلفيته المدرج الإسباني، وافتتحته عارضة سودانية. أطلق عليه عنوان البداية «The Beginning»، وطرز الكثير من اقتراحاته بالورود، والأزهار، ليذكرنا ببدايات تأسيس الدار في روما على يد غارافاني فالنتينو. كان أيضاً رسالة حب للعالم، شارك في كتابتها عارضون وعارضات من كل الأجناس، والألوان، والأحجام أيضاً.

مشهود له بقدرته على مزج الألوان واختيار العارضات (فالنتينو)

دعا لحضوره 120 طالباً من معاهد موضة إيطالية في لفتة لبداياته كطالب كان يتابع عروض الأزياء من بعيد، ولا يتصور أنه سيكون جزءاً منها في يوم من الأيام. في آخر العرض، لم ينس الأنامل الناعمة التي أشرفت على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة في هذه التشكيلة، وغيرها. خرج معهم جميعاً وهو يحفز ضيوفه للتصفيق لهم.

لكن ستبقى مهارته في مزج الألوان بشاعرية وفنية هي أكثر ما ستذكره كتب الموضة عنه. لم تضاهه مهارة فيها سوى إيف سان لوران وكريستيان لاكروا، وإيمليو بوتشي، وجون باتو. كانت الألوان بالنسبة له «الأداة الأكثر مباشرة لتغيير وجهات النظر، وتكسير الأفكار المسبقة» وفق قوله.

المملة نينا دوبريف في زي من مجموعة "بي.بي. بينك" التي رغم كل المخاوف التي اثارتها "بي.بي. بينك" حققت النجاح (فالنتينو)

في تشكيلته لخريف وشتاء 2023 قدم لـ«بي بي بينك» اللون الوردي الذي اجتاح ساحة الموضة حتى قبل أن يصدر فيلم «باربي». ابتكره بمساعدة «مؤسسة بانتون للألوان». أثار مخاوف شريحة لا يستهان بها من النساء عندما أطل علينا بجرعات قوية، إلا أن مفعوله كان قوياً. ارتفعت المبيعات بنسبة 15 في المائة في ذلك العام لتصل إلى 1.5 مليار دولار. ظهر بعده الأزرق، والأبيض، والذهبي، وألوان أخرى خلقت نوعاً من الدراما الشاعرية، وجعلت البعض يقارنه بفنانين كبار رغم رفضه لهذه الصفة. «بالنسبة لي الموضة ليست فناً، لأنها تحتاج لأن تتعامل مع الجسد بشكل عملي، وواقعي، بينما لا يتقيد الفن بهذا الأمر» وفق ما قاله لـ«الشرق الأوسط» في لقاء سابق، مضيفاً: «أعتقد أن الفن والموضة شيئان مختلفان. فالفن بالنسبة لي لا يلبي احتياجات ملموسة في أرض الواقع، على العكس من الموضة. فهي مفيدة، وتستهدف أموراً محددة، وعملية في الحياة. لكن بالتأكيد هناك قواسم مشتركة كثيرة بينهما، مثل بحثهما الدائم عن الجمال، والرغبة في تحرير الخيال».

كان الأسود هو اللون الأوحد في عرضه الأخير لخريف 2024 وشتاء 2025 (فالنتينو)

بيد أن حبه للألوان، ومهارته في جعلها تتناغم حتى في أقصى تناقضاتها تجعل تشكيلته الأخيرة لخريف وشتاء 2024 - 2025 مثيرة للتساؤل. لون 63 قطعة بالأسود. كان جريئاً في جعله اللون الأوحد. تجريده للوحاته من ألوانها مُبقياً على لونٍ واحدٍ يتيح له القيام بالكثير باستخدام القليل، مضاعفاً الاحتمالات التعبيريّة. من هذا المنظور، وبعد إعلان خبر خروجه من «فالنتينو» فهي تُعبّر هنا أيضاً عن مشاعر «الفقد»، وأنه كان يشعر باقتراب ساعات الفراق. وهذا ما يجعلها أيضاً نقطة النهاية لفصل مهم في تاريخ دار إيطالية، ومسيرة مصمم رفض أن يساير الموجة السائدة، مفضلاً أن يحتفظ بقناعاته، ومبادئه. فالنتينو غارافاني، مؤسس الدار، نشر على صفحته الخاصة مُعلقاً على خبر مغادرته: «شكراً بييرباولو، أنت المصمم الوحيد الذي لم يحاول تشويه رموز علامة كبيرة بسبب جنون العظمة، وتضخم الأنا».

