الأزياء تتحول إلى ميدان لتسجيل الأهداف والانتصارات

«الكاب»... يستعيد فخامته التاريخية بانسيابية

أميرة ويلز في فستان من علامة «صافيا» بتصميم لفت لها الأنظار وحقق لها هدفاً في مرمى غريمتها ميغان ماركل (رويترز)
أميرة ويلز في فستان من علامة «صافيا» بتصميم لفت لها الأنظار وحقق لها هدفاً في مرمى غريمتها ميغان ماركل (رويترز)
TT

الأزياء تتحول إلى ميدان لتسجيل الأهداف والانتصارات

أميرة ويلز في فستان من علامة «صافيا» بتصميم لفت لها الأنظار وحقق لها هدفاً في مرمى غريمتها ميغان ماركل (رويترز)
أميرة ويلز في فستان من علامة «صافيا» بتصميم لفت لها الأنظار وحقق لها هدفاً في مرمى غريمتها ميغان ماركل (رويترز)

كم يبدو اليوم شبيهاً بالأمس. تتغير الألوان والخطوط والأشكال، ويبقى الهدف واحداً يتلخص في رغبة محمومة لرسم صورة تصرخ بالتميُّز والتألّق والانتصار. هذا على الأقل فيما يتعلق بأناقة أفراد العائلة المالكة البريطانية؛ فالموضة بالنسبة لهم كانت ولا تزال لغة بليغة بصمتها. كانت الأميرة الراحلة ديانا أكثر مَن أثار الانتباه إلى قوتها كوسيلة للانتقام، عندما ظهرت في عام 1994 بفستان أسود من دار «فرساتشي» بتصميم أنثوي مثير في اليوم الذي كان يُفترض أن يبث فيه التلفزيون لقاء أجراه زوجها، الأمير تشارلز آنذاك، اعترف فيه بخيانتها. بأناقتها وصورتها المفعمة بالأنوثة والجمال شَفَتْ غليل كلّ محبيها، عندما جعلت المقارنة بينها وبين كاميلا، المرأة التي خانها تشارلز معها، مجحفة في حق هذه الأخيرة.

أميرة ويلز لدى وصولها حفل Royal Variety Performance (أ.ف.ب)

كرَّت السنوات، وها هي كاثرين، زوجة ابنها (الأمير ويليام) تحذو حذوها، وتستعمل الموضة وسيلة لإيصال رسالة تحدٍّ. هذه المرة إلى «سلفتها» ميغان دوقة ساسكس. المنافسة بين السلفتين على سرقة الأضواء، ومحاولة كل واحدة تسجيل هدف على حساب الأخرى ليس جديداً؛ فهي تطفو على السطح كل فينة وأخرى، إلا أنها احتدمت في الأسبوع الماضي، بعد نشر كتاب بعنوان «إند غايم» (Endgame) للصحافي والكاتب أوميد سكوبي، الذي يشك معظم البريطانيين في أنه البوق الذي تستعمله ميغان ماركل لتسريب أسرار العائلة المالكة. في كتابه شنَّ سكوبي حملة شرسة ضد كايت ميدلتون.

ولأن الأسرة المالكة مكبلة بقيود البروتوكول وسياسة «لا تُبرِّر أو تُفسِر»، فإن الرد يأتي عادة من خلال الأزياء والمجوهرات. وهكذا تحول الفستان الذي ظهرت به أميرة ويلز إلى مادة ممتعة لقراءة ردها على التُهم والانتقادات الموجهة لها في الكتاب؛ بدءاً من برودها إلى مزاعم أنها تساءلت عن لون بشرة وشعر طفل ميغان ماركل والأمير هاري، قبل أن يرى النور.

في عام 2018 ظهرت ميغان ماركل بفستان من علامة «صافيا» بنفس اللون والتصميم الذي ظهرت به أميرة ويلز مؤخراً

المتعارَف عليه أن اختيار أزياء المشاهير والطبقات الملكية يتم قبل أسابيع، إن لم نقل: أشهر، إلا أن هذا لا يمنع من احتدام التأويلات والتفسيرات حول أسباب اختياره بهذا اللون والتصميم تحديداً، لا سيما أنه سبق لدوقة ساسكس أن ظهرت بفستان مماثل في عام 2018 لدى زيارتها لفيجي رفقة زوجها الأمير هاري. كان بنفس اللون تقريباً والتصميم، ومن نفس علامة «صافيا». هذا التشابه بكل ما يثيره من مقارنات لم يُثن أميرة وايلز عن الظهور به، وكأنها تضمن مسبقاً أنه سيلفت لها الأنظار. والأهم من هذا، سينجح بتصميمه ذي الأكتاف العالية والـ«كاب» الطويل، في توضيح مكانتها المهمة في السلم الملكي... كل هذا من دون أن تنطق بكلمة.

