بورسعيد... أوروبا مصغرة في مصر

مدينة تجمع ما بين التراث والحياة العصرية

بورسعيد مدينة تنبض بالحياة (تصوير محمد كمال)
بورسعيد مدينة تنبض بالحياة (تصوير محمد كمال)
TT

بورسعيد... أوروبا مصغرة في مصر

بورسعيد مدينة تنبض بالحياة (تصوير محمد كمال)
بورسعيد مدينة تنبض بالحياة (تصوير محمد كمال)

يتجاور التاريخ والتراث جنباً إلى جنب مع الحداثة والثقافة والمأكولات البحرية وتنوع وصخب الحياة العصرية في هذه المدينة التي تأتي ضمن قائمة أفضل وجهات السياحة المصرية.

بورسعيد، المدينة الساحلية الواقعة شمال شرقي مصر، هي «كنز دفين» من الأسرار المثيرة، ووجهة مفضّلة للمسافرين الباحثين عن الاسترخاء والتسوق ومطاعم المأكولات البحرية؛ فضلاً عن الحِرف اليدوية المحلية، لذلك فهي من المدن المُفضلة لدى عديد من الزوار من مختلف أنحاء مصر ومن خارجها.

طراز معماري مميز (تصوير محمد كمال)

يرتبط اسمها بالخديو سعيد، ويتعلق تاريخها ببدء حفر قناة السويس؛ فاسم بورسعيد هو اسم مركب من كلمة «بورت (PORT)» ومعناها «ميناء»، وكلمة «سعيد» نسبة إلى والي مصر الخديو سعيد، الذي بدأ العمل على إنشائها في 25 أبريل (نيسان) 1859، عندما أعلن فرديناند ديلسبس بدء حفر قناة السويس.

جبال الملح ببورسعيد (تصوير محمد ورداني)

السير في شوارع بعض المدن هو في حد ذاته متعة حقيقية، وتجربة قد لا ينساها الزائر لها، وبورسعيد واحدة من هذه المدن؛ فحين تتجول في شوارعها يبهرك تراثها المعماري الذي يغلب عليه الطابع الأوروبي المُطعم بالروح المصرية؛ إذ تشتهر بثروتها من التراث العمراني، وتنوع مبانيها ذات الطرز المميزة، ويكفي أن تزور «الحي الإفرنجي»، الذي أطلق عليه هذا الاسم؛ لأن معظم سكانه كانوا أجانب، تنوعت جنسياتهم ما بين إنجليز وفرنسيين وإيطاليين ويونانيين، حتى تستشعر خصوصية الهوية المعمارية للمدينة.

روعة تصميم السلالم والجدران الداخلية المصنوعة من الأخشاب (تصوير محمد كمال)

ستشعر كما لو أن بيوتها العتيقة تحتضنك وتدعوك أن تتزود بنفحات من التراث والأصالة والدفء الإنساني، فضلاً عن امتزاج الثقافات، خصوصاً البيوت الخشب التي قد لا يوجد مثيل لها في مصر... وستقف طويلاً تتأمل البلكونات المصنوعة من الخشب، التي تشبه العلب الخشبية، وسيجذبك منظر «الأركيز»، أو البواكي العربي و«البلكونيز» المطلة على الأروقة، والمباني التي تميزها الأعمدة العريضة المبنية من الطوب والأسقف الخشبية التي تحافظ على التهوية والرطوبة بداخلها، وإذا رافقك أحد السكان داخل إحدى البنايات السكنية فستنبهر بروعة تصميم السلالم والجدران الداخلية المصنوعة بالكامل من الأخشاب، الذي يمثل جزءاً أساسياً من الذاكرة البصرية للمدينة.

«فنار بورسعيد» واحد من أهم المعالم السياحية والأثرية في المدينة، وهو أيضاً نموذج فريد لتطور عمارة القرن التاسع عشر، إذا أردت معرفة المزيد عنه عليك عدم مغادرة «الحي الإفرنجي» قبل زيارته، وستقف في هذه اللحظة أمام أول منارة بنيت بالخرسانة المسلحة في العالم، في الحي نفسه سيبهرك أيضاً التصميم المعماري لـ«فيلا أوجيني» أو كما يُعرف بمبنى القنصلية الفرنسية، تأمل البلاطات الخزفية التي تعلو مدخلها، واستمتع بروعة الزخارف النباتية التي تجسد «زهرة القرنفل»، لكن ليس ذلك فقط ما يميز الفيلا، إنما الحكايات المرتبطة بقاطنيها أيضاً، والتي سيرويها لك أهل المدينة والمرشدون السياحيون، ومنها حكاية «راهبات الخير» في أثناء عدوان 1956، كما ستستمع إلى حكاية زيارة الإمبراطورة أوجيني للقنصلية في أثناء حضورها حفل افتتاح القناة ببورسعيد.