وداعا بييرباولو بيكيولي (فالنتينو)

أهم المحطات في مسيرته

ولد بيكيولي في عام 1967 في «نيتونو»، مدينة ساحلية صغيرة تبعد عن روما بنحو 35 ميلاً جنوباً. لا يزال يعيش فيها مع زوجته، وأبنائه الثلاثة. بدأ العمل مع دار «فالنتينو» في عام 1999 في قسم الإكسسوارات. في عام 2008 أصبح المدير الإبداعي لقسم الأزياء مع زميلته ماريا غراتزيا تشيوري التي سبق وعمل معها في دار «فندي» لعشر سنوات. في عام 2016، انتقلت تشيوري إلى «ديور» كأول امرأة تتسلم هذه المهمة كمصممة. بقي هو المصمم الوحيد في «فالنتينو»، ومنذ أول عرض له من خط الـ«هوت كوتور» تحديداً كشف عن عبقرية، وخصوبة خيال. كان كل عرض يقدمه من هذا الخط يثير العواطف إلى حد انتزاع الدموع من الحضور، مثلما حدث مع المغنية سيلين ديون في عام 2019.

على العكس من المصممين الشباب الذين تسلموا مقاليد بيوت أزياء لمؤسسين إما تقاعدوا أو غيبهم الموت، وحاولوا وضع لمساتهم الشخصية عليها، بقي هو وفياً لرموزها الأساسية. فالنتينو غارافاني، مؤسس الدار، أشاد به في كل المناسبات، وهو ما يعتبر سابقة بحد ذاتها. فمعظم المؤسسين لم يكونوا راضين عن خلفائهم، أشهرهم كان إيف سان لوران ومشكلاته مع توم فورد.

حتى عندما يتعامل مع لون واحد فإنه يُبدعه بشكل يجعله ملوَنا (فالنتينو)

ما يحسب له أنه رغم احترامه رموز الدار وجيناتها، لم يبق أسيراً لهذا الإرث. أمر قال إنه تعلمه من الراحل كارل لاغرفيلد الذي عمل معه في دار «فندي» في بدايته «كان كارل مهووسا بفكرة عدم العودة إلى الماضي، وهو ما كان درساً مهماً لي». ومع ذلك احترم ماضي الدار، ومؤسسها. كان يعود إليه فقط لكي يضخه بحداثة تواكب العصر.


مقالات ذات صلة

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

لمسات الموضة تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة وتُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فرض الجيل زد الملابس الواسعة والمريحة في أماكن العمل والجامعات والمدارس (بكسلز) play-circle 01:18

موضة الجيل زد... وسّع وسّع وارتدِ الأرخص

تتجه الأجيال الجديدة إلى توسيع الملابس، ولذلك أسباب كثيرة، منها ما هو نفسي، ومنها ما يعبّر عن ثورة اجتماعية على ثقافة الفلتر، والأحكام المسبقة على الجسد.

كريستين حبيب (بيروت)
لمسات الموضة بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

يدار وادي دوكة بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام، بتحديد مواقع آلاف أشجار اللبان، واستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليُصبح أول غابة ذكية في منطقة الخليج.

جميلة حلفيشي (صلالة - عُمان)
لمسات الموضة زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

فاز المصمم اللبناني العالمي زهير مراد خلال حفل فاشن تراست أرابيا (FTA) في نسخته السابعة بجائزة تقدير لمساهمته في إثراء المشهد الإبداعي في المنطقة ودوره في…

«الشرق الأوسط» (الدوحة - قطر)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
TT

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

في الوقت الذي كان فيه لبنان يحتفل بزيارة البابا روبرت بريفوست (ليو الـ14) التاريخية، كانت اللبنانية تانيا فارس تكتب التاريخ في مجال الموضة بوصفها أول لبنانية تفوز بجائزة التقدير الخاص (Special Recognition Award) عرفاناً لها بـ15 عاماً من مبادرة BFC Fashion Trust، وتقديراً لدورها في تأسيس هذه المبادرة.

