يتجاور التاريخ والتراث جنباً إلى جنب مع الحداثة والثقافة والمأكولات البحرية وتنوع وصخب الحياة العصرية في هذه المدينة التي تأتي ضمن قائمة أفضل وجهات السياحة المصرية.
بورسعيد، المدينة الساحلية الواقعة شمال شرقي مصر، هي «كنز دفين» من الأسرار المثيرة، ووجهة مفضّلة للمسافرين الباحثين عن الاسترخاء والتسوق ومطاعم المأكولات البحرية؛ فضلاً عن الحِرف اليدوية المحلية، لذلك فهي من المدن المُفضلة لدى عديد من الزوار من مختلف أنحاء مصر ومن خارجها.
يرتبط اسمها بالخديو سعيد، ويتعلق تاريخها ببدء حفر قناة السويس؛ فاسم بورسعيد هو اسم مركب من كلمة «بورت (PORT)» ومعناها «ميناء»، وكلمة «سعيد» نسبة إلى والي مصر الخديو سعيد، الذي بدأ العمل على إنشائها في 25 أبريل (نيسان) 1859، عندما أعلن فرديناند ديلسبس بدء حفر قناة السويس.
السير في شوارع بعض المدن هو في حد ذاته متعة حقيقية، وتجربة قد لا ينساها الزائر لها، وبورسعيد واحدة من هذه المدن؛ فحين تتجول في شوارعها يبهرك تراثها المعماري الذي يغلب عليه الطابع الأوروبي المُطعم بالروح المصرية؛ إذ تشتهر بثروتها من التراث العمراني، وتنوع مبانيها ذات الطرز المميزة، ويكفي أن تزور «الحي الإفرنجي»، الذي أطلق عليه هذا الاسم؛ لأن معظم سكانه كانوا أجانب، تنوعت جنسياتهم ما بين إنجليز وفرنسيين وإيطاليين ويونانيين، حتى تستشعر خصوصية الهوية المعمارية للمدينة.
ستشعر كما لو أن بيوتها العتيقة تحتضنك وتدعوك أن تتزود بنفحات من التراث والأصالة والدفء الإنساني، فضلاً عن امتزاج الثقافات، خصوصاً البيوت الخشب التي قد لا يوجد مثيل لها في مصر... وستقف طويلاً تتأمل البلكونات المصنوعة من الخشب، التي تشبه العلب الخشبية، وسيجذبك منظر «الأركيز»، أو البواكي العربي و«البلكونيز» المطلة على الأروقة، والمباني التي تميزها الأعمدة العريضة المبنية من الطوب والأسقف الخشبية التي تحافظ على التهوية والرطوبة بداخلها، وإذا رافقك أحد السكان داخل إحدى البنايات السكنية فستنبهر بروعة تصميم السلالم والجدران الداخلية المصنوعة بالكامل من الأخشاب، الذي يمثل جزءاً أساسياً من الذاكرة البصرية للمدينة.
«فنار بورسعيد» واحد من أهم المعالم السياحية والأثرية في المدينة، وهو أيضاً نموذج فريد لتطور عمارة القرن التاسع عشر، إذا أردت معرفة المزيد عنه عليك عدم مغادرة «الحي الإفرنجي» قبل زيارته، وستقف في هذه اللحظة أمام أول منارة بنيت بالخرسانة المسلحة في العالم، في الحي نفسه سيبهرك أيضاً التصميم المعماري لـ«فيلا أوجيني» أو كما يُعرف بمبنى القنصلية الفرنسية، تأمل البلاطات الخزفية التي تعلو مدخلها، واستمتع بروعة الزخارف النباتية التي تجسد «زهرة القرنفل»، لكن ليس ذلك فقط ما يميز الفيلا، إنما الحكايات المرتبطة بقاطنيها أيضاً، والتي سيرويها لك أهل المدينة والمرشدون السياحيون، ومنها حكاية «راهبات الخير» في أثناء عدوان 1956، كما ستستمع إلى حكاية زيارة الإمبراطورة أوجيني للقنصلية في أثناء حضورها حفل افتتاح القناة ببورسعيد.
لا تتوقف الخصوصية في بورسعيد عند هذا الحد، ذلك أن المدينة تُعد ملتقى حقيقياً لثنائية المكان والتاريخ معاً؛ فهي تزخر بمبانٍ ومعالم تروي كثيراً من صفحات الماضي، والتراث الأصيل؛ وهو ما يلمسه السائح عند زيارتها، وفي السياق ذاته أنصحك بزيارة أماكن عدة فيها، مثل «البيت الإيطالي» الذي سيكشف لك جانباً من أسرار الحرب العالمية الثانية في مصر، وكذلك مبنى «فيلا ديليسبس» المبنية على الطراز الفرنسي، التي تشبه في تصميمها الكنائس الأوروبية، بطراز معماري يكاد يكون قد اختفى من معظم دول العالم ولا يوجد في وقتنا الحالي سوى في فرنسا وبورسعيد فقط، أضف إلى ذلك فيلا «هيئة قناة السويس»، و«بيت أفتيم»، وغير ذلك.
«المسجد العباسي» هو مزار آخر لا يمكن أن يفوتك في هذه الرحلة؛ فهو أيقونة الآثار الإسلامية والعمارة الدينية بالمحافظة. يتمتع بطراز معماري مميز، يقع في «حي العرب»، ذلك المكان الذي حفظ ذاكرة بورسعيد ونضال شعبها.
«مراقبة وتصوير الطيور»، واحد من أهم النشاطات التي يمكنك ممارستها في «بورسعيد» التي تحوّلت خلال السنوات القليلة الماضية إلى وجهة لمحبي هذا النشاط؛ حيث يمكن للسائح الاستمتاع بمنظر الطيور المختلفة وهي تزين المدينة، لا سيما في شواطئها الممتدة، وكأنها تشارك سكانها الترحيب بالزائرين، ومن أشهرها الفلامنغو، والبجع والطيور الخواضات، والبلشونات، والزرزور، والسمان، والنوارس، واللقالق وغيرها.
لذلك دشّنت المدينة مهرجاناً سنوياً دولياً لذلك، يقول محمد أبو الدهب، نائب مدير مكتب هيئة تنشيط السياحة ببورسعيد لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحت مراقبة الطيور واحداً من أهم أنواع السياحة في العالم، ولذلك اتجهت المدينة إلى استهداف هذا النمط السياحي؛ ذلك أنها تتمتع بـ3 محطات رئيسية لاستقبال الطيور المهاجرة، وهي بحيرة المنزلة، ومحمية أشتوم الجميل، إضافة إلى بحيرة الملاحات شرق بورسعيد».
وتعد بورسعيد عاصمة «الإسكيت» في مصر بحسب أبو الدهب؛ لذلك هي أيضاً مقصد مثالي لمحبي هذه الرياضة، وستكون سعيد الحظ لو سافرت إليها في أثناء إقامة «رالي الإسكيت الحر» الذي تنظمه المدينة سنوياً في «طرح البحر»، ذلك الشارع الحيوي المتمتع بإطلالة رائعة على المعالم السياحية، ويتم تخصيصه بالكامل للرالي، ليضم مختلف أنواع الإسكيت مثل «الإسكيت بورد» و«اللونغ بورد» و«البيني»، إضافةً إلى «الرول إسكيت».
من أكثر النشاطات الترفيهية التي يمكنك ممارستها كذلك عند زيارة بورسعيد التزحلق على جبال الملاحات ببور فؤاد، التي من السهل الوصول إليها عبر ركوب المعدية المجانية عبر قناة السويس، هناك ستقضي لحظات من المرح والبهجة وأنت تحاكي مشاهد الثلوج والأجواء الشتوية الأوروبية بأقل تكلفة؛ فجبال الملح بلونها الأبيض الناصع هناك تستدعي من الذاكرة الجبال التي تكسوها الثلج في أوروبا، لكنها تمنحك الهدوء بعد سحب الطاقة السلبية من جسدك، وفق محمد ورداني وهو أحد المصورين الشباب الذي كان سبباً في الترويج السياحي للجبال؛ بعد التقاط صور مبهجة عدة لها.
على الكورنيش حتماً ستصلك نغمات «غني يا سمسمية» وغيرها من الأغاني المرتبطة بهذه الآلة المصرية الموسيقية المقبلة من عمق التراث المصري، ولن تستطيع بسهولة مقاومة بهجة البائعين وهم يرقصون على نغمات السمسمية؛ فستجد نفسك تشاركهم الرقص، بينما تصل إليك بسلاسة رائحة البحر التي تفوح من الأسماك المعروضة داخل السوق، التي تأتي من البحر في الساعات الأولى من نهار كل يوم، لتدفعك إلى التوجه إلى أحد مطاعم الأسماك التي تشتهر بها بورسعيد؛ لتتذوق أكلات البكلويز أو المدفونة، وستندهش لتعدد طرق طهي الجمبري ما بين الكفتة والكبيبة والبيترفلاي، أما السيبيا فتستطيع تناولها محشية وطاجن ومقلية أيضاً، وإذا أردت أن تتناول حلوى محلية بعد الاستمتاع بالأكلات البحرية اسأل عن السمنية والمنجأونة والتمرية.