شاطيء بورسعيد (الموقع الرسمي للمحافظة )

لا تتوقف الخصوصية في بورسعيد عند هذا الحد، ذلك أن المدينة تُعد ملتقى حقيقياً لثنائية المكان والتاريخ معاً؛ فهي تزخر بمبانٍ ومعالم تروي كثيراً من صفحات الماضي، والتراث الأصيل؛ وهو ما يلمسه السائح عند زيارتها، وفي السياق ذاته أنصحك بزيارة أماكن عدة فيها، مثل «البيت الإيطالي» الذي سيكشف لك جانباً من أسرار الحرب العالمية الثانية في مصر، وكذلك مبنى «فيلا ديليسبس» المبنية على الطراز الفرنسي، التي تشبه في تصميمها الكنائس الأوروبية، بطراز معماري يكاد يكون قد اختفى من معظم دول العالم ولا يوجد في وقتنا الحالي سوى في فرنسا وبورسعيد فقط، أضف إلى ذلك فيلا «هيئة قناة السويس»، و«بيت أفتيم»، وغير ذلك.

«المسجد العباسي» هو مزار آخر لا يمكن أن يفوتك في هذه الرحلة؛ فهو أيقونة الآثار الإسلامية والعمارة الدينية بالمحافظة. يتمتع بطراز معماري مميز، يقع في «حي العرب»، ذلك المكان الذي حفظ ذاكرة بورسعيد ونضال شعبها.

جبال الملح ببورسعيد (تصوير محمد ورداني)

«مراقبة وتصوير الطيور»، واحد من أهم النشاطات التي يمكنك ممارستها في «بورسعيد» التي تحوّلت خلال السنوات القليلة الماضية إلى وجهة لمحبي هذا النشاط؛ حيث يمكن للسائح الاستمتاع بمنظر الطيور المختلفة وهي تزين المدينة، لا سيما في شواطئها الممتدة، وكأنها تشارك سكانها الترحيب بالزائرين، ومن أشهرها الفلامنغو، والبجع والطيور الخواضات، والبلشونات، والزرزور، والسمان، والنوارس، واللقالق وغيرها.

لذلك دشّنت المدينة مهرجاناً سنوياً دولياً لذلك، يقول محمد أبو الدهب، نائب مدير مكتب هيئة تنشيط السياحة ببورسعيد لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحت مراقبة الطيور واحداً من أهم أنواع السياحة في العالم، ولذلك اتجهت المدينة إلى استهداف هذا النمط السياحي؛ ذلك أنها تتمتع بـ3 محطات رئيسية لاستقبال الطيور المهاجرة، وهي بحيرة المنزلة، ومحمية أشتوم الجميل، إضافة إلى بحيرة الملاحات شرق بورسعيد».

مراقبة وتصوير الطيور من النشاطات الترفيهية التي يمكن ممارستها في المدينة (هيئة تنشيط السياحة)

وتعد بورسعيد عاصمة «الإسكيت» في مصر بحسب أبو الدهب؛ لذلك هي أيضاً مقصد مثالي لمحبي هذه الرياضة، وستكون سعيد الحظ لو سافرت إليها في أثناء إقامة «رالي الإسكيت الحر» الذي تنظمه المدينة سنوياً في «طرح البحر»، ذلك الشارع الحيوي المتمتع بإطلالة رائعة على المعالم السياحية، ويتم تخصيصه بالكامل للرالي، ليضم مختلف أنواع الإسكيت مثل «الإسكيت بورد» و«اللونغ بورد» و«البيني»، إضافةً إلى «الرول إسكيت».

من أكثر النشاطات الترفيهية التي يمكنك ممارستها كذلك عند زيارة بورسعيد التزحلق على جبال الملاحات ببور فؤاد، التي من السهل الوصول إليها عبر ركوب المعدية المجانية عبر قناة السويس، هناك ستقضي لحظات من المرح والبهجة وأنت تحاكي مشاهد الثلوج والأجواء الشتوية الأوروبية بأقل تكلفة؛ فجبال الملح بلونها الأبيض الناصع هناك تستدعي من الذاكرة الجبال التي تكسوها الثلج في أوروبا، لكنها تمنحك الهدوء بعد سحب الطاقة السلبية من جسدك، وفق محمد ورداني وهو أحد المصورين الشباب الذي كان سبباً في الترويج السياحي للجبال؛ بعد التقاط صور مبهجة عدة لها.

بورسعيد عاصمة الإسكيت في مصر (هيئة تنشيط السياحة بالمحافظة)

على الكورنيش حتماً ستصلك نغمات «غني يا سمسمية» وغيرها من الأغاني المرتبطة بهذه الآلة المصرية الموسيقية المقبلة من عمق التراث المصري، ولن تستطيع بسهولة مقاومة بهجة البائعين وهم يرقصون على نغمات السمسمية؛ فستجد نفسك تشاركهم الرقص، بينما تصل إليك بسلاسة رائحة البحر التي تفوح من الأسماك المعروضة داخل السوق، التي تأتي من البحر في الساعات الأولى من نهار كل يوم، لتدفعك إلى التوجه إلى أحد مطاعم الأسماك التي تشتهر بها بورسعيد؛ لتتذوق أكلات البكلويز أو المدفونة، وستندهش لتعدد طرق طهي الجمبري ما بين الكفتة والكبيبة والبيترفلاي، أما السيبيا فتستطيع تناولها محشية وطاجن ومقلية أيضاً، وإذا أردت أن تتناول حلوى محلية بعد الاستمتاع بالأكلات البحرية اسأل عن السمنية والمنجأونة والتمرية.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.