تانيا فارس عبَّرت عن فخرها بكونها أول لبنانية تحصل على الجائزة (غيتي)

بكلمات تُعبّر عن فخرها بهويتها قالت تانيا وهي تتسلم الجائزة، إن لا شيء يضاهي سعادتها سوى فخرها بأصولها اللبنانية وكونها أول لبنانية تحصل عليها.

جدير بالذكر أن حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة، حيث تُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين من رؤساء تنفيذيين ومصممين ومبدعين في مجالات فنية مختلفة أخرى. كما يحضره أفراد من الحكومة دعماً لصناعة تدر على البلد الملايين وتوظف الآلاف.

عمدة لندن صادق خان يتوسط المصممة روكساندا والنجمة كيت بلانشيت لدى وصولهم الحفل (رويترز - أ.ف.ب)

هذا العام، وفي أول ليلة من ديسمبر (كانون الأول)، وبين زخّات مطر خفيفة تلامس شوارع لندن، ازدانت قاعة رويال ألبرت هول بالبريق: أضواء مشعة ونجوم في فساتين مثيرة، وكأنها بهذا الكم من الأناقة الراقية، تطوي عاماً حافلاً بالإبداع والفن والتغييرات الجريئة.

منذ اللحظة الأولى وحتى قبل بدء الحفل، بدت الأجواء خارج القاعة واعدة. مشاهير من عالمي الفن والموضة تحدّوا الطقس اللندني وتألقوا على السجادة الحمراء. من شارون ستون وكيت بلانشيت وصادق خان، عمدة لندن، وهلمّ جراً من الأسماء الكبيرة، والتي كان عدد لا يستهان منها يأمل في أن يسمع اسمه من بين الفائزين.

أندرسون... ثلاثية ذهبية

من هؤلاء كان الآيرلندي جوناثان أندرسون، المدير الإبداعي الحالي في دار «ديور» والذي فاز بجائزة مصمم العام، محققاً بهذا إنجازاً قياسياً. فهذه المرة الثالثة التي يفوز بها باللقب على التوالي، وإن كان هذا العام يحمل قيمة إضافية بالنسبة له؛ لأنه فاز بالجائزة عن علامته الخاصة «جي دبليو أندرسون» وعن دار «ديور» التي التحق بها مؤخراً وقدم لها أول مجموعة من إبداعه منذ أشهر قليلة.

جوناثان أندرسون بعد تسلمه جائزة مصمم العام للمرة الثالثة على التوالي (غيتي)

وقف أندرسون وسط تصفيق حار، وقال بروح مرحة: «سأكون سريعاً... أعلم أن الجميع يرغب في الاحتفال». ثم عبّر عن شكره لدلفين أرنو، الرئيسة التنفيذية للدار وإلى فريقه قائلاً: «أؤمن بأن التعاون طريق النجاح». إنجاز أندرسون لا يقتصر على تحقيقه الرقم القياسي هنا، بل يمثل لحظة تحول مهمة لدار «ديور» التي من المتوقع أن يضخها بروح جديدة تجمع بين الحداثة والحرفية وبين الماضي والمستقبل.

جوائز تُكرّم الإبداع البريطاني

وفي سياق الجوائز التي تحتفي بالفعل الإبداعي البريطاني، فازت سارة بيرتون بجائزة مصمّمة الأزياء النسائية البريطانية للعام عن عملها في دار «جيفنشي»، التي التحقت بها مؤخراً، مؤكدة استمرار تأثيرها الراسخ في عالم الأزياء النسائية.

وعلى الجانب الآخر، توّجت غريس ويلز بونر بجائزة مصمّم الأزياء الرجالية البريطانية للعام عن علامتها Wales Bonner، بعد عام شهد حضوراً قوياً لها على منصات العرض وفي النقاشات الثقافية المرتبطة بالهوية والموضة، لا سيما بعد دخولها دار «هيرميس» خليفة لفيرونيك نيشانيان التي تولت القسم الرجالي لنحو 37 عاماً.

أما جائزة Vanguard، التي تُمنح للمواهب الواعدة، فكانت من نصيب المصمّمة ديلارا فندك أوغلو، التي واصلت خلال العام الماضي فرض نفسها بوصفها واحدةً من أكثر الأصوات الشابة إثارة للاهتمام في عالم الأزياء التجريبية.

برونييلو كوتشينيلي

شارون ستون وبرونيلو كوتشينلي قبل دخولهما قاعة الحفل (أ.ف.ب)

ومن بين الجوائز المهمة أيضاً في الأمسية، كانت جائزة الإنجاز المُتميز التي ذهبت هذا العام إلى المصمّم الإيطالي برونيلو كوتشينيلي، المعروف ببناء إمبراطورية عالمية للرفاهية الهادئة من مقره في قرية سولوميو الحالمة بوسط إيطاليا. وكان توم فورد هو الفائز بهذه الجائزة في العام الماضي؛ الأمر الذي يؤكد استمرار الاعتراف بالأسماء التي تركت بصمتها على الصناعة بأبعادها الإنسانية والحرفية.

الجانب الإنساني يسرق الأضواء

رغم أن أسماء الفائزين ببعض الجوائز كانت معلنة قبل الحدث، فإن اللحظات التي عاشها الضيوف داخل القاعة لم تفقد تأثيرها.

كانت أنوك ياي، الفائزة بجائزة عارضة العام، من أبرز هذه اللحظات. العارضة السودانية - الأميركية التي تصدرت أغلفة المجلات العالمية مثل «فوغ» فرنسا، وظهرت في حملات سان لوران وفيرساتشي، وقدّمت عطراً من تييري موغلر، اعتلت المسرح وهي تتلقى الجائزة من الفائزة السابقة أليكس كونساني. وقالت ياي بخفة ظل: «قيل لي إن مسيرتي لن تتجاوز ستة أشهر... ويبدو أنها كانت ستة أشهر طويلة، أليس كذلك؟»، ثم تحوّلت عباراتها رسالة تمس القلوب: «إلى كل الفتيات السود الصغيرات اللواتي يشاهدنني الآن... لونكن ليس لعنة. أنتنّ أقوى مما تتخيلن». كلمات جعلت القاعة تصمت في لحظة إجلال، قبل أن تنفجر بالتصفيق.

إبداع يربط الموضة بالثقافة

جائزة المبتكر الثقافي كانت من نصيب ليتل سيمز، الفنانة التي تجمع بين الموسيقى والتمثيل، والتي أهدت جائزتها «لنسختها الصغيرة» التي لم تكن لتتخيل هذا اليوم، لكنها «رأته حتى النهاية».

كما شهد الحفل منح جائزتي تقديراً خاصاً في هذا المجال لكل من دلفين أرنو وBFC Fashion Trust متمثلة في تانيا فارس بمناسبة مرور 15 عاماً على تأسيسه.

وحصلت لولو كينيدي ورافاييل مور على تكريم 25 عاماً من Fashion East، بينما ذهبت جائزة «لحظة باندورا الأسلوبية» للعام إلى سام وولف.

أما جائزة «إيزابيلا بلو للإبداع»، فقد مُنحت لكلٍّ من راي كاواكوبو، وأدريان جوفي، وديكون باودن عن Dover Street Market.

تخللت الحفل أنشطة فنية وترفيهية عدة عربوناً على لقاء الموضة والفنون (رويترز)

وهكذا اختُتمت أمسية جمعت بين الأزياء وعروض حية من الموسيقى والباليه، إضافة إلى القصص الإنسانية، وفي الوقت ذاته كرّست مكانة جوائز الموضة بين أكثر الأحداث تأثيراً في روزنامة الموضة العالمية. ليلة كتبت فيها لندن فصلاً جديداً، وكان بطلاها الأساسيان لبنانيةً وآيرلندياً.


أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
TT

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

بين افتتاح المتحف المصري الكبير وفضول عالمي متزايد بسوق الموضة وصعود مصممين من أبناء البلد يطمحون لترك بصمتهم على العالم، يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية. سلاحها، العودة إلى الجذور وإلى حكايات ملهمة إلى جانب توظيف خامات طبيعية محلية.

يبدو واضحاً أن معظم المصممين والمبدعين متمسكون بالجذور رغم تطلعهم للعالمية (خاص)

تحت عنوان «التطور» انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري في احتفال يعكس خطوات واثقة بدأت تحققها صناعة الأزياء منذ إطلاق الحدث لأول مرة في عام 2023. في هذه الدورة برزت رغبة محمومة من قبل المصممين المشاركين في توظيف خامات طبيعية كالقماش والقطن. وطبعاً إحياء حرف يدوية تقليدية في مسار يُعبِد الطريق نحو مستقبل مستدام وهوية تصميم مصرية معاصرة.

فتحت الفعاليات أبوابها للجمهور داخل مبنى كونسوليا وبيت بدير في قلب وسط البلد، بعدما أعادت إحياءهما شركة Coterie الشريك الرئيسي لهذا العام.

من علامة «باز القاهرة» تصاميم مستوحاة من التراث بلغة معاصرة (خاص)

كان هناك حرص على أن تُجرى كل فعاليات الحدث في مكان محدد، حتى لا يضطر الحضور إلى التنقل بين الأماكن في زحمة سير القاهرة، وما يمكن أن يترتب عليه من تأخير وضغوط. ثم إن المكان يتوفر فيه كل شيء، بدءاً من فناء أخضر فيه مقهى إلى طوابق مختلفة يحتضن كل واحد منها فعاليات معينة. الطابق الخامس مثلاً خُصص لأعمال أبرز المصممين المصريين عبر معارض ومنصات تفاعلية وورش عمل، فيما خصصت الطوابق العليا، كمسرح لعروض الأزياء وصالونات للماكياج وتصفيف شعر العارضات.

هناك رغبة في العودة إلى الجذور واستعمال خامات طبيعية مستدامة (خاص)

لكن ما ميز أسبوع هذه الدورة أيضاً، تعدد برامج الحوارات، التي شارك فيها أكثر من 30 شخصية محلية ودولية مؤثرة، من ضمنهم الأرشيدوقة كاميلا فون هابسبورغ-لوتيرينغن والمصممة أمينة غالي من عزة فهمي، و كاميلا فراكاسو ديافيريا من White Milano

والباحثة التراثية شهيرة محرز وشرين رفاعي مؤسسة أسبوع الموضة الأردني.

وشاركت ثمانٍ من أبرز مؤسسات تعليم الموضة في مصر إما بعروض أو معارض تبرز أفكاراً مبتكرة لطلاب يدعمهم برنامج GTEX التابع للمركز الدولي للتجارة ومؤسسة دروسوس بعد عملية انتقاء دقيقة لكل واحد منهم.

كانت القاعات تنبض بالنقاشات حول الاستدامة، الملكية الفكرية، تعليم الحرف والتمويل. وفي ورش العمل، قدّم المصمم الأردني ليث معلوف عروضاً تطبيقية على الأقمشة، بينما شرح مشرفون من مبادرة MSNJ كيف أصبح الصبار خيطاً ناعماً يمكن إدخاله في أزياء صديقة للبيئة.

تقول سوزان ثابت، أحد مؤسسي الأسبوع، إن مصر تزخر بالموارد والمواهب، وتاريخ غني في مجال الموضة لا يعرفه كثيرون ويستحق التعريف به وتسليط الضوء عليه بعد أن طاله غبار الزمن.

المصمم بريهان أبو زيد من علامة «باز» (خاص)

من هذه الفكرة أو الرغبة تبدأ قصة أسبوع الموضة في مصر تحت عنوان «التطور».

كانت التصاميم تشبه دفاتر يوميات مفتوحة ترجم فيها الطلاب رؤية لعالم يريدون أن يكونوا جزءاً منه عن استحقاق.

لكن وراء الألوان والقصات والأضواء وتسريحات الشعر الأنيقة، يقف اقتصاد ضخم. فصناعة النسيج مثلاً من أهم ركائز الاقتصاد المصري، وكذلك القطن المصري الذي يعد علامة فارقة في المنتجات العالمية من ناحية جودته وفخامته. تقول سوزان: «هذا تحديداً ما يرتكز عليه أسبوع الموضة ليعيد صياغة هذه الصناعة، ليس فقط عبر تصدير الخامات، بل عبر خلق علامات مصرية قادرة على المنافسة عالمياً وتحمل مفهوم (صنع في مصر)».


لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
TT

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

وأخيراً أصبح في المنطقة العربية مصنع عطور يُجرى فيه تقطير اللبان محلياً، بعدما كان السفر إلى مدينة غراس الفرنسية الخيار الوحيد. أهمية هذه الخطوة لا تقتصر على بناء صناعة متكاملة من الشجرة إلى العطر فحسب؛ بل تمتد أيضاً إلى خفض البصمة الكربونية، وإفادة المجتمعات المحلية، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. واليوم بات بإمكان صُنَّاع العطور التوجه إلى صلالة، وتحديداً وادي دوكة، لمعاينة هذه النقلة في مجالهم عن قُرب، بعد أن كان المشهد محصوراً في صورة شاعرية لطقوس جمع اللبان وترحاله.

تسمع حكايات وتقرأ في كتب التاريخ الكثير عن منطقة ظفار وعلاقتها بالبخور واللبان. تترسخ في مخيلتك صورة شاعرية عن قوافل تجارية وثقافات متنوعة تمر منها إلى أوروبا وإلى آسيا، محملة بالبضائع النادرة، ولكن ما من وصف يضاهي الواقع.

يتم التعامل مع عملية استخراج اللبان بحذر حتى لا تتأثر الأشجار وتعطي الكثير (أمواج)

كانت الرحلة التي نظمتها دار «أمواج» للعطور بمناسبة افتتاح مصنعها الجديد «عين دوكة» لاستخلاص زيت اللبان، فرصة لاكتشاف هذا العالم عن قرب. أقل ما يمكن قوله عن الرحلة إنها بدأت بفضول وانتهت بانغماس في تاريخ قد يكون ضارباً في القدم، إلا أنه لم يفقد في أي مرحلة بوصلته نحو المستقبل.

ففي وادي دوكة، المدرَج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، تترامى أكبر محمية في العالم لأشجار «بوسويليا ساكرا»، مصدر راتينغ اللبان (إفراز عضوي) الذي شكَّل عبر آلاف السنين ركيزة لثقافات وتجارة وطقوس روحانية لا تُحصى. والآن تريد ظفار تسويقه للعالم بوصفه واحداً من أهم المكونات وأجملها في صناعة العطور، باستخراجه وتقطيره في عقر داره.

بخور المناسبات المهمة

هنا، خلف جبالها وبمحاذاة المنحدرات المنخفضة، وفي بطون الأودية والسهول، تنمو هذه الأشجار المتقشفة التي لا يثير شكلها النظر، إلا أنها بصبرها على مواجهة الرياح والرمال، لا تزال شامخة. جذوعها الخشنة لا تبخل براتينغ مميَّز جعل الإغريق يصفون المنطقة كلها بالبلاد السعيدة «أرابيا فيلكيس».

أنوف مشهورة مثل دومينيك روبيون وباسكال غورين وبيير غيروس وغيرهم انبهروا بطقوس استخراج اللبان (أمواج)

لم تكن الرحلة عادية وتقليدية من ناحية استضافتها وسائل الإعلام وحدها كما جرت العادة. نصف الحضور أو أكثر، كانوا «أنوفاً» عالمية من كبار العطارين، مثل: دومينيك روبيون، وباسكال غورين، وبيير غيروس، وغيرهم. أضفوا على التجربة بُعداً احترافياً. فهذه الأنوف تعوَّدت على أجود أنواع العود والياسمين والنباتات النادرة، ومن الصعب مفاجأتهم بالجديد، ومع ذلك كانوا منبهرين بالمكان وما تبوح لهم به هذه الأشجار من أسرار.

لم تفارق الابتسامة العطار بيير غيروس، فأخذني الحماس لأسأله أن يقارن لي بين هذا المكان وبين مدينة غراس الفرنسية وحقولها التي تعدُّ عاصمة العطور في العالم، فيرد مازحاً: «هناك وُلدت العطور من رحم روائح كريهة كانت تنبعث من دباغة الجلود، أما هنا فالعطر يولد من الأرض نفسها، من هوائها وشجرها ودفئها الصحراوي». هذا الإعجاب لا تلمسه لدى العطارين هنا فحسب؛ بل تلمسه في كل مكان ممزوجاً بفخر، كما تشي حكايات سكان المنطقة عن ارتباطها بالعطر.

بداية الحلم

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد صاحب فكرة تأسيس دار عطور فاخرة تُعرِّف العالم بالثقافة العمانية و«ذهبها الأبيض». كان ذلك في عام 1983 عندما أطلق مشروعاً كان طموحاً لدرجة الحلم: بناء صناعة محلية متكاملة لا تعتمد على الخارج، تبدأ في استخراج زيت اللبان وتنتهي بابتكار عطور تُعرف عالمياً بـ«هدية الملوك» تُصنع من الألف إلى الياء في أرض اللبان.

بعد أربعة عقود تقريباً، يكتمل هذا المشروع، بوضع حجر الأساس لمصنع «عين دوكة». مصنع لاستخلاص زيت اللبان من الراتينغ، وبه يتم إحياء حِرفة شكَّلت عبر العصور جوهر صناعة العطور في عُمان.

وادي دوكة... حكاية مستمرة

ثقافة اللبان ضاربة في التاريخ... ولكن البوصلة موجهة نحو المستقبل والعالم (أمواج)

في هذا الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو» منذ عام 2000، تمتد أكبر محمية لأشجار «بوسويليا ساكرا» في العالم. أشجار منحت عُمان مكانتها بين الحضارات القديمة، ووفرت لإمبراطوريات عظيمة البخور للتطهير والاحتفال. فاللبان لم يكن مجرد بضاعة فواحة؛ بل لغة روحية وثقافية ودبلوماسية وحلقة وصل بين الشرق والغرب. لم يتردد الإغريق مثلاً -شأنهم شأن الرومان وغيرهم من الثقافات القديمة- في دفع أثمان باهظة لقاء الحصول على اللبان العماني تحديداً. فهو يحتوي على نسبة تتجاوز 70 في المائة من المركب العضوي العطري «ألفا بينين»، مما يجعله مختلفاً بفارق عن زيوت اللبان المستخرجة من المواقع الأخرى.

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

هذا التاريخ وُضع في الحسبان عند تصميم المكان؛ حيث يتجلَّى المعمار امتداداً للأرض التي تحتضنه؛ تتماهى ألوانه وتفاصيله مع طبيعة الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، فيبدو من بعيد كصخرة ناعمة. ومع الاقتراب، تظهر هندسته الدائرية المستوحاة من التواصل بين الإنسان والطبيعة، تحتضن في قلبها حديقة لشجر اللبان، رمزاً للاستدامة واستمرارية الحياة.

يُدار المكان بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام؛ إذ تم تحديد مواقع أكثر من خمسة آلاف شجرة لبان، باستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليصبح وادي دوكة أول غابة ذكية في منطقة الخليج. هذه الأشجار تُحصد وفقاً للمعايير الدولية لممارسات الحصاد الأخلاقي والمسؤول، وهو ما أكده اعتماد مؤسسة «فيروايلد» الدولية في أغسطس (آب) الماضي.

رينو سالمون المدير الإبداعي في «أمواج» يشرح تاريخ اللبان وأهميته وطرق استخراجه (أمواج)

يُعلِّق رينو سالمون، المدير الإبداعي في «أمواج»: «كانت رؤيتنا لعين دوكة واضحة منذ البداية. أردناه مكاناً يعكس جمال البساطة وعمق العلاقة بين الأرض والعطر. فالتصميم يبدو وكأنه ينمو من طبيعة المكان ويتناغم معها. ولذا؛ راعينا توفير مساحات مفتوحة لتضفي شعوراً خاصاً وتترك طابعاً يعبر عن شخصية الدار وطبيعة الأرض، وتتيح للحرفة العُمانية أن تكون جزءاً أساسياً من التجربة؛ حيث يرى الزائر كيف يتحوَّل اللبان من مادته الطبيعية إلى عطر بنغمات دافئة ومميَّزة».

ما بدأ بحصاد محلي تحول إلى صناعة عالمية (أمواج)

ما بدأت عطوراً خاصة جداً لتكون هدايا تليق بالملوك، أصبحت اليوم صناعة متكاملة الجوانب. فالدار توسعت، وكلما زاد نجاحها زادت طموحاتها. وللمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت مبيعاتها 100 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025. وعلى مستوى الإبداعات، حافظ عطر «جايدانس» (Guidance) على مكانته بصفته الأكثر مبيعاً، أما مجموعة «إسينسيس» فقد انضمت عطورها الثلاثة إلى قائمة أفضل 15 عطراً مبيعاً لدى «أمواج» خلال الفترة نفسها.