وإذا كان هناك فرق بين الأمس واليوم، فإنه في الأسلوب؛ فبينما اعتمدت الراحلة ديانا على فستان ناعم وأنثوي يُبرز مفاتنها بشكل واضح للانتقام من الأمير تشارلز آنذاك، فإن كاثرين، أميرة ويلز الحالية، اختارت فستاناً لا يعتمد على كشف المفاتن بل بتصميم يرتقي بها إلى مستوى أكثر سمواً، وطبعاً يناسب ثقافة العصر، كما يناسب شخصيتها المتحفظة؛ فالمنافسة هنا ليست مع رجل تُذكِّره بأنوثتها الطاغية، بل مع امرأة تُذكّرها بمكانتها.

أما على مستوى الأناقة والموضة وبعيداً عن الرسائل الملغومة، فإنها ليست المرة الأولى التي تظهر فيها كاثرين، أميرة ويلز بفستان مع «كاب»؛ فقد استحلت هذا التصميم منذ ظهورها بفستان سهرة يقطر ذهباً، على شكل «كاب»، لدى حضورها حفل افتتاح فيلم «جيمس بوند: تايم تو داي فور» في سبتمبر (أيلول) من عام 2021، كان بتوقيع المصممة البريطانية جيني باكام، وسجَّلت من خلاله هدفاً رائعاً رسخ مكانتها كملكة مستقبلية وكفرد تعتمد عليه بريطانيا لربط الماضي بالمستقبل.

إطلالة متألقة تراعي البروتوكول ظهرت بها أميرة ويلز لدى استقبالها رئيس كوريا الجنوبية وزوجته (رويترز)

منذ أسبوعين تقريباً، ظهرت بـ«كاب» وقبعة باللون الأحمر عند استقبالها يون سوك، رئيس كوريا الجنوبية، وزوجته كيم كيون هي. هنا أيضاً كان مظهرها ملكياً بكل المقاييس؛ فالمناسبة كانت تستدعي التميز، والكل يعرف أنه ليس هناك مَن يتقن فن البروتوكول أكثر من بريطانيا عند استقبالها للملوك ورؤساء الدول.

ارتدت الـ«كاب» الأحمر فوق فستان باللون ذاته كان مزيجاً بين تقاليد الماضي وأناقة الحاضر، كما كان لفتة دبلوماسية وذكية للضيفين. فاللون الأحمر ليس فقط لون أعياد الميلاد التي على الأبواب، بل هو أيضاً من رموز علم كوريا الجنوبية إلى جانب الأزرق الذي اختارته كاميلا زوجة الملك تشارلز الثالث في المناسبة ذاتها. ربما كان الأمر صدفة، وربما كان عملية منسَّقة بينهما ليُكمِلا بعضهما، إلا أنهما في الحالتين أكدتا أن البروتوكول البريطاني لا يترك أي شيء للصدف. بينما جاء مظهر كاميلا هادئاً ورزيناً يعكس عمرها، جاء مظهر كايت ديناميكياً يضج بالحيوية وبعض الشقاوة أيضاً.

ماكسيما ملكة هولندا في فستان بـ«كاب» من تصميم «إيريس فان هيربين» (أ.ف.ب)

بيد أنه لا بد من التنويه أن الـ«كاب» ليس حكراً على عائلة ويندسور البريطانية؛ فقد ظهر في عدة مناسبات ملكية أوروبية مؤخراً. منذ أسبوع فقط، افتتحت ملكة هولندا، ماكسيما، معرضاً فنياً في متحف الفنون التزيينية بباريس، أقامته دار «إيريس فان هيربن» Iris Van Herpen للأزياء الراقية برفقة بريجيت ماكرون، وهي ترتدي فستاناً مبتكراً يحمل كل بصمات فان هيربن الفنية نسَّقته مع «كاب» من الحرير الشفاف. غني عن القول إنه أبرز أناقتها وأسلوبها الخاص؛ فما لا يعرفه البعض عن ملكة هولندا أنها تتمتع بأسلوب جريء يواكب صرعات الموضة التي تُروضها دائما لتناسب أسلوب ملكة. المتتبع لها في السنوات الأخيرة لا بد أن يلاحظ أنها من أكثر المدمنات على الـ«كاب»، فقد ظهرت به في عدة مناسبات رسمية وغير رسمية على حد سواء. تتغير ألوانه وخاماته وتطريزاته ولا تتغير فخامته. ليتزيا ملكة إسبانيا وماتيلد ملكة بلجيكا وشارلين أميرة موناكو أيضا تألقن به. حتى كاميلا، ملكة بريطانيا، ظهرت به خلال زيارتها الرسمية إلى قصر الإليزيه بباريس رفقة زوجها منذ بضعة أشهر. ولن نبالغ عندما نقول إنه كان من أكثر إطلالاتها توفيقاً وتألقاً لحد الآن. كان رحيماً بعُمرها ومقاييس جسدها، فضلاً عن أنه منحها إطلالة في غاية الفخامة بلونه الأزرق الغامق وتطريزاته الخفيفة التي نُفذت في ورشات دار «ديور».

عندما قدمت دار «فالنتينو» الكاب في تشكيلتها لربيع وصيف 2020 بكت المغنية سيلين ديون تأثراً بجمالها (فالنتينو)

هذا الظهور المكثف للـ«كاب» في الآونة الأخيرة ليس له سوى تفسير واحد، وهو أنه قطعة العام بلا منازع، لا سيما أن المصممين باتوا يتفننون فيه ويطرحونه بتصاميم في غاية الأناقة والحداثة، وليس أدل على هذا من تصاميم دار «بيربري» البريطانية التي تطرحه للأيام العادية بشكل أنيق وعملي، ودار «فالنتينو» التي تطرحه بدرامية انتزعت الدموع من عيون المغنية سيلين ديون وهي تتابعها في يناير (كانون الثاني) من عام 2019، وإيلي صعب الذي صاغه بمهارة مستشرق عاشق للأساطير ومواكب لتطورات العصر. كان النجم في تشكيلته لخريف وشتاء 2023 - 2024، وقال إيلي إنه استوحاه من قصص الأساطير ومشاهد سينمائية أثرت مخيلته. لكنه يعود ليُصحح أن المجموعة قد «تكون مستوحاة من العصور الوسطى لكنها راسخة في الحاضر»؛ فرغم أن كل إطلالة في العرض كانت تستحضر صوراً لشخصيات من التاريخ أو من قصص الأساطير، فإنها لا تفتقد الحداثة والتفاصيل المثيرة، سواء تم تجسيدها في إطلالة مستوحاة من صورة كايت بلانشيت في فيلم «Elizabeth» أو من أنجلينا جولي في «Maleficent» أو من إطلالة صوفي مارسو في «Braveheart» وماريون كوتيار في «ماكبث» وهلم جرّا.

لم يبخل إيلي صعب على الـ«كابات» التي طرحها بالتطريز والتفاصيل الغنية (إيلي صعب)

فـ«الكاب» بنظر إيلي صعب ورقة رابحة تُضفي على أي قطعة مهما كانت بساطتها كثيراً من الفخامة والتميُّز. خضع على يد كل المصممين الذين اقترحوه في تشكيلاتهم الأخيرة لعملية تفكيك صارمة جعلته أكثر انسيابية وخفة مراعاة لمتطلبات العصر وحاجة امرأة اليوم لقطعة مرنة ومطواعة؛ فمما يذكره التاريخ أنها عندما انتبهت أول مرة إلى جماليات الـ«كاب» في بداية القرن العشرين، لم تتوانَ عن سرقته من خزانة الرجل بمساعدة مصممين، نذكر منهم بول بواريه، قدموه لها بحجم كبير ودرامي يليق بحفلات الأوبرا والحفلات التنكرية التي كانت رائجة في أوساط الطبقات الراقية والفنية آنذاك. تغير الزمن ومعه ظروف المرأة، الأمر الذي استدعى التخفيف من حجمه وزخرفاته ليدخل المناسبات النهارية من أوسع الأبواب. دار «بيربري» مثلاً تطرحه بديلاً للمعطف كذلك بيوت أزياء أخرى مثل «كارولينا هيريرا» و«ماكسمارا» وغيرها. أما لمناسبات السهرة والمساء، فحدث ولا حرج.


مقالات ذات صلة